إرهاب أم مقاومة.. لماذا تغيرت نظرة الإعلام المصري لحماس؟

مصطفى عبد الغني
2021 / 6 / 30 - 09:06     


تحوَّلَ الإعلام المصري التابع للنظام الحالي بين ليلة وضحاها من وصف حركة حماس بـ “حركة إرهابية” ساعدت على العمليات التخريبية في مصر منذ ثورة يناير 2011 إلى حركة “مقاومة” تستخدم صواريخ المقاومة الفلسطينية في وجه الاحتلال الصهيوني الغاشم، مع إعلان التلفزيون الرسمي عن بث حلقات من برنامج “صباح الخير يا مصر” من داخل قطاع غزة. كان التغيير الأخير خطوة مفاجئة لمؤيدي النظام ومعارضيه، خاصة أن الإعلام الذي يسيطر عليه النظام كان لا يزال حتى وقت قريب يعتبر حركة حماس “حركة إرهابية”، ولكن يمكن فهم هذا التحول من خلال محاولة تحليل تحالفات النظام اﻹقليمية في السنوات الأخيرة وإلقاء الضوء على الدور الذي يلعبه النظام المصري ومحاولة تحقيق مكاسب على حساب القضية الفلسطينية منذ توقيع السادات اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني.

الإمارات
أعلنت الإمارات، في أغسطس الماضي، توقيع اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني لتصبح ثالث دولة عربية لديها اتفاق سلام مع الكيان بعد مصر والأردن وأول دولة خليجية تتخذ تلك الخطوة. تلا الاتفاق إعلان علاقات اقتصادية وتعاون مشترك في عدد من المجالات كانت موجودة بالفعل قبل توقيع الاتفاق. وُصِفَ الاتفاق من قبل الإدارة الأمريكية على أنه تحول مهم في ميزان القوى الإقليمية في الشرق الأوسط خاصة في ظل الإعلان عن صفقة القرن، الصفقة التي أطلقها ترامب رهانًا منه ومن مؤيديه أنها ستؤدي إلى نهاية القضية الفلسطينية وضمان السلام بشكل دائم للكيان الصهيوني. في نفس الوقت دعم النظام المصري الاتفاق في خطوة لم تكن مفاجأة على الإطلاق، فالنظام الحالي اعتمد بشكل أساسي على الدعم الاقتصادي الإماراتي والسعودي منذ انقلاب 2013 من أجل ترسيخ قواعده وإحكام قبضته على الدولة.

تراجَعَ الدور المصري الإقليمي التقليدي لصالح التوجه الجديد بقيادة الإمارات، ولكن جاءت الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة لتثبت للجميع أن القضية الفلسطينية باقية ومستمرة حتى نفس آخر فلسطيني. وضعت الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة التوجه الإماراتي في مأزق لم يسمح لها بممارسة أي دور في محاولات الوساطة الأخيرة لمحاولات وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الصهيوني. اختارت الإمارات وسياستها التطبيعية الفجة الانحياز إلى طرف الاحتلال، ولم يكن ممكنًا أن يكون لها أي مكان على طاولة المفاوضات.

مصر
يعتمد النظام المصري، منذ توقيع السادات اتفاقية السلام، سياسة اللعب على كل الأطراف. يتعاون النظام المصري اقتصاديًا وحتى عسكريًا مع الكيان الصهيوني، مع رفض للتطبيع الشعبي، والحفاظ على علاقات مع الفصائل الفلسطينية تسمح للنظام المصري بلعب دور الوساطة في حالة تأجج الصراع على أرض فلسطين مثلما حدث مؤخرًا.

قدم مبارك على مدى عقود النظام المصري على أنه الوسيط الأمثل للقوى الدولية لأي محاولات للوساطة بين المقاومة الفلسطينية وحكومات الاحتلال. ويرتبط النظام المصري بالاحتلال الصهيوني باتفاقية سلام وتعاون سياسي واقتصادي يسمح له بالتفاوض مع الاحتلال الصهيوني، وفي نفس الوقت بحكم الامتداد الجغرافي والعلاقات التاريخية لديه قنوات اتصال مع المقاومة الفلسطينية وباقي الفصائل.

تغير موقف مصر الرسمي من المقاومة الفلسطينية وبالتحديد حركة حماس بعد انقلاب 2013، وحرب النظام على جماعة الإخوان المسلمين. ووصل توتر العلاقات بين مصر وحماس والتصعيد الإعلامي ضد الحركة إلى حد تصنيف الحركة من خلال حكم قضائي مصري، في 2015، على أنها “منظمة إرهابية” وسبقها عدة قضايا اتهمت قيادات الإخوان المسلمين وعلى رأسهم مرسي بـ”التخابر مع حماس”، مع اتهام النظام المصري لحركة حماس بتقديم دعم قوي للحركات الجهادية في سيناء. كان الحكم الذي أصدرته محكمة القاهرة للأمور المستعجلة امتدادًا لسلسلة طويلة من التصعيدات التي شنها النظام المصري ضد حركة المقاومة الفلسطينية شملت تدمير مئات الأنفاق على الحدود المصرية المستخدمة في تهريب المواد الغذائية والبضائع والوقود للقطاع المحاصر.

لكن لاحقًا في 2015، بدأ الموقف المصري من حماس بالتغير عندما طعنت الحكومة المصرية نفسها على حكم تصنيف الحركة كـ”منظمة إرهابية” وتم إلغاءه. شهدت العلاقات تقاربًا، في 2016، بالتزامن مع تعديل حركة حماس ميثاقها التاريخي وحذف أي إشارة لجماعة الإخوان المسلمين، وفي 2017 دخل الطرفان في تحالف لمحاربة تنظيم ولاية سيناء. ومن ثم عاد النظام المصري إلى محاولة لعب دور الوسيط لمحاولات وقف إطلاق النار خلال حرب غزة في 2018، وحاول الحفاظ على علاقات مع الفصائل الفلسطينية تسمح له بلعب هذا الدور التقليدي.

الإعلام المصري
الإعلام المصري مُوجَّه وتسيطر الشركات التابعة للنظام عليه بالكامل. تسيطر شركة المتحدة وإعلام المصريين التابعة لها على أشهر الجرائد والقنوات الإعلامية مثل DMC و ON والحياة وجريدة اليوم السابع على سبيل المثال. وقد جاء التحول الأخير في وصف حماس حركة مقاومة بدلًا من وصفها جماعة إرهابية امتدادًا لسياسة النظام الحالي في محاولة العودة والحفاظ على دور النظام المصري التقليدي كوسيط بين فصائل المقاومة ودولة الاحتلال الصهيوني.

كان اتفاق السلام الإماراتي الصهيوني، الذي رحب به النظام التابع للتحالف الذي تقوده الإمارات في عدد من الملفات الإقليمية، بمثابة تراجع للدور المصري لصالح الدور الإماراتي الجديد في المنطقة. حاول النظام الاستفادة من الحرب الأخيرة في مايو الماضي للرجوع إلى صدارة المشهد من جديد، خاصة في ظل وجود بدائل لدوره كوسيط على الساحة اﻹقليمية مثل الأردن الذي تربطه بالكيان الصهيوني اتفاقية سلام أيضًا، وقطر التي تربطها علاقات جيدة مع المقاومة الفلسطينية والتي استضافت، في سبتمبر من العام الماضي، اجتماعات لقادة الفصائل الفلسطينية لتحريك المياه الراكدة في ملف المصالحة الوطنية بين الفصائل المختلفة.

حاول النظام الاستفادة من الصراع الأخير في تقديم أوراق اعتماده للإدارة الأمريكية الأخيرة بقيادة بايدن التي يحاول النظام استمالتها من أجل دعم موقف مصر في قضية سد النهضة وتخفيف حدة الانتقادات الأمريكية الموجهة لمصر فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، خاصة في ظل تجاهل بايدن للتواصل مع السيسي منذ فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.

يسعى النظام الحالي للمحافظة على مصالحه فقط والمتاجرة بالقضية الفلسطينية من أجل كسب تأييد دولي يساعده على مواجهة القضايا الإقليمية المختلفة وتأييد شعبي داخلي، مع عدم السماح بأي فعاليات شعبية، لمواجهة السخط الشعبي المتصاعد على سياساته القمعية والاقتصادية. النظام الحالي، الذي صادر التضامن مع القضية الفلسطينية وحوَّله إلي تضامن شكلي من جانب النظام فقط، ومنع أي مظاهر للتضامن الشعبي، يكتفي بالاستعراض الإعلامي عن طريق الإعلان عن فتح معبر رفح الذي يعاني الفلسطينيون الأمرين للعبور من خلاله نتيجة التضييق الأمني للسلطات المصرية، والإعلان عن تحريك عربات إسعاف أثناء قصف غزة الأخير نقلت عددًا هزيلًا جدًا من المصابين.

لا يقدم النظام أي دعم حقيقي للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية والمقاومة، بل على العكس يحافظ النظام المصري حتى الآن على علاقات اقتصادية مع الكيان الصهيوني واتفاقيات تبادل الغاز خير دليل، ولا يزال يساعد قوات الاحتلال الصهيوني على محاصرة قطاع غزة وتجويع الشعب الفلسطيني من أجل احتواء المقاومة الفلسطينية في حدود لا تمكِّنها من زعزعة الأوضاع القائمة.