أية مهام عاجلة لليسار المغربي اليوم


جمال براجع
2021 / 6 / 29 - 19:01     



إن الحديث عن المهام الآنية أو العاجلة لليسار بالمغرب الآن يفرض تحديد ماذا نقصد بهذا اليسار وتشخيص واقعه وتناقضاته في ارتباط بتحليل وتشخيص الصراع الطبقي الدائر في بلادنا.
ماذا نقصد باليسار المغربي اليوم وما هي ابرز ملامح واقعه
حدثت تحولات عميقة في اليسار المغربي خلال سيرورته التاريخية أفرزت خريطته الحالية بعناصرها المنظمة وغير المنظمة بعد اندماج مكونين تاريخيين من مكوناته في بنية النظام المخزني وهما حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية.وعليه فان هذا اليسار أصبح يتكون من قسمين هما:
-اليسار الديمقراطي الممثل في أحزاب فيدرالية اليسار أو ما يسمى باليسار الإصلاحي والذي يتبنى إستراتيجية النضال الديمقراطي التي تركز على إصلاح النظام من خلال التواجد داخل مؤسساته عبر الانتخابات مما يجعل افقها لا يتجاوز الديمقراطية الليبرالية أنسنة النظام الرأسمالي من داخل بنيته.وهو الخط السياسي الذي تتبناه جميع الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية عبر العالم.
-اليسار الجذري الماركسي والماركسي اللينيني الذي يشكل النهج الديمقراطي نواته الأساسية.و يؤمن بالتغيير الديمقراطي الجذري للأوضاع القائمة وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية في أفق الاشتراكية.مع الإشارة إلى أن التيارات التروتسكية تطرح الثورة الاشتراكية كمهمة في المرحلة للانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية بحكم اندراج تصورها ضمن إستراتيجية الثورة الاشتراكية العالمية للتروتسكية.
ويتوفر اليسار بقسميه على وجود وتأثير مهم في الساحة النقابية ( كدش و ا م ش و فنو والنقابة الوطنية للتعليم العالي والاتحاد الوطني لطلبة المغرب...) والحقوقية ( الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنتدى المغربي من اجل الحقيقة والإنصاف والجمعية المغربية لحماية المال العام والجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب...).وهويساهم̜ إلى هذا الحد أو ذاك̜ في الحركات والنضالات الشعبية في عدة مناطق وحول عدة ملفات.كما أن مكوناته الرئيسية أسست الجبهة الاجتماعية المغربية كإطار للنضال المشترك حول الملفات ذات الطابع الاجتماعي.وساهمت مؤخرا في تأسيس الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع لمواجهة التطبيع المخزني مع العدو الصهيوني.كما انه يتوفر على تراكم سياسي وفكري هام ساهم في تكريس فكرة اليسار كتيار اجتماعي سياسي فكري فاعل في الساحة السياسية والاجتماعية رغم كل الحصار والقمع المخزني.
لكن للأسف لم تتمكن مكونات اليسار لحد الآن من تحويل تلك الإمكانيات السياسية والفكرية والنضالية إلى قوة مادية حاسمة في تغيير موازين الصراع الطبقي لصالح قوى التغيير من طبقة عاملة وجماهير شعبية رغم المجهودات المبذولة في هذا الإطار وخاصة من طرف النهج الديمقراطي من خلال تبنيه لتكتيك الهجوم الوحدوي. ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها تجذر النزعة الحلقية الانقسامية وسطها رغم تضخم خطاب الوحدة وما تخلفه من تشرذم وتشتت وصراعات ذاتية̜ وتغليب أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي في علاقتها بالنهج الديمقراطي لعناصر الاختلاف على عناصر الوحدة̜ وضعف الارتباط بالقوى الأساسية في التغيير من عمال وكادحين ونساء وشباب̜ وهيمنة العناصر البرجوازية الصغيرة كقاعدة اجتماعية وكقيادة لهذه المكونات مما يجعلها خاضعة للتأثيرات الفكرية والسلوكية البرجوازية الليبرالية أو الفوضوية والعفوية وخاصة في ظل الهجوم الإيديولوجي الرأسمالي المتمحور حول تكريس الفردانية والنزعة الاستهلاكية وتحوير الصراع على المستوى العالمي من صراع طبقي إلى صراع الهويات الخاصة والقضايا الجزئية للتغطية على الجوهر الاستغلالي والاستلابي للرأسمالية .والى جانب ذلك يعاني اليسار من ضعف الاجتهاد الفكري في معالجة التحديات والإشكالات التي يفرضها الصراع الطبقي ببلادنا وإيجاد أجوبة علمية وعملية لها رغم بعض المجهودات المبذولة في هذا الإطار.
إلى جانب تحدياته وعوائقه الذاتية̜ وفي علاقة معها̜ يواجه اليسار المغربي شروطا موضوعية غاية في الصعوبة والتعقيد ترتبط بتعمق أزمة الرأسمالية التبعية ببلادنا وانعكاساتها الخطيرة على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لعموم الجماهير الشعبية̜ وتكريس السياسة القمعية للدولة المخزنية ضد كل القوى والأصوات المعارضة وفي مقدمتها قوى اليسار من حصار سياسي وإعلامي وقمع واعتقالات ومحاكمات صورية لمناضليه/ته...
حول المهام الراهنة لليسار
يفرض هذا الواقع على قوى اليسار إحداث رجة وسطها للخروج من وضعية التردد والانتظارية والانتقال إلى وضعية جديدة من المبادرة والفعل السياسي والنضالي الميداني الوحدوي تستجيب لتطلعات الطبقة العاملة والجماهير الشعبية.ولن يتم هذا إلا إذا اقتنعت جميعها بضرورة النضال الوحدوي على جميع الجبهات من اجل بناء النظام الوطني الديمقراطي الشعبي كبديل عن النظام المخزني ممثل التكتل الطبقي السائد:تكتل البرجوازية الكمبرادورية والملاكين العقاريين الكبار.
ومن ابرز المهام العاجلة أو الراهنة المطروحة على اليسار ككل لمواجهة التحديات هي:
-إطلاق نقاش حقيقي ومبدئي بين مكوناته حول القضايا الفكرية والسياسية الأساسية للصراع الطبقي ومنها الخلافية لإيجاد تفاهمات مشتركة حولها تخدم النضال الوحدوي فيما بينها في أفق بلورة برنامج سياسي مشترك يستجيب للمرحلة ويؤسس لتحالف يساري .
-تقوية وتفعيل الجبهة الاجتماعية المغربية وتوسيعها جغرافيا ولتشمل باقي القوى الديمقراطية والتيارات اليسارية المناضلة̜ وتجاوز الطابع الموسمي لنضالها وانفتاحها الفعلي على الطبقة العاملة والجماهير الشعبية المعنية الرئيسية بالملفات الاجتماعية التي تشتغل عليها الجبهة وإشراكها في بلورة ملفاتها المطلبية والنضال حولها في أفق خلق جبهة شعبية واسعة للنضال من اجل التغيير.
-الارتباط والالتحام بالطبقة العاملة والجماهير الشعبية الكادحة̜ وهي الطبقات الأساسية للتغيير وللفعل اليساري̜ والمساهمة في بناء تنظيماتها المستقلة وتقويتها̜ ونشر الفكر الاشتراكي والتقدمي وسطها̜ والانخراط ودعم نضالاتها وحراكاتها والتعريف بها.
-النضال المشترك من اجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والصحفيين والمدونين ونشطاء الحركات الاحتجاجية̜ ومن اجل وقف الهجوم المخزني على الحريات العامة.
-خلق جبهة نقابية ديمقراطية تقدمية من الإطارات النقابية المناضلة لمواجهة الهجوم الرأسمالي المتوحش الذي يشتد يوما بعد يوم دفاعا عن مكتسبات الطبقة العاملة ومن اجل انتزاع حقوقها.ومن شان ذلك إعادة الثقة للطبقة العاملة في العمل النقابي والانخراط الكثيف فيه.
-تقوية وتعزيز النضال الوحدوي بين شبيبات اليسار( شبيبات فدرالية اليسار وشبيبة النهج الديمقراطي) وانفتاحه على الحساسيات اليسارية الأخرى وخاصة من اجل إعادة بناء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لإعادة الوحدة والقوة للحركة الطلابية لمواجهة المشاريع الطبقية الرأسمالية التي تستهدف خوصصة التعليم العالي وضرب مجانيته ووظيفته العلمية والثقافية.ومن شان ذلك إعادة ثقة الشباب في فكر اليسار والنضال السياسي المنظم.
هذا بالنسبة لليسار بصفة عامة أما بالنسبة لليسار الماركسي فان مهمته المركزية حاليا فهي
الانخراط والنضال من اجل بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين كمهمة ضرورية وعاجلة لا تقبل التأجيل.وهي المهمة التي يناضل النهج الديمقراطي من اجل انجازها̜ ويدعو كافة الماركسيين/ات إلى الانخراط فيها باعتبارها مهمة تاريخية مشتركة.وهذا ما يتطلب فتح نقاش ماركسي ديمقراطي واسع حول الإشكالات المطروحة ولخلق أجواء الثقة والتفاهم والتفاعل الايجابي بما يخدم التاريخي للطبقة العاملة في بناء حزبها السياسي المستقل لتحقيق مشروعها التاريخي في انجاز الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية على طريق الاشتراكية.
وهذا الحوار بين الماركسيين/ات يجب في نظري أن يركز على القضايا الأساسية للخط الفكري والسياسي للحزب المنشود من المنظور الماركسي والقضايا الراهنة للصراع الطبقي وتناقضاته والتكتيكات المناسبة لمعالجتها بما يخدم تطور هذا الصراع لصالح التغيير الثوري.ومن شروط نجاح هذا الحوار تجاوز الأحكام المسبقة والحساسيات الذاتية والاستناد إلى المبدأ الماركسي " وحدة-نقد-وحدة ".
خلاصة عامة
رغم المشاكل والصعوبات التي يعاني منها اليسار المغربي̜ سواء الذاتية أو الموضوعية̜ فانه يتوفر على ما يكفي من الإمكانيات الفكرية والسياسية والنضالية التي تؤهله للعب ادوار أساسية في الصراع الطبقي الدائر في بلادنا بشرط وعيه وإدراكه لقيمها وحسن استثمارها بروح وحدوية على قاعدة برنامج سياسي مشترك يستجيب لتطلعات الطبقة العاملة والجماهير الشعبية في التغيير وبناء نظام ديمقراطي حقيقي تكون فيه السلطة والسيادة للشعب.نظام يقطع مع الاستبداد والفساد والتبعية للامبريالية̜ ويفتح الطريق أمام بناء المجتمع الاشتراكي.