الدروس الملهمة لنضال والدة الشهيد الوزني


رضي السماك
2021 / 6 / 27 - 22:47     

تكتسب المعركة السلمية الشرعية التي تخوضها والدة الشهيد المغدور إيهاب الوزني من أجل كشف السلطة الرسمية قتلة إبنها والذي اُغتيل بمسدس كاتم الصوت خلال شهر أيار الماضي؛ نقول: تكتسب هذه المعركة أهمية فائقة بالنظر لدلالاتها المطلبية والسياسية،ليس ذلك لمردودها المتوقع على الصعيد الشخصي فحسب بما ستحققه من نتائج مستقبلية مرجوة- سواء كُشف النقاب عن القتلة أم لم يُكشف- بل ولمردودها أيضاً حتى على المدى البعيد بما ستتركه من دلالات مهمة للاستفادة منها على صعيد الحركة النسوية والحركة النضالية بوجه عام. فمنذ أغتيال نجلها قبل نحو شهرين ووالدة الشهيد الوزني ما أنفكت تطالب بكل قوة السلطات بتعقب القتلة والكشف عن أسمائهم وتقديمهم للمحاكمة العادلة للقصاص منهم،وكما هو معروف فقد تعددت أشكالها النضالية في هذا الصدد، إذ لم تعدم وسيلة لم تجربها بما في ذلك تهديداتها وتصريحاتها النارية الجسورة شبه اليومية في وسائل الإعلام، وكان آخر وسيلة أحتجاجية لها ما قامت به مؤخراً بنصب خيمة لها أمام محكمة الجنايات في كربلاء، حيث ظلت تقاوم محاولة السلطات إزالة خيمتها مرات عديدة، كما حاولت إيقاف إحدى السيارات التابعة للأمم المتحدة لبث شكواها للوفد الاممي المتواجد فيها، دع عنك التصريحات النارية التي مازالت تدلي بها إلى مختلف وسائل الإعلام، وهي إلى ذلك مافتئت ماضية قدما في تحديها الأحتجاجي متهمةً أحد قادة الحشد الشعبي الذي يحظى بدعم إيراني بالتورط في عملية الأغتيال والذي سبق أن تم أعتقاله على خلفية هذه القضية ثم اُفرج عنه. ولم تكن ثمة جريمة للشهيد الوزني- رئيس تنسيقية الأحتجاجات في كربلاء - ليُقتل خارج القانون سوى أنه مارس حقه الدستوري المشروع في التعبير عن رأيه سلميا عن مواقفه الجسورة في مكافحة الفساد والمفسدين المتغلغلين في مفاصل الحكومة والمطالبة بحماية سيادة العراق لما يشكله نفوذ إيران الطاغي في البلاد من خلال الميليشيات الموالية لها من انتهاك لسيادة الوطن ، وكذلك رفضه التطرف الديني والتدخل في الحريات الشخصية بإسم العفة والدين، ولذا لم يكن غريباً أستهدافه بتصفيته من قِبل المتزمتين وأساطين الفساد المتغلغلين في مفاصل الدولة ومؤسساتها فيما السلطة مازالت عاجزة عن مواجهتهم.
إن مواقف وأنشطة والدة الشهيد الوزني للمطالبة بالكشف عن قتلة إبنها وإصرارها العنيد على مواصلته على الرغم من بساطتها وعدم أنتمائها الحزبي، يكتسب كما أسلفنا دلالات مهمة في الحركتين النسوية والسياسية ويقدم مثالاً ملهما لكل اُمهات الشهداء المغتالين والنساء المنخرطات في الحركتين السياسية و النسائية معاً في العراق فضلاً عن الطول الشمولية والدكتاتورية في منطقتنا العربية. فأذا كان التاريخ النضالي العالمي قد حدثنا عن أدوار مهمة لاُمهات مناضلات جسورات منخرطات في الحركتين السياسية والنسائية لعبن أدواراً مهمة في الحروب أو وضد قوى الظلم والبغي والاحتلال والدكتاتورية ؛ فإن مواقف الاُمهات العاديات غير المسيسات بما يسطرهن من من بطولات في قوة الإرادة والشكيمة من أجل أبنائهن المعتقلين أو المعدمين أو المغتالين ظلما من أجل رد الأعتبار إليهم لا يقل شأناً عن مواقف النساء الحركيات الملتزمات نضالياً، ذلك بأن النموذج النضالي العفوي الذي شكلته وأجترحته والدة الشهيد الوزني والذي تابع العالم بأسره مواقفها الشجاعة بانبهار وإعجاب هو في حد ذاته أشبه بنضال حزب أو حركة أو جمهرة من الشعب في محطة من المحطات النضالية، وذلك بالنظر لقوة تأثير صمودها النضالي المتواصل في الضغط على الحكومة والقوى الفاسدة المتنفذة فيها، وبالنظر أيضاً لما تشكله أحتجاجاتها السلمية المشروعة التي يكفلها الدستور من إحراج للحكومة وقوى الفساد على حد سواء. ويقيناً هي لا تفعل ذلك فقط من أجل ولدها فحسب، بل من أجل ألا تتكرر وتتعدد بكل سهولة ثكالى العراق المفجوعات على أبنائهن المغتالين غدراً لمجرد التعبير عن آرائهم الأحتجاجية السلمية التي يكفلها الدستور أبداء مواقفهم ومن ثم يصبح الأغتيال عادة ميئوس وقفها. وهكذا فلن يذهب نضالها سُدى وسيجعل مكممي الأفواه مستقبلاً يفكرون ألف مرة قبل الإقدام على ارتكاب جريمة جديدة مشابهة، كما سيضع الحكومة وقيادتها في مأزق أكثر أحراجاً إذا ما تكرر تخاذلها وتقاعسها في الكشف عن القتلة.
وبهذا فإن والدة الوزني إنما تقدم مثالاً ملهماً في تجربتها النضالية الفريدة من نوعها لكل اُمهات العراق وللحركتين السياسية والنسوية اللتين يجدر بهما دعم مثل هذه النسوة الاُمهات.