قضم الحريات الشخصية سمة عصر -مكافحة- الإرهاب الدولي والإرهاب الكوفيدي


مشعل يسار
2021 / 6 / 27 - 00:41     

لو عدنا قليلا إلى الوراء لرأينا أن الأمور بدأت بالتدريج. في البداية، وخاصة إثر تفجير البرجين في نيويورك، والذي زعموا أن تنظيم "القاعدة" قام به، تم تخويف الناس من الإرهاب الدولي. كانت تلك هي الخطوة الأولى نحو تقييد الحرية، ناهيك باحتلال البلدان بدءا بأفغانستان والعراق وغيرها.
بدأ تعزيز مراقبة الجوازات وعمليات التفتيش في المطارات والمؤسسات الأخرى.
وبدا الأمر كما لو أن كل الناس أصبحوا فجأة مجرمين ومخالفين محتملين. الأمر شبيه بجائحة فيروس كورونا: حتى ولو لم تظهر عليك أية أعراض، من المحتمل أن تكون معديًا وخطرًا على الآخرين.
ثم ظهر المزيد: كاميرات المراقبة في كل مكان. والهواتف تحولت تدريجياً إلى أداة تتبع وملاحقة لأصحابها، من تحديد الموقع الجغرافي عبر الـGPS إلى تسليم بعض البيانات الشخصية إلى جهات ثالثة من قبل شركات الهواتف والاتصالات الهاتفية. يقال أن الهواتف المحمولة اليوم قادرة حتى على التنصت على محادثة حامل الهاتف ومن ثم إرسال الإعلانات المناسبة له.
بدأت الرقابة في العمل على الإنترنت، في البداية تم تفسيرها بضرورة مكافحة مواقع القراصنة والمواقع التي تحتوي على معلومات غير قانونية. والآن تم حظر الكثير من بوابات المعلومات البسيطة. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي يجري حظر الرأي المخالف بألف حجة وحجة!!
لذلك، دون علم منا، وجدنا أنفسنا في فخ. لقد حل الزمن الذي لا تتردد فيه الدولة والشركات الخاصة في التدخل في الحياة الخاصة لشعبها.
ماذا تبقّى، يا ترى؟ قريبا سيقومون بإلغاء النقد من أجل السيطرة على إنفاق أي فرد، وإنشاء قواعد بيانات إلزامية للقياسات الحيوية والحمض النووي لجميع المواطنين. ويتم إنشاء هذه القواعد بوتيرة متسارعة الآن بحجة الجائحة. الحكومات لا تبخل بالمال أحياناً رغم شحه على شراء أحدث الأجهزة، واقتناء المحطات الطرفية التي تتعرف على القياسات الحيوية، لذلك سيكون من المستحيل قريبًا الذهاب إلى أي مكان مع البقاء في وضع المتخفي.
وتستخدم السلطات أي حادث إرهابي يحصل (وربما تكون هي أو أي مخابرات أخرى وراءه) لتطبيق إجراءات تشدّد جديدة، وتشديد الخناق، وتمرير قوانين حظر جديدة تقيد الحقوق المحدودة أصلا لعامة الناس.
كل هذا تحت ذريعة الحماية والأمن والحرص والحدب. والغريب أن كل هذا يتم اعتماده وفرضه بموافقة ضمنية من قبل الأغلبية.
فهناك عدد غير قليل من الناس يعتقدون أن إلإجراءات ضد الإرهاب ستساعد في محاربة الجريمة أو ضد الكوفيد ستساعد على مكافحة الجائحة ةوالفيروس الظالم!!، وهم على استعداد للتضحية بحريتهم وتسليم حياتهم وحريتهم وصحتهم وسلامتهم وراحتهم للحكومة حتى ولو كانت تجوّعهم هي ورجالاتها وبنوكها السراقة، مثلما عندنا في لبنان. لذلك، فإن مثل هذه المواقف تصب كلها في مصلحة السلطات، ومصلحة أحقية وحتمية الإجراءات المتخذة، وضرورة المراقبة والسيطرة على الجميع.
لكن هذه الإجراءات العنيفة لن تحقق في الحقيقة لا الكفاية ولا العدالة ولا الأمن أبدًا، فهدفها مختلف تمامًا وهو التطويع وتحويل المجتمع البشري إلى مجرد قطيع.