تداعيات الازمة الاقتصادية وسبل الخروج منها


فهمي الكتوت
2021 / 6 / 25 - 13:05     

الأردن: تُعَدُّ التعديلات السياسية والدستورية الخطوة الأولى لتحقيق إصلاحات اقتصادية تنطلق أساسا من إعادة الاعتبار لدور الدولة في الاقتصاد الوطني، والتمسك بملكية الدولة في الخدمات الأساسية والقطاعات الاستراتيجية، وفك التبعية للخارج وإزالة التشوهات الهيكلية للاقتصاد الوطني بتوجيه الاستثمار نحو المشاريع الإنتاجية، في القطاعات الاقتصادية -الصناعة والزراعة والسياحة- من أجل الاستفادة من الثروات الغنية في البلاد، وتشجيع الصناعات الوطنية التي تعتمد على المواد الأولية المحلية، وتوفير بيئة استثمارية بتحقيق الشفافية والتسهيلات الإدارية، وحمايتها من أخطار السياسة الإغراقية؛ لتعظيم دور الاقتصاد الحقيقي في الاقتصاد الوطني، وزيادة القيمة المضافة، ومعالجة مشكلة البطالة والفقر، وزيادة إيرادات الخزينة.
قبل تناول اسباب ومظاهر الازمة الاقتصادية وسبل الخروج منها، لا بد من حسم القضية المركزية؛ ان التصدي للازمة الاقتصادية قضية سياسية بامتياز وبما أن هذه الورقة الاقتصادية ليست متخصصة بالاصلاحات السياسة والدستورية، مع ذلك لا بد من الاشارة الى ضرورة احداث تغييرات جوهرية سياسية ودستورية، تترجم مبدأ «الشعب مصدر السلطات»،وإصدار قانون انتخاب ديموقراطي يعتمد مبدأ قائمة الوطن النسبية، وانتخاب برلمان كامل الصلاحيّات الدستوريّة، يمارس مهامه الرقابية والتشريعية دون تدخل، ويكون غير قابل للحل من أي سلطة في الدولة سوى نفسه، ولا تشاركه في صلاحيّاته التشريعيّة أي جهة غير منتخبة. وأن تُجرى انتخابات حرة ونزيهة وأن يتضمن القانون اتخاذ أشد العقوبات ضد أي شكل من أشكال تزوير إرادة الشعب، أو استخدام المال الاسود. على أن يراعي الدستور ضمان حق التداول السلمي للسلطة بتكليف تكتل الأغلبية بتشكيل الحكومة، وتضمين الدستور حق العمل ومجانية الصحة والتعليم بكل مراحله، ووضع حد ادنى من النفقات على التعليم والصحة والاستثمار والتوزيع العادل لمخرجات التنمية والالتزام بالضريبة التصاعدية، وإصدار قوانين جديدة تضمن تطوير الحياة السياسية والحزبية، وقطع الصلة مع مرحلة الثقافة المعادية للأحزاب السياسية.
السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية
واقع الاقتصاد الأردني:
ارتبطت الأسباب الحقيقية للازمة البنيوية للاقتصاد الأردني بمصالح الاستعمار والامبريالية في المنطقة، فقد نشأ الاقتصاد الأردني مشوها منذ نشوء الامارة، وسادت أنماط اقتصادية؛ سمتها الاساسية (ريعية خدمية) اعتمدت على المساعدات الخارجية، علما ان الأردن بلد غني بثرواته الطبيعية نتيجة التنوع المتميز في جيولوجيته وامتلاكه لرقعة زراعية واعدة، وموقعه الجغرافي الذي يمنحه قدرة على تعظيم التجارة والترانزيت. وقد اسهمت السياسات الرسمية في تعميق التشوهات الهيكلية للاقتصاد الوطني، من خلال هيمنة القطاعات الطفيلية والتوسع في الانفاق الممول بالقروض التي اوصلت الإقتصاد الى الحافة، تم ذلك في ظل غياب الحياة الديمقراطية، وتفشي الفساد السياسي والإداري والمالي، وتدخلات الدولة العميقة، ومصادرت الحريات العامة، وتفريخ المؤسسات المستقلة خدمة للفئات الطفيلية، وتضخم عدد الوزارات وتعدد الرواتب، وصرف رواتب تقاعدية حتى لمجرد تسمية الشخص وزيراً ليوم واحد.
لقد فاقمت السـياسات المالية والاقتصادية العجز المزمن في الموازنة العامة للدولة، والميزان التجاري وميزان المدفوعات، بسبب تخلي الدولة عن دورها الاقتصادي، واطلاق العنان للسياسات الاقتصادية المنفلتة ،المتمثلة في تحرير اسواق المال والتجارة الداخلية والخارجية، الأمر الذي أدى الى تفاقم المديونية بشقيها الداخلي والخارجي، وتسبب بإرتفاع خدمة الدين العام، وإختلالات في سوق العمل وارتفاع معدلات البطالة في ظل عمالة وافدة فاقت عدد العمال الاردنيين العاطلين عن العمل.
ومن أبرز السياسات التي عمقت الأزمة المالية، خصخصة أهم الاصول الانتاجيه، ببيع مقدرات وأصول الدولة الى رأس المال الأجنبي وبأسعار غير عادلة، مما ادى الى تحويل عائدات هذه الإستثمارات الى الخارج، الأمر الذي أدى الى زيادة إعتماد الدولة على الضرائب والقروض لتلبية حاجاتها المتزايدة والتوسع في النفقات الجارية غير المبررة والتي لا تخلو من الفساد، والتي غدت تشكل عبئا ثقيلا على المالية العامة والمجتمع والإقتصاد الوطني.
النمو الاقتصادي والاستثمار:
لقد دخل الإقتصاد الوطني في حالة إنكماش بعد سنوات من الركود الاقتصادي نتيجة ارتفاع العبء الضريبي الامر الذي ادى الى تراجع القدرة الشرائية، وارتفاع غير مسبوق بمعدلات البطالة والفقر، حيث فقد مئات الآلاف من العمال الأردنيين وظائفهم بسبب الأزمة الإقتصادية المتفاقمة. وباتت القطاعات الاقتصادية الرئيسية (الصناعة والزراعة) مهددة بالإنهيار بسبب إرتفاع تكلفة الطاقة والمحروقات، وكلف التمويل والضرائب التي فرضت على مدخلات الإنتاج، استجابة لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، خاصة بعد انضمام الأردن لمنظمة التجارة العالمية ،مما اضعف قدرة المنتج الوطني على المنافسة في الاسواق المحلية والخارجية. كما تركت الاستثمارات الاجنبية بصماتها على تشوهات الاقتصاد الأردني التي تركزت في القطاعات الخدمية (البنوك وشركات التأمين والعقارات وغيرها) الأمر الذي عمق التشوهات الهيكلية للاقتصاد، اضافة الى استيلائها على قسم كبير من حصص الدولة في القطاعات الحيوية، وبات رأس المال الاجنبيي يهيمن على ما نسبته 57% من الشركات الكبرى في البلاد.
إرتفاع تكلفة الطاقة:
ان لإرتفاع تكلفة الطاقة اثر كبير على القطاعات الإقتصادية والمجتمع المحلي على حدٍ سواء، وإن عدم الإفصاح عن آلية تسعير المشتقات النفطية كان سببا رئيسيا لارتفاع اسعارها، ومع هبوط أسعار النفط عالميا اقدمت السلطة على فرض ضريبة مقطوعة على المشتقات النفطية قيمتها (575) فلسا للتر الواحد على البنزين اوكتان 95، و(370) فلسا على البنزين اوكتان 90 و (165) فلسا على اللتر الواحد من السولار والكاز، وتصل نسبة الضرائب على البنزين اكثر من 100% وعلى السولار والكاز تصل احيانا نحو 50%. حيث كلما انخفض سعر النفط عالميا ارتفعت نسبة الضرائب محليا، وهي من اهم اسباب ارتفاع تكلفة السلع والخدمات العامة.
اضافة الى ارتفاع اسعار الكهرباء الناجم عن اختلالات خطيرة في قطاع الطاقة، فمن المفارقات الغريبة ان شركات الكهرباء الاردنية (المنتجة والموزعة) تحقق ارباحا، بينما الشركة الوطنية للكهرباء تحقق خسائر وديون تُحمل على المواطنين والمؤسسات الوطنية. ويشير التقرير السنوي لشركة الكهرباء الوطنية لسنة 2019 أن متوسط تكلفة ال كيلوواط/ ساعة بلغ 71.64 فلس، مقارنة مع 14 فلسا للطاقة الشمسية ، وبات من الضروري إجراء مراجعة جاده للإتفاقيات الموقعة مع الشركات المنتجة للكهرباء، وإتخاذ قرارات مناسبة تسهم في تخفيض كلفة الكهرباء؛ إذ يتوقف تطوير الإقتصاد وتخفيض العبء على المواطنين بخفض تكلفة الطاقة. وبدلا من اتخاذ الاجراءات اللازمة لتوفير الطاقة باسعار منافسة، تم التوقيع على اتفاقية الغاز مع العدو الصهيوني المرفوضة سياسيا من حيث المبدأ وتشكل عبئا اقتصاديا.
السياسات النقدية ودور القطاع المصرفي:
لقد ﺍﺳﻬﻣﺕ ﺍﻟﺳﻳﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﻧﻘﺩﻳﺔ ﺍﻟﺗﻲ ﺍﺗﺑﻌﻬﺎ ﺍﻟﺑﻧﻙ ﺍﻟﻣﺭﻛﺯﻱ، بتعويم اسعار الفوائد على التسهيلات والودائع منذ عام 1990، برﻓﻊ ﻛﻠفة ﺍﻟﺗﻣﻭﻳﻝ على ﺍﻟﺗﺳﻬﻳﻼﺕ ﺍﻹﺋﺗﻣﺎﻧﻳﺔ والقروض الشخصية، فنسبة ﺍﻟﻔﺎﺋﺩﺓ مرتفعة جدا، فارتفاع كلف التمويل انعكس سلباً على القطاعات الاقتصادية، وحققت المصارف ارباحا عالية بسبب إرتفاع نسبة الفوائد المدينة وانخفاض الفوائد الدائنة على الودائع ،خلافاً لنتائج اعمال غالبية المنشآت الاقتصادية بشكل عام مما أسهم في إعادة الإنتاج الطفيلي، "إذ بتحول رأس المال النقدي بصورة ودائع وشهادات ادخار إلى رأس مال مصرفي وائتماني (في صورة قروض) والذي بدوره يتحول إلى رأس مال طفيلي وتجاري، فإن حصة القطاعات الانتاجية تقدر بحوالي 11% فقط من اجمالي التسهيلات.
الموازنة العامة للدولة:
تعكس الموازنة العامة للحكومة المركزية والهيئات الخاصة عمق الأزمة المالية والإقتصادية التي يعيشها الاردن، وهي تكشف عن الخلل الخطير في السياسات المالية، حيث قفزت النفقات العامة نحو خمس اضعاف خلال العقدين الاخيرين، وشكلت الإيرادات الضريبية نحو 70% من الإيرادات المحلية، معظمها إيرادات ضريبية غير مباشرة (ضرائب ورسوم جمركية على السلع والخدمات) واتسعت الفجوة بين النفقات والايرادات وبات عجز الموازنة يفاقم المديونية، وتعكس الموازنة عدم توفر العدالة في التوزيع، فنسبة مخصصات وزارة الصحة 2 % ووزارة التربية والتعليم 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أقل بكثير من المعايير الدولية المتعارف عليها والتي تقدر بنحو (5-7%) لكل قطاع من قطاعات الصحة والتعليم. اما نفقات الجهاز العسكري التي تقدر بنحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي تفوق متوسط المعايير الدولية بكثير، والتي تتراوح ما بين (2-4%)، رغم اهمية دعم القوات المسلحة الا ان نسبة النفقات العسكرية مرتفعة جدا مقارنة مع حجم المديونية المتفاقمة. إضافة الى التوسع في الإنفاق الإستهلاكي، وتنامي فائدة الدين العام التي اصبحت تساوي مخصصات وزارتي التعليم والصحة، وارتفاع بند الرواتب والتقاعد نتيجة ارتفاع رواتب كبار الموظفين، وشيوع ظاهرة الموظفين الذين يتقاضون أكثر من راتب اضافة الى البدلات والمكافآت السخية، اضافة الى وجود نفقات خارج الموازنة التي تعتبر مخالفة دستورية فعلى سبيل المثال:
- كشف تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2019 عن وجود امانات بقيمة 6402 مليون دينار منها 4092 مليون دينار نفقات خارج الموازنة وهي المبالغ التي صرفت لتغطية العجز بعد التمويل في موازنات الاعوام السابقة، ولم يتم ادراج ايضاح مناسب حولها في المركز المالي.
- كما لم يتضمن بيان المركز المالي للخزينة اجمالي أرصدة الالتزامات السابقة التي ظهرت في قانون الموازنة العامة والحسابات الختامية، والتي بلغت 693 مليون دينار خلال الاعوام ( 2016 - 2019 ) وهي نفقات خارج الموازنة.
ما يشكل مخالفة صريحة للدستور، الذي الزم الحكومة بعدم صرف نفقات تزيد عن المقرر في قانون الموازنة العامة إلا بموجب قانون يصدر لهذه الغاية قبل الإنفاق.
كما كشفت الدراسة التي أعدها كل من (يورغن جويل أندرسن، وبوب ريكرز) بتكليف من قبل نائبة رئيس البنك الدولي لاقتصاديات التنمية (بيني غولدبيرغ)، عن تهريب مبالغ ضخمة من الدول التي حصلت على قروض ومنح خارجية إلى ملاذات ضريبية آمنة، وقد أشار التقرير إلى أن أكثر من 2042 مليون دولار حُوّلت من الأردن إلى ملاذات آمنة، كما حُوّل 1091 مليون دولار لبنوك أخرى في الفترة (1999-2010) ما يعزز الاستخلاصات المشار إليها في البنود السابقة عن وجود ثغرات خطيرة في النظام المالي.
الدين العام
بلغ الدين العام الداخلي والخارجي المعلن رسميا نحو 33493 مليون دينار، باستثناء ما يعرف بالالتزامات السابقة والتي لم تفصح وزارة المالية عن قيمة هذه الالتزامات وابواب انفاقها والجهات الرقابية التي اطلعت عليها، وهي مخالفة دستورية، اما نسبة الدين العام المعلن وصلت 107% من الناتج المحلي الإجمالي، خلافا لنص المادة 23 من قانون إدارة الدين العام لسنة 2001 وتعديلاته التي نصت: «على الرغم من أي نص مخالف، لا يجوز أن يزيد الرصيد القائم للدين العام في أي وقت من الأوقات على 60 % من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية للسنة الأخيرة التي تتوافر عنها البيانات».
وأصبحت فوائد المديونية تشكل عبئًا ثقيلا على الموازنة العامة للدولة، إذ تشكل حوالي 12% من النفقات العامة، ولتغطية فوائد الدين العام المتصاعد، اتجهت الدولة نحو زيادة العبء الضريبي على المواطنين من جهة، وخفض النفقات الرأسمالية من جهة أخرى، إذ تراجعت النفقات الرأسمالية إلى 11% من النفقات العامة، مقارنة بنحو 20% في سنة 2006، وازدادت النفقات الجارية الممولة بالضرائب والقروض، لذلك شهدت البلاد حالة ركود اقتصادي خلال العقد الأخير، ناجمة عن زيادة العبء الضريبي وخفض الإنفاق الرأسمالي، كما تراجعت الخدمات العامة بشكل ملموس، وتراجعت البنية التحتية، واتسعت مساحات الفقر وازداد عدد العاطلين عن العمل. لعدم وجود مشاريع استثمارية مولدة للدخل.
شهد العقد الأخير زيادة في النفقات الجارية لا تتناسب وحجم الإيرادات، إذ اتسعت الفجوة بين الإيرادات المحلية والنفقات العامة.
بينما أقساط الديون المستحقة يجري إعادة جدولتها، فقد بلغت موازنة التمويل 6957 مليار دينار لسنة 2021 لتسديد الأقساط المستحقة بنفس العام وتغطية عجز الموازنة. وتُغطّى موازنة التمويل عن طريق القروض
السياسات الضريبية
شهدت السياسة الضريبية انقلاباً حقيقياً على المبادىء الدستورية الواردة في المادة 111 من الدستور الأردني، المتضمنة فرض الضريبة التصاعدية وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، فقد اصبح المصدر الرئيسي للايرادات الضريبية من ضريبية المبيعات على السلع والخدمات والضريبة الخاصة على المحروقات والإتصالات، انطلاقا من مبدأ " توحيد العبء الضريبي" المخالف للدستور، حيث اسهمت السياسات االضريبية الجديدة؛ بارتفاع كلف السلع والخدمات العامة، وتسببت بتآكل الرواتب والأجور وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وتراجع الطلب الكلي وتعميق الازمة الاقتصادية. من الخطأ حصر السياسة الضريبية بتوفير المال للخزينة، او توحيد العبء الضريبي، بهدف التوسع في تحصيل الضرائب، فالضريبة أولا وقبل كل شيء إعادة توزيع للدخل، لضمان الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية، وتوفير الرعاية الصحية والتعليم لأبناء المجتمع عامة، إضافة الى انشاء وتطوير البنية التحتية للدولة بكافة جوانبها، (المياه، الكهرباء، الطرق، النقل العام) فالسياسة الضريبية هي جزء لا يتجزأ من مشروع تنموي اقتصادي واجتماعي، ان للسياسة الضريبية دور في ومواجهة الركود، وتراجع الطلب على السلع وخفض معدل الإنتاج وارتفاع البطالة، وذلك بتخفيض معدلات الضرائب غير المباشرة خصوصا تلك المتعلقة بالسلع الضرورية، ما يعزز القدرة الشرائية للأفراد و يمكنهم من الاستهلاك. وإنعاش الاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمار خاصة في القطاعات المنتجة، وحماية الصناعات الوطنية، والحفاظ على ميزان المدفوعات، بزيادة الضرائب غير المباشرة على السلع الكمالية المستوردة، على ان تعيد الدولة إنفاق هذه الزيادة لصالح الفقراء. وخفض الضريبة على المشاريع الاستثمارية التنموية، شريطة استخدام السياسات الضريبية التفضيلية بفعالية حتى تعطي أكلها، مع عدم الافراط بتطبيقها لكي لا تسهم في تقليص الوعاء الضريبي، وكل ذلك يحتاج إلى سياسة اقتصادية تنموية شاملة.
فالسياسات المالية احدى المحاور الرئيسية لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، فالنمو الاقتصادي الذي تسعى الدولة لتحقيقه، ينبغي ان يقترن بالتوزيع العادل لعائدات التنمية من خلال الضريبة التصاعدية، وإعفاء الفقراء من الضرائب، كما تعني التنمية أيضا احداث تغيرات ملموسة في حياة المواطنين وتحسين ظروفهم المعيشية، وتبرز أهمية استخدام السياسة الضريبية في تصويب التشوهات الهيكلية للاقتصاد الوطني، بتحفيز القطاعات المنتجة بسياسات ضريبية تفضيلية، وللدولة دور هام في حماية الاقتصاد الوطني عن طريق العديد من الإجراءات ومن بينها الضرائب. لماذا مطلوب من الفقراء والكادحين والفئات الوسطى في المجتمع التضحية وحدهم، عليهم ان يتحملوا التقشف، بينما يجري مكافأة الطبقات والفئات العليا في المجتمع بتخفيف مساهمتها بتكلفة الازمة، فمن المعروف ان السياسة الضريبية التي كانت سائدة قبل الخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ضمن محددات قانونية احتكمت للنص الدستوري بفرض ضريبة تصاعدية. تبدأ بنسبة 5% على الشريحة الاولى من الدخل لتصل الى 50% على قطاع البنوك و55% على الشركات المالية.

ان تدهور الاوضاع الاقتصادية يتطلب توفير المناخ السياسي لإستعادة سلطة الشعب استنادا الى المبدأ الدستوري الامة مصدر السلطات، والشروع في بناء الاردن الوطني الديمقراطي، اعتمادا على امكانياتنا الوطنية لإنقاذ الأردن ومعالجة مشاكله الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
ولعل ذلك يدعونا للاستفادة من التجارب الناجحة، ومن الظروف الدولية الناشئة، بفك التبعية والسير بطريق التنمية الاقتصادية في إطار بنية عربية وفي ظل عالم جديد آخذ بالتشكل، ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية. إن المتغيرات التي يشهدها العالم؛ تُوفّر ظروفاً مواتية لبناء شراكة حقيقية بين الدول النامية وفي عدادها الأردن والدول الصاعدة التي تملك فوائض مالية وتكنولوجيا وتسعى للحصول على مشاريع اقتصادية. ما يتيح المجال أمام الدول المعنية ببناء اقتصادها الوطني، فالأردن يتمتع بثروات هائلة تنتظر الاستثمار، من الفوسفات وأملاح البحر الميت والصخر الزيتي والنحاس واليورانيوم ورمال السيليكا وعشرات المعادن التي يمكن تصنيعها في البلاد، وذلك للخروج من الأزمة الخانقة. إن شروط إنجاز برنامج مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية في الأردن ضمن الخطوط العامة المبينة ادناه يتطلب أولا وقبل كل شيء إنهاء دور الشرائح الطفيلية المرتبطة بمصالح الاحتكارات الرأسمالية، لوجود تناقض رئيسي بين الفئات المرتبطة بنهج التبعية، ومصالح الجماهير الشعبية المتضررة اقتصاديا واجتماعيا.
أولا: السياسات الاقتصادية والاجتماعية:
1- بناء اقتصاد وطني قائم على تطوير قطاعات الانتاج السلعي، لازالة التشوهات الهيكلية بتوجيه الاستثمار نحو المشاريع الإنتاجية، لتلبية الحاجات الضرورية للبلاد، والنهوض في قطاع الزراعة والصناعة وتكنولوجيا المعلومات والسياحة، لتحويل الاقتصاد الوطني من اقتصاد ريعي الى اقتصاد انتاجي، ومن خلال مساهمة الدولة بالمشاريع الاستراتيجية والتمسك بملكيتها في القطاعات الاستراتيجية والخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والنقل العام والمياه والكهرباء، وتبني مشروعات إنتاجية تنموية بالشراكة مع القطاع الخاص، باستغلال ثروات البلاد المتنوعة، وعدم التصرف بها او خصخصتها، وضمان توزيع المشاريع التنموية وعوائدها توزيعاً عادلاً بين المحافظات والمواطنين عامة.
2- توفير بيئة استثمارية باستقرار التشريع وتحقيق الشفافية وتوفير التسهيلات الإجرائية، وحماية الصناعة الوطنية من أخطار السياسة الاغراقية، ورعاية البحث العلمي، ومشاركة المختصين في دراسة الاتفاقيات المتعلقة بالتجارة الدولية، لضمان تنافسية الصناعة الوطنية، وتشجيع الصناعات الوطنية التي تعتمد على المواد الأولية المحلية، لتعظيم دور الاقتصاد الوطني وزيادة القيمة المضافة، وزيادة إيرادات الخزينة.
3- دعم وتطوير القطاع الزراعي بفرعيه النباتي والحيواني، بهدف تحقيق الأمن الغذائي وتحسين ظروف المزارعين، وتوفير فرص عمل للحد من الهجرة الى المدن، وزيادة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي، وتحديد دقيق للأراضي الزراعية في كافة المحافظات وحمايتها من الاعتداءات، وتقديم الدراسات والابحاث اللازمة لمساعدة المزارعين في استثمارها على الوجه الافضل، باستخدام البذار والاسمدة المتطورة، واختيار الاصناف المناسبة للتربة ومعدلات هطول الامطار، وطرح سياسة مائية وطنية بإقامة المشاريع الإستراتيجية وإنشاء السدود.
4- ربط مخرجات التعليم باحتياجات التنمية الاقتصادية، وإنشاء مراكز التدريب المهني والمعاهد الصناعية، ورفدها بالمواد التعليمية المناسبة والكوادر المؤهلة ضمن موازنات تحقق الأهداف، وذلك لإعداد وتأهيل العمالة الأردنية، لضمان الاحلال التدريجي للعمالة الأردنية مكان العمالة الوافدة، بالتعاون مع غرفة الصناعة وبيوت الخبرة من الجمعية العلمية الملكية والجامعات المختصة، ومعالجة قضايا الفقر والبطالة۔
5- ضمان حق المرأة بالعمل واعتماد مبدأ الأجر المساوي للعمل المتساوي. وتعزيز دور المرأة في الاقتصاد الوطني وإشراكها في برامج التنمية وتقديم الدعم والقروض الميسرة بفوائد تفضيلية للمشروعات الصغيرة، مع توفير التدريب والإشراف والمساندة المستمرة، وإزالة العوائق التي تحول دون مشاركتها في سوق العمل سواء ما تعلق منها بالحضانات أو وسائل النقل.
6- تصويب انحراف الميزان التجاري بدعم الصادرات السلعية والخدمية باعتبارها القاعدة الأساسية لعلاج العجز، وتشجيع الاستهلاك من الصناعة الوطنية وإعطاؤها الأولوية في العطاءات الحكومية لتخفيض فاتورة الاستيراد، وتجميد بعض البنود في اتفاقية منظمة التجارة العالمية لدعم الصناعة والزراعة.
7- تجفيف منابع الفساد بإجراءات حازمة، ومحاكمة الفاسدين، وفتح ملفات الخصخصة، ومراجعة المخالفات الدستورية والقانونية، وتقييم موجودات عدد من المؤسسات المباعة بأسعار غير عادلة، وإحالة هذه الملفات إلى القضاء، واتخاذ إجراءات حازمة ضد المخالفات الدستورية والقانونية، وإعادة تقييمها واسترداد أموال الشعب المنهوبة من السماسرة عبر الصفقات المريبة، وتحصيل أموال الخزينة من الإعفاءات الجمركية غير القانونية الواردة في تقارير ديوان المحاسبة، بالإضافة إلى مكافحة التهرب الضريبي.
8- تطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية وتشجيع التجارة البينية، وخاصة مع سوريا والعراق لبناء تكتل اقتصادي عربي لمواجهة العولمة الرأسمالية، مستفيدين من الطاقات والإمكانيات والثروات والفوائض المالية المتنوعة، بانشاء مجمعات صناعية مشتركة، وإزالة كل الموانع للسماح بتدفق السلع والخدمات بين الدول العربية، بما يساهم في معالجة مشكلة البطالة المتفاقمة في الوطن العربي، وإلغاء المشاريع والاتفاقيات الموقعة مع العدو الصهيوني، بما في ذلك صفقة الغاز لتحقيق تكامل اقتصادي عربي.
9- حماية المواطنين من الجشع والاحتكار، وتوفير الآلية المناسبة لضبط الأسعار في السوق، وتوفير السلع الاستراتيجية لمنع الاحتكار في السوق المحلي، والسيطرة على سوق النفط بإلغاء دور الشركات الوسيطة التي رفعت من أسعار المشتقات النفطية، والغاء ضرائب المبيعات على الدواء وغذاء الفقراء والضرائب الإضافية على المشتقات النفطية، وتوفير الكهرباء والماء بأسعار مناسبة.
10- توفير العمل والتأمين الصحي والتعليم الجامعي حق لكل مواطن، ومعالجة قضايا الفقر والتوسع في إنشاء مؤسسات استهلاكية تؤمن المواد الأساسية للمواطنين بأرباح رمزية.
11- تعديل قانون العمل الأردني بما ينسجم مع المعايير الدولية، خاصة الاتفاقية رقم 87 ليحقق المطالب المشروعة للطبقة العاملة الأردنية، بما يضمن حق الإضراب المنظّم، ويعطي الحرية لإنشاء النقابات العمالية في القطاعين العام والخاص دون قيود، استجابة للتعديلات الدستورية لسنة 2011، وقرار المحكمة الدستورية رقم (6) لسنة 2013، وتوفير مناخ سياسي لاجراء انتخابات في النقابات العمالية حرة ونزيهة، وربط الاجور بمعدلات التضخم.
ثانياً: السياسات المالية والنقدية:
1- إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة وتوحيدها بإصدار موازنة موحدة (الحكومة المركزية والوحدات الحكومية) وربط نسبة نمو الإنفاق العام بنسبة نمو الإيرادات، وتوجيه الإنفاق الحكومي وفقا للأولويات التي تقتضيها احتياجات المجتمع المحلي، من خدمات صحية وتعليمية، وتوجيه النفقات الراسمالية نحو المشاريع الاستثمارية، والبنية التحتية التي تخدم المشاريع الانتاجية، ووضع معايير ثابتة للإنفاق لمختلف قطاعات الدولة استنادا للأعراف والمؤشرات والمعايير الدولية.
2- دمج المؤسسات العامة المتشابهة والهيئات المستقلة التي تستنزف أموال الدولة، ووقف تعينات " التنفيع " لكبار الموظفين بعقود "الخبراء والمستشارين" في مختلف الوزارات والمؤسسات العامة، والحد من المشاريع المظهرية البــاهظة التكاليف، ووضع حد لهدر أموال الدولة، وتعزيز وتطوير اجهزة الرقابة، بما يحفظ المال العام من التبذير او الضياع أو الاختلاس.
3- وضع أسس وضوابط للاقتراض وحصره بالمشاريع المولدة للدخل، وعدم الاقتراض لتغطية النفقات الجارية، واشتراط الشفافية والإفصاح بنشر تفاصيل القروض والمشاريع المستهدف تغطيتها والأسباب الموجبة لكل قرض، والجدول الزمني للسداد وآليته، وأقساط خدمة الدين المستحقة ومواعيد سدادها.
4- خفض نفقات السفر ومزايا الهيئات الدبلوماسية وتخفيض عدد الموظفين فيها. ووضع سلم رواتب للوظائف الحكومية بما فيها الشركات الحكومية والمؤسسات العامة، وعدم الجمع بين الرواتب والمكافآت، ووضع هامش بين الحد الأدنى والأعلى لرواتب موظفي الدولة بما فيهم الوزراء والنواب والاعيان لا يتجاوز ثمانية أضعاف.
5- تحقيق إصلاح ضريبي يضمن إعادة توزيع الدخل وزيادة مساهمات كبار الرأسماليين في إيرادات الخزينة، بإصدار قانون يعتمد مبدأ الضريبة التصاعدية على أرباح الشركات، استنادا لنص المادة 111 من الدستور الأردني، وفرض ضريبة على أرباح المتعاملين في البورصة، أسوة بالمستثمرين في القطاعات الأخرى، إذ يمكن توفير آلية مناسبة لتحديد صافي الربح والخسارة للمتعاملين في نهاية كل عام، وإعفاء السلع والخدمات الضرورية للفئات والشرائح المتوسطة والفقيرة وخاصة الغذاء والدواء من ضريبة المبيعات، وإعفاء مدخلات الإنتاج من ضريبة المبيعات.
6- تخفيض أسعار الفائدة على التسهيلات الائتمانية للاقتصاد الحقيقي لتمويل المشاريع الاستثمارية بما يتناسب مع الميل العام نحو انخفاض أسعار الفائدة عالميا، وتخفيض الهامش الكبير بين الفائدة المدينة والدائنة محليا، لتصويب الاختلالات وتشديد الرقابة على البنوك لتجنيب البلاد أزمات مالية واقتصادية.
7- صيانة أموال الضمان واستثمارها بمشاريع تنموية اقتصادية برؤية استثمارية علمية تحقق دخلا لمؤسسة الضمان الاجتماعي، وتسهم بتعزيز الدخل القومي، ومعالجة مشكلة البطالة، وذلك بتعيين الأكفاء في صندوق الاستثمار ضمن شروط محددة وشفافية عالية، واستثمار نسبة من أرباح صندوق الاستثمار سنويا في مشاريع إنتاجية مشغلة للعمالة الأردنية ومدرة للدخل. وتسود حالة من القلق في المجتمع الأردني على مستقبل أموال الضمان الاجتماعي، بعد ارتفاع الاقتراض الحكومي من أموال الضمان إلى 6687 مليون دينار، وقد ألزمت الحكومة المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي بشراء سندات خزينة بفائدة نسبتها نحو 3%، وهذه النسبة أقل بكثير من قيمتها في السوق المحلي، مما ينتقص من حقوق منتسبي الضمان الاجتماعي الذين أثقلهم ارتفاع نسبة الاقتطاع الشهري من رواتبهم. في حين لا يحصل المؤمن على مزايا ورواتب تقاعدية تتناسب مع الاشتراكات الشهرية التي تصل نسبتها إلى 21% من الرواتب، علما أن ثلث رواتب متقاعدي الضمان أقل من 200 دينار شهريا. وقد ازداد القلق بعد استبعاد أموال الضمان الاجتماعي من نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي. بذريعة ان الدولة تقترض من نفسها، فاموال العمال ليست صناديق سيادية من فوائض اموال الدولة فهي اموال العمال.
8- سحب تفويض مجلس النواب للحكومة بتعديل نسبة الضرائب والرسوم على السلع والخدمات دون العودة إلى مجلس الأمة، وذلك تفعيلا لنص المادة 111 من الدستور: «لا تُفرَض ضريبة أو رسم إلا بقانون».