ما يقوله ماركس عن التدمير البيئي


حازم كويي
2021 / 6 / 24 - 20:27     

لوكا كابريلو*
كانت العديد من الجماعات الماركسية ولفترة طويلة مهتمة بالقضايا البيئية بشكل هامشي. حيث التركيز في المقام الأول على مكافحة الاضطهاد والاستغلال.
لدى ماركس نجد رؤى مهمة للغاية حول القوة الرأسمالية المدمرة بيئياً.
في عام 1843، أضطر كارل ماركس البالغ من العمر 25 عاماً أن يتوجه إلى المنفى في باريس مع زوجته جيني. في العام التالي، كتب هناك "المخطوطات الاقتصادية الفلسفية" الشهيرة. الأطروحة المركزية لهذه المخطوطات هي أنه على الرغم من أن البشر جزء من الطبيعة، إلا أنهم عزلوا أنفسهم عن هذه الطبيعة الخارجية في ظل الرأسمالية. تم التعبير عنها بلغة ماركس الفلسفية "حقيقة أن الحياة الجسدية والروحية للإنسان مرتبطة بالطبيعة ليس لها أي معنى آخر،كون الطبيعة مرتبطة بنفسها، ولأن الإنسان جزء من الطبيعة".
بعد أكثر من عشرين عاماً نُشر المجلد الأول من "رأس المال" لماركس، وبتأسيس الأممية الأولى، أصبح شخصية بارزة في الحركة العمالية العالمية. بعد أن عاش في لندن لسنوات عديدة، بدأ ماركس في قراءة النصوص العلمية بشكل مكثف. نسخ مقاطع طويلة من الصفحات وملاحظة الأفكار. وكان متحمساً بشكل خاص لعمل عالم الزراعة الألماني (كارل فراس)،الذي تعامل مع تغيرات المناخ، الناتج عن إزالة الغابات والتغيرات المرتبطة به في دوران الهواء والماء، وهي وجهة نظر واسعة الانتشار في ذلك الوقت.
وأعتقد كارل ماركس في كتاباته، أن هناك "نزعة اشتراكية" يمكن العثور عليها في هذه النصوص.
إن ماركس معروف للكثيرين،كونه أخضع استغلال رأس المال للناس لأنتقاد لا يرحم. في تجواله مع صديقه فريدريك إنجلز في الأحياء الفقيرة في مانشستر، أوائل أربعينيات القرن التاسع عشر، للتعرف على الوضع اللاإنساني للطبقة العاملة ووصفه لها، فقد كانت نصوص ماركس وإنجلز مليئة بصور رُعب الظروف الرأسمالية، الجوع والمرض، عمالة الأطفال، ظروف عمل مهدِدة للحياة، إلخ.
حاول ماركس دائماً إظهار أنه لا يوجد شيء طبيعي في الظروف الرأسمالية.
الأحداث المذكورة أعلاه تظهر جانباً آخر من حياة ماركس، الذي أهتم بشكل متكرر بقضية التعامل مع الطبيعة. حتى أن بعض الماركسيين يقولون إن نقد ماركس للرأسمالية كان دائماً نقداً منهجياً للتدهور البيئي. ورغم تعامله بشكل مكثف مع الأسئلة البيئية، فقد أثبت تحليله للرأسمالية، أنه نقطة انطلاق مركزية لفهم كارثة المناخ الحالية ولأتخاذ الإجراءات المناسبة.

1. الرأسمالية العالمية تقطرُ بالدم والأوساخ
لم تسقط الرأسمالية من السماء، بل هي كما كتب ماركس في كتاب رأس المال، ترى العالم "من رأسه إلى أخمص قدميه، ومن كل مسامه، يقطر بالدم والأوساخ". وبالتالي ، فإن الاستعمار والإمبريالية والمصادرة والعبودية ليست آثاراً جانبية مزعجة وعرضية، ولكنها متطلبات مسبقة ضرورية لهذا النمط من الإنتاج.
حاول ماركس دائماً إظهار أنه لا يوجد شيء طبيعي في الظروف الرأسمالية. بينما تظاهرت الأيديولوجية البرجوازية بأن الرأسمالية هي الشيء الأكثر طبيعية في العالم،ماركس قلبَ الطاولة. لقد أظهر أن للرأسمالية تاريخاً محدداً، تاريخ لم يكن لديه الكثير ليتباهى به إذا تم فحصه عن كثب.
كان أحد الشروط اللازمة لظهور الرأسمالية هو الاستيلاء على الأرض من قبل الملاك الخاصين. لا توجد رأسمالية بدون خصخصة الأرض وطرد سكان الريف إلى المدن. لا رأسمالية بدون فصل الناس عن وسائل عيشهم.
أستغرق الأمر قروناً من المصادرة العنيفة للملكية الخاصة لتصبح الشكل السائد للملكية. ولعل أبرز مثال على ذلك هو إستعمار أمريكا، حيث كان العديد من مجتمعات السكان الأصليين يستخدمون مساحات شاسعة من الأرض بشكل جماعي. وحتى في أوائل أوروبا الحديثة، كانت هناك مناطق كبيرة تُدار بشكل مشترك من قبل أبناءالقرية - ما يسمى بالمشاعات. كانت قطع الأراضي الأخرى مملوكة للقطاع الخاص، لكن العديد من السكان أستمروا في التمتع بحقوق معينة في الاستخدام ويمكنهم على سبيل المثال، رعي ماشيتهم أو جمع الحطب من الأراضي غير العائدة لهم. وبعد أن نجح كبار ملاك الأراضي في الاستيلاء على هذه السلع المشتركة على الرغم من بعض المقاومة الكبيرة، فقدوا سكان الريف الوصول إلى وسائل العيش الطبيعية واضطروا الى بيع عملهم في المدن.
في الرأسمالية، وفقاً لماركس، العاملون بأجر أحرار بمعنى مزدوج. إنهم أحرار من امتلاك وسائل الإنتاج وفي نفس الوقت أحرار في بيع عملهم لأي صاحب عمل. تكمن مفارقة الرأسمالية في أن هذه "الحرية" الشكلية والظاهرة لا تسير جنباً إلى جنب مع تحرير حقيقي وكامل للعمال. كلُ من أضطر إلى تولي وظيفة مملة ومرهقة ذات أجر ضئيل من أجل أن يكون قادراً على دفع لقمة العيش، قد اختبرها بالفعل.
يتعامل أحد النصوص الأولى لماركس بالتحديد مع خصخصة الطبيعة هذه، بصفته صحفياً شاباً في منطقة (راين لاند) الألمانية، فقد إستنكر إصدار قانون في عام 1842، يحظر جمع الأخشاب الساقطة على أرض أجنبية. فقد كانت عادة قديمة يمكن للفقراء، لأستخدامات متعددة، التدفئة في الشتاء، أو الطبخ، أو إصلاح منازلهم. لكن مع القانون الجديد، تم تعزيز دكتاتورية الملكية الخاصة وخصخصة الطبيعة. ما حدث في (راين لاند) في ذلك الوقت أتُبع نفس المنطق كما هو الحال اليوم، على سبيل المثال، عندما تدمر الشركات الزراعية في أمريكا الجنوبية أصحاب الحيازات الصغيرة من أجل التمكن في الاستيلاء على أراضيهم.
من غير المألوف أن يتم تبرير خصخصة الطبيعة بحقيقة أنها تؤدي إلى استخدام أكثر استدامة للموارد. على سبيل المثال، أعتقد الخبير الاقتصادي (غاريت هاردين)في منتصف الحرب الباردة، أنه كان قادراًعلى إظهار أن "مأساة" السلع العامة هي بالضرورة قد تم استغلالها بشكل مفرط. ولكن منذ ذلك الحين، دحض الباحث الأنثروبولوجي والتاريخي والاجتماعي هذه الأطروحة حول "مأساة المشاعات".
وفقاً لماركس، تتميز أشكال المجتمع غير الرأسمالية، بحقيقة أن المنتجين لديهم علاقة مباشرة بالطبيعة. من ناحية أخرى، تكسرالرأسمالية هذه العلاقة، إنها تبعد الناس عن الطبيعة. ما كان مدهشاً لماركس هو "ليس وحدة الأحياء والناس النشطين" مع الطبيعة. يمكن ملاحظة هذه الوحدة في العديد من المجتمعات غير الرأسمالية. (وهذا لا يعني أن كل فرد في هذه المجتمعات يعيش بسعادة في إنسجام مع الطبيعة). ما يحتاج إلى تفسير هو بالأحرى العكس: فصل العاملين عن بيئتهم الطبيعية من خلال الرأسمالية. وقد أدى هذا الفصل إلى تحريك ديناميكية أستمر من خلالها رأس المال في استغلال الإنسان والطبيعة.

2. عندما يتبخر كل ما هو قائم
وصف ماركس الرأسمالية بأنها عالم مقلوب. عالم يكون فيه تحقيق الربح وعدم تلبية أحتياجات الناس هو الهدف النهائي. نرى أمثلة على هذا العالم المقلوب كل يوم، عندما يتم تسريح العمال حين تحقق الشركة أرباحاً،أو عندما تضطر الدول إلى قطع مساهماتها في الضمان الاجتماعي بسبب تضاؤل "ثقة السوق"، عند إغلاق المستشفيات من أجل تقليل "التكاليف الصحية"، أو عندما تبحث شركات النفط عنه في القطب الشمالي، على الرغم من أن احتياطيات النفط الكافية، معروفة بتسخين الأرض بعدة درجات مئوية بالفعل.
من خلال محاولتها المتكررة للتغلب على حدودها، فإن الرأسمالية تضغط أكثر فأكثر على العمال والطبيعة.
هذا له سبب جذري عميق. الهدف الأساسي للرأسمالية هو تحقيق الربح، وليس تلبية احتياجات العاملين الاجراء. المُنتج الذي يتراكم به رأس المال له أهمية ثانوية. يمكن استثمار رأس المال اختيارياً في إنتاج الأسلحة أو المبيدات الضارة أو السيارات الكهربائية أو أنظمة الطاقة الشمسية، بشرط أن يدر الاستثمار الأرباح المرجوة.
من ناحية أخرى، يفسر هذا ديناميكية الرأسمالية، مدفوعاً بالإكراه على إنتاج المزيد والمزيد ، تسعى الرأسمالية إلى أسواق مبيعات جديدة، أو تمدد يوم العمل أو تزيد الإنتاجية عن طريق التقنيات الجديدة.
بهذه الطريقة، تستطيع الرأسمالية قلب الإنتاج رأساً على عقب مراراً وتكراراً.
كتب ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي: "البرجوازية لا يمكن أن توجد بدون إحداث ثورة مستمرة في أدوات الإنتاج، أي علاقات الإنتاج، أي جميع العلاقات الاجتماعية".
من ناحية أخرى، يفسر هذا أيضاً القوة التدميرية للرأسمالية، من خلال المحاولة المتكررة للتغلب على حدودها، تعمل الرأسمالية على المزيد من الضغوط للعمال وللطبيعة. لذلك فإن التقنيات الجديدة ليست موجودة في المقام الأول لإغاثة الناس، ولكن لمواصلة استغلال العمال والطبيعة. أو كما جاء في جملة معروفة في رأس المال: «الإنتاج الرأسمالي هـو
لتطور التكنولوجيا فقط [...] من خلال تقويض ينابيع كل الثروة، الأرض والعامل. "
يوضح مثال المحرك البخاري هذا الارتباط بين الابتكارات التكنولوجية والصراع الطبقي وتدمير الطبيعة جيداً.
في المرحلة الأولى من تصنيع إنتاج المنسوجات في إنكلترا، أوائل القرن التاسع عشر، أعتمد الرأسماليون بشكل أساسي على الطاقة المائية. لأن الآلات التي تعمل بالماء كانت أكثر كفاءة والمياه كانت مجانية ومتوفرة بكميات كبيرة. في الخطوة الثانية فقط، تحول الصناعيون إلى الآلات التي تعمل بالبخار. لكن ليس لأن الآلات الجديدة كانت أرخص أو أكثر كفاءة. أظهر الجغرافي الماركسي (أندرياس مالم) أن هذه الآلات كانت أكثر تكلفة وغير فعالة في البداية. لكنهم أعطوا الرأسماليين مزايا مختلفة تماماً.
أولاً، يمكن لأصحاب المصانع نقل مصانعهم إلى المدن، حيث كان عدد كبير من البروليتاريين الجائعين يبحثون عن عمل،بإجور مخفضة. بهذه الطريقة، يمكن تقييد القدرة التفاوضية لعمال النسيج. وهكذا كان إدخال المحرك البخاري أداة لخوض الصراع الطبقي من فوق.
ثانيًا، لم يعد إنتاج المنسوجات تحت رحمة الطبيعة. تمكن الصناعيون من تحرير أنفسهم من التقلبات في المياه عن طريق تركيب آلات تعمل بالفحم، وبالتالي تمكنوا من الحفاظ على استمرار الإنتاج ليل نهار، بغض النظر عن مستوى المياه. تظهر الكارثة المناخية الحالية بوضوح تام، أنهم لم يحرروا أنفسهم تماماً بأي حال من الأحوال من حواجز وأهواء الطبيعة ،هذه المرة، كانت دورات الطبيعة العالمية غير مفككة، حيث تظهر الآن كارثة المناخ بوضوح شديد.
كتب ماركس مُتنبئاً: "الطوفان بعدنا هو تصويت كل رأسمالي وكل الامة الرأسمالية". فقد كان قادراً على ملاحظتها في وقتها الفعلي والعواقب الملموسة التي ترتبت على ذلك.
3.التربة المُستنفدة وفضلات الطيور.
كانت المشكلة المركزية في أوروبا في القرن التاسع عشر هي غسل التربة المستخدمة للزراعة. كان الكيميائي الألماني (يوستوس فون ليبيغ) أحد المؤلفين الذين تناولوا هذا الموضوع في وقت مبكر جداً وبشكل مكثف، منتقداً الفصل بين المناطق الحضرية والريفية ، حيث يتسبب ذلك في نقل الطعام لمسافات طويلة دون إعادة العناصر الغذائية الكافية إلى التربة.
كان ماركس قارئاً نهماً لكتابات ليبيغ. استخدم ماركس مصطلح التمثيل الغذائي لوصف العلاقات بين البشر والطبيعة، لذلك توصل إلى استنتاج مفاده، أن الرأسمالية تقطع وتدمر الدورات المادية للطبيعة: "وكل تقدم في الزراعة الرأسمالية ليس فقط تقدماً في الفن، للعامل، ولكن هو في نفس الوقت فن نهب التربة، كل تقدم في زيادة خصوبتها لفترة زمنية معينة هوفي نفس الوقت تقدم في خراب المصادر الدائمة لهذه الخصوبة ".
ونجحت الرأسمالية بفضل قدرتها على التكيف وديناميكيتها، في حل مشكلة التربة المستنفدة مؤقتاً، عن طريق إنشاء فواصل أخرى أكبر بكثير.
تم العثور على أحد هذه الحلول المؤقتة لمشكلة فقر المغذيات في التربة الأوروبية في بعض الجزر غير المأهولة قبالة سواحل بيرو. توجد طبقات بسُمك المتر من "ذرق الطائر" أي فضلاتها، وهو منتج يتم إنشاؤه عندما يتفاعل براز بعض الطيور البحرية مع الحجر الجيري. ذرق الطائر يحتوي على كميات كبيرة من النيتروجين والفوسفات،وهو بالضبط ما تم سحبه من التربة الأوروبية من خلال التوسع في الزراعة.
في ظل ظروف شبيهة بالعبودية، وتعرض العمال للتعسف والعقاب البدني، قام هؤلاء العمال بتفكيك الكثير من ذرق الطائر بحيث تُركت الجزر عارية تماماً ليدمر النظم البيئي هناك.
كانت بيرو في ذلك الوقت غارقة في الديون. ومن أجل إرضاء دائنيها البريطانيين، قررت الحكومة إستخراج هذه المادة الخام على نطاق واسع.
من عام 1850 زاد تعدين ذرق الطائر فجأة، ليكون دخل الدولة في بيرو 80%من تصدير ذرق الطائرفي عام 1871.
يوضح مثال ذرق الطائر بوضوح كيف تتعامل الرأسمالية مع حالات الانقطاعات في عملية التمثيل الغذائي الطبيعي. وبدلاً من إغلاقها والتعامل مع الطبيعة بشكل مستدام،تحول الرأسمالية المشاكل مكانيا وزمانياً وبمساعدة الاستغلال الكولونيالي الاستعماري الامبريالي.
وقد تم العثور على "حل" آخر من هذا النوع في ألمانيا قبل وقت قصير من الحرب العالمية الأولى.
طور الكيميائي (فريتز هابر) والصناعي (كارل بوش) عملية لإنتاج الأمونيا الاصطناعية ، والتي كانت تستخدم لتخصيب التربة وإنتاج المتفجرات. وقد وضع هذا حجر الزاوية المركزي لمزيد من التحديث والتكثيف للزراعة، لأنه لم يعد من الضروري الآن البحث عن فضلات الطيور في الجزر المهجورة. لكن ما كان مطلوباً الآن هو الوقود الأحفوري، لأن ما يسمى "عملية هابر بوش" كثيفة الاستهلاك للطاقة حتى الآن، هذه هي الطريقة الوحيدة لصنع الأمونيا الاصطناعية. وتمثل هذه العملية ما مجموعه 2٪ من إنبعاثات الكربون العالمية.
4. الشيوعية كمصالحة بين الإنسان والطبيعة
بالنسبة لماركس، يكمن السبيل الوحيد للخروج من عالم الرأسمالية المعكوس هذا في التحول الجذري للمجتمع الرأسمالي القائم. لا يمكن وضع حد لاستغلال العمال وتدمير الطبيعة إلا إذا تم التحكم بالإنتاج بشكل مشترك وديموقراطي.
في مخطوطات عام 1844 المذكورة في البداية، وصف ماركس الشيوعية بأنها "حل حقيقي للصراع بين الإنسان والطبيعة".
لكن ماركس يخبرنا القليل عما سيبدو عليه هذا المجتمع الشيوعي بالتفصيل، والسبب في ذلك ليس الكسل أو قلة الخيال. بدلاً من ذلك، كان ماركس مقتنعاً بأن المجتمع الجديد لايمكن تصميمه في المكاتب، على العكس من ذلك، ينشأ المجتمع الجديد من النضالات الملموسة للناس من أجل عالم أفضل، النضالات التي لا تُشن فقط ضد الاضطهاد والاستغلال بين الأشخاص، ولكن أيضاً ضد استغلال الطبيعة وتدميرها.
ومع ذلك، يعطينا ماركس بعض الأفكار الأساسية، وهذا يشمل السيطرة الجماعية والديمقراطية للعمال على الإنتاج.
في مجتمع شيوعي حر، لا يمكن أن تنطبق الديمقراطية على عدد قليل من مجالات الحياة كما هو الحال اليوم، لأنه على أبعد تقدير أمام بوابات المصانع والمستودعات ومراكز الرعاية والمستشفيات والمدارس والجامعات، تتوقف الديمقراطية في الوقت الحاضر. من ناحية أخرى، يعني المجتمع الديمقراطي حقاً أنه يمكن للناس أن يقرروا معاً ما يتم إنتاجه. وبالطبع أيضاً حول كيفية إنتاجه.
لم يعد الدافع وراء الربح، ولكن أحتياجات الناس هي المعيار الذي يتم على أساسه اتخاذ قرارات الإنتاج. هذه هي الطريقة التي يتم بها قلب عالم الرأسمالية المقلوب على قدميه مرة أخرى.
يتضح أن مثل هذا البديل للرأسمالية لا علاقة له بالنظام الاشتراكي السابق،التي دمرت الطبيعة أيضاً في سباقها ضد الراسمالية.
5. عدم التتبُع الاعمى
تحليل ماركس للرأسمالية يعطينا أدلة مهمة لفهم التدمير المنهجي للطبيعة بواسطة رأس المال. ومع ذلك، يجب أن نكون حريصين على ألا نرى في ماركس نبياً كلي العلم لكارثة المناخ الحالية، على العكس تماماً في ضوء التحديات الحالية، هناك أيضاً بعض الأشياء التي يجب أخذها في الاعتبار بشكل نقدي.
يتضمن هذا فهماً غير نقدي جزئياً للتقنيات. في كثير من كتابات ماركس وإنجلز، هناك إعجاب كبير بالتقنيات الرأسمالية الجديدة، خاصة عندما كانوا صغاراً، كانوا معجبين بالقوة "الحضارية" للرأسمالية. بالنسبة لهم، كانت المحركات البخارية من الإنجازات العظيمة للحضارة الرأسمالية، التي كان من المفترض أن تحرر جميع مناطق العالم من تخلفها وأن تدفعها في إتجاه الاشتراكية.
ظل هذا الاعتقاد في القوة التحريرية للتكنولوجيا سمة مهمة للماركسية لفترة طويلة. تحدث لينين وتروتسكي، على سبيل المثال بما يتعلق بالإنتاج الضخم الأمريكي وطائراتها وسياراتها. قال تروتسكي في عام 1936: "معاصرو ماركس لا يعرفون السيارات ولا الأفلام ولا الطائرات ومع ذلك، فإن المجتمع الاشتراكي اليوم لن يكون من الممكن تصوره بدون التمتع الحر بكل هذه الأشياء ". في اليوتوبيا الشيوعية لتروتسكي، يجب أن يكون كل فرد قادراً على استخدام وسائل النقل هذه بلا حدود، يجب أن يكون كل شخص قادراً على التحرك "في أي اتجاه بالسيارة" و "الحصول على الوقود بسهولة أثناء التنقل". من الواضح أن حقيقة حركة السيارات لم تكن مجرد وسيلة للتقدم وتحرير الإنسان، ولكنها أيضاً تقنية جلبت أشكالاً جديدة من القمع، وقبل كل شيء، تدهور البيئة،ومن الواضح أنها لم تكن قضية لتروتسكي.
مثل هذه النقاط العمياء ليست سوى مشكلة لأولئك الذين لديهم علاقة دينية مع الشخصيات الماركسية العظيمة. فقط أولئك الذين يحبون ترديد نصوص هؤلاء الثوار كالببغاوات، يجدون أنفسهم بحاجة إلى تفسير في ضوء الكارثة المناخية الحالية.
بالنسبة للآخرين، لا ينبغي أن تكون هذه المناقشة النقدية خارجة عن المألوف. من المحتمل أن يكون في مصلحة الماركسيين العظماء، لأنه لا ماركس وإنجلز ولا لينين ولا لوكسمبورغ أو تروتسكي اعتقدوا أن أفكارهم عن الحكمة هي الكلمة الأخيرة.
وبالتالي، فإن مهمة الماركسية النقدية هي دائماً تكييف تفكير المرء مع الظروف الحالية حتى لا يفقد الاتصال بالواقع. طبعا دون إغفال أفق مجتمع، دون اضطهاد الناس واستغلال الطبيعة. مهمة أكثر إلحاحاً اليوم من أي وقت مضى.

*كاتب ماركسي،مهتم بقضايا البيئة