أوهام البشر - خربشة عقل على جدران الخرافة


سامى لبيب
2021 / 6 / 24 - 16:19     

- نحو فهم الإنسان والحياة والوجود (106 ) .
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (97) .

تناولت فى هذه السلسلة من "أوهامنا البشرية " العديد من أشكال الوهم التي تراود البشر كوهم الخلق والمطلق والحرية والوعي ألخ لأري أن جوهر وأساس كل الأوهام هو وهم الوعي أي التحليل والإستنتاج الخاطئ عند التعامل مع الأفكار والرؤى , ومن هنا يأتي وهم الوعي كمُنتج لكل أوهامنا البشرية حيث النظرة والإستنتاج والمعالجة الخاطئة عند التعاطي مع الأفكار والرؤي .
أتناول فى هذا المقال أوهام شائعة أخري فى الذهنية الدينية الإنسانية وبشكل موجز غير مُستفيض بالرغم أن كل وهم منها جدير أن يكون مقال وبحث منفرد تاركاً التأمل والإستفاضة والنقد للقارئ .
مصدر هذه الأوهام جميعاً قراءة خاطئة للوعي نتاج حالة نفسية خاصة وترتيبة ذهنية خاطئة وجهل حاضر بقوة ليفي رغبات نفسية مضطربة .

- وهم الضمير .
بالطبع لا ننفي الضمير كفكرة لمحصلة صراع الإنسان مع ما إكتسبه من قيم وثقافة ونواميس مع غرائزه ورغباته , ولكننا ننفي الضمير كوجود حقيقي منفصل عن الإنسان تم بثه فى داخله كما هو شائع .
هناك وهم ومفهوم خاطئ بأن الضمير هو خلق ومنحه إلهية بثها في الإنسان ليتراجع عن الخطأ والخطيئة بينما الأمور هي صراع بين ثقافة المجتمع ومحدداته والتي يمكن أن نطلق عليها الضمير مجازاً وبين رغباته وغرائزه ونزواته , ليكون محصلة هذا الصراع تغلب إتجاه على إتجاه آخر لينتج هذا سلوك سواء إيجابياً أو سلبياً .
إذن الضمير هو الصراع الذي يتم داخل الدماغ أى هو تفاعلات عصبية وكيميائية فى إطار ما إكتسبه الإنسان من قيم وثقافة ومحددات مع رغباته وغرائزه ونزواته .
ومن هنا يكون الضمير نسبي ومُحدث وفق المكتسبات الثقافية , فما يؤرق الإنسان فى مجتمع ليس بالضرورة يؤرق إنسان في مجتمع آخر لنجد أن ممارسة العلاقات الجنسية الحرة مثلاً لا تؤرق الإنسان فى الغرب بل يعتبرها شكل من الأشكال الصحة النفسية بينما تؤرق وتزعج الإنسان فى المجتمعات الشرقية .
إذن الضمير يُعبر عن حالة المجتمع الثقافية ومحدداته وقيمه وصراعه مع رغباته ونزواته سواء سلباً أو إيجاباً , فلا وجود للضمير كهبه وذا إستقلالية تحمل قيم وأخلاق وسلوك .

- وهم المثالية .
هناك مفهوم شائع بوجود مفاهيم وأفكار وأخلاق وسلوك مثالي أى مفاهيم وأفكار وسلوك تصل لحد الكمال والنقاء ليفترض بعض البشر وجود هذه الحالة .
الحياة والواقع لا يحقق هذا المفهوم الخيالي , فلا توجد فكرة مكتملة ونقية بلا نقص , فهذه حالة من الإفتراض بأن هكذا الأمور مكتملة ونقية بينما واقع الحال أن الأفكار والمفاهيم والسلوكيات فى حالة صراع دائم لتتطور متجاوزة مرحلة ما .
إن فكرة المثالية تعني حالة من الإستاتيكية والجمود عند حالة معينة بينما الحياة فى ديناميكية وتطور دائم .
الغاية من ترديد فكرة المثالية هى تعظيم والإحتفاء بحالة فكرية محددة وتحصينها فهى فى وضعية الإكتمال والنقاء من أن تُمس .
لن يتطور المجتمع فى ظل شيوع فكرة المثالية في الأفكار والمفاهيم والسلوكيات فسيكون المصير الجمود والتشبث بحالة قديمة يُراد لها أن تستمر .

- وهم المخلص والفادي والمهدي المُنتظر .
من الأوهام الشائعة من فجر التاريخ وحتي الآن وهم المُخلص والفادي والمهدي المنتظر لدرجة أن يتأسس على هذا الوهم ديانة كالمسيحية .
فكرة المُخلص والفادي والمهدي المنتظر تُعبر عن ضعف وعجز الإنسان فى التعاطي مع واقعه فهو فى حالة من الهوان والهشاشة ليأمل فيمن ينقذه ويحرره ويرعاه , فالفكرة إمتداد لفكرة الإله كمُحب ومعتني وراعي ولكن بتجسيد فى إنسان مُنقذ يمكن أن يأمل ويتحقق من وجوده وليس بفرضية الإله الغير معاينة .
إن فكرة المخُلص والفادي والمهدي المُنتظر هو إنتظار وأمل الإنسان فى فكرة السوبرمان الذي يُنقذ ويَعدل .
بالطبع فكرة المُخلص والمهدي المُنتظر هى فكرة خيالية يرغب منها تحقيق أحلامه وآماله المهدرة فى شخص يُقيم العدل والسلام على الأرض , لتبقي الحقيقة الغائبة أن الأمن والسلام والعدل يتحقق بذراع البشر ووعيهم وتطورهم ونضالهم , أما الضعفاء البؤساء فلينعموا بوهم المُخلص والمهدي المُنتظر .

- وهم الخطيئة
يوجد خطأ ولا توجد خطيئة .. يوجد خطأ كتعبير عن جنوح الإنسان عن ثوابت وأخلاق المجتمع , ولا توجد خطيئة كفعل مناهض لإرادة الإله المُفترض .
يوجد خطأ كمخالفة لنواميس المجتمع وقيمه ولا توجد خطيئة كفعل مُخالف لتعاليم الإله المُفترض , فالأمور دوماً تكون في مُحددات المجتمع , فمنشأ الأخلاق والمواقف تجاه المخطئين هي إرادة المجتمع , فالنهر عن القتل جاء من رفض المجتمع لهذا السلوك المُقوض لإستمراره وإستقراره وديمومته , أما النهر عن السرقة فيأتى من خشية المُلاك على أملاكهم .
تكون الخطيئة محاولة لترهيب الأفراد عن هذه الأفعال بالإستعانة بفكرة الإله المُنتقم وعذابه الأبدي , ليتعمد الكثيرون الخلط بين الخطأ والخطيئة وهذا ينتج تشوه فى إنسانية الإنسان فهو لا يري الخطأ فيما لم يُحرمه الإله , فلا ينتفض من الإعتداء على حياة ومال ونساء الآخر .
الخطأ دائما فى تطور وتعاطي مع ما يرتقي بالإنسان , فالإعتداء على البيئة والطبيعة هو عمل خاطئ لدي الشعوب المتحضرة بينما يكتسب الإنسان مفهومه عن الخطيئة من رؤية فكر وتعاطي إنسان ومجتمعات قديمة .

- وهم الأخلاق من الإله .
من الأفكار الشائعة وهم أن الأخلاق هي من الله وكأن البشرية لم تدرك تنظيماً لعلاقاتها وسلوكياتها إلى من رسالة إلهية , بينما واقع الحال أن البشرية عرفت الأخلاق قبل ورودها فى نواميس يقال عنها إلهية وهذا وارد من دراسة سيسولوجيا المجتمعات البدائية والحضارات القديمة .
الأخلاق مُنتج بشري فى النهاية أى هي رؤية الإنسان لحالة من السلوك يراها واجبة ومُلزمة بغية تنظيم المجتمع وحماية مصالح نخبه وطبقاته المهبمنة .
كما ذكرنا أن النَهْر عن القتل والسرقة مثلا هى رؤية النخب التى تري أن شيوع القتل والسرقة يقوض إستقرار المجتمع ويهدد الملكية فيه .
يكون من الخطأ نقد ما يطلق عليه أخلاق من الإله عندما نجد إزدواجية فى المعايير كأن يتم تحريم القتل فى المجتمع بينما هو مستباح تجاه الآخر , كذا تحريم السرقة والإغتصاب بينما هو محلل تجاه الآخر بإغتصاب ماله ونساءه , فهذه المفاهيم هى رؤية إنسان قديم أراد أن يُشرعها بالإدعاء أنها من إله .. ومن هما فخطورة تصور أن الأخلاق من إله هو إستمرار رؤية الإنسان القديم للأخلاق والسلوك لتستمر هذه المنظومة السلوكية فى واقع مغاير .
الإنسان هو المُنتج الوحيد للأخلاق والسوكيات مذ فجر التاريخ وحتى الآن بغية إستقرار المجتمع وسلامه , ومن هنا إستحدث منظومات أخلاقية حديثة كتنظيم المرور وحماية البيئة .
ليست كل الأخلاق الدينية فاسدة ولكن فيها من الأخطاء والعوار الكثير عندما تُقيم تفرقة فى التعامل بين المُنتمي والمُختلف فلا تكون هناك مسطرة واحدة فى التعامل , ومن هنا تكون وثيقة حقوق الإنسان بمثابة خطوط عريضة تُنتج حالة أكثر رقياً وتحضراً من أخلاق الإله أو للدقة أخلاق الأديان أو للدقة أكثر أخلاق وفكر ونظام إنسان قديم .

- وهم الحقيقة المطلقة .
من الأوهام الشائعة لدي أصحاب الفكر الديني هو أن هناك حقيقة مطلقة فهم لا يعتبرون إيمانهم مجرد حقيقة بل مطلقة لا تقبل الشك فى صحتها عابرة بصحتها الزمان والمكان كونها مطلقة .
فكرة الحقيقة المطلقة فكرة فارغة سفسطائية فلا يوجد إثبات لأي من إدعاءاتها دوماً ولا يوجد أى تحقق من مفرداتها سوي الظن والإستنتاج والعاطفة .
حتى لو إعتبرنا وجود حقيقة يمكن تلمسها ومعاينتها فهي مفهوم نسبي فى النهاية تعتمد على زاوية رؤية البشر فى زمان ومكان معين كما هي ذات بعد معرفي ثقافي , فما يراه إنسان عاش من آلاف السنين كحقيقة لا يراها الإنسان الحديث حقيقة والأمثلة عديدة كالإعتقاد بأن الأرض مسطحة والنجوم مصابيح وراجمات للشياطين ألخ من كل هذا الهراء التي كانوا يعتبرونها حقيقة .
القول بحقيقة ومطلقة هو الهراء بعينه لأنه يَلزم التحقق الدائم منها عبر الزمان والمكان وهذا غير حادث بل علي العكس فقد أثبت العلم خطأ وهراء ما كانت تروجه الأديان من إدعاءات كونها حقائق مطلقة .
ترجع فكرة الحقيقة المطلقة إلى غرور الإنسان ورغبته فى التمايز , فالغرور دعاه إلى الشطط والمبالغة بإمتلاكه للحقيقة , والتعصب والرغبة فى التمايز دعته أن ينحاز لمعتقد يتصور أنه الأفضل والوحيد المُمتلك للحقيقة .
نبذ فكرة الحقيقة المطلقة هو تعبير عن موضوعية الإنسان وتواضعه أمام الحياة .

- وهم الغاية والقيمة والمعني الخارجة عن الإنسان .
بالطبع لا ننفي وجود غاية ومعني وقيمة تُحرك الإنسان ويُقَيم بها الأمور ولكن نقدنا يكون بتصور مفهوم أن هناك غاية ومعنى وقيمة خارجة عن الإنسان بيد الإله المُفترض , فهو من يوحي بالغايات والمعاني والقيمة بل يفرض غاياته وقيمه ومعانية ليتبعها الإنسان .
من البديهيات أن الغاية مفهوم وإرادة إنسانية ناتجة من وعيه وتفاعله مع الطبيعة والأشياء ليأمل فى صور معينة ويسعى لتحقيقها , كذا المعني والقيمة هى إستنتاج وتَقييم الوعي للأشياء وتفاعله ونظرته إليها .. أما توهم أن هناك غايات وترتيبات ومعاني وقيمة يبثها الإله أو يفرضها على الإنسان فهي نتاج عجز الإنسان عن فهم ذاته ووجوده عاجزاً وجاهلاً ومتهرباً من إدراك وتحديد مصيره , ليأتي هذا الوهم من منهجية فكرة العبودية الفكرية للإله , فالعبد لا يُقرر ولا يَحكم ولا يُقيم الأشياء ومن هنا ندرك خطورة فكرة العبودية التي يُراد لها أن تستمر .

دمتم بخير .
لا سبيل للتطور والتقدم والإنسانية إلا بالتحرر من الخرافة وتلك الأوهام العتيدة .