اتجاهات الرمز .. في ما قاله الغيم للعراق


طالب عمران المعموري
2021 / 6 / 21 - 01:42     

رؤيا تنهض من معاناة وأزمات وتساؤلات ، ينطلق من اللغة متمرداً عليها ليصنع لغة خاصة به وأسلوباً مميزاً، لغة تقوم على فعل الخلق في منطق الابداع موظفا إياها بالرمز ليثري بناءه الشعري ..
قصيدة (ما قاله الغيم للعراق ) من المجموعة الشعرية (فوق غابة محترقة) للشاعر جبار الكواز في طبعتها الاولى صادرة عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ، بغداد ، 2021 .
قراءة جمالية وهي جزء من مشروع "كتابي الاسلوب الرمزي وتشكيلاته الجمالية "
الشاعر العراقي البابلي الذي اسهم في نهوض الحركة الشعرية وخاصة في مجال قصيدة النثر ودعم الشباب وكل ما هو حداثوي واعني المرتبط بالمدينة والتكنلوجيا واعني المدينة ليست بما تسمى بالمصطلح (city ) وانما اعني (civil) اي المدنية وهذا ما ينطبق ويتماشى مع روح العصر وهما صنوان لا يفترقان مع قصيدة النثر ويرتبطان ارتباطاً وثيقاً.
(ما قاله الغيم للعراق) ) عتبة نصية تنهض بإنتاج نص مواز وهو اول تماس للمتلقي مع النص وهي تلعب دورا إقناعاياً واغرائياً للمتلقي للولوج الى عالم النص.
يحمل الشاعر قدراً كبيراً من المشاعر الإنسانية المختلفة؛ ليخفِّف عن وطأة أحاسيسه ومشاعره، وليعطي للقارئ فرصة الإحساس المتبادل مع أحاسيس الشاعر حتى يتكون نوع من التعاطف والتوادد استهل مجموعته الشعرية بعنونة (ما قاله الغيم للعراق) يحاول النفاذ الى أعماق الواقع مستكشفاً ابعاده المأساوية بمفارقة انزياحية اعتمدها الشاعر في صنعها بدافع فني وجمالي يخبئ المعنى فيزداد فضول المتلقي ويسعى للاكتشاف الغامض فيكون الغامض هو الاجمل ومن هنا يعمل معوله في جدار البنية اللغوية بحثا عن كنز المعنى ، موظفا الرمز كأداة للتعبير عن القضايا الموضوعية التي تتعلق بالرمز وتمركزت في نتاج الشاعر، ودارت معظم قصائده حولها، وان أبرز هذه القضايا الموضوعية التي حملتها رموزه تدور ، هي: الحزن والحب والموت والدين/ التصوف ، التي ترمز إلى النفسية المتألِّمة للذات الشاعرة وهذا ما يجب توفره في قصيدة النثر الوحدة العضوية حيث يعالج الشاعر قضية ذاتية او قضية كلية نفسية او فلسفية.
ابتدأ بالحب موضوعاً، يبوح الشاعر بحبه للعراق ولبغداد فيبثها مشاعره كل جزء منها، الشوارع الجسور الميادين محطة القطار، موظفا رموز مستوحات من الحقل الانساني والذي يمثل الرمز أداة مهمة من أدوات الشاعر المعاصر التي يتكئ عليها في إنجاز تجربته، يتجلى ذلك بثنائية الحياة والموت في بعدها الثقافي والوجودي، بحضور الحياة الايجابي حيث استهل نصه: ص5
وحينما...
اصطفاهم الغيم.ُ؟ُ
كانت رؤوسُهم ملبدةً بالنشيد.
وراياتُهم يبلّلُ عطرُها الثرى.
وكلماتهم شلال ضوء
يتوّجُ خطاهم
منّاً وسلوى ووطناَ
الماء في بعده الرمزي حيث وظفه الشاعر بعناصره وتحولاته المختلفة استنادا الى رؤيته للحياة في تحولها وصيرورتها( الغيمة ، النهر ، البحر،
الغيمة وهي من المفردات التي استثمرها الكواز للتعبيرعن الحياة والخصب والنهر وهو احد الرموز التي يوظفها الشاعر للتعبير عن التحول الروحي والوجودي الشامل ، والبحر يعبر عن السعة كما في قوله تعالى (لو كان البحر مدادا.. الآية)
اما الموت بحضوره السلبي ، فنرى حضور مكثف لرمز الموت حضور سلبي دلالة الجفاف والخواء الروحي وظف المفردات :
اشم الموت/ شواظ / سكاكينهم / رماد / يكفنونها/ دم فاقع/ دم / الدم/ دماء/ أعدموا ضريح/ الشهداء / روحك/ فداء/ وكما في نصه: ص6
كنتُ اشمُّ الموتَ.
وما شممتُه من قبل ولا من بعد
بسوى رجالهم الجوف.
يعد الرمز من أهم الأدوات التي تستر بها الشاعر ليعبر عما تكنّه النَّفس من مشاعر وأحاسيس، وعما يحمل الفكر من مواقف وتصورات
وقد عمد شعراء العصر الحديث إلى الاختباء وراء قصائدهم وعدم المباشرة والتقريرية
يعمد الشاعر في ايصال رؤيته وموقفه عن طريق الايحاء ، وتكمن أسباب اللجوء إلى الرمز – كما يرى محمد فتوح أحمد- إلى أن" النَّفس البشرية ذات طبيعة غامضة ومعقَّدة، لا تستطيع الوسائل المباشرة أن تعبر عنها؛ لذلك يلجأ الشعراء إلى الرمز للإيحاء بأغوار هذه النَّفس وتلك الحالات النفسية والعوالم الخبيئة التي تقبع في أعماقها، ذلك أن الرمز تمكّنه الطبيعة من تجاوز عالم الحس إلى العالم المجرد، وبالتالي فإنَّه يتسنَّى له أن يوحي بأعماق النَّفس وأغوارها الغريبة المدهشة" 1
وظف الشاعر الرموز الدينية والاسطورية والرموز الصوفية وتاريخية في تشكيل النص الشعري وتوضيح مواقفه الفكرية المختلفة نراه جلياً في
في مجموعته الشعرية: الامكنة ، الأزمنة، الاحداث، الأشياء ، الاشخاص ، عناصر تحقق عددا من الدلالات وتشارك في تقديم عدد من التأويلات :
الامكنة :بغداد ، الكرخ، الرصافة ،برثا، ذي قار، اسطنبول ، روما، السند ، الهند، الساحل الافريقي، سيناء، العقبة، بصرى، بابل، كوفة، كربلاء، الانبار الزقورة، أور، سومر، أكد ، آشور،مربد
الازمنة: الانكشاريين، الاباطرة، الصقالبة ،الزنوج، ،
الاحداث: محاكم التفتيش، سقيفة بي ساعدة ، حجة الوداع ، داحس والغبراء، البسوس ...
الاشخاص: الحلاج ، كسرى، سنمار، عطيل، ابن سيرين ، الخضر، اوديب ،هاروت وماروت ،قابيل ، هابيل، قيس، فان كوخ، دافنشي، بتهوفن، جواد سليم...
الاشياء: الابواب ،النخيل، الجرار، حطة ، طوبى،...
عناصر التكوين : الماء ،التراب ، النار، الهواء
الا ان ما وظفه في قصيدته(ما قاله الغيم للعراق) نراه جليا في نصه: ص6
ما زالت تتكحل بالشواظ
بين الرصافة والجسر.
فصار كحلُ مهاها
متاريس اغان وامان
رغم سكاكينهم الصدئة.
وهناك.... (الكرخ)
لائذا في (براثا)
ما زالت مهاهُ تراجع مقاهي الكحالين
وسط سابلة (المحطة العالمية)
و(علاوي الحلة)
لتكحل عيون( بغداد)
وفي نصه:
_(ركعتان في العشق لا يصحّ وضوؤهما الا بالدم)
_رحم الله (الحلاج).
_اي... نعم... بلى
اعطني دمعةً من كوثرها.
_بغداد كحل حياةٌ.
_امسنا... يومنا... غدنا...
_وي... وي... وي...
_دمعةً.
ما قاله الغيمُ للعراق 2
وحينما...
اصطفاهم الغيم.ُ؟ُ
كانت رؤوسُهم ملبدةً بالنشيد.
وراياتُهم يبلّلُ عطرُها الثرى.
وكلماتهم شلال ضوء
يتوّجُ خطاهم
منّاً وسلوى ووطناَ
أشقُّ طريقي بساقين احترقتا
تحاذران نيران صديدهم.
مشاعلنا تسقي عثراتي بكفّ
عبرت النهرَ دونما خوفٍ.
وقاب قوسين
او ادنى
كنتُ اشمُّ الموتَ.
وما شممتُه من قبل ولا من بعد
بسوى رجالهم الجوف.
وبغداد
التي اثكلها القنابلُ في ليلة عرسها
جرفا ونهرا.
ما زالت تتكحل بالشواظ
بين الرصافة والجسر.
فصار كحلُ مهاها
متاريس اغان وامان
رغم سكاكينهم الصدئة.
وهناك.... (الكرخ)
لائذا في (براثا)
ما زالت مهاهُ تراجع مقاهي الكحالين
وسط سابلة (المحطة العالمية)
و(علاوي الحلة)
لتكحل عيون( بغداد)
بمثقال شوق و رماد قصبة نايٍ يتيم.
كان المهذرمون ذووو اللحى
يسرقون الشوارعَ
ويكفنونها بهمساتهم السود.
وسط حقول دمٍ فاقع بالحب.
_كحلها ترياق.
_الأثمد طففه الميزان.
_الميزان يخشى مطر(أكتوبر).
_المطر دمٌ.
_الدم طرقات.
_الطرقات خوف واسى.
_الأسى خجول في عيون الشباب.
_الأسى منكسر
فوق غصن بان ال(مها)
كمدية في خريف حدائق الارواح
_أين بغداد؟!
_بين يديّ
تتوضأ بكوثر فجرها
و دماء أبنائها.
_(ركعتان في العشق لا يصحّ وضوؤهما الا بالدم)
_رحم الله (الحلاج).
_اي... نعم... بلى
اعطني دمعةً من كوثرها.
_بغداد كحل حياةٌ.
_امسنا... يومنا... غدنا...
_وي... وي... وي...
_دمعةً.
_القرى صابرات بعد أن اعدموا ضفائر جسورها باللهيب
_في مخاض ضريح الشهداء.
الشهداء ما زالوا في وليمة الانكشاريين
يدافعون عنها.
_كيف اكسر طوق الرؤيا
وارشّهم بماء كوثرها؟!
_دمعة منه تكفي متراسا.
_الكوثر؟!
_كوثرها بغدادنا.
_ما ان يطفيءَ جسدك
حتى تتصاعدُ روحُك فداءً رغم دخانهم.
_يااااااه!!
ياله من رؤيا نصيب موؤد!
_أتراني بغدادُ وانا فوق عقال ( زقور تها)؟!
_"بعينيّ
_بيديّ
_بساقيّ
_بلساني وقد داهمه الخرسُ
_بمثقال قبلةٍ
-رأيتك في الجسر مغنيا
وفوق عقال الزقورة البغدادية
تحتضنك بغدادُ
_ذاك زمان مضى
_لا... لا.. لا.. هذا زمان آتٍ
الشباب في المتاريس
لن ينعسوا وقد نعس الليلُ.
قناديلهم رسلٌ.
اكفُّهم حقولٌ.
افقهم شموسٌ.
وفجرهم ولادات.
والمهذرمون لن يذبحوا( بغداد)
فكوثرها يمحو دخانهم
_بل يمحوهم
ويوقظ عنقاءها.
ويشقّ ظلامهم.
بشواظ ارواحنا.
ومن عيوننا.
ابدا...........
جزء من مشروع "كتابي الاسلوب الرمزي وتشكيلاته الجمالية "