رواية السيد حمار بعد التطوير ح4


عباس علي العلي
2021 / 6 / 19 - 16:45     

في فجر اليوم السادس أطلقت الحيوانة من خارج السياج قرب مجموعة الإناث بشكل لا يشعر به السيد حمار، مع أول ضياء أشرت المستقبلات في أجهزة التحكم إشارات كثيرة لم يستطيع الفريق البحثي تفسيرها على عجل تفيد هذه الإشارات إلى ردات فعل غير منضبطة أو ليست على نمط واحد، كان المستر دونكي يستشعر عن بعد ربما رائحتها أو لديه إحساس ما أن رفيقته قريبة منه، نهض نشطا وذهب كل ذلك الوهن والإرهاق والجوع فجأة عنه ليجدد البحث، كان أتجاهه في البحث تماما نحو مجموعة الإناث التي قابلت قدومه أيضا بنوع من التصرف الغير مفهوم، فقد تزاحمن على خط سيره وكأنهن يرحبن به، من بين الفراغات بين أجسادهن المتحركة شاهد حبيبته خلف السياج فمضى سريعا نحوها غير أبه بحفل الأستقبال الذي كانت عليه الأربعة.
حاول بكل جهد أن يمزق الشبك المعدني الذي يعزلهما بكل طريقة غيما لم ترد السيدة حمارة بأي ردة فعل تتجاوب مع محاولاته المتكررة للوصول إليها وبقيت تقضم الحشائش مرة وهي تهز بذيلها وترمقه بنظرات لا أبالية، المجسات الإليكترونية مزدحمة بالإشارات الغير مفهومة التي يصدرها عقله وتكاثرت حتى لا يكاد يلحق المبرمجون من تفسيرها أو بيان دلالاتها، لكن هناك أنخفاض حقيقي في ردة الفعل السلبية التي تسجلها أجهزة الكمبيوتر، قد يكون نوعا من الأستقرار المتأتي من نجاحه في العثور عليها وربما أيضا تجدد الأمل لديه أنه سيكون قريبا مما يحب.
عمد المشرف الميداني على المزرعة أن يفتح جزء من السياج المعدني الفاصل بين موقع التجربة وأرض المحمية لكنها بعيدة نسبيا عن مكان وجودهم لقيس قدرة السيد دونكي على التصرف الواجب، وأيضا لبيان ميل الحمارة للذهاب نحوها والعبور غلى العاشق الميتم، الغريب أن السيدة حمارة كانت فعلا تسير نحو الفتحة ويرافقها من الجهة الأخرى بشكل موازي، قريبا وبمسفاة أمتار كان الحمار يهز ذيله بقوة وهي إشارات فرح وترحيب حتى لمح الفتحة فأسرع بكل قوته نحوها ليعبر للجهة المقابلة وهو لا يكاد يصدق أنه وجها لوجه أمامها، كان يدور حولها ويحاول أن يشمها أو يعطي لها أنطابعا أنه سعيد بعودتها إليه، كانت اللئيمة لا ترد بنفس تلك المشاعر ومضت بأتجاه الفتحة لتدخل قبله إلى الحضيرة حيث كان العلف والماء متوفر بكثرة.
بالقرب من مكان العلف شارك وبنهم هذه المرة في تناول العشب وألتهام العلف وكانه يكتشف لأول مرة قيمة الطعام، لم يعد يهتم بأي شيء أخر فقد وجد ضالته وعادت الأمور لمجاريها فيما لا زالت المجسات تسجل تراجعا كبيرا في الإشارات السلبية التي تم تسجيلها في الأيام السابقة وأستبدل السيد حمار تصرفاته بروح دعابة وملاعبة مع عشيقته التي لا تدري ما السر وراء كل هذه التصرفات، كلما حاولت بقية الإناث التقرب منهم كان يواجهها بالعنف أحيانا وأحيانا بالتجاهل لأنه لا يرى في وجودها سوى إزعاجا متعمدا لا داعي له.
في مساء تلك الليلة أجتمع الفريق البحثي وأعتمادا على التقارير المستخرجة من أجهزة الكمبيوتر المرتبطة بالشرائح المزروعة في دماغ السيد دونكي، لغرض التحليل والفرز والقياس ومن ثم تقرير ما يجب عمله في المرحلة القادمة وخصوصا التجربة الخامسة والأخيرة والتي على أساس نتائجها سيبدأ المشروع فعليا بخطواته العملية على بقية الحيوانات المختارة، الفريق التقني قدم تقريره العلمي الذي تضمن أن عملية الزرع وما رافقها من قدرة على التاثير في ذكاء الحيوان ناجحة لدرجة ممكن معها أن تمضي التجربة للأخر، في حين أن الفريق النفسي وفريق التصوير والتوثيق كانا الأكثر جدالا فيما يخص منح الحمار المزيد من المحفزات العقلية والإشارات السلوكية عبر الشرائح حتى يتمكن من تقرير مقدار النجاح الفعلي للمشروع.
لم يبقى في نهاية الأجتماع بعد الجدال الطويل والمحاججات المبنية على نتائج قاعدة المعلومات المسجلة والموثقة في أجهزة التخزين والفرز، من بد حتى تبدأ المرحلة الأخيرة من التجارب العلمية والعملية، قال السيد رئيس الفريق البحثي وهو برفسور في علم الذكاء الصناعي جملة قد تكون هي أحدى الحقائق التي تعلمها الإنسان في مسيرته التأريخية، وما سماها هو بــ (النكوص العقلي المعاكس) وملخصها الإنسان سهل جدا أن يعود لحيوانيته بدون تدخل في زرع رقائق أو ما شابه، يكفي أن تثير فيه النوازع الطبيعية بدون تحفظ ولا ضبط فيتحول تدريجيا إلى حيوان شرس، لكن من الصعب جدا أن تجعل من الحيوان الطبيعي قريبا من الإنسان مع كل ما بذلناه من تخطيط وعمل مرهق.
حدد الفريق البحثي تاريخ بدء التجربة الأخيرة بعد ثلاثة أيام مع تكليف الفريق النفسي تحديدا إعداد مخطط سلوكي أكثر فاعلية وتأثيرا على سلوك الحمار، وأن تتم تحويل تلك الأفكار إلى برنامج متقدم تمكنه من أن يثير لدى مستر دونكي المزيد من الأفعال المتعقلة وقريبا من السلوكيات البشرية، ملخص التجربة الأخير كان يتضمن إدخال أربعة حمير ذكور إلى مكان التجربة وإخراج الإناث الأربعة منه في محاولة قياس وتسجيل ردات الفعل التي سيكون عليها المستر دونكي وهو يواجه منافسة جديدة أو ربما تعريضه لامتحان أخر أقسى من عزله عن حبيبته، حاول الفريق البحثي أن يختار نوع من الحمير القوية والتي تمتاز ببنية جسدية قوية، كذلك قرر الفريق البحثي أن يزيدوا من كمية العلف المطروحة في مكان التجربة وجمعها في مكان واحد لإجبار الجميع للتواجد معا ربما تثير هذه التجربة مقدار الأهتمام لدى الحيوان بين الطعام أو الجنس.