عقدة الأبيض المتفوّق


حسن مدن
2021 / 6 / 18 - 20:47     

عندما كتب فرانز فانون كتابه الشهير: "بشرة سوداء، أقنعة بيضاء" كان في السابعة والعشرين من عمره فقط، ولكنه يقول في المقدمة إن الكتاب كان من المفترض أن يكتب قبل ثلاث سنوات، ولم يفعل ذلك، لأنه حرص على تفادي الحماسة، وانتظر أن تهدأ الأمور كي تقال الحقائق من دون أن ترشق وجوه الناس بعنف .
بعد عقود من ذلك سيأتي باحث من أصول إيرانية، مقيم في الولايات المتحدة ويحمل جنسيتها، هو حميد دبشي ليؤلف كتاباً آخر، عنوانه: "بشرة سمراء، أقنعة بيضاء"، وكما نرى فإن الكتاب يحمل تنويعاً على عنوان كتاب فرانز فانون، فبدلاً من "البشرة السوداء" في كتاب فانون اختار دبشي "البشرة السمراء" .
ثمة فروق مهمة هاهنا: كان عمر دبشي عندما وضع كتابه سبعة وخمسين عاماً، و"أن تكون غاضباً ومتحمساً في السابعة والعشرين شيء، وأن تكون في السابعة والخمسين شيء مختلف جداً" . وفانون وضع كتابه في الجزائر موقع الكولونيالية الفرنسية، أما دبشي فكتبه في نيويورك العاصمة التجارية للإمبراطورية الجديدة .
لا نعلم إذا كان مجرد اعتراف أو أنه تماهٍ واعٍ أو غير واعٍ مع فانون حين يقرر دبشي أن ما أغضب فانون وحمله على كتابة كتابه هو نشر رواية قصيرة كارهة للذات ألفتها مواطنته مايوت كابيشيا عنوانها: "أنا امرأة مارتينيكية"، فيما أجبر دبشي على كتابة كتابه نشر السيرة الذاتية: "قراءة لوليتا في طهران" لآزار نفيسي .
كان اشتغال فانون على العلاقة المعقدة التي حكمت الأفارقة، والسود عامة، بالكولونيالي الغربي، مستخدماً في ذلك مهاراته التحليلية كطبيب نفسي، أما ما يفسر استبدال دبشي للبشرة السوداء في عنوان كتاب فانون بالبشرة السمراء، فهو اشتغاله على العلاقة المعقدة أيضاً، بين المسلمين، أصحاب البشرة السمراء عامة، مع هذا الغرب، هو الذي يعيش في نيويورك التي شهدت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول .
فانون تحدث كيف أن السود من جزر الأنتيل كانوا يحاولون من دون جدوى تقليد اللهجة الباريسية، كي يظهروا تماهيهم مع "حضارة" المستعمر الفرنسي، ودبشي تحدث كيف كان "العربي - الأمريكي" فؤاد عجمي يطل من على شاشات التلفزة الأمريكية مبرراً غزو العراق واستباحة أراضيه، ليناقش "معتقدات أولئك العرب"، موحياً لمن يسمعه أنه ليس واحداً منهم، فهو أمريكي ولم يعد عربياً .
سوداء كانت البشرة أو سمراء، يظل البعض من أصحابها مأسورين بعقدة الأبيض المتفوق.