الإلحاد والتطرف


نعيم إيليا
2021 / 6 / 18 - 13:24     

الإلحاد هو الوجه الثاني للدين ولكن بما هو نقيضه. فإذا كان الدين إيماناً بوجود خالق وتعبداً له، فإن الإلحاد هو نفي وجود هذا الخالق والتحرُّر من عبادته. والتحرر من العبودية نتيجة لازمة عن النفي، فلا معنى لأن يعبد الإنسان مَنْ أو ما ليس له وجود.
وإذ بان تعريف الإلحاد واتضح، فقد يجب الانتقال إلى أمر ثان لا يختص به الدين دون وجهه الثاني ونقيضه الإلحاد، ألا وهو التطرف. إن التطرف في الدين، وفي الإلحاد صفة مشتركة بينهما. وما اشتراك الدين والإلحاد في صفة التطرف هذه إلا من كون الدين والإلحاد وجهين لمادة واحدة هي (الاعتقاد) فكلا الطرفين يعتقد: فأحدهما يعتقد اعتقاداً (يوجب) أن يكون للخالق وجود، وثانيهما يعتقد اعتقاداً (ينفي) أن يكون لذاك الخالق من وجود. والإيجاب والنفي على كل حال، يشتركان ههنا في أنهما قد وقعا على شيء واحد هو الخالق من جهة أنه موجود أو من جهة أنه لا موجود.
وحين يتُحدَّث عن الإلحاد أو الدين في هذا المقام، فإن المعنيَّ بالحديث أفرادُ الاثنين؛ لأن الإلحاد وكذلك الدين، ليس لهما وجود واقعي بغياب أفرادهما. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن وصم الإلحاد أو أفرادِه بالتطرف، وكذلك وصم الدين أو أفراده به بإطلاقٍ، لا يستقيم. فربَّ ملحد يكون معتدلاً رزيناً، ورب دَيّن يكون مثله معتدلاً رزيناً. ورب ملحد يكون بمقابل المعتدل متطرفاً أهوج، ورب ديّنٍ يكون بمقابل الديّن المعتدل متطرفاً أهوج.
وللاعتدال والتطرف عند الفريقين، بواعث وأسباب. فهل يمكن حصرها في نقاط متسلسلة؟
الحق أن ذلك ممكن! وأول هذه البواعث: التركيب النفسي للملحد أو الديِّن، ثم التركيب الذهني، ثم الحالة الاجتماعية لكليهما، ثم العقيدة التي يعتقدان بها.
فإذا كان الملحد أو الديّن يعاني اضطرابات نفسية، فلا بد لهذه الاضطرابات النفسية من أن تنعكس على قوله وسلوكه. فإن كان سليماً منها معافى، فسينعكس ذلك أيضاً على قوله وسلوكه.
وإذا كان الملحد أو الديّن ضيق الذهن بليداً، فالراجح أن يميل إلى التطرف والهمجية.
وإذا كان الملحد أو كان الديّن، ذا منبت اجتماعي رديء، فالراجح أن تؤثر رداءة حالته الاجتماعية في منطقه وسلوكه.
وإذا كان كل منهما ملتزماً التزاماً حرفياً بعقيدة متطرفة، فلا بد لهذا الالتزام من أن يجردهما من صفة الاعتدال والتعقل والرزانة ويأخذَ برأسيهما ويجرَّهما إلى التطرف والعنف. والأمثلة على قوة تأثير العقيدة المتطرفة الراديكالية في نفوس الملتزمين بها لا يحصيها عدٌّ. وحسب المرء التذكير بالفاشية والنازية والستالينية والماوية في عصرنا، فهي خير دليل على أثر العقيدة في نفوس أتباعها.
وإنه لمجدٍ في هذه العجالة، إيراد أمثلة بدرت من متطرفين زاروا موقع (الحوار المتمدن) أو كتبوا فيه.
ففي مرة شنّت كاتبة مجهولة باسم مستعار من شمال أفريقيا ملحدة متطرفة هجوماً عنيفاً شرساً على نفر من كتاب الحوار المتمدن لأنهم في زعمها يغازلون الدينيين بدلاً من أن يستأصلوا شأفتهم، أو لأن لهم في زعمها ميولاً دينية. وهي التي أيضاً شمتت بنكبة مسيحيي العراق على يد الدواعش. وهي التي لو كانت تعلم من هم الإيزيديون، لكانت شمتت أيضاً بما لقيه هؤلاء المسالمون الأبرياء من بنات برح ومن مآس دامية ولا دامية.
وفي مرة لم يحتط كاتب ملحد هو السيد نيسان سمو الهوزي فجعل يعنف المعترض على رأيه تعنيفاً لفظياً، والتعنيف اللفظي كما هو معلوم، لا يحول حائلٌ دون أن ينتهي في الواقع إلى نتيجة مُستكرَهة. ومما ردَّ به الكاتب المشار إليه على الذي اعترض على رأيه من مخالفيه:
„ أعلم اعتراضك، وسيكون ردي عليه دوماً: سدَّ بوزك واسكت " .
وفي مرة ادعى أحدهم ويدعى أنور أنور، وهو ملحد أيضاً، في تعليق له على مقالة منشورة في موقع الحوار المتمدن للكاتبة السيدة فريدة رمزي شاكر التي كانت تناولت بالمعالجة روايةً للكاتب يوسف زيدان.. ادعى السيد أنور على المسيح أنه إرهابي، وادعى على الأقباط أنهم لم يقتلوا الكاتب يوسف زيدان؛ لأنهم أقلية أي لأنهم خافوا من بطش الأكثرية، علماً بأن زيدان خارج عن إجماع الأكثرية، ومكروه منها. كما ادعى أن الأقباط الذين فتكوا بهيباتيا، إنما فتكوا بها امتثالاً منهم لوصايا المسيح.
ولا شك في بطلان ادعاءاته، ولكنه التطرف يبرر له أن يتكلم بالباطل. وهو عين التطرف الذي يعطل العقل عن التفكير المتزن القائم على الحجة والدليل والشاهد.
فأما أمثلة التطرف الديني، فكثيرة ككثرة الحصى.