متى يوجد العراق .. كيف؟/6


عبدالامير الركابي
2021 / 6 / 17 - 15:53     

"وطنيتان" هما تجليا المجتمعيةعبر مسارها التصيري التاريخي التحولي، أولى ارضوية أحادية مثالها الاعرق الحالة النيلية المصرية، واعلاها الاوربية الحديثة، ولا ارضوية مغفلة مؤجلة، هي عند الاكتمال، تجلي اخر الزمان المجتمعي على مشارف التحول، مقصد وغاية وجود المجتمعات الذي يبدا بانتكاس وتعذر تحقق بسبب النقص والافتقار للأسباب المادية الضرورية، بانتظار توفرها عبر التفاعلية المجتمعية الشاملة للظاهرة المجتمعية.
يعني ذلك من زاوية أخرى، ان مايعرف بالظاهرة المجتمعية، ومايشيع عنها وعن ظهورها واكتمال مقوماتها، هو بالأحرى مفهوم عائد الى نوع ونمط مجتمعيه بعينها، قاصرة اعقالا، وسابقة على تبلور الظاهرة المقصودة، وبالذات على تجلي مايقابلها وينطق باسمها من تصور ومفهوم، من المنطقي ارتكازه الى رؤية تنظر للمجتمعات كحالة "تشكل"ماقبل "التبلور"، او التحقق النهائي، أي ان بدايات مايعرف بالمجتمعية التي يؤرخ لظهورها ب(التجمع + انتاج الغذاء)، هي بالاحرى مجرد انطلاق ظاهرة، محكومة بالمرور بطور تصيّر تاريخي مديد يقارب العشرة الاف عام، قبل ان تكتمل تبلورا مع اكتسابها النهائي خاصية اللاارضوية التي هي كينونتها الأساس والاصل.
من اهم واكثر مناحي التشكلية القصورية المجتمعية الجاري التنويه بها، ظاهرة الوقوف دون ادراك منطوياتها، والمضمر الكامن فيها عقلا، مايجعل منها ظاهرة تفتقر الى ادراك الحقيقة التي تشملها، والاليات الفاعلة التي توجه حركتها نحو الهدف المضمر القابع فيها، وداخل كينونتها، الى الحد الذي يجيز، لابل يكرس الاعتقادات بخصوص انطواء الظاهرة مدار البحث على غرضية ذاتيه، انطلاقا من الاعتقاد بنهائيتها، وكونها غاية بذاتها، لا وسبلة خاضعة لاشتراطات انتهاء الصلاحية الموقوفه على بلوغ الهدف المقصود منها.
والغريب الفاقع في المنظور الارضوي الأحادي لظاهرة المجتمعية، القول بظهورها بحال اكتمال نهائي، على عكس كل ظواهر الطبيعة، والحياة المحكومة للتحولية وللتصيّر الانتهائي، من نوع مثلا تصير حالة اللقاط والصيد الاسبق مباشرة على المجتمعية، بانقلابها الى "مجتمعية" منتجه للغذاء، وكذا ماهو اسبق من ذلك، وصولا الى السياقات النشوئية الحيوانية واطوارها وتحولاتها من شكل وصيغه الى أخرى، عبر العضايا واللبونات وماقبلها كمثال، وصولا الى الكائن المنتصب على قدمين، والذي يستعمل اليدين، حتى الانقلاب النوعي مع انبثاق العقل، ذلك بينما يفرض على الظاهرة المجتمعية منطق الجمود والانتهاء بصيغته المعتمدة التطورية الثباتيه، مع الياتها التي من نوعها، بدل التحولية المتوافقه مع الحقيقة الكونية، دليلا على القصور الاعقالي، مثلما ينظر الى الكائن البشري الانسايواني بصفته "وحدة" جسدية نهائية، العقل فيها تابع للجسد، مكمل له، يطلق عليها اعتباطا اسم "الانسان". فكانما لانهاية ولابدء اخرنوعي تحولي ينتظران تتمخض عنه الظاهرة المستجده المجتمعية، فيعقبها متولدا عنها، ومن بين تضاعيف كينونتها، الامر المطابق للطبيعة ولقوانين الوجود المختبره والمعاينه الملموسة.
ولايبدو مثل هذا التصور القاصرعن المجتمعية غريبا على "العقل" ماقبل المجتمعي، أي ذلك المتخلف من زمن وخبره طور اللقاط والصيد، ووطاة الجسدية الارضوية، قبل ان يتصير وسط مسارات التشكل المجتمعي، وصعوده باتجاه ماهو ميسر له ومقدر مستقبلا، باعتباره الغاية التي توجد المجتمعات وتتشكل كوسيلة، غايتها تامين ترقي العقل وتصيّره حتى بلوغه السوية اللاارضوية، أي الحقيقة المجتمعية الاساس.
يومها تحق الانقلابيه العظمى الانتقاليه موضوعيا، مع حلول منظور المجتمعية بديلا عن الارضوية واشتراطاتها، بما في ذلك ماديا على مستوى الوسائل التحولية، وواقعا باختفاء الأسباب الارضوية مع حلول زمن "العيش على حافة الفناء" المرافق للالية، والمتولد عنها، الامر الذي يقابله من طرف أساس، اكتمال مقومات العقل اجتماعيا، وبدء مغادرته التشكلية الارضوية، بينما تكون الافاق التحققية قد انفتحت امامه واكتملت، في الوقت الذي يصبح هو ضرورة ملحة، ولزوما لامجال لاستمرار الوجود من دونه، وبلا حضوره ودوره الحاسم والفاصل.
اين يكون وماهو موقع ذلك المكان الذي وجد أصلا وعاش تاريخه كله على مدى دورات ثلاث، بصفته حالة لاارضوية، مضطرة للرضوخ للغلبة الارضوية، للتعذر الاني، وبفعل مايكون ناقصا ومحتاجا للاكتمال، عبر اكتمال التشكلية المجتمعية الشاملة على مستوى المعمورة، وماهي ياترى الاشتراطات الأصل، وتلك المستحدثة التي تستجد مع وصول الارضوية الأحادية قمة تجسدها، وتجلي نمطها ونوعها المجتمعي، وغلبتها العالمية .
لم يكن غريبا على الكيانيه الرافدينيه ابان دورتها الثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، ان تطلق مفهوم"الانتظارية المهدوية"، مع جملة منظورها واسطوريتها المتجاوزه المتعدية للارضوية والقائلة كعادة اللاارضوية، بخرق العادي و "الطبيعي"/ اختفاء المهدي وفرضية استمراره حيامع اختفائة عن الأنظار كما هي حال اللاارضوية/ بغض النظر عن ملامح القصورية النبوية الابراهيمه الغالبة على المنظور المنوه عنه، بحكم استمرارغلبة اشتراطات النبوية حتى حينه، ممثلة بقراءتها الأخيرة المحمدية الختامية، الحدسية ماقبل العليّة،فما هو جدير بالاهتمام في الجوهر هو الذهاب الى اعلان إيقاف العمل بالنبوية باعتبارها لحظة غير مؤهلة حين تؤخذ كوسيلة للتحققاللاارضوي، مايدعو لايكال الحل الى مابعدها حيث "اخر الزمان"، الذي صار يمكننا اليوم ان نطلق عليه تسمية "الزمان الارضوي" الذي يختتم بظهورالمهدي بترجمته حسب المنظوراللاارضوي الراهن الى انبثاق"اللاارضوية"التحققية، وانتهاء الزمن الارضوي.
هكذا يتوافق العقل والتكوين التاريخي في موضع بعينه، مع روح تجاوزالشاخص نحو ماهو كامن تحولي متعد للقائم، غير متحقق بعد، بما يتطابق والايقاعية اللاارضوية للمكان. وعلى هذه الشاكله وبحسب تغير الظروف بين الدورتين الرافدينتين، الأولى والثانيه، يتجلى شكل التعبير عن الانتكاسية إزاء المنطوى والهدف، مابين لاتحققية انتظارية ثانيه، بعد الاولى اللاتحققية، يوم وجدت شكل تحققها البديل خارج ارضها، للامتناع المتاتي من انتفاء ممكنات التحقق في الراهن،او الاستقلاليه الكيانيه النافية للكينونه الازدواجيه، بالتعبيرية الأولى السماوية/ شكل وصيغة الكونية الأولى المتاحة/ "الابراهيمه النبوية"، دلالة على الطور الأول من اللاارضوية المنتكسه، وممكنات استمرارحضورها وسط الشروط الارضوية المجافية، والغالبة موضوعيا ابان مرحلة التشكل اللاارضوي التحولي، املا بالتحقق عند انتقال المجتمعية، من حالة التصيّر الى التكامل البنيوي/الغرضي.
نقترب اليوم من نهاية الزمان الارضوي، بينما تشارف على الاكتمال أسباب تجسد ،اللاارضوية، والاتجاه نحو مابعد مجتمعية، فلا يعود الراهن المؤقت اللاارضوي بصيغتيه، (الابراهيمية/ الانتظارية)،لازمان ولا قابلان للاستمرار، لانتفاء الضرورة والمبررات، فالانتقال الى العالم الاخر، او "الاكوان العليا"، كما تحقق "العدل المطلق" المهدوي المتخيل، قبيل انتهاء الز من الأرضوي، وحلول الساعه، يصيران اليوم ومن هنا فصاعدا، واقعا معاشا انقلابيا متخلصا من وطاة المؤقتيه واشتراطاتها الحدسية الالهامية، الموازية للارضوية ابان طور غلبة وطغيان الارضوية ومنظورها ونماذجها.
وفي هذا اليوم بالذات يصير العراق قابلا للوجود، سائرا الى الافصاح عن ذاته، قادرا على النظر لها بعينه هو، بعد ان عاش لالاف السنين يراها بعين سواه، وقوة وطاة القصور الاعقالي، وهنا مع اللحظة المنوه عنها، يسمع اليوم هادرا ومضمرا، دوي النهوض الأعظم المكبوت المعتق، الممنوع من النطق. ومن وسط الخراب الشامل والموت، وتوقف أسباب الحياة، والغرق الطويل في الكارثة المتوالدة منذ عام 1980 تباعا، يتاسس بالتناظر مع انحسار الغربوية، وانكشاف عجزها الارضوي الأحادي، وانتقال الفعل الى الأرض الامريكية المكتشفة والمجتمع المفقس خارج رحم التاريخ، عند لحظة موت الايديلوجيات، والطبقات وفعلها والياتها التوهيمه المنتهية مع الالة،مع تعاظم الانغلاق والتردي الغربي المتواصل، وانسداد الأفق بظل وطاة الايقاعيه التكرارية العقيمه، وموت وقحط الأفكار الكبرى، وغلبة اليوميات الانتاجوية والحاجاتيه، وتعاظم الشعور باللاجدوى والانغلاق القاتل.
هذا بينما يتعاظم باطراد التناقض بين الالة/التكنولوجيا كوسائل تحوليه، وبين بنية الغرب الارضوية الأحادية، وهي تضع ماقد انتجته وتحقق داخلها، ويفوق قدرتها على الاعقال، ضمن اشتراطات الارضوية الانتاجوية، المحكومة لوهم التطورية الثباتيه التي تعتبر المجتمعية نهائية ابدية، مستثناة من قانون التحول الكوني، وقابله للتطوراللانهائي بما هي غاية بذاتها، الامر الذي يولد تناقضا أساس، بمنتهى الخطورة، يجعل من الاله والتكنولوجيا وسائل تدمير وخراب للحياة على الكوكب الأرضي، الامر الذي يتطلب ويحفز ثورة عظمى تصيرية على مستوى الاعقال الوجودي، والدلالة على نوع ومسار العالم والمجتمعية المطابق للضرورة، وللحظة التحولية الحالة على الكوكب الأرضي ومجتمعاته، حيث ساعة "العودة على بدء"، وشخوص الالق اللاارضوي المضمر، الممنوع، المودع في ارض المجتمعية اللاارضوية التحولية الأولى.
ـ يتبع ـ