رواية السيد حمار بعد التطوير ح2


عباس علي العلي
2021 / 6 / 17 - 02:48     

خضعت مجموعات الحيوانات المختارة إلى عمليات جراحية معقدة تم فيها ربط مجموعة من الشرائح الإليكترونية في أدمغتها وتم توصيلها مع الشبكة العصبونية بشكل محكم وع ضمان أن لا تتأثر هذه المزروعات بالحركات العنيفة أو التصرفات الطبيعية التي قد تحدث أو متوقع حدوثها عادة، الفريق المراقب أتخد أماكنه المحددة ومع عشرات الأجهزة التي تستقبل الإشارات القادمة وتقوم بتحليلها وترصيفها ودراسة ما تعبر عنه أو ما يفترض أن يتم التعامل معها، نحو أكثر من مئة وخمسين فنيا وعاملا في كل فريق يعملون ليلا ونهارا وبدون كلل أو ملل، بالرغم النتائج التجريبية التي حصلوا عليها قبل البدء بالمشروع وأثناء التجارب الفعلية، لكن هناك إحساس بالحيرة وأحيانا الشك في أن تقبل الحيوانات على التقيد طويلا بردات الفعل التي تأتيها مباشرة من أجهزة التحكم وتجبرها على فعلها كما هو مخطط في المشروع.
في أخر المراحل التجريبية قبل البدء بأطلاق المشروع أجرى الفريق البحثي خمس تجارب نوعية على مجموعة السيد حمار، الأولى كانت الكشف عن الإنفعالات الحسية التي ترافق عملية تحريك المشاعر الجنسية لدة السيد حمار من خلال ما تم برمجته في الرقائق، وضعت خمس أناث من الحمير المهيأ لمرحلة التزاوج في زاوية من الحديقة الكبرى المتخذة كمعمل أبحاث والمهيأ فيها كافة الظروف الموضوعية التي تساعد على المراقبة والكشف، كان البرنامج المعد أساسا أن يختار السيد حمار زوجة واحدة من بين الخمسة، وأفترض الباحثون أن الإشارات التي ستبعث عبر الرقائق الإليكترونية المزروعة في الدماغ أن يتحكم الحيوان فعلا بمشاعر مخصصة لواحدة فقط.
في البدايات الأولى كان السيد حمار مضطربا مع وجود خمس أناث من الحمير كلها تحيط به وهي منفعلة بحاجتها لذكر للتلقيح، الملاحظات الأولى المسجلة من التجربة أن هناك ردات فعل غير مفهومة وغير مفسره أبداها الحيوان تجاه الإناث، كان مضطربا وغير قادر على أختيار واحده منهن، وكأن الأمر لم يستقر في ذهنه كالمعتاد في حالات متشابهة، في الجانب الأخر من الحديقة كان هناك أيضا حمار وخمس أناث بنفس الحال الذي وضع فيه السيد دونكي لكنه غير مبرمج ولا متحكم به، الغرض من وجود المجموعتين هو قياس فرق الأثر بينهما على أساس قوة التحكم المبرمج من خلال الشرائح المزروعة.
في الساعة الأولى بالنسبة للمجموعة الثانية مارس الحمار الجنس مع أنثيين منهن، كان أشبه بالمجنون ولكن الإناث كانت كمجموعة أيضا تتصارع فيما بينها للحصول على خدماته، المشهد تراجيدي هنا أكثر منه كوميدي في الجانب الأخر، مضت الساعات الثلاث على المجوعة الثانية وقد أدى الحمار الواجب المفترض مع كل الحميرات وأرضاهن، لكن السيد دونكي ما زال كلما يقدم على إحداهن يتردد ثم ينزوي قريبا مع أحد الحيوانات التي في كل مرة يذهب ويعود لها، لم يسجل الفريق البحثي أي خيار غير تلك الحيوانة المرقمة بالرقم 4.
فسر الباحثون أن خيار السيد دونكي سيكون بالتأكيد لمصلحة الرقم 4 وسيفعل ذلك حتما معها، هذا ما حدث بالفعل بالرغم من الشغب الذي حدث بين الحيوانات لكن قريبا من أخر النهار فعلها وتقرب كثيرا من المختارة، كان قراره صعبا وقد يكون قرار متخذ على أسس عاطفية أو نشأ عن علاقة حب مفترضة صاغها البرنامج بين السيد دونكي وعروسه الفاتنة، الغريب أن المختارة من بين الحيوانات كانت فعلا هي الأجمل شكلا والأصغر عمرا بينهن، كان دونكي السيد قد نجح في التعبير عن خيارات عاقة أو تتوافق مع منطق العقل، هذه التجربة شجعت الباحثين على مواصلة العمل في التجربة رقم 2 والتي ستثبت أيضا أنه يمكن للعقل ومن خلال البرمجة المؤثرة أن ينحاز إلى ما يوحى إليه من خيارات وقد يتحول السيد دونكي ولأول مرة في التاريخ إلى فئة المتعقلين الأذكياء من أبناء العم حيوان.
بالرغم من مرور بضعة أيام على مرحلة التزاوج عند المجموعتين وأنصراف بطل المجموعة الثانية وزوجاته الخمسة عن ممارسة العملية الجنسية والبدء بمرحلة عدم الأهتمام المتبادل بينهم، إلا أن المستر دونكي بقى ملازما لزوجته في في الحديقة، فهو يرافقها في معظم الوقت في الرعي ويجلس دوما قريبا منها، أما الحيوانات الأربعة المتبقية فهي تحاول الأقتراب منه أو محاولة إثارته لكنه لا يبدي أي ردة فعل، إلا ربما بعض الهمهمات التي يبديها أحيانا سرعان ما يعود عنها إلى مرافقة زوجته، الشيء المستغرب أيضا أنها تبدي إنزاعجا أحيانا من كثرة ملازمته لها وتتصرف بعنف وحديه معه، هذا لا يمنعه أبدا من مواصلة اللحاق بها.
الخبير النفسي الذي يحلل المعلومات الواردة إلى أجهزة الحاسوب من الشرائح المزروعة والتي تشير إلى أن المستر دونكي ربما يريد أن يبقى مع حيوانته المفضلة دون أن يفهم لماذا ترفض ذلك، التقرير الأولي النفسي أيضا يشير إلى أن تصرفه هذا يعبر عن ميل أجتماعي جديد لم تألفه الحيوانات عادة وهذا ما يفسر تصرف الحمارة التي ترى فيه خروجا عن الطبيعة التي جبلت عليها، نحن إذا أمام تصرف وتصرف مضاد الأول طبيعي والثاني أستثنائي، ربما أكتشف مستر دونكي أن العلاقة التي تربطه ليست علاقة نزوة حيوانية أعتيادية، إنه يستجيب فعلا للمؤثرات البرمجية ويتجاوب معها، هذه علامة مشجعة أخرى تؤكد أحتمالية القدرة على المضي إلى التجربة الثالثة في سلسلة تجارب ما قبل أنطلاق المشروع رسميا.
التجربة الثالثة كانت محورية في نتائجها وما يتحصل منها سيكون فاعلا في وضع أسس الثقة في المشروع بأكمله، من ردات الفعل التي أبداها السيد دونكي أتضح أنه يحاول أن يتأقلم مع الطبيعة الجديدة التي يفرضها البرنامج عليه، النتائج السابقة وإن كانت مشجعة لكنها تبقى نتائج ظرفية يمكن أن تتغير أو تتبدل حين يغلب الطبع الحيواني على البرنامج المعد، كان على المشرفين أن يتأكدوا من الميل هذا هل سيكون ميلا دائما نحو التقيد بالنموذج الملقن حتى لو لم يتم إعادة تحفيزه في كل مرة، بمعنى هل يكتسب الحيوان العادات الجديدة أم أنها فقط مجرد مؤثرات خارجية، أقترح أحد أعضاء الفريق البحثي على مجموعته أن يتم التقليل من مستوى المشاعر المذية له وملاحظة ما يمكن أن ينتج من تصرفات سلوكية، عارض الكل تقريبا هذا الأقتراح بأعتبار أن ما حصل ليس من المعقول أن يبقى تأثيره ملازما مع قصر المدة وعدم تأقلم موضوع التجربة عليه ليكون البديل عن المشاعر الفطرية الطبيعية، حتى الإنسان ككائن متعقل وقادر على الأختيار من الصعب عليه أن يفعل ذلك بهذه المدة القصيرة.
القرار الأن والمطروح هو الأستمرار بضخ المشاعر التي تزيد من علاقة السيد حمار مع رفيقته بالرغم من أنها لا تتوافق غالبا مع تصرفاته، أخيرا وبعد مرور شهر على بداية التزاوج بينهما أصبحت الحمارة تميل أكثر للانعزال بعيدا عنه، هنا أدرك السيد دونكي أن تصرف الأنثى معه ورفضها المستمر للتقرب منها ليس من الطبيعي عليه ولا بد من إخضاعها بالقوة، حاول كثيرا التودد لها وأحيانا يتعامل معها بعنف تبادله نفس الفعل لكنه يعود ويبتعد قليلا عنها، لكن محاولاته باءت جميعا بالفشل، وأبقى على مسافة بينهما تسمح له أن يكون قريبا منها ولكن ليس لحد ما كان منها أولا، التحليل النفسي يوضح أن ميل الحمار هو نتاج غير طبيعي غريب عنهما ولكن أيضا سيتحول إلى ميل مصطنعة طالما أن البرنامج يوحي إليه بأن العلاقة أكبر من أن تكون مرحلة تزاوج وقتي يمكن أن ينتهي بأنتهاء رغبة الأنثى في الممارسة الجنسية.