ديكارت: الشك الديكارتي (الشك الديكارتي أساس العقلانية الحديثة)


محمد الهلالي
2021 / 6 / 17 - 00:48     

يُعتبر "الشك الديكارتي" المفهومَ الأساسي الذي ارتكزت عليه العقلانية الحديثة. تبنّى ديكارت في كتابه "Discours de la méthode" (الذي تُرجِم إلى العربية عدة ترجمات بعناوين مختلفة: "مقال عن المنهج"، ترجمة محمود محمد الخضيري – "مقالة الطريقة"، ترجمة جميل صليبا – "حديث الطريقة"، ترجمة عمر الشارني) الفكرة القائلة بأن العقل هو أعدل قسمة بين الناس، وأنّ الاختلافات فيما بينهم في هذا الشأن تعود إلى اختلافاتهم في استعمال هذا العقل الذي يتمتعون به جميعا. يستعمل ديكارت عبارة الحس السليم (Bon sens) بمعنى العقل (Raison). وهذا يعني أن العقل كوني.
من المؤسف حسب ديكارت أن يعجز الناسُ عن استعمال عقولهم بكيفية صائبة. وبما أن الاستعمال غير الصحيح للعقل يؤدي إلى الوقوع في الأخطاء، أسّس ديكارت منهجا يمكّن من بلوغ الحقيقة، وأقام هذا المنهج على الشك.
يمكن أن نجد للشك الديكارتي أساسا في تجربة ديكارت الفردية. فلما أنهى تعليمه استنتج أنه لا يملك معرفة حقة ولم يعثر على الحقيقة في الكتب ولا في تجاربه الشخصية التي من بينها الأسفار التي قام بها. فقاده ذلك إلى التأثر بالنزعة الشكية السائدة آنذاك مثل تلك التي عرف بها الفيلسوف مونتينيْ (Montaigne). وتبنى ديكارت بعض الأفكار المميزة لتلك النزعة الشكية مثل: كون الحواس توقع الناس في الخطأ، قابلية الإنسان لأن يصاب بالحمق فيتم تعطيل استعمال العقل، إمكانية عجز الانسان عن التمييز بين الواقع والحلم، لأن الحلم يطمس الحدود الفاصلة بين اليقظة والنوم. وشرع ديكارت في البحث عن اليقين. فاستعان بتجربة تحليل الذات أو الاستبطان.
إن الشك الديكارتي هو أداة معرفية حاسمة في البحث عن الحقيقة، فهو ليس مجرد موقف. وهو شكّ منهجي ينتج عن استعماله أنّ أيّ حكم لا يمكن التسليم به، بل ينبغي إخضاعه للعقل. وبما أن الحكم الذي يصدره الانسان عن موضوع ما يُشكل معرفة، فإن هذه الأخيرة يمكن أن تكون خاطئة ومزيفة بسبب التسرع في الحكم واستعمال الذاكرة أو الخيال، أو الاعتماد على أحكام مسبقة ناتجة عن التربية أو التجربة. يوضح ديكارت أن الخطأ لا يصدر عن الحواس، وإنما ينتج عن الحكم المصاغ بناء على شهادة الحواس.
كما أن الشك الديكارتي هو شك مؤقت ومنهجي، لذلك فهو يسمح بفحص الآراء من أجل بلوغ الحقيقة اليقينية (أي حقيقة غير قابلة للشك فيها).
لكن الشك الديكارتي تحول إلى شك مفرط (شك يتميز بالمغالاة) لأنه انطلق من افتراض عدم وجود العالم المادي، ومن خطأ مبادئ المعرفة، بما في ذلك المعرفة الرياضية (فإذا كانت الحقائق الرياضية تبدو أكثر المعارف يقينية لارتكازها على عناصر بسيطة وبديهية، فمن المحتمل أن تصدر عن وهم.)
بل قادَ ديكارت الشكَّ إلى ذروته بافتراضه وجود "مخادع شرير أو عبقري شرير" يوقع العقل البشري في الخطأ باستمرار. وبذلك بلغ الشك بعدا ميتافيزيقيا لأنه يفترض وقوع العقل البشري في الوهم التام.
لكن عملية الشك هذه سوف تصطدم في آخر المطاف بالكوجيطو، أي بالوعي الفردي. فديكارت تملّكهُ اليقينُ الراسخُ التالي: لا يمكن للذات أن تشك في أنها تشك، وبالتالي، فإن الفكر سيفرض نفسه على الذات باعتباره بداهة مطلقة تقاوم الشك المفرط.