مو قف ماركسى ضد دعم الأصولية الإسلامية وأطروحات - النبى والبروليتاريا - لكريس هارمان


سعيد العليمى
2021 / 6 / 16 - 19:31     

ترجمة سعيد العليمى
العنوان الأصلى للمقال : لم يتعين على الماركسيين الثوريين الا يدعموا الاصوليين الاسلاميين ؟ بقلم مازيار رازى
نقد لمفهوم حزب العمال الاشتراكى عن الثورة الدائمة
مدخل
لقد ظلت مسألة الاصولية الاسلامية واحدة من الموضوعات التاكتيكية المركزية التى تواجه الماركسيين على مدى العقود القليلة الماضية . والواقع ان أصل هذه المعضلة والجدال حولها يعود بنا لثلاثة عقود مضت رافقت تأسيس جمهورية ايران الاسلامية فى فبراير- شباط عام 1979 . وهؤلاء الذين يجادلون من صفوف " اليسار " حول ضرورة دعم الاصوليين الاسلاميين ، بصفة عامة ، ونظام جمهورية ايران الاسلامية ، بصفة خاصة ، يشكلون ثلاث فئات . الاولى : هناك المشوشون ممن يسمون باليساريين (وهم ذوى اتجاهات فوضوية وراديكالية بورجوازية صغيرة ) ، ثانيا ، هناك حكومات ، رغم انها فى بلدانها نفسها قد قامت باصلاحات راديكالية هامة مثل فنزويلا ، او قامت حتى بتحولات اجتماعية راديكالية مثل كوبا ، فقد اقامت علاقات دبلوماسية واقتصادية مع جمهورية ايران الاسلامية وحزب الله ساعية من اجل نوع ما من جبهة ثالثة ، تحالف " مناهض للامبريالية " ، ثالثا هناك بعض ممن يسمون بالتروتسكيين وحلفائهم ( مثالهم ، حزب العمال الاشتراكى " ح ع إ " وريسبكت فى بريطانيا ) لديهم تحليل متصدع عن الاصولية الاسلامية .
لقد اسست الفئتان الاولتان موقفهما بشأن الاصوليين على نظرية " عدو عدوى صديقى " . ومعنى ذلك ، انهما اما غير متأكدتين من الطبيعة الطبقية لهذه الاتجاهات الاسلامية ، ويدعمانها حسب قيمتها الظاهرية ( من الواضح لأنها تبدى مقاومة للسياسات الامبريالية ) او انهما واعيتان بالطبيعة الرجعية للاصولية ولكن بسبب الدبلوماسية ولتقوية " الكتلة المناهضة للامبريالية " فانهما تتخذان موقفا ملتبسا بالاصطفاف جانب دولة رجعية وشبه- فاشية وحلفاءها ( ولذلك ستدفعان ثمنا باهظا حالما تعرض الاخطاء الجوهرية لهذه الدبلوماسية امميا ) .
يهدف هذا المقال لأن يتناول بصفة رئيسية التنويعة الثالثة التى يعبر عنها بأفضل شكل حزب العمال الاشتراكى فى بريطانيا . هذا تنظيم يزعم انه " أممى " و " ماركسي " . وعلينا ان نصرح هنا بوضوح تام ان الموقف الذى يتبناه حزب العمال الاشتراكى البريطانى مؤسس على خطأ مفهومى عميق الجذور من الناحية النظرية . وعلى ذلك فلابد من تحليل وجهات نظرهم بتفصيل اكبر . وهم يزعمون ان الدفاع عن نظام رجعى ، مثل النظام الايرانى ، مبرر على اساس " التروتسكية " . وفى الواقع فقد هجروا التروتسكية الحقيقية ومعها جوهر الثورة الدائمة .
حزب العمال الاشتراكى يقوم بغير المفكر فيه
استنادا الى تبرير نظرى زائف ( وهو ماسوف نتناوله فى هذا المقال ) يتصرف حزب العمال الاشتراكى فعليا بوصفه " المتحدث الرسمى " باسم نظام رجعى فى اوروبا . تضمنت شعاراتهم الرئيسية فى المظاهرات المناهضة للحرب " كلنا حزب الله الآن ! " وهم يساندون فى صحفهم جمهورية ايران الاسلامية دون ان يلقوا ضوءا على المستوى الذى بلغه القمع ضد العمال والطلاب وهوقمع غير مسبوق فى التاريخ المعاصر . وحين يضغط عليهم فقط يعترفون بأن العمال يقمعون . ان تناولهم لهذا الموضوع له صلة اوثق بالدبلوماسية البورجوازية منه بتناول ماركسي ثورى حقيقى . لقد اخمدوا انتقاداتهم للنظام من اجل الوحدة مع سلسلة كاملة من الجماعات الاصولية الاسلامية الملتبس امرها .وقد باتت عملية التكيف هذه مؤكدة خاصة بتعاون حزب العمال الاشتراكى مع جورج جالاوى فى تشكيل حزب ريسبكت فى بريطانيا . وسوف ننظر فى هذا الامر فيما بعد .
كتب كريس هارمان فى عام 1994 وثيقة مطولة هى النبى والبروليتاريا ، حاول فيها ان يدافع عن موقف ماركسي بصدد الاصولية الاسلامية . وقداوضح ان " كثيرا من الافراد الذين جذبتهم الطبعة الراديكالية من الاصولية الاسلامية يمكن للاشتراكيين ان يؤثروا فيهم – شرط ان يقرن الاشتراكيون بين الاستقلال السياسي الكامل عن كل اشكال الاسلاموية مع استعداد لانتهاز الفرص لجذب اسلامويين افراد نحو اشكال من النضال راديكالية بشكل حقيقى معهم " . حتى هنا لابأس .
انها ذات الوثيقة التى كتب فيها تلك الفقرة التى غالبا ماتقتبس :
" فى بعض المسائل سوف نجد انفسنا فى نفس الجانب مثل الاسلاميين ضد الامبريالية وضد الدولة . كان هذا حقيقيا ، على سبيل المثال ، فى بلدان عديدة خلال حرب الخليج الثانية . ولابد ان يكون حقيقيا فى بلدان كفرنسا او بريطانيا حين يتعلق الامر بمكافحة العنصرية . حين يكون الاسلامويون فى المعارضة فيتعين ان تكون القاعدة هى " مع الاسلامويين احيانا ، ولن نكون مع الدولة ابدا ".
هنا كان هارمان بالفعل على منزلق نحو الانتهازية ، فرغم انه حاول فى هذا الوقت ان يحتفظ بتناول اكثر توازنا ، فقد اشار بوضوح للاتجاه الذى كان مقدرا له ان يتطور فيما بعد ، حيث خلط " الاسلامويين " مع الشعب الذى حكمه الاسلامويون . ان تكون مع الشعب العامل فى ايران ضد الامبريالية هذه مسألة ، اما الاصطفاف مع النظام نفسه فهذه مسألة اخرى وبدلا من ذلك ، اكثر فاكثر ، وكلما مر الوقت فإن حزب العمال الاشتراكى هون فى الممارسة من الطبيعة الرجعية ل " الاسلاموية " .
علينا ان نصرح بوضوح بأن النظام الاسلامى فى ايران هو عدو مميت للطبقة العاملة والشباب .على اية حال هذا لاينطبق فقط على " الاسلامويين " فى ايران . حيثما وصلت النظم الاسلامية الى السلطة فقد اقاموا نظما رجعية معادية للطبقة العاملة ، وحينما لايكونون فى السلطة فانهم يلعبون دورا رجعيا داخل الحركة . فى الماضى ( انظر حزب تودة فى ايران وقت وصول الخمينى الى السلطة ) كان الستالينيون هم من صوروا الاصوليون الاسلامويون فى ضوء ايجابى . ومن السخرية ان الجماعة التى تدعى ارتداءها لمعطف تروتسكى تميل فى نفس الاتجاه .
لايمكن ان يكون لدينا اى شك حول الطبيعة الرجعية والوحشية للنظام الايرانى . فماذا فعل النظام الايرانى ( هذا النظام الغارق فى الدماء ! ) بالعمال والشباب ؟ لقد اعدم فى الثلاثين عاما التى شغل فيها السلطة خمسون ضعفا من الاشتراكيين ، والشيوعيين والشباب اكثر مما اعدم خلال 37 عاما من حكم الشاه وشناقيه ومعذبيه المدربين على يد المخابرات المركزية الامريكية ! فى عام 1987 ، خلال يومين فقط ، اعدم النظام اكثر من 12 الف ناشط يسارى فى السجن . وقد جند 400000 من الباسيج السفاحين من القرى واطلقهم على النساء فى المدن الايرانية . وقد جلد السفاحون اية واحدة لاتراعى " قانون الزى الاسلامى " فى الشوارع . ورموا الاحماض فى وجوه النساء . ودخلوا بيوت الناس عنوة للبحث عن مشروبات كحولية واسطوانات موسيقية . وقد قتلوا وسجنوا معظم قادة الحركة العمالية الذين طالبوا بالاجور غير المدفوعة للعمال ( ولأى شئ من 6 -12 شهرا) او الحقوق النقابية الاساسية . والقائمة غاية فى الطول . الا ينبغى ان تكون هذه هى الامور الاساسية التى ينبغى ان ينشغل بها حزب ثورى ؟
يعترف حزب العمال الاشتراكى فى مطبوعاته ان العمال يعتقلون وما الى ذلك ، ولكنه يتجنب النظر للوضع الكلى الذى يواجهه العمال الايرانيون على مدى فترة من الاعوام . انه يسمح لنفسه بأن يستغرق فى مسألة عما اذا كان لإيران الحق فى تطوير اسلحة نووية .
" اى خطأ هذا الذى ترتكبه ايران ؟ بوصفها احد الموقعين على اتفاقية عدم التخصيب النووى ، فإن من ضمن حقوقها ان تطور الطاقة النووية من اجل الاغراض المدنية وقد قامت بذلك تحت رقابة سلطة هيئة الطاقة الذرية الدولية ( 11 فبراير – شباط 2006 العامل الاشتراكى اون لاين )
وهم ينشرون هذا كما لو ان البرنامج النووى للنظام مصمم لاغراض سلمية محضة ، غير ان من الواضح ان النظام الايرانى يستعد حتى ينضاف لقائمة القوى النووية ، كثقل موازن لتهديدات الولايات المتحدة الامريكية . لاينبغى ان تراود احد الاوهام حول ذلك . نحن لانستطيع بالطبع ان نساند مناورات الامبريالية الغربية ، وبصفة خاصة الولايات المتحدة الامريكية ، حينما يستخدمون البحث النووى الايرانى كذريعة للضغط على النظام وجعله يتصرف وفق مصالحها . ان مهمة التعامل مع النظام الايرانى ، وبحثه النووى ، يخص الطبقة العاملة الايرانية ولااحد غيرها .
ونقرأ فى مقالة اخرى :
"لقد اثبت شجب الرئيس الايرانى محمود احمدى نجاد لإسرائيل شعبيته فى العالم العربى . وقد كسبت الحركة الاسلامية اللبنانية المسماة حزب الله ، وهى حليف ايران ترحيبا اعظم حين هزمت اسرائيل فى حرب العام الماضى " ( 21 اغسطس –آب ، 2007 ، العامل الاشتراكى اون لاين ) .قد يكون هذا بيانا بواقع ولكن اليس من المؤكد ان دور النقد الماركسي يجب ان يكون فضح ديماجوجية واحد مثل احمدى نجاد بدلا من تقديمه فى ضوء ايجابى ؟
هذا النوع من تجميل النظام الايرانى الراهن (اى تقديم خدمة لنظام رجعى ) قد يفسر لم اعطت السلطات الايرانية ضوءا اخضر لكتب قادة حزب العمال الاشتراكى حتى تترجم وتطبع فى ايران ! وعلينا ان نتذكر انه فى ايران على اى كاتب مستقل ، او مترجم او ناشر ان يستصدر اذنا من وزارة الارشاد الاسلامى قبل ان يرى اى كتاب او مجلة النور . وتضم تلك التى تسمى بالوزارة بعض الفقهاء ذوى النفوذ ممن يتصرفون كهيئة رقابية ( السيد خاتمى ، الرئس السابق لايران ، كان عضوا فى هذه الوزارة ) . واى كتاب او مقال لايتطابق تماما مع الشرع " الاسلامى " للسلوك يخضع للرقابة .
ولدهشة كثير من الاشتراكيين والماركسيين فى ايران ممن عانوا من رقابة صارمة وحتى اعتقالات وكذلك غلق مكاتب لطبعهم او ترجمتهم اى مؤلف ماركسي – وفى بلد يملك اعلى مستوى من الرقابة والقمع ضد المثقفين والطلاب فى العالم (!) – كتب كثيرة كتبها قادة حزب العمال الاشتراكى قد منحت تصريحا من من وزارة الارشاد وطبعها الناشرون الرسميون . ان الكتب الاساسية التى كتبها الكس كالينيكوس وترجمت وطبعت فى ايران هى : النظرية الاجتماعية : مدخل تاريخى ، ضد مابعد الحداثة : نقد ماركسي ، الماركسية والامبريالية الجديدة ، التروتسكية ، الماركسية والفلسفة ، الافكار الثورية لكارل ماركس ، والبيان المناهض للرأسمالية . وتتضمن كتب كريس هارمان : تاريخ شعبى للعالم ، وشرح الازمة : اعادة تقويم ماركسية . اضف الى ذلك فإن جرائد رسمية اصلاحية مثل ايران والشرق طبعت عدة مقالات كتبها هؤلاء السادة .
مايعكسه هذ الامر هو التالى . بينما يواصل قادة حزب العمال الاشتراكى فى مقالاتهم ولائهم اللفظى حول الحاجة الى الاشتراكية ، والماركسية وماالى ذلك ، فانهم فى الممارسة يقومون بسلسلة كاملة من التنازلات الانتهازية للاصوليين الاسلاميين . بعد ان قدموا دعما " نقديا " او " معنويا " لجمهورية ايران الاسلامية ، فإن اقل مايمكن ان يفعله النظام الايرانى هو ان يسمح بطبع بعض اعمال حزب العمال الاشتراكى ! ومن الواضح ان النظام لايرى مشكلة فى هذا النوع الذى يسمى التجمع التروتسكوى . بينما يتواصل اعتقال وملاحقة واضطهاد المناضلين الحقيقيين .
احد قادة حزب العمال الاشتراكى الاساسيين وهو الكس كالينيكوس اجرى حوارا فى اكتوبر – تشرين نشر فى الرابط التالى -: http://www.isj.org.uk/?id=241 حيث قال مايلى :
" الى المدى الذى يترجمون فيه الكلمات الى افعال ( الاسلامويون ) ، كما فعل حزب الله ضد اسرائيل ، اذن استندا لهذه الموضوعة المركزية لايمكن ان يوصفوا بأنهم " محافظون متطرفون ". بالطبع حين يتعلق الامر بالموضوعات الاقتصادية والاجتماعية تختلف الصورة – يدعم الاخوان المسلمون فى مصر الخصخصة . ولكن حتى هنا ينبغى ان نكون حذرين . كل من الاخوان االمسلمون وحزب الله قد أقاموا قاعدة شعبية وسط فقراء المدن من خلال مشروعاتهم الخيرية ، وهو شئ لانستطيع ان نتخيل ان يقوم به الجمهوريون الاميريكيون او المحافظون البريطانيون.
وهكذا تصور الاحزاب الرجعية بوصفها افضل من المحافظين فى بريطانيا او الجمهوريين فى الولايات المتحدة الامريكية . نرى هنا كيف يقدمون التنازلات ل " الاسلامويين " ، ولكن هذا لايفاجئنا اذا ماقرأنا مايلى ، وهو لنفس الكاتب الكس كالينيكوس فى ابريل – نيسان 2002 ، وهومتاح على الرابط التالى : http:// http://www.socialistreview .org.uk/article.php/articlenumber=7935:
" ... بحكم الضرورة توحد هذه الحركات اطيافا واسعة من القوى السياسية فى عمل مشترك . تؤسس الحركة المناهضة للرأسمالية عزتها على وحدتها فى اختلافها ( ... ) "
" نجد نفس النموذج فى بلدان كثيرة مختلفة .تضم الحركة من اجل التغيير الديموقراطى فى زيمبابوى ليبراليون ،نقابيون ، نشطاء حملات الحقوق المدنية واشتراكيون ثوريون وقد وحدتهم معارضتهم لنظام موجابى ( ... )"
" وافضل مثال هو تحالف اوقفوا الحرب ( ت ا ح ) وكما لاحظنا سابقا ، يوحد هذا اناسا ذوى انتماءات سياسية مختلفة حول جملة من المطالب المحددة بوضوح – معارضة الحرب على الارهاب وعلى الاعتداءات المترابطة على الحريات المدنية وعلى الاقليات الاثنية . وجوهر نجاح تحالف اوقفوا الحرب هو نتاج هذ التضييق للمنظور . ومن بدأوا فى اطلاقه من الثوريين واليسار الاصلاحى قاوموا بصواب تام محاولة توسيعه او تحويله لتضمينه مطالب اخرى – على سبيل المثال ، معارضة الارهاب الاسلامى – الامر الذى لو حدث لقسم وشل التحالف " ( التشديد لنا ) .
" وعصبة مناهضة النازى هى مثال آخر على جبهة متحدة كلاسيكية . ان نجاحها الضخم منذ استهلالها فى 1977 قد ارتكن على تركيز ع م ن الاحادى على التحرك الجماهيرى ضد الفاشيين المنظمين . لقد رفضت دائما كل محاولات تحويلها الى حملة واسعة ضد النزعة العنصرية ، اى ، على سبيل المثال ، القيود ضد الهجرة . ان تغييرا كهذا يمكن ان يعزل عصبة مناهضة النازى عن عدد كبير من الناس للغاية يعتقدون ، بشكل خاطئ ، ان قيود الهجرة غير العنصرية ممكنة ومرغوبة لكنهم مستعدون لمحاربة النازيين . ان ع م ن مع برنامج اوسع مناهض للعنصرية سوف تكون لها قاعدة اضيق بكثير . اذا استبعد تركيزه من العمل الجماهيرى ضد النازية ، فسوف يتحلل فى ارجح الاحوال الى مكان للثرثرة من النمط الذى يشيع فى مشهد مناهضة العنصرية فى بريطانيا ."
يمكن ان نرى فى المقتبس عاليه ، العنصر الهام الذى يثوى فى قلب انتهازية حزب العمال الاشتراكى ازاء الاصولية الاسلامية . لكى ينشئوا اوسع قاعدة ممكنة لأى حملة فلابد من اختزالها فى عنصر واحد ، وهو مايقودهم الى التحالفات مع القوى الرجعية بشكل مطلق .
كتب كالينيكوس فى التحالف الاشتراكى فى عام 2002 ( عندما كانت لديهم اوهاما كبرى فى التحالف الاشتراكى ، الذى انهار من وقتها ! ) :
" هذا يفسر الطابع الهجين بغرابة للتحالف الاشتراكى . فهو هجين من الناحية البرنامجية بمعنى انه يترك مسألة الاصلاح والثورة مفتوحة . حتى نتبنى برنامج ثورى حقيقي كما تجادل بعض المجموعات داخل التحالف ، معناه اغلاق الباب امام مناصرى حزب العمال الذين رفضوا البليرية ( نسبة الى تونى بلير ) ولكن الذين مازال عليهم ان يقطعوا مع الاصلاحية . ترك الاشتراكيين الديموقراطيين اليساريين خارج التحالف من اجل خاطر النقاوة الثورية سوف يدع مئات الالاف من مناصرى العمال ينفرون وينحرفون منتظرين الاحياء التالى لليسار العمالى ، او ( على الاغلب ) ينسحبون فى لامبالاة ساخرة .
من الافضل كثيرا ان نجذبهم لنشاط مشترك مع الثوريين داخل التحالف الاشتراكى ، حيث يمكن على الاغلب كسبهم وانتزاعهم من براثن الاصلاحية . "
هنا تظهر الانتهازية بجلاء تام . يوضح كالينيكوس كيف يشتغل حزب العمال الاشتراكى . من وقتها انهار التحالف الاشتراكى ولكنهم استمروا بنفس التاكتيكات داخل حزب ريسبكت فيما بعد ، مقدمين كل صنوف التنازلات للتحيزات الاصولية الاسلامية . ان اشد الامثلة صخبا عن هذا هو ماظهر فى حزب ريسبكت ( قبل الانشقاق ) حين وقف جورج جالاوى متحدثه الاساسي ضد الاجهاض ليهدئ المتعصبين الدينيين الرجعيين الذين كانوا يساندوه .
من الواضح ان موقف حزب العمال الاشتراكى حول هذه المسألة قد تحلل اكثر حينما شكلوا حزب ريسبكت مع قوى سياسية اخرى ، وبعضها ذو طبيعة رجعية اسلامية بشكل واضح . لقد انصاعوا خصوصا لانتهازية جورج جالاوى المتطرفة . ماحدث مع حزب ريسبكت هو مثل جيد عن الى اين يمكن ان يقودنا هذا النوع من الموقف الانتهازى . فى النهاية حينما انشق حزب ريسبكت ، بقى الاسلاميون الحقيقيون مع جالاوى وانفصلوا عن حزب العمال الاشتراكى ! لقدبقى القليل مع حزب العمال الاشتراكى نتيجة لذلك وفى الواقع فقدوا اعضاء لصالح جالاوى .
لقد توجه حزب ريسبكت للمسلمين كما لو كانوا كتلة واحدة متسقة وليس كأقلية ذات تقسيمات طبقية داخلها . وهكذا تصرفوا كقوادين ازاء التحيزات الاسلامية حتى لايفزعوا اشد العناصر رجعية فتهرب منهم .وهكذا بات حزب العمال الاشتراكى ضحية انتهازيته الخاصة . يتقوم موقف حزب العمال الاشتراكى بوضوح فى ان الاسلام الاصولى ، او الاسلام السياسي كما يسمونه ، هو حركة مناهضة للامبريالية ويجب دعمها فى الشرق الاوسط وفى البلدان الرأسمالية المتقدمة . والطريقة التى يقدمونه بها فى نصوصهم تعكس حقيقة انه فى قرارة انفسهم يشعرون بأن هناك حرجا معينا فى تبنى مثل هذه المواقف الانتهازية . اما سلوكهم فى الممارسة فمسألة اخرى .
المنهج واحد حيث تجمع اتجاهات سياسية مختلفة معا ، من الاشتراكيين وصولا الى الاصوليين الاسلاميين الرجعيين ، حول مسألة واحدة بمفردها ، ويمتنع " الاشتراكيون " عن اثارة موضوعات قد تثير حساسية الاسلاميين . بدلا من كسب الاسلاميين للافكار الاشتراكية فإن مافى جعبتنا هنا هو قيام الاشتراكيين بتجميل الاصوليين متكيفين معهم على نحو انتهازى .
فى محاولة لتبرير موقفهم حاول حزب العمال الاشتراكى ان يستخدم سلطة لينين والبلاشفة . فى ديسمبر – كانون الاول 2003 اصدار المجلة الاشتراكية ( سوشياليست ريفيو )كتب داف كروش مقالا عنوانه ، " البلاشفة والاسلام : الحقوق الدينية " . وقد كانت هذه محاولة لتصوير تكيف حزب العمال الاشتراكى الانتهازى الراهن للاصولية الاسلامية كاستمرار للتقليد البلشفى .
ويؤكد لنا كروش ان " الالحاد لم يكن متضمنا ابدا فى برنامج البلاشفة " بينما الواقع الفعلى هو ان برنامج البلاشفة يحتوى على قسم خاص حول الدين كما تناول ايضا الدعاية المناهضة للدين . ان قادة حزب العمال الاشتراكى يتجنبون بوضوح تام تناول مسألة المعتقدات الدينية وتحيزاتها .
ان السؤال الذى يتعين الاجابة عليه هو هذا : ماذا يكمن وراء تبرير انحراف حزب العمال الاشتراكى او بأى شئ يرتبط جذرموقفه ازاء الاصولية ؟ ان حزب العمال الاشتراكى يعتبر نفسه منظمة ماركسية ، لينينية ، تروتسكية واممية :
" الاممية هى فى قلب اى سياسة اشتراكية حقيقية . الراسمالية نظام عالمى ، ويمكن تحديها بفعالية بواسطة حركة ثورية اممية . ان مؤسسي التقليد الثورى الاشتراكى لعبوا دورا قياديا فى حركات كهذه .— ماركس فى جمعية العمال الاممية ، ولينين وتروتسكى فى الاممية الشيوعية ( الموقع الرسمى لحزب العمال الاشتراكى )
"تبقى الفكرة الرئيسية لنظرية تروتسكى صالحة ابدا : على البروليتاريا ان تواصل نضالها الثورى حتى الانتصار على مستوى العالم كله . ولايمكن ان تحقق الحرية اذا ما قصرت عن ذلك . "( الثورة الدائمة بقلم تونى كليف . طبع اولا فى جريدة الاشتراكية الاممية ، الحلقات الاولى ، رقم 12ربيع 1963 )
قبل ان نتناول مراجعة حزب العمال الاشتراكى لنظرية الثورة الدائمة وموقفها من الاصولية الاسلامية ، التى اشتقت بشكل مباشر من هذا الموقف المراجع ، لابد من ان نفحص المفهوم الفعلى عن الثورة الدائمة .
لقد ظهرت نظرية الثورة الدائمة مع تروتسكى تأسيسا على خبرة ثورة 1905 ( التى كتبت فى الثورة الدائمة ونتائج وتوقعات ) واصبحت اساس ثورة اكتوبر – تشرين عام 1917 فى روسيا التى ازالت فى وقت واحد النظام القيصرى شبه الاقطاعى – شبه الرأسمالى وصادرت املاك البورجوازية وملاك الارض .
ناقضت الخبرة الحية للثورة الروسية اعتقادا تبناه كثير من الماركسيين حتى ذلك الحين . فقد اعتقد ماركسيون مثل كاوتسكى وبليخانوف ان البلدان الصناعية المتقدمة هى التى كانت جاهزة للثورة الاشتراكية . لقد جادلوا بأن البلدان سوف تحقق سلطة العمال باتساق صارم مع المرحلة التى بلغوها كتشكيلة اجتماعية وتكنولوجية . اما البلدان المتخلفة فيمكن لها ان ترى صورتها المستقبلية فى مرآة البلدان المتقدمة . فقط بعد فترة طويلة من عملية للتطور الصناعى وانتقالا عبر نظام بورجوازى برلمانى يمكن للطبقة العاملة ان تنضج بما يكفى لطرح قضية الثورة الاشتراكية . وقد رأى لينين ان الثورة المقبلة بورجوازية ، ولكنه مضى خطوة ابعد من الآخرين فى فهم الطبيعة الرجعية للبورجوازية الروسية قبل ان تصل حتى للسلطة ، وعلى ذلك قرر الحاجة لسياسة مستقلة للطبقة العاملة .
اعتقد كل الاشتراكيين الديموقراطيين الروس – مناشفة وبلاشفة – ان روسيا مقبلة على ثورة بورجوازية ، ناجمة عن التناقض بين قوى الانتاج الرأسمالية من ناحية ، والاوتوقراطية ، وكبار ملاك الارض ، وبنى اقطاعية اخرى مازالت موجودة من ناحية اخرى .على اية حال ، استنتج المناشفة ان البورجوازية سوف تقود الثورة بالضرورة ، وسوف تستولى على السلطة السياسية . وظنوا ان على الاشتراكيين الديموقراطيين ان يساندوا البورجوازية الليبرالية فى الثورة ( بوصفهم جناحها اليسارى ) ومدافعين فى نفس الوقت عن المصالح الخاصة للعمال فى اطار الراسمالية بالنضال من اجل تحقيق الاصلاحات الاجتماعية ومطالب الحد الادنى .
وافق لينين والبلاشفة على ان الثورة سوف تكون بورجوازية فى طابعها وان هدفها لن يتجاوز حدود الثورة البورجوازية . " الثورة الديموقراطية لن تمتد ماوراء اطار العلاقات الاقتصادية – الاجتماعية البورجوازية ... هذه الثورة الديموقراطية فى روسيا لن تضعف بل ستقوى سيطرة البورجوازية " ( تاكتيكا الاشتراكية الديموقراطية فى الثورة الديموقراطية ، 1905 ) .
كيفما كان الامر ، تخلى لينين عقب ثورة فبراير – شباط عن وجهة النظر هذه . كان مايزال يكتب فى سبتمبر 1914 ، ان الثورة الروسية ينبغى ان تقتصر على تحقيق ثلاث مهام جوهرية : " تأسيس جمهورية ديموقراطية ، (حيث تمنح المساواة فى الحقوق والحرية الكاملة فى تقرير المصير لكل القوميات ) مصادرة ملكيات كبار ملاك الارض ، وتطبيق نظام الثمان ساعات كيوم عمل . "
بينما اختلف لينين جوهريا عن المناشفة فقد كان مصرا على استقلال حركة الطبقة العاملة عن البورجوازية الليبرالية وعلى الحاجة الى القيام بالثورة البورجوازية حتى النصر وضد مقاومتها . وفى تعارض مع التحالف الذى رعاه المناشفة بين الطبقة العاملة والبورجوازية الليبرالية – دعا لينين لتحالف الطبقة العاملة مع الفلاحين . وبينما توقع المناشفة حكومة مكونة من وزراء بورجوازيين ليبراليين بعد الثورة ، تصور ائتلافا مكونا من حزب العمال وحزب الفلاحين ، اى " دكتاتورية ديموقراطية للعمال والفلاحين " حيث سيكون للحزب الفلاحى الاغلبية . وسوف تؤسس " الديكتاتورية الديموقراطية " جمهورية ، تصادر فيها كبار ملاك الارض وتطبق يوم العمل من ثمانى ساعات . وبعدها سيكف الفلاحون عن ان يكونوا ثوريين ، فسوف يكونون من اصحاب الملكية وانصار الوضع الاجتماعى القائم ، وسوف يتحدون مع البورجوازية . سوف تصبح البروليتاريا ، بالتحالف مع سكان القرى البروليتاريين وشبه البرليتاريين المعارضة الثورية ، وسوف تفسح المرحلة المؤقتة ل " الديكتاتورية الديموقراطية " الطريق امام حكومة محافظة ضمن اطار الجمهورية البورجوازية .
كان تروتسكى مقتنعا مثل لينين بأن البورجوازية الليبرالية لايمكن ان تنجز اية مهمة ثورية باتساق ، وأن الثورة الزراعية ، وهى عنصر جوهرى فى الثورة البورجوازية يمكن ان تنجز فقط بواسطة تحالف الطبقة العاملة والفلاحين . لكنه لم يتفق مع لينين حول امكان قيام حزب فلاحى مستقل ، مجادلا بأن الفلاحين كانوا منقسمين بشكل حاد بين اغنياء وفقراء حتى يمكنهم تشكيل حزب مستقل يخصهم .
فى كتاب نتائج وتوقعات ردا على صياغة لينين كتب : " لهذا السبب لايمكن ان يكون هناك اى كلام من اى نوع عن شكل خاص للديكتاتورية البروليتارية فى الثورة البورجوازية ، عن ديكتاتورية ديموقراطية بروليتارية ( او ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين ) . لايمكن للطبقة العاملة ان تحفظ الطابع الديموقراطى للديكتاتورية دون ان تحجم عن ان تتجاوز وتتخطى حدود برنامجها الديموقراطى . اى اوهام حول هذه المسألة ستكون مميتة . سوف يساومون على الاشتراكية الديموقراطية من بداية البداية ."
" ... سوف يكون من الواضح كيف ننظر لفكرة " ديكتاتورية عمال وفلاحين " ، وهى ليست فى الواقع مسألة مااذا كنا ننظر اليها بوصفها مسموح بها مبدئيا ، مااذا كنا " نرغب بالفعل او لانرغب " فى مثل هذا الشكل للتعاون السياسي . نحن نفكر ببساطة فى انها غير قابلة للتحقيق ... كل تجارب التاريخ ، ... تظهر لنا ان الفلاحين غير قادرين كليا على لعب دور مستقل . والبروليتاريا تنمو وتتقوى بقدر نمو الرأسمالية . بهذا المعنى فإن تطور الرأسمالية يدل على تطور البروليتاريا نحو الديكتاتورية . ولكن فى اليوم والساعة التى تنتقل فيها السلطة لأيدى البروليتاريا يعتمد ذلك مباشرة ليس على الدولة او القوى المنتجة ، وانما على اوضاع الصراع الطبقى ، على الوضع الدولى ، واخيرا ، على سلسلة من العوامل الذاتية :التقاليد ، المبادرة ، الاستعداد للصراع ... "
"، يمكن للبروليتاريا فى مجتمع متخلف اقتصاديا ان تصل الى السلطة بشكل اسرع مما فى البلدان المتقدمة اقتصاديا . فى عام 1871 اخذت بشكل واع بين يديها ادارة الشؤون الاجتماعية فى باريس البورجوازية الصغيرة – وفى الحقيقة لمدة شهرين – لكنها لم تستلم السلطة لساعة واحدة فى المراكز الرأسمالية القوية فى انجلترا والولايات المتحدة . ان مفهوما من نوع الاعتماد الآلى للديكتاتورية البروليتارية على القوى التقنية وموارد البلاد هو تحيز مشتق من مادية " اقتصادية " مبسطة بشكل مغالى فيه . ليس لوجهة النظر هذه مايجمعها بالماركسية . ان الثورة الروسية ، من وجهة نظرنا ، تخلق مثل هذه الاوضاع التى يمكن فى ظلها ان تنتقل السلطة للبروليتاريا ( ولابد من ذلك فى ثورة منتصرة ) حتى قبل ان تكتسب سياسة البورجوازية الليبرالية امكان ان تأتى بعبقريتها الدولتية فى كامل تجليها ."
" تنمو البروليتاريا وتتقوى مع نمو الراسمالية . بهذا المعنى فان تطور الراسمالية يدل على تطور البروليتاريا نحو الديكتاتورية . ولكن يعتمد اليوم والساعة التى تنتقل السلطة فيهالأيدى البروليتاريا مباشرة ليس على الدولة او حالة القوى المنتجة ، وانما على اوضاع الصراع الطبقى ، على الوضع الدولى ، واخيرا على سلسلة من العوامل الذاتية ، التقاليد ، المبادرة ، الاستعداد للصراع ... "
" تخلق الثورة الروسية فى رأينا ، مثل هذه الاوضاع ، التى يمكن فيها للسلطة ان تنتقل الى البروليتاريا ( ولابد من ذلك فى ثورة منتصرة ) حتى قبل ان تكتسب سياسة البورجوازية الليبرالية امكان ان تأتى بعبقريتها الدولتية بكامل تجليها ." ( هذه الفقرة مكررة هكذا فى النص الاصلى – المترجم )
لقد برهنت ثورة 1917 فى روسيا على صحة كل اطروحات تروتسكى . فقد كانت البورجوازية معادية للثورة ، وكانت البروليتاريا الصناعية هى الطبقة الثورية ، تبع الفلاحون الطبقة العاملة ، نمت الثورة الديموقراطية المناهضة للاقطاع وتحولت الى اشتراكية مباشرة ، وادت الثورة الروسية الى حدوث انفجارات ثورية فى اماكن اخرى ( فى المانيا ، النمسا ، المجر ، الخ ) . واخيرا ، وياللحسرة فإن انعزال الثورة الاشتراكية فى روسيا ادى الى تحللها وسقوطها .
ولكن هذا المفهوم عن الثورة الدائمة ، الذى سبق وان قبله حزب العمال الاشتراكى ، قد راجعه تونى كليف .
نظرية الثورة الدائمة بعد ان راجعها تونى كليف
لخص تونى كليف ، المنظر الاساسي لحزب العمال الاشتراكى نظرية الثورة الدائمة على النحو الآتى :
" يمكن تلخيص العناصر الاساسية لنظرية تروتسكى بشأن الثورة الدائمة فى ست نقاط :
1 – ان البورجوازية التى تصل الى المشهد متأخرة تختلف جوهريا عن اسلافها الذين ظهروا منذ قرن او قرنين ابكر . فهى غير قادرة على تقديم حلول ثورية ديموقراطية متسقة للمشاكل التى طرحها الاقطاع والاضطهاد الامبريالى . انها غير قادرة على القيام بتدمير كامل للاقطاع ، وتحقيق استقلال قومى حقيقى و ارساء الديموقراطية السياسية . لقد كفت عن ان تكون ثورية ، سواء فى البلدان المتقدمة ام المتخلفة . انها قوة محافظة بشكل مطلق .
2 – يقع الدور الثورى الحاسم على عاتق البروليتاريا ، حتى ولو كانت غضة وقليلة العدد .
3 – نظرا لانهم غير قادرين على العمل المستقل ، فسوف يتبع الفلاحون المدن ، وبالنظر الى النقاط الخمس الاولى ، لابد ان يتبعوا قيادة البروليتاريا الصناعية .
4 – يتطلب اى حل متسق للمسألة الزراعية ، للمسألة القومية ، كسر القيود الاجتماعية والامبريالية التى تعوق التقدم الاقتصادى السريع ، يتطلب ضرورة التحرك ماوراء حدود الملكية الخاصة البورجوازية . " تتنامى الثورة الديموقراطية وتتحول مباشرة الى ثورة اشتراكية ، ومن ثم تصبح ثورة دائمة ."
5 – ان اكمال الثورة الاشتراكية " داخل الاطار القومى امر لايقبل التفكير فيه ... وعلى ذلك تصبح الثورة الاشتراكية ثورة دائمة بمعنى احدث واعرض للكلمة ، فهى تحرز اكتمالها فقط فى الانتصار النهائى لمجتمع جديد على كامل كوكبنا " انه لحلم ضيق ورجعى ان نحاول ونحقق " الاشتراكية فى بلد واحد " .
6 – نتيجة لذلك ، فان الثورة فى البلدان المتخلفة سوف تقود لانفجارات فى البلدان المتقدمة .
ثم يساءل بعدئذ مناسبة الثورة الدائمة بهذه الطريقة : " بينما الطبيعة المحافظة، الجبانة للبورجوازية متأخرة التطور ( نقطة تروتسكى الاولى ) هى قانون مطلق ، فان الطابع الثورى للطبقة العاملة الغضة ( النقطة الثانية ) ليس مطلقا ولاحتميا ... وقد اثبتت التجربة حتى الآن كلا من قوة الحوافز الثورية لدى العمال الصناعيين فى الامم الصاعدة ، وضعفهم المميت . ولا يوجد ربط آلى بين التخلف الاقتصادى والنضالية السياسية . "
"حالما نشك فى الطبيعة الثورية الثابتة للطبقة العاملة وهى العمود المركزى لنظرية تروتسكى فإن كل البناء ينهار . ولاتتحقق نقطته الثالثة ، لأنه لايمكن للفلاحين ان يتبعوا الطبقة العاملة غير الثورية وكل العناصر الاخرى ستتبعهم بالمثل . لكن هذا لايعنى الا شئ يحدث ... "
" تلك القوى التى ينبغى ان تقود الى ثورة اشتراكية عمالية وفقا لنظرية تروتسكى يمكن ان تؤدى حال غياب ذات ثورية ، البروليتاريا ، الى نقيضها ، اى راسمالية الدولة . استخدام ماله صلاحية عامة فى النظرية وماهو عارض ( بناء على النشاط الذاتى للطبقة العاملة يمكن ان نصل الى تنويعة مفادها ، انه نظرا للافتقار الى اسم افضل ، يمكن ان نسميها ثورة دائمة ، منحرفة ، نحو رأسمالية دولة ."
" كانت نفس الطريقة الى جرت بها الثورة فى روسيا فى 1905 و1917 وثورة 1925 -27 فى الصين تجليات كلاسيكية لنظرية تروتسكى ، وكذلك وصول ماو وكاسترومثالان كلاسيكيان ، وهما انقى التجليات واشدها تطرفا عن " ثورة دائمة منحرفة " .
من المثير ان نلاحظ الصيغة القائلة ان " "حالما نشك فى الطبيعة الثورية الثابتة للطبقة العاملة وهى العمود المركزى لنظرية تروتسكى فإن كل البناء ينهار" هنا الافتقار للقيادة الثورية ، حزب ثورى مثل حزب لينين البلشفى يعمى ويشوش بادعاء افتقار الطبقة العاملة ل " الطبيعة الثورية " . اذا مابدأ احدهم نزولا فى هذا الطريق تكون النتيجة النهائية هى التشوش التام .
وينتهى تونى كليف الى :
" بالنسبة للاشتراكيين الثوريين فى البلدان المتقدمة ، يعنى التحول فى الاستراتيجية انهم بينما يتعين عليهم ان يواصلوا معارضة اى اضطهاد قومى للشعوب المستعمرة بلا قيد ولاشرط ، يجب ان يكفوا عن الجدل بشأن الهوية القومية للطبقات الحاكمة المقبلة فى آسيا ، وافريقيا وامريكا اللاتينية ، وبدلا من ذلك عليهم ان يتقصوا المنازعات الطبقية والبنى الاجتماعية المستقبلية لهذه القارات . ان شعار طبقة ضد طبقة سوف يصبح حقيقة اكثر فاكثر" . ( الثورة الدائمة بقلم تونى كليف . نشر لأول مرة فى جريدة الاشتراكية الاممية ، الحلقات الاولى ، عدد رقم 12 ، ربيع 1963 ) .
بايجاز شديد ، يجادل تونى كليف بأن نظرية تروتسكى عن الثورة الدائمة باتت عتيقة لأن " الطابع الثورى للطبقة العاملة الغضة ليس مطلقا ولاحتميا ... حالما نشك فى الطبيعة الثورية الثابتة للطبقة العاملة وهى العمود المركزى لنظرية تروتسكى فإن كل البناء ينهار " وسوف تملأ قوة جديدة " الانتليجنسيا " " الفراغ الروحى والسياسي " ! وسوف تكون مهمة " الاشتراكيين الثوريين فى البلدان المتقدمة ان يكفوا عن الجدل بشأن الهوية القومية للطبقات الحاكمة المقبلة فى آسيا ، وافريقيا وامريكا اللاتينية " !
بمعنى آخر ، يعلن تونى كليف بوضوح تام انعدام مركزية الطبقة العاملة فى الحركة المناهضة للرأسمالية . وينتقل باتجاه الدفاع عن قيادة البورجوازية الصغيرة مثل " الانتلجنسيا " الماوية او الستالينية فى آسيا ، وافريقيا وامريكا اللاتينية ."
وهذا الخط " الجديد" ليس قطعا مع الموقف التقليدى التروتسكوى بصدد الثورة الدائمة فحسب ، بل انه مراجعة للماركسية كذلك .
كانت نظرية تروتسكى تطويرا ، تطبيقا وتوسيعا لتحليل ماركس لثورات 1848 . وحتى قبل هذه الثورات ، فقد توقع البيان الشيوعى ذلك بسبب " الاوضاع المتقدمة " و " البروليتاريا المتطورة فى المانيا ، " الثورة البورجوازية فى المانيا لن تعدو ان تكون افتتاحية لثورة بروليتارية تعقبها مباشرة " ( ماركس ، المختارات ، المجلد الاول ، لندن ، 1942 ، ص 241 ) . وصرح ماركس بعد هزيمة 1848 بأنه بعد ان واجهتنا حقيقة عجز البورجوازية عن القيام بثورة مناهضة للاقطاعية ، فإن على الطبقة العاملة ان تناضل من اجل تطوير الثورة البورجوازية الى بروليتارية ، وتطوير الثورة القومية الى ثورة اممية .و فى خطاب موجه للمجلس المركزى لعصبة الشيوعيين ( مارس – آذار 1850 ) قال ماركس : بينما يرغب البورجوازيون الصغار الديموقراطيون فى انهاء الثورة باقصى سرعة ممكنة ، بعد ان يكونوا قد حققوافى اقصى الاحوال المطالب السابقة فإنه من مصلحتنا ومن مهامنا ان نجعل الثورة دائمة الى ان نزيح من السلطة جميع الطبقات المالكة بدرجة او باخرى ، والى ان تستولى البروليتاريا على السلطة ، واتحاد البروليتاريين لا فى بلد واحد فحسب بل فى جميع بلدان العالم الهامة ، معلنة بذلك نهاية التنافس بين البروليتاريا وممركزة قوى الانتاج الحاسمة بين يد البروليتاريين ".
وانهى ماركس خطابه بجملة : " لابد ان يكون شعار معركتهم ( العمال ) : الثورة مستمرة ! ( كارل ماركس ، المختارات ، لندن ، 1942 ، المجلد الثالث ، ص ص 161 – 168 .
يخفق تونى كليف فى ان يفهم ان نضال تروتسكى وماركس ضد البورجوازية الصغيرة دفاعا عن الثورة البروليتارية كان مؤسسا على استراتيجية طويلة الامد ومنظوراتها الموضوعية ، وليس موضوعا تاكتيكيا لفترة قصيرة . ان تفسير تونى كليف لثورة تروتسكى الدائمة زائف تماما .
لقد جادل تروتسكى بأنه نظرا لضعف والطبيعة الرجعية للبورجوازية فى روسيا ، فإن المهام البورجوازية الديموقراطية للثورة ( مثل الاصلاح الزراعى ، الحقوق الديموقراطية ، مسألة اقامة نظام جمهورى الخ ) وكذلك المهام الاشتراكية ( مثل الرقابة العمالية ، الاقتصاد المخطط الخ ) كلاهما يقع على عاتق البروليتاريا الثورية وبالفعل ، فقد استكملت خلال ثورة اكتوبر الروسية المهام البورجوازية الديموقراطية خلال شهور قليلة . ولكن هذه المهام الاشتراكية التى ترتبط بتحويل المجتمع الى مجتمع اشتراكى ( رغم انها لم تتحقق فى نهاية الامر ) الا انها افتتحت عصر " الثورة الدائمة " : ليس بمعنى التحول من " الثورة الديموقراطية الى الاشتراكية وانما بمعنى السيرورة للتحول الى الاشتراكية نفسها والحاجة لتوسيع الثورة امميا ( تأسيسا على جانبين من نظرية تروتسكى عن الثورة الدائمة ) .
بمعنى آخر ، ماعناه تروتسكى كان ان مجموعتى المهام ( بورجوازية ديموقراطية واشتراكية ) سوف تنجزها قيادة واحدة ( البروليتاريا ) . ومامن حائط صينى يفصل مجموعتى المهام الاولى عن الثانية . مامن تغيير للقيادة التى ستنجز هذه المهام المترابطة . اضف الى ذلك فنظرية التطور المرتبط غير المتكافئ يشير الى ان مجموعتى المهام التى تواجه البلدان المتخلفة لابد فى الحقيقة ان تترابط بنفسها تاريخيا . وهذا يعنى اننا لايمكن ان نفصل نمطى المهام الى مجموعتين تاريخيتين ونزعم ان المجموعة الاولى لابد ان تحل تماما قبل ان يكون التاريخ مستعدا للمجموعة الثانية ( كما فى النظرية الستالينية عن الثورة على مرحلتين ) .هناك حاجة فى عصر الامبريالية لتدمير علاقات الملكية الرأسمالية من اجل انجاز المهام الديموقراطية المتأخرة .
اضف الى ذلك ، حينما يتحدث تروتسكى عن " الثورة البورجوازية " فما يعنيه هو ان مهام الثورة " بورجوازية " (مهام انجزت تقليديا تحت قيادة البورجوازية فى القرنين 18 ، و 19 ) .لم يقصد تروتسكى انها " مرحلة " يمكن خلالها للبورجوازية او جناح" انتليجنسيا " فيها ان يبقى فى السلطة ( بسبب ضعف البروليتاريا ) وأن على" الشيوعيين " ان يدافعوا عنها حتى تصبح البروليتاريا اقوى فى المرحلة التالية ! على النقيض ، انها تعنى ان مايضمن انجاز المهام الديموقراطية البورجوازية هو اقامة دكتاتورية البروليتاريا . فاذا ماكانت البروليتاريا ضعيفة لأى سبب وغير مستعدة للاستيلاء على السلطة فليست مهمة الثوريين هى ان يتبعوا " الانتليجنسيا" المشوشة . ان مهمة الثوريين الماركسيين ان يعملوا بصبر باتجاه تقوية البروليتاريا بالتدخل اليومى وسطها . ان سياسة " اغتن سريعا " البورجوازية الصغيرة تلازم البورجوازية الصغيرة والاتجاهات الانتهازية داخل الحركة العمالية . تونى كليف مثله مثل اى اتجاه بورجوازى صغير آخر داخل الحركة العمالية بدلا من مساعدة الطبقة العاملة على القيام بمهامها الموضوعية والتاريخية يصبح متعبا من الصراع الطبقى الطويل الصبور ويروج اوهاما حول قيادة " انتليجنسيا " البورجوازية الصغيرة . وينكر تونى كليف مركزية منظورات العمال فى القيام بالثورة الاشتراكية ، وذلك بمراجعة نظرية الثورة الدائمة . واذ يفعل ذلك فانه ينفصل عن الماركسية الثورية .
كريس هارمان يصطف مع الاصولية الاسلامية الرجعية
اذا كان تونى كليف ينفصل عن الافكار الاساسية للماركسية الثورية ويراجع ثورة تروتسكى الدائمة ، فإن كريس هارمان بتوسيعه انحراف تونى كليف ، يصطف جانب الاصوليين الاسلاميين المناهضين للثورة . ويضع هذا الموقف بشكل ضمنى قادة حزب العمال الاشتراكى فى كتلة متحدة مع الرجعيين .
يناقش كريس هارمان الجذور النظرية لدعمه لجمهورية ايران الاسلامية والاصولية : " كما بينها تونى كليف فى نص هام من التحليل الماركسي ، اذا كانت الطبقة الحاكمة غاية فى الضعف لتظل فى السلطة فى وجه الازمة الاقتصادية والانتفاض من اسفل ، بينما لاتملك الطبقة العاملة تنظيما مستقلا يسمح لها بأن تكون على رأس الحركة ، عندئذ تكون اقسام من الانتليجنسيا قادرة على ان تسعى للسلطة شاعرة بأن لها مهمة حل مشاكل المجتمع ككل . "
"
" الانتليجنسيا حساسة ازاء تخلف بلدانها التكنولوجى . ... داخل نظام يتآكل وحيث يتحلل النموذج التقليدى ،فانهم يشعرون بعدم الامان ، وانهم منبتى الجذور ، يفتقرون للقيم الراسخة . ويدفع تحلل الثقافات الى ظهور حافز قوى لتكامل جديد لابد ان يكون كليا وديناميكيا اذا ماكان عليه ان يملأ الفراغ الاجتماعى والروحى الذى يجب ان يقرن بين النزوع الدينى بالنزعة القومية المناضلة .انهم يبحثون عن حركة ديناميكية توحد الامة وتفتح مجالات واسعة امامها ، لكنها تمنحهم فى نفس الوقت السلطة ... "
وينتهى كريس هارمان الى ان :
" رغم ان هذه الكلمات (التى كتبها تونى كليف ) قد كتبت عن مدى جاذبية الستالينية ، والماوية ، والكاستروية فى بلدان العالم الثالث ، فإنها تلائم تماما الانتليجنسيا الاسلامية الملتفة حول الخمينى فى ايران . وهم لم يكونوا كما اعتقد خطأ كثير من المعلقين اليساريين ، مجرد تعبير فحسب عن رأس المال التجارى " المتخلف " " الطفيلى " البازارى التقليدى . كما انهم لم يكونوا ببساطة تعبيرا عن ثورة مضادة كلاسيكية . فقد قاموا باعادة تنظيم ثورى للملكية وفى السيطرة على رأس المال داخل ايران رغم انهم يتركون علاقات الانتاج الرأسمالية كما هى ، غير انهم وضعوا رأس المال الكبير الذى امتلكه محاسيب الشاه فى يد مؤسسات الدولة ومؤسسات تابعة لها تحت سيطرتهم – لصالح " المضطهدين " بالطبع مع تسمية الشركة التى استولت على الامبراطورية الخاصة بالشاه مؤسسة المستضعفين ( المضطهدين ) ."
" المثير للاهتمام بشأن الطريقة التى استخدمتها العصبة الملتفة حول الخمينى لابعاد خصومها وتأسيسها نظام الحزب الواحد هو انه لم يكن فيها اى شئ اسلامى بشكل خاص . ولم تكن مثلما اعتقد كثير ممن ارتعبوا من عدم تسامح النظام نتيجة لبعض السمات " اللاعقلانية " او القروسطية التى تسم " الاصولية الاسلامية " . فى الواقع ، كانت تشبه الطريقة التى تبعتها فى مناطق مختلفة من العالم احزاب تستند الى اقسام من البورجوازية الصغيرة ، وعلى سبيل المثال هى ذاتها الطريقة الى اتبعت فى قسم كبير من اوروبا الشرقية لتعزيز حكمها بع 1945 . والنموذج البدئى للبورجوازى الصغير الذى يقرن فى شخصه بين المنزع الايديولوجى والصعود الشخصى يمكن ان نجده فى رواية بلزاك الاب جوريو – وهو نموذج اليعقوبى العصامى الذى يصنع ثروته من خلال استغلال نقص المواد التى خلقتها الهبة الثورية "
" لم يكن انتصار الخمينى آنذاك حتميا ، كما انه لايدلل ايضا على ان الاسلاموية هى قوة رجعية متفردة يتعين على اليسار بسببها ان يكون مستعدا للتحالف مع شيطان ( او بالاحرى الشيطان الاعظم ) الامبريالية وحلفائها المحليين . انها تثبت فحسب ،انه فى غياب قيادة مستقلة للطبقة العاملة ، فإن الهبة الثورية يمكن ان تفتح الطريق امام اكثر من شكل لاعادة استقرار الحكم البورجوازى تحت حكم قمعى بورجوازى ، سلطوى ، ذى حزب دولة واحد . لم تكن الخلطة السحرية فى هذه العملية الطابع " القروسطى" المزعوم ولكن الفراغ الذى خلقه اخفاق التنظيمات الاشتراكية فى تقديم قيادة لطبقة عاملة مكافحة لكنها بغير خبرة " ( النبى والبروليتاريا ، كريس هارمان ، جريدة الاشتراكية الدولية ، العدد 64 ، خريف 1994 )
واذ يتبع مراجعة تونى كليف للثورة الدائمة يقارن كريس هارمان عبثا نظام الخمينى ب " الاحزاب الشيوعية الضعيفة فى اوروبا الشرقية " او باليعاقبة ! واذا يفعل ذلك فإن كريس هارمان يبين انه ليس منغلقا فقط على التاريخ والطبيعة الطبقية للاصولية الاسلامية فى ايران ، وانما يسئ ايضا عرض موقف تونى كليف المنحرف .
ليس فى كل هذا مايثير الدهشة اذا مانظرنا بايجاز الى خطأ كبير آخر طوره اولا تونى كليف ثم بنى عليه وواصله اتباعه فيما بعد . لقد خلص كليف الى نتيجة ان تحلل الاتحاد السوفيتى قد ادى لتأسيس "رأسمالية الدولة " وطبق ذلك فيما بعد على اوروبا الشرقية ونظم اخرى حيث قضى على الراسمالية واقيم مكانها اقتصاد مخطط .
بعد ان صرحوا بأن هذه النظم لم تكن اكثر من شكل آخر للرأسمالية ، يبدو من الواضح لماذا لم يروا اختلافا بين ذلك النظام القائم فى كوبا والنظام الاسلامى فى ايران . وهنا يمكن لنا ان نبدأ فى ان نرى لم طوروا اوهاما حول النظم الاسلامية . وهكذا فقد نظروا للجوانب الزائفة التى يمكن ان تؤدى بهم لرؤية كوبا كاسترو وايران الخمينى فى نفس الضوء . مادام كلاهما قد تنازعا مع امبريالية الولايات المتحدة فى اوقات مختلفة اذن لابد من ان يكون هناك تشابه بينهما . بدلا من ان الجانب الاساسي فى الطريقة التى يعمل بها الاقتصاد ، فانهم ينظرون الى الزخارف الخارجية .
لقد دافع الترو تسكيون الحقيقيون دائما عن الاقتصاد المخطط فى الاتحاد السوفيتى فى الماضى ومابقى قائما منه فى كوبا اليوم . لقد حاربوا التحلل الستالينى ، البيروقراطية بكل ملامحها الوحشية ، بينما دافعوا عن اقتصاد الدولة المركزى المخطط . لايمكن مقارنة النظام فى ايران بنظام الاتحاد السوفيتى السابق . ولكن اذا كان التحاد السوفيتى – كما يظن حزب العمال الاشتراكى – تنويعة فحسب على الراسمالية يمكن لنا ان نفهم كم من السهل ان يسقط فى اضطراب رؤية استقرار العلاقات الراسمالية فى ظل الخمينى عملية مشابهة لما جرى فى عهد ستالين . هذا كخلط الزيت بالماء . فالاثنان غاية فى الاختلاف . ويمكن ان نرى فى هذا الطريق كيف يمكن ان تبدأ عملية تجميل الاصولية الاسلامية .
تجاهل كريس هارمان للدور الرجعى لرجال الدين
بعكس اعتقاد كريس هارمان ، كانت عصبة الخمينى جزءا لايتجزأ من الطبقة الحاكمة فى ايران لعقود . فلا قادة جمهورية ايران الاسلامية ، ولاقاعدتها الاجتماعية قد تشكلت من "الانتليجنسيا " ! فقد كانت الكتلة الاساسية من القيادة من كبار ملاك الارض . ( مثل على اكبر رافسنجانى – رئيس جمهورية ايران الاسلامية لمدتين ، وواحد من الشخصيات البارزة والاكثر نفوذا اليوم ) وقد تشكلت القاعدة الاجتماعية للنظام بشكل اساسي من سكان العشش الساخطين فى المدن ، البورجوازية الصغيرة المدينية والفلاحون المهاجرون ، الخ . اذا ماوضعنا فى اعتبارنا غلبة البورجوازية الصغيرة المدينية والفلاحون المهاجرون فى المراحل الباكرة من الحركة الجماهيرية ، فإن دعوة رجال الدين ل " العدالة الاسلامية " و " الاقتصاد الاسلامى "و " الدولة الاسلامية " امكن لها ان تجد على الفور قاعدة جماهيرية مصغية .
ان المسألة التى يتعين على كريس هارمان ان يدركها هى انه اذا كانت البورجوازية فى السلطة والدولة دولة بورجوازية ، فمن الواضح اذن ان المسألة الجوهرية وفقا لماركس ، ولينين وتروتسكى هى تدمير هذه الدولة واستبدالها بدولة عمالية يمكن ان تحقق المهام الديموقراطية البورجوازية . وفق هذا المنطق ، فإن اى دولة بورجوازية هى رجعية كليا ويجب ان يطاح بها فى ثورة . ولكن حزب العمال الاشتراكى يجادل فى وجهة مناقضة ويعتقد ان اى " عدو " للامبريالية فى اى بلد متخلف ، فى غياب بروليتاريا ثورية ، هو " تقدمى" من الناحية الموضوعية وهى خطوة ايجابية ضمنيا فى سيرورة التوجه نحو المرحلة الاشتراكية .
من الواضح انه اذا كانت الطبيعة الطبقية للدولة قد اصبحت بورجوازية بالفعل ( بخلاف طابع البورجوازية القومية اكثر من 100 عام مضت ) ، يترتب على ذلك بحكم التعريف ان لها قاعدة داخل البورجوازية وهى من ثم مدعمة بشدة على الاقل من الشرائح العليا للبورجوازية الصغيرة .اليوم فى اى من البلدان الراسمالية المتخلفة ، وعند حدوث ازمة ثورية يمكن ان تهدد حكم البورجوازية الطبقى ، علينا ان نتوقع ان نجد فى معسكر الثورة المضادة ليس فقط البورجوازية بكاملها ، وانما ايضا بعض ممن يسمى " الانتليجنسيا " وهم ليسوا استثناء فى هذه القاعدة .
وفى الثورة الايرانية لعام 1979 جرى هذا المشهد تحديدا . كامل موارد البورجوازية الدولية والاممية ، تناسقت بقيادة المخابرات المركزية الامريكية وتحركت لنقل السلطة الى الخمينى بوصفه ممثل رجال الدين الراسماليين من اجل حماية وانقاذ الدولة البورجوازية . وقد تشكلت كتائب الصدام من هذه الشريحة ، اى ، من البورجوازية الصغيرة .
ان مايفلت من كريس هارمان فى تحليله بشكل كامل عند تناول جمهورية ايران الاسلامية هو حقيقة جرى توثيقها جيدا قبل وقت طويل من حدوث انتفاضة فبراير 1979 ، وهى ان اقساما هامة من الجيش ، والبوليس السرى والبيروقراطية قد اصطفت خلف الخمينى . وتدخلت الولايات المتحدة ايضا مباشرة لتحقق تسوية تفاوضية بين رؤساء القوات المسلحة والقيادة الدينية البورجوازية ، ناهيك عن كثير من رجال الاعمال الذين اعطوا الخمينى مبالغ هائلة من النقود حتى ينظم " قيادته " .
نظرا لاتساع الحركة الجماهيرية وراديكاليتها كانت الطريقة الوحيدة التى يمكن بها للثورة المضادة البورجوازية ان تهزم بها الثورة هو ان " تنضم " اليها . وقد كان لهذا ان يكون ممكنا فقط بدعم فريق فى المعارضة ضد الشاه يمكن ان يؤمن درجة من السيطرة على الجماهير . كان هذا واحد من اهم العوامل (ان لم يكن الاهم ) فى وضع الخمينى على رأس الحركة الجماهيرية .
ان الاسباب التى جعلت رجال الدين الشيعة ، وخاصة عصبة الخمينى ملائمة لهذه المهمة يجب ان يكون واضحا . لقد كان رجال الدين دائما مؤسسة هامة من الدولة ، مدربون جيدا فى الدفاع عن المجتمع الطبقى والملكية الخاصة . وبعد كل شئ ، فإن المراتبية الشيعية قد كانت الدعامة الايديولوجية الاساسية للدولة . لقد اتى الخمينى نفسه من عصبة كانت قد اثبتت ولاءها للطبقة الحاكمة بمساعدتها فى انقلاب 1953 .
وقد كانت ايضا اقل الادوات المكروهة فى الدولة ، لانها لم تكن جزءا بنيويا فيما كانت تدعمه .بخلاف الكنيسة الكاثوليكية ، فقد احتفظت دائما بمسافة عن الدولة . خاصة بسبب فترة مابعد الثورة البيضاء للتطور الراسمالى ، فقد انزل رجال الدين لمرتبة ثانوية . وبالفعل بسبب هذا ، فإن قسما متناميا داخل المراتبية اضطر الى ان يكون فى وضع المعارضة ازاء نظام الشاه .وامكن لهذا ان يوظف كجواز مرور الآن فى الحركة الجماهيرية .
نظرا لضعف المعارضة السياسية البورجوازية ، التى لم يكن مسموحا لها بالعمل فى ظل الشاه ، فإن رجال الدين ،بشبكتهم الممتدة على نطاق الامة المكونة من الملالى والمساجد ، قدمت الاداة التى تماثل الحزب الضرورية من اجل " تنظيم " وتأطير الحركة الجماهيرية العفوية . وهى يمكن ان تقدم نمطا من الايديولوجية الشعبية الغامضة التى تمس الحاجة اليها فى التعمية على مطالب الجماهير الراديكالية ولتوحيدهم حول برنامج بورجوازى مقنع .
ان ننكر ، من ثم ، حتى اليوم ، كما يفعل حزب العمال الاشتراكى ، ان الحافز الرجعى للخمينى توافق مع جهوده فى وضع نفسه فى قيادة الثورة ، معناه ان نقف ضد كل الحقائق التى باتت معروفة الآن للملايين من الايرانيين انفسهم . ان ننكر ايضا انه ومنذ البداية قدمت له المساعدات دعما لجهوده من الطبقة الحاكمة وكذلك من داعميهم الامبرياليين معناه ان نسئ فهم المسار الرئيسى للاحداث فى الثورة الايرانية .
انه ، من ثم ، لتعمية تامة ان نشخص الثورة الايرانية بوصفها ثورة شعبية معادية للامبريالية قادتها " انتليجنسيا " البورجوازية الصغيرة او ان نصرح بأن " النظام قد قام باعادة تنظيم ثورية للملكية والسيطرة على رأس المال داخل ايران " . حيث يتجاهل هذا التفسير كليا الدور النوعى المضاد للثورة للبورجوازية واداتها داخل الثورة .
ان الازمة الاقتصادية والسياسية فى فترة 1976 – 78 ، التى اعدت المشهد للاضطرابات الجماهيرية ، قد تشكلت من عوامل متناقضة مختلفة . بموازاة حركة الاحتجاجات الجماهيرية ضد ديكتاتورية الشاه الراسمالية التابعة كانت هناك ايضا صدوع هامة داخل البورجوازية ككل ، فى الاقسام المؤيدة للشاه وبين الاقسام المؤيدة والمعارضة للشاه .
هذه المعارضات البورجوازية لحكم الشاه تحولت مع تفاقم الازمة الثورية وتعمقها : كانت هناك اولا ، حركة اصلاح دولة الشاه من داخل قمة البورجوازية " الحداثية " ، التى فضلت تحديد السلطات المطلقة للاسرة الملكية ووقفت مع درجة معينة من عقلنة الدولة الراسمالية . استلزمت متطلبات التطور الراسمالى اللاحق هذه الاصلاحات .
وقد كان هذا القسم قد تشكل ضمن حزب الشاه الواحد ( راستاخيز – النهضة ) قبل الازمة الثورية . وقد نال دعم قسم هام من التكنوقراطيين والبيروقراطيين داخل ايران ، ومن مجموعات ذات نفوذ فى مؤسسة الولايات المتحدة . حيثما تعمقت الازمة ، اصبح هذا القسم على نحو متزايد صاخبا فى معارضته للشاه . لقد بدأ فى استخدام الحركة الجماهيرية كرافعة فى تعاملاته مع الشاه . ان اقالة حكومة هويدا وتشكيل وزارة اموزيجار كان تنازلا لهذا القسم . كان تطور الحركة الجماهيرية ، على اية حال ، يدفع بالمعارضات البورجوازية الاخرى الى المقدمة .
لقد عرف هذا القسم انه ، حتى يسيطر على هذه الازمة ، كان عليه ان يختفى وراء السياسيين البورجوازيين الاقل ارتباطا بديكتاتورية الشاه . لم يكن هناك طريق آخر ليأمل فى ان يتمتع بدرجة معينة من التأييد داخل الحركة الجماهيرية . ان عودة ظهور الجثة المسماة الجبهة القومية ونشوء التجمعات البورجوازية المؤسسة حديثا ( على سبيل المثال الحركة الراديكالية ) كانت مرتبطة بهذا الاتجاه .
كانت هناك ايضا معارضة ضد الشاه من داخل الاقسام الاكثر تقليدية للبورجوازية ( تجار البازار الكبار وصغار ومتوسطى الحجم من الراسماليين من القطاعات الاشد تقليدية فى الصناعة ) .
لقد اغنت الثورة البيضاء وهذا النمط من النمو الراسمالى هذه الشرائح . مع ذلك ، فقد ازيحوا بهذه الدرجة او تلك خارج القنوات الاساسية للتراكم الرأسمالى المدعوم من الدولة ومن ثم خارج الطبقة الحاكمة .
ان الازمة البنيوية للرأسمالية الايرانية فى منتصف السبعينات قد ترتب عليها شحذ هجمات دولة الشاه على هذه الشرائح التى مازالت لها السيطرة على قسم من السوق الداخلى . كان ينبغى اضعاف هذه القبضة ، حتى تتاح للاحتكارات فرصة حل ازمة فائض الانتاج . عنى الاستهلاك السلعى الموجه والتصنيع التابع تكنولوجيا اتجاها قويا للسيطرة البيروقراطية على السوق الداخلى من خلال الدولة .
بالنسبة لهذه الشرائح ، كانت معارضة الشاه مسألة صراع حياة او موت . لم يكن ممكنا ان يرضوا بأى حال بنمط الاصلاحات الذى اقترحته اقسام اخرى . لقد طالبوا بتغيير اكثر راديكالية داخل هياكل السلطة . بينما عارضت الاقسام الاصلاحية بشراسة اى تغيير راديكالى يمكن ان يزعزع سلطة الطبقة الحاكمة ككل ، فإن مصالح هذا القسم لم تكن لتضرر بأى طريقة بطلب لايقل عن ازالة نظام الشاه .
بمقدار مانمت الحركة الجماهيرية ، بات من الواضح ان هذا القسم يمكن ان يزايد بشكل واضح على الاخرين . من خلال القنوات التقليدية لاقتصاد البازار ، كان بإمكانه ان يستجلب دعم البورجوازية الصغيرة المدينية والجمهور الاعظم من الفقراء المدينيين المرتبطين به . كان لهذا القسم اضافة الى ذلك ، روابط كثيرة مع المراتبية الشيعية القوية . ومنذ الثورة البيضاء تقاربت البورجوازية التقليدية ورجال الدين الشيعة مزيدا من التقارب معا .
استخلص هذا القسم من البورجوازية درسا هاما بعد هزيمته فى 1953 وتحديدا انه ، بدون ايديولوجية اسلامية وبدون دعم الملالى ، لايمكن تأمين دعم جماهيرى كاف ابدا لتمكينه من ان يضع بديلا واقعيا للشاه واليسار . مثلت حركة الحرية لبازرجان وطالقانى هذا الاتجاه . لقد قدمت ( بالبناء للمجهول ) لهذا الحزب الآن فرصة لانقاذ البورجوازية فى لحظة ازمتها .
مثل تشكيل وزارة شريف امامى حركة من نظام الشاه لأن يضم هذا القسم ايضا فى اية تنازلات كان عليه ان يقدمها . لم تتمكن حكومة الوفاق الوطنى كما اسمت نفسها ، على اى حال ، من ان ترضى القسمين البورجوازيين ، ولا ان تخمد الحركة الجماهيرية التى استجمعت الآن حيوية جديدة بسبب الاضراب العام الذى يتطور تدريجيا .
خلال هذه الفترة ، كانت للخمينى شعبية لانه بدا متسقا فى نداءه للاطاحة بالشاه . ولكنه فى ذات الوقت كان يستعد لعقد اتفاق مع النظام . وفى الواقع فقد كانت هذه الفترة هى التى ، تأسست فيها " قيادة " الخمينى على الحركة الجماهيرية ، بمساعدة القوى القوية داخل النظام نفسه . حوالى سبتمبر –ايلول 1978 ، مورست درجة معينة من السيطرة كان يمكن لها ان تسمح بالمساومة فى القمة . وكان الاضراب العام هو الذى وضع نهاية لذلك .
وهكذا تهيأ المسرح لافتتاح الفترة الثورية من سبتمبر 1978 حتى فبراير 1979 ، وقد ميزها العزلة الاشد لنظام الشاه ، تدهور معنويات الجيش والشرطة ، تجذر الجماهير والشلل الكامل للمجتمع البورجوازى بسبب الاضراب العام شديد الفعالية .
اضطرت الان امبريالية الولايات المتحدة والبورجوازية المناصرة للشاه الى الذهاب بعيدا بعيدا فى تقديم التنازلات للحركة الجماهيرية . الاطاحة بالشاه من المشهد ومؤسسة حكومة بختيار كان فى هذا الوقت وفى حد ذاته تنازلا غاية فى الراديكالية من جانب الديكتاتورية . كان هناك امل انه بهذه الطريقة فان القسم الاصلاحى ، الذى جعل ليبدو مقبولا اكثر ، سوف يتقوى وهكذا يجبر الاكثر راديكالية على المساومة . وقد كان الوقت متأخرا ، على اى حال ، على مثل هذه المساومات . كانت الحركة الجماهيرية تصبح واثقة من قوتها لحد بعيد للغاية ، وكان المزاج السائد هو عدم قبول اى شئ اقل من عزل الشاه . اضف الى ذلك ، فإن اى سياسي حاول الوصول الى تسوية مع الشاه ، فقد فورا كل الدعم . وفى الواقع فقد اضطرت الجبهة القومية لادانة بختيار .
وهذا يفسر مايسمى " تصلب " موقف الخمينى . بشجب بختيار ( الذى كان ممثليه فى ايران يقومون ، مع ذلك ، بمفاوضات سرية ) ودعم الحركة الجماهيرية ، كان يقوى يده فى مواجهة كل من قسمى المعارضة البورجوازية . لقد كان يضطر الشخصيات الاكثر شعبية لقبول " قيادته " ومنعهم من الوصول لاى تسوية بدون تدخله .
كانت الدوائر العسكرية والامبرياليين ايضا مستعدون فى هذا الوقت ان يتنازلوا عما هو اكثر بكثير . فقد كان هناك قلق متنام داخل الجيش . كان انصار الشاه المتشددون يجهزون لانقلاب على بختيار . وكان يمكن لهذا ان يقضى على الجيش ومعه آخر امل للبورجوازية للحفاظ على حكمها الطبقى .
واصبح من الواضح ان المساومة كان يتعين اجراؤها مع الخمينى . وهو الامر الذى جرى بالضبط . جرت مفاوضات سرية بين بهشتى وبازراجان من جانب وقادة الجيش والشرطة السرية من جانب آخر فى طهران . كان المحكم هو ممثل الولايات المتحدة الجنرال هويسر ، الذى كانت وظيفته ان يضمن ان الجيش سوف يلتزم جانبه فى الصفقة . انجرفت الاقسام الكبرى من الطبقة الحاكمة فى مجرى الاحداث ، وشجعت ادارة كارتر على قبول مشاركة السلطة مع المعارضة . كان المأمول ان يجرى انتقال سلس من القمة الى حكومة بازارجان .
ظهر بازارجان كبديل مقبول لانه كان الوحيد الذى تمكن من ان يحقق ائتلافا يضم القسمين البورجوازيين الكبيرين ، بينما هو فى نفس الوقت اكثر ارتباطا ، بقيادة الخمينى التى باتت الان هى الاقوى . كان الخمينى مضطرا ايضا لقبول صفقة كهذه لأن هذا قدم افضل غطاء لخطط رجال الدين بصدد السلطة .
لم يكن من الممكن فى هذا الوقت ان يكون لرجال الدين اية ادعاءات ظاهرة بشأن استحقاقهم للسلطة . كان الخمينى ، حتى يبدد مخاوف البورجوازية ، وحتى يترك خياراته مفتوحة داخل الحركة الجماهيرية ، يؤكد دائما للجميع انه حالما يرحل الشاه فانه سوف يعود الى قم ويواصل " واجباته الدينية " . وهكذا سمح للخمينى بأن يعود الى ايران من المنفى وحكومته المعينة المؤقتة كانت تستعد للاستلام من بختيار .
لم تكن انتفاضة فبراير – شباط جزءا من الصفقة . حاول بعض المؤيدين المخلصين للشاه من قادة القوات المسلحة الذين عارضوا الصفقة التى ساندتها الولايات المتحدة الامريكية ، ان يغيروا مسار الاحداث بتنظيم انقلاب عسكرى . وقد ترتب على هذا رد جماهيرى فورى وانتفاضى عارضه الخمينى مبدئيا . ولكن كان على قواته ان تنضم اليه فيما بعد ، والا فقدوا كل سيطرة على الحركة الجماهيرية ومعها اى امل فى انقاذ جهاز الدولة .
وكانت الطريقة الوحيدة لحرف الانتفاضة من ثم هى " قيادتها " . وكان قادة الجيش والبيروقراطية مستعدون لنقل ولائهم للخمينى ولمجلسه الاسلامى الثورى ، مادام هذا وحده هو مايمكن ان ينقذهم من الجماهير المنتفضة . لقد كانت هذه هى الطريقة التى حلت بها حكومة بازرجان الثورية المؤقتة ، كما اسميت وقتها ، محل حكومة بختيار . ضمنت بركات الخمينى ، من ثم ، تأسيس حكومة رأسمالية على رأس الجماهير . بهذه الطريقة ، من الواضح ان ماظهر بوصفه " قيادة الثورة الايرانية " لعبت بشكل اساسي ، ومن البداية ، دور الثورة المضادة البورجوازية السياسية ، فرضت من اعلى حتى تسحب كل مكاسب الجماهير وتنقذ اكبر مايمكن من اجهزة الدولة فى ظل موازين القوى الاجتماعية القائمة . لم تكن الطبقة الحاكمة فى وضع يسمح لها بعد بأن تلجأ لمزيد من القمع .
لم يكن الخمينى على اى حال ، ليقدم كل هذه الخدمات ليلعب دورا ثانويا .لقد كان يعد ببساطة للاستيلاء على السلطة كلها فى لحظة اكثر مواتاه . لقد مثل قسما من رجال الدين الذى كان عاقد العزم على القيام بدور اكثر مباشرة للمراتبية الشيعية منذ فترة مصدق . قام هذا القسم ، بالتعاون مع من كان رئيسا للشرطة السرية آنذاك ، بالتحرك من اجل السلطة فى عام 1960 ، غير انه اخفق فى ذلك . لقد زوده التاريخ الآن بفرصة لايمكن ان يسمح لها ان تفلت ، خاصة اذا ماوضعت فى الاعتبار حقيقة ان الطبقة البورجوازية اضعفت للغاية ولايمكن لها ان تبدى اى مقاومة الا بصعوبة . الاخيرة ، بموافقة السيد الامبريالى ، قد دعت رجال الدين لانقاذها فى لحظة الحاجة الملحة بالمشاركة فى السلطة . يمكن ان يفهم فقط ماتلى ذلك فى الفترة مابعد الثورية اذا ماوضعنا فى اعتبارنا خطط رجال الدين من اجل السلطة .
لم تتوفر لرجال الدين فى البداية ، الادوات الضرورية لممارسة السلطة . كما لم يكن للقسم التابع للخمينى هيمنة حتى داخل المراتبية الشيعية . عارضت كثير من القيادات الدينية اشتراك رجال الدين فى السياسة . كما لم يكن بمقدوره ان يعتمد على المؤسسات القائمة على الدولة ايضا ، مادامت لاتلائم كلية سيطرة رجال الدين . كانت البيروقراطية نفسها ، وضمن اسباب اخرى ، معارضة تماما لحكم رجال الدين على اى حال . حتى المرشح لمنصب رئيس الوزراء الذى كان اشد " الاسلاميين " فى كل السياسيين البورجوازيين ، قاوم اية محاولات قام بها الملالى للسيطرة على وظائف الدولة . بدت ضرورة ان تكون هناك فترة للاعداد .
قام هذا القسم اولا ، وبدعم مباشر من الخمينى ، بتنظيم حزب سياسي ، الحزب الجمهورى الاسلامى . لقد قدم هذا ببساطة بوصفه حزبا جديدا تشكل من ضمن احزاب اخرى . فيما بعد اعتصر هذا الحزب كل الاحزاب الاخرى وحل فيما بعد محل حزب الشاه الواحد . ومن خلال شبكات الملالى المناصرة للخمينى ، اسست تنظيما كاملا للجان الاحياء ووحدات الباسدران التى يفترض ان تساعد الحكومة فى حفظ القانون والنظام وتقاوم الثورة المضادة الملكية .
اقيمت المحاكم الاسلامية الثورية لتعاقب محاسيب الشاه . اعدمت هذه المحاكم سريعا بعضا من العناصر المكروهة من النظام القديم ، لكن لكى تنقذ الاغلبية من غضب الجماهير . سرعان ماحلت لجان الامام ، جيش الباسدران والمحاكم الاسلامية محل ادوات الشاه القمعية .
دعمت البورجوازية كل هذه التحركات ابتداء ، فقد ادركت انه من خلال هذه الاجراءات فقط يمكن لها ان تأمل فى الاجهاز على الثورة وتبدأ فترة " اعادة البناء " . كانت " المؤسسات الثورية " المقامة حديثا تخدم حكومة بازارجان جيدا ، مؤكدة بثبات على ولائها لها . فيما بعد ، على اية حال ، فقد اصبحت ادوات رجال الدين لازاحة السياسيين البورجوازيين من مراكز السلطة والسيطرة بشكل غير مباشر على جهاز الدولة .
وفرض الخمينى ايضا استفتاء مبكرا حول طبيعة النظام الذى يحل محل نظام الشاه : ملكية ام جمهورية اسلامية ؟ ورغم تذمر السياسيين البورجوازيين كان عليهم ان يقبلوا هذه الطريقة غير الديموقراطية فى تحديد مصير الدولة ، لأن البديل الآخر كان تشكيل الجمعية التأسيسية الموعودة . كان انتخاب جمعية كهذه خلال فترة ثورية سوف يطرح بالطبع عدة تهديدات للبورجوازية .
وهكذا عقد الاستفتاء وصوتت الاغلبية بالطبع للجمهورية الاسلامية . لقد عرف الملالى جيدا ان الجماهير لن تصوت للملكية ! وقد زعموا فيما بعد ، انه مادام 98 %من الشعب قد صوت للجمهورية الاسلامية ، فلابد ان تستبدل الجمعية التأسيسية بجمعية من "الخبراء " (خوبرجان ) تستند الى الشرع الاسلامى . كان للجمعية الصغيرة التى عبئت من ثم بالملالى ، كان لها اغلبية بالطبع اعدت دستورا فجأة منح سلطات دكتاتورية للخمينى بوصفه رئيس الخبراء . لقد قاوم السياسيون البورجوازيون المادة التى تتعلق بولاية الفقية ، ولكن رجال الدين دفعوها بمناشدة ديماجوجية لمشاعر الجماهير المناهضة للامبريالية ومن خلال التحرك الجماهيرى المسيطر عليه حول السفارة الامريكية .لقد قيل للجماهير الآن حيث اننا نواجه " هذا التهديد الضخم من الشيطان الاكبر "فيجب علينا جميعا ان نصوت للدستور الاسلامى . اصبح هذا هو الدستور الجديد رغم انه لم يحز نسبة اكثر من 40 % من الاصوات .
وعلى ذلك فإن القسم التابع للخمينى من رجال الدين تعاون مع مجموعات بورجوازية متنوعة فى جهود مشتركة من الطبقة الحاكمة لمنع التدمير الكلى للدولة البورجوازية وفى حرف وقمع الثورة الايرانية ، بينما تقوم دائما وفى ذات الوقت بتقوية يدها محاولة اخضاع الاقسام الاخرى لحكمها . لقد استغلت وضعها المميز داخل الحركة الجماهيرية لتتجاوز الدولة البورجوازية كلما اقتضت ذلك مصالحها الفئوية . ولكنها كانت ايضا تصنع جهازا للقمع تكامل تدريجيا مع الدولة حيث انحلت المنافسة مع الاقسام الاخرى لصالحه .
وعلى النقيض من التحليل المنحرف لقيادة حزب العمال الاشتراكى ، امتلك تيد جرانت فهما واضحا لطبيعة قيادة الخمينى والدور الذى لعبته ووقوفه جانب جماهير الشعب . وهذا هو ماكتبه فى ذاك الوقت :
" من المحتمل ان يصل الخمينى الى السلطة . وكل ادعاءات بختيار بأن الدولة لايمكن ان تسمح للكنيسة بأن تلعب دورا مباشرا وقياديا فى السياسة سوف تذهب سدى . "
" ولكن ماأن يصل الى السلطة فإن عبث الافكار الرجعية والقروسطية عن الغاء الفائدة بدون تغيير قاعدة المجتمع الاقتصادية سوف تظهر الفوضى التى ستتمخض عنها .عدم المساس برأس المال التجارى والصناعى وابقاءه كما هو مع الغاء الفائدة او الربا هو امر طوباوى تماما . وحتى فى القرون الوسطى، حين كانت عقيدة المؤسسة الدينية المسيحية والاسلامية ضد الربا ، مع ذلك ظل موجودا فى عدة اشكال . كانت ستكون له نتائج كارثية ، على اقتصاد ايران ، وكان من الحتمى ان يترك .
" لقد اعلن الخمينى انه لايرغب فى تأسيس ديكتاتورية عسكرية رجعية او ان يؤسس ديكتاتورية شبه اقطاعية . لقد كان هذا العنصر فى برنامجهم هو مادعا الملالى لزعم انهم مع الحرية والديموقراطية ، التى كانت مصدرا قويا لانجذاب جماهير الطبقة الوسطى ، وبالطبع لاقسام من العمال ايضا .
" ولكن لايمكن لبرنامج الخمينى بأى حال ان يحل المشاكل التى يواجهها الشعب الايرانى فى الوقت الراهن .
" لقد اوضح الخمينى انه لن يقبل شيئا اقل من الغاء الملكية . ان مجلس الوصاية الذى شكلته حكومة بختيار لن يكون قادرا على الاحتفاظ بسيطرته ، او ان يحتفظ بالمقعد دافئا من اجل الشاه . وحتى تنازل الشاه عن العرش لن يعد كافيا . الآن باتت المسألة هى ازالة الملكية " .
ومرة اخرى :
سوف يتبخر دعم الخمينى بعد ان يشكل الحكومة . ان اخفاق برنامجه لتأسيس جمهورية تيوقراطية اسلامية فى حل مشاكل الشعب الايرانى سوف يصبح جليا .
" ان لجماهير الشعب تطلعاتها ليس فقط للحقوق الديموقراطية وانما ايضا لمستوى معيشة اعلى . سوف تشهد النقابات نموا غير مسبوق . وهى تتمدد وتنتشر بالفعل حيث يشعر العمال بالحاجة الى التنظيم . وسوف تحقق اطرا غاية فى القوة فى الفترة القادمة . تماما كما فى البرتغال ، حيث 82 %من الطبقة العاملة بات منظما فى نقابات ، وعليه سوف تتحقق نتائج مشابهة فى ايران فى الشهور والاعوام القادمة . فمن المحتمل ان اغلب وحتى كتلة الطبقة العاملة فى ايران سوف تصبح منظمة .
" لايمكن للديموقراطية الرأسمالية فى ظل الاوضاع الحديثة مع ازمة الراسمالية على النطاق العالمى ان تؤسس نفسها لأى زمن طويل فى ايران . لقد تعلم العمال بالفعل وسوف يتعلمون اكثر فى مجرى النضال المتطور . اذا هزمت الجماهير واقيمت ديكتاتورية عسكرية بونابرتية فلن تتمتع باستقرار ، كما رأينا مع الديكتاتوريات العسكرية – البوليسية الراسمالية فى امريكا اللاتينية ، والديكتاتورية فى باكستان .
وحتى فى أسوأ الاحوال ، سوف تمهد الرجعية الطريق للانتقام من جانب الجماهير ، وليس فى تاريخ غاية فى البعد . سوف يتكرر ماحدث فى روسيا 1905 مرة اخرى .
ولكن مثل هذه النتيجة ليست ضرورية على الاطلاق . اذا نجحت قوى الماركسية فى تحقيق التفاف حولها فى ايران ، عندئذ يمكن ان يسفر ذلك عن انتصار لامع على خطى ثورة 1917 فى روسيا " . ( الثورة الايرانية ، تيد جرانت ، 9 فبراير – شباط ، 1979
http://www.marxist.com/middleeast/iran79.html)
لسوء الحظ كان الماركسيون غاية فى الضعف ولم يستطيعوا ان يلعبوا الدور الذى تصوره تيد جرانت . تذيل الستالينيون نظام الخمينى ، وخلقوا اوهاما عن مؤهلاته الديموقراطية والتقدمية بدلا من ان يكشفوه بما كانه .لو كان هناك بديل ماركسي قوى لجرت الامور بشكل غاية فى الاختلاف . كان بمقدور العمال الايرانيين فى 1979 ان يصلوا الى السلطة ، مطلقين شرارة الثورة فى الشرق عبر كامل الشرق الاوسط وغربا نحو باكستان والهند وماورائهما .
من ناحية اخرى فإن كريس هارمان فى كراسه النبى والبروليتاريا وبقية قادة حزب العمال الاشتراكى على التوالى اساءوا تقديم ثورة 1979 فى ايران والطبيعة الطبقية لنظام الخمينى . بقيامهم بذلك فقد ذهبوا ابعد مما ذهب تونى كليف فى مراجعة افكار تروتسكى عن الثورة الدائمة . وقد اضافوا تشوشا على تشوش لانهم لم يفهموا كلية اولا طبيعة الاتحاد السوفييتى ومن ثم طبيعة هذه الانظمة مثل تلك التى انشأها الخمينى ومازالت قائمة اليوم . وهكذا فقد ضللوا انصارهم واى احد يتأثر بنظرياتهم يخون من ثم مصالح الطبقة العاملة الايرانية والاممية .
الخلاصة
تتمثل المخاطر الاساسية فى موقف حزب العمال الاشتراكى فيما يلى :
اولا ، يشوه حزب العمال الاشتراكى الافكار الجوهرية للتروتسكية ، واللينينية والماركسية بمراجعته لنظرية الثورة الدائمة .
ثانيا ، سوف يضطر حزب العمال الاشتراكى لتصوير قمع هذا النظام بوصفه امرا ثانويا . وهكذا فى الممارسة ، سوف يصطف جانب نظام رجعى صفى بوحشية قادة الحركات الديموقراطية للعمال ، والطلاب والنساء . استنادا لموقف كهذا فإن ايا من مناصرى ح ع إ سوف ينتهى به الامر ( لحسن الحظ ليس هناك مناصرين فى الوقت الحالى ) للاشتراك مع نظام شبه فاشستى ضد القوى الثورية الحقيقية .
ثالثا ، سوف ينتهى الامر بانصار ح ع إ فى اوروبا بتشكيل جبهات متحدة مع مناصرى المجموعات الاسلامية مثل حزب الله وسوف يجعل هذا من المستحيل عمليا للقوى التقدمية فى معارضة النظام الايرانى الراهن ان تشترك فى اية فعاليات معهم . لذلك فإن ح ع إ يتعرض لهجوم دائم من الاتجاهات الحقيقية المعارضة للنظام فى ايران ولايستطيع ان يجند حتى شخصا تقدميا واحدا لتنظيمه او لأفكاره .
رابعا ، سوف يستغل ح ع إ من قبل نشطاء حزب الله فى اوروبا وداخل الجمهورية الاسلامية فى ايران لصالحهم من اجل تقويض النضالات العادلة للطبقة العاملة الايرانية والاشتراكيين فى ايران . وهكذا فإن ح ع إ يسبب ضررا لكل الاشتراكيين الحقيقيين الذين يناضلون ضد الاصولية الاسلامية . سوف تجرى محاولات للمطابقة بين الاشتراكيين الحقيقيين داخل المعارضة مع هذا النظام الديكتاتورى بسبب المواقف الخاطئة لحزب العمال الاشتراكى وهكذا تتعرض مصداقية كل الاشتراكيين للخطر .
لهذه الاسباب ، فإن قيادة ح ع إ ( او تنظيمات اخرى ذات خط مشابه للتدخل فى اوروبا وشمال امريكا ) يجب ان تعرى وتعزل . وماداموا يتخذون جانب او يدعمون اشد النظم رجعية فى تاريخنا الحديث ( تحت اى مظهر ) لاينبغى للماركسيين الحقيقيين ان يمارسوا اى نشط مشترك معهم .
ديسمبر 2008

انتهى