هل تتوافق تعاليم يسوع وأفعاله !؟ ( نظرة نقدية )


عبدالله محمد ابو شحاتة
2021 / 6 / 16 - 01:45     

يقول يسوع المسيح في الموعظة على الجبل، "أحبوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ " ثم يبرر تلك العظة بأنه لا فضل لإنسان إن أحب من أصدقاءه وبغض أعداءه، فهذا تفعله الأمم كافة والناس جميعاً.
ويقول أيضاً، لا تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ.
ويقول كذلك "منْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ "

تلك المواعظ وغيرها لا بد أنك قد سمعتها كثيراً من بعض المسيحيين كتدليل على عظمة تعاليم يسوع، ولربما سعى البعض من المسحيين فعلاً للالتزام بتلك التعاليم رغم صعوبتها طوباويتها مع الحذر كذلك من السقوط في شباك الرياء وإثم وعظ الغير بما لا يلتزم به الشخص نفسه.
فيقول يسوع في من يفعلون ذلك " وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْني أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!.
فهنا يشدد يسوع على أنه لا يصح أن تأمر وتعظ الغير بما ليس فيك أنت أو بما لا تقدر على الالتزام به. ولكن هل ناقد يسوع نفسه ولم يلتزم بتلك الموعظة بأن فعل عكس ما كان يعظ !؟

((من سألك فأعطه، وحادثة المرأة الكنعانية ))

تحدثنا الأناجيل أنه بعد أن انتشرت أنباء معجزات الشفاء التي قام بها يسوع جاءته امرأة كنعانية تطلب منه شفاء ابنتها، فلم يجبها، وبعد أن سجدت له رد عليها قائلاً " لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب» أي أن معجزاته ونعمه خاصة فقط ببني إسرائيل ولا يصح أن تمنح للأمم الأخرى.
ثم لم يجيب المرأة في طلبها إلا حينما تذللت له قائلة " الْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!».
فكيف ليسوع أن يأمر بعدم رد السائل، وأن يأمر بمحبة الأعداء قبل الأصدقاء ومحبة الغريب قبل القريب ثم يرفض طلب المرأة التي سألته شفاء ابنتها لكونها أممية !؟
والتناقض الأكبر في تلك القصة أن الأناجيل ذكرت أيضاً قصة قائد مئة جاء وطلب من يسوع شفاء غلامه فشفاه مباشرة بالرغم من أن الرجل كان رومانياً ولم يكن من بني إسرائيل. بل وعرض عليه فوق ذلك أن يذهب معه بنفسه إلى بيته
فما دام قد رفض طلب المرأة الكنعانية قائلاً " «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ» فلما لم يرفض طلب قائد المئة الروماني لذات السبب !؟ وهل يمكننا اعتبار ذلك تفريقاً بين الناس بناء على الوضع الاجتماعي والسياسي !؟

(( محبة الأعداء والعذاب الأبدي ))

لا شك أن مسألة العذاب الأبدي كجزاء لإثم مؤقت هي إشكالية كبيرة تتناقض بالكلية مع مفهوم المحبة الإلهية المسيحي. فيقول يسوع في متى " اذهبوا يا ملاعين للنار الأبدية " ويقول أيضاً " يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم ويطرحون في أتون النار هناك يكون البكاء وصرير الأسنان" فالتعارض هنا واضح ولا يحتاج إلى جدال، فلا تلاقي بين مفهوم الرحمة وبين توعد من لم يقبلون بمواعظ يسوع ومحبته بالنار الأبدية حيث البكاء وصرير الأسنان.

((أرسلت للخطاة، والحرمان من التوبة )
قال يسوع للفريسيين حينما وجدوه يجالس الخطاة، بأنه إنما لأجل توبة الخطاة أُرسل، ولكنه قال أيضاً "وأما من قال على الروح القدس فلن يغفر له، لا في هذا العالم ولا في الآتي " وفي هذا التقرير حرمان مُخيف من فرصة التوبة ومن أي أمل في النجاة. ويقول برترند راسل عن تلك الآية من الإنجيل أنها قد تسببت بقدراً كبيراً من البؤس في العالم المسيحي، فكثير من الناس الذين راودهم الشك في أنهم قد جدفوا ضد الروح القدس عاشوا حياتهم في خوف مستمر من أنهم قد فقدوا فرصة المغفرة إلى الأبد.

((انفعال يسوع على مخالفيه ))
لم يكن يسوع ذو حلم مع مخالفيه كما تبين الأناجيل بوضوح، فقد استخدم مع من رفضوا مواعظة تشبيهات مثل الكلاب والحيات والأفاعي والشياطين وغيرها من التشبيهات التي تنم عن التحقير. ولقد انفعل حتى على شجرة التين حين وجدها لا ثمر فيها فلعنها قائلاً " لا يكن منك ثمراً إلى الأبد " بالرغم من أنه وكما ذكر لوقة في إنجيله فإن الشجرة لم تكن أصلاً في وقت الإثمار، أي أنها لا عيب فيها لكونها لم تثمر، وهذا حتى يجعل حجة المثل الرمزي غير دقيقة إلى حد بعيد.

وفي النهاية فإني لا أدعي أن يسوع الذي تصوره الأناجيل هو إنسان شرير أو ليس ببار، ولكن لا شك أن الصورة التي تقدم له كمثال يحتذى به في المحبة التسامح هي صورة مبالغ فيها، وهي الصورة التي كانت لدي شخصياً قبل أن أطلع على الأناجيل. فقد يكون يسوع إنساناً متسامحاً وأخلاقياً خاصة إذا أخذنا بالحسبان طبيعة العصر الذي عاش فيه؛ ولكنه وكما قال راسل لم يكن أكثر تسامحاً من سقراط أو بوذا والكثير من الشخصيات الأخرى التي اتسمت بتسامح أكبر مع مخالفيهم ومضطهديهم.