فشل الرأسمالية وراهنية البديل الاشتراكي


محمد الحباسي
2021 / 6 / 15 - 13:14     

منذ مايزيد عن عشر سنوات وتحديدا منذ اندلاع أزمة الرهون العقارية في 2008 والتي عصفت بالنظام الرأسمالي في صيغتة الاميرالية والعولمية ،أخذ نسق أزمات هذا النظام يزداد ويتسارع بشكل غير مسبوق كما اصبحت نتائج ازماته أشد فتكا وتدميرا.
لقد اعتبر الماركسيون منذ" رأس المال" أن الأزكات المتعاقبة للمنظومة الرأسمالية هي أبعد عن أن تكون مجرد هزات ظرفية عابرة بل هي تعبير عن أزمة هيكلية مرتبطة بالمنظومة الرأسمالية في حد اتها من حيث قوانينها وميكانيزماتها الداخلية . انها أزمة نمط انتاج شاخ ولم يعد له ما يقدمه للانسانية سوى الدمار والخراب ذلك ان هذا النمط الاقتصادي وكما أوضح ذلك ماركس وانجلس ولينين لاحقا بدقة واقناع علميين منقطعي النظير يحمل في جيناته بذور فنائه باعتباره ككل أنظمة الملكية الخاصة عاجز عن تحقيق التناسب بين علاقات الانتاج ومستوى تطور القوى المنجة والنتيجة هي ازمات متكررة ودورية تتسارع وتيرتها اكثر فاكثر ويكون الانقاذ دائما لصالح الرأسمال الكبير ومزيد تدمير البشرية والرأسمال الصغير أي مزيد تشديد الاستقطاب بين رأس المال والعمل. وتفلح الرأسمالية في ايجاد مسكنات ظرفية لهذه الازمة او تلك لكنها تعجز عن منع ظهور الأزمات من جديد التي لتعود كل مرة بشكل أشد سعة وعمقا.
ان تتبع تطور الرأسمالية كنظام مهيمن يبرز لنا ن هذا النظام مر بطورين رئيسسيين : الطور الالي والصناعي التقدمي ثم الطور الامبريالي الانحطاطي حيث اشتد في غضون ذلك الاستقطاب بين الرأسمال والعمل ويجري ابادة وسحق الرأسمال الضعيف لصالح الحيتان الكبيرة التي تحكم الانظمة الراسمالية الكبرى عبر سيطرتها على أجهزة الدولة ومؤسسات الحكم وعبر التنظيمات الدولية التي استحدثتها لبسط نفوذ وهيمنة الرأسمال الامبريالي على البسيطة وتأمين استمرارية نظام التقسيم العالمي للعمل بشكل يخدم مصالح المركز على حساب مصالح أمم وشعوب دول الأطراف .
ورغم ترديد منظري الرأسمالية من مختلف المدارس لمقولات سرمدية هذا النظام وأفضليته فان واقع الاشياء اثبت ان هذا النظام هو نظام أزمات الحقت أشد الويلات بالبشرية من حروب بشعة وتدمير مستمر للطبيعة ورهن للشعوب ومصائرها عبر اليات المديونية .لقد عرت الازمة الاخيرة التي تزامنت مع انتشار فيروس كورونا باغلب دول العالم معضلات هذا النظام وكشفت زيف ادعاءاته ووهم دولة الرفاه والتحقيق النهائي لانسانية الانسان وفضحت طابعه البربري واللانساني وأكدت من جديد انه فقد كل مشروعية وانه نظام ايل لا محالة للسقوط . فتهاوت المنظومات الصحية لهذه الدول امام الوباء وانكفأ كل منها على نفسه لمعالجة الازمة وكان الفقراء الاكثر تضررا امام ارتفاع تكاليف الوقاية ومواجهة الوباء وتخلي الدولة عن لعب دورها الرعائي .
وككل مرة تطرح بالتزامن مع الحديث عن أفول الرأسمالية وتهافت وعودها وادعاءاتها قضية البديل الممكن لهده المنظومة. ولقد انبرى الماركسيون على التأكيد ان الشيوعية هي الافق الحقيقي للانسانية للخروج من حالة البربرية التي تتخبط فيها جراء نظام الاستغلال والنهب الذي اصبح يلجم تطور القوى المنتجة ويعيق تقدم البشرية.
ونحن كماركسسن نعتقد انه لا خلاص للبشرية من اثار الراسمالية الا بالاشتراكية وخلافا لمنظري الرأسمالية الذين وان اقروا تحت ضغط الوقائع بكون النظام الرأسمالي يعيش أزمة مركبة ومعقدة وخاصة بعد مخلفات ازمة فيروس كورونا وانهيار المنظومات الصحية في الدول الرأسمالية التقليدية وفشل المنظومة الاقتصادية الرأسماية في مواجهة الوباء واثاره العاصفة على كل القطاعات الانتاجية وعلى الاسواق المالية مما خلف اضرار كبيرة لدى الفئات اطوالطبقات الكادحة ولكن ايضا لدى المؤسسات الرأسمالية من الدرجة الثانية والتي لم تسطع الصمود امام توقف الانتاج لفترات طويلة وتراجع الاستهلاك واصبحت هناك قناعة لدى مفكري البرجوازية انفسهم بان النمط الرأسمالي في صيغته الرأسمالية المتوحشة لا يمكن ان يكون النموذج الاقتصادي لتخطي مشكلات الانسانية ولايمكن ان يقود النظام العالمي لما بعد كورونا .ومع ذلك، فقد واصل الكثير منهم التشكيك في الاشتراكية و توظيف كل ما أوتوا من قدرات التضليل والمواربة لاستبعاد الاشتراكية كبديل للمنظومة الرأسمالية وأقصى ما اقترحوه هو اجراء اصلاحات من داخل المنظومة الرأسمالية او اعادة احياء الكينزية . وفي هذه الورقة الموجزة سنحاول اثبات ان الاشتراكية هي البديل الحقيقي للرأسمالية المتهالكةخلافا لما يدعية السدنة الجدد للرأسمالية.
ان المقصود براهنية فكرة او نظرية ما هو قدرتها على تقديم معالجة حقيقية وشاملة للمعضلات التي يطرحها الواقع الراهن وذلك يمر حتما عبر تشخيص الاشكاليات بدقة وتحديد اسبابها وطرح العلاجات البديلة . اننا امام أزمة مشروعية تهز النظام الرأسمالي وتعبر عن انعدام الثقة فيه وتوقفه على ان يكون مقبولا وهو ما يطرح الاشتراكية الماركسية كبديل جدي وجذري لهذه المنظومة .
المقصود بالرأسمالية هو نمط الانتاج السائد اليا وهو نمط قائم على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وعلى استغلال البرجوازية للطبقة العاملة ويتحقق شرط التراكم الرأسمالي من فائض القيمة التي ينتزعها الرأسماليون من عمل العمال. وهو نمط اقتصادي بضاعي ويقوم على التأجير.
اما الاشتراكية فالمصود بها هنا هو الاشتراكية الماركسية وهي نظرة شاملة للكون و نسقا فلسفيا ومعرفيا باعتبارها مشروعا ومنظومة شاملة والمقصود بالمنظومة هي تنظيم كل ماهو مشتت ومتعدد في كل منسجم تسهل قراءته وفهمه والماركسية هي منظومة متعددة الأبعاد بجوانبها العلمية والسياسية والاقصادية والاجتماعية والقيمية وهي بكل هذه الابعاد تشكل منظومة نقيض للمنظومة الرأسمالية تنطلق من نقدها وبيان تهافت ادعاءاتها وتطرح نفسها كمشروع بديل لها.
وفي جانبها الفكري تحيل الاشتراكية الى مفهوم المادية الجدلية والذي ينطلق من التأكيد على الطبيعة المادية للعالم والكون و من أسبقية الوجود/ المادة عن الوعي وتحديدها له ومن التسليم بامكانية معرفة العالم والالمام به من خلال الالمام بالقوانين الموضوعية التي تحكم كل الظواهر الطبيعية والاجتماعية وانه لا يوجد أشياء لا يمكن فهمها بل يوجد حقائق علمية لم تكتشف بعد وسيمكن التطور العلمي المطرد من اكتشافها.
وتقوم المادية الجدلية على جملة من المقولات والبراديجمات المترابطة وتتمثل في:
وحدة وصراع الاضداد
التطور الدائم وتحول الكم الى كيف
نفي النفي
ويتمثل المكون أو الاساس الثاني للماركسية في المادية التاريخية وهي تطبيق للمادية الجدلية على التاريخ والتطور الاجتماعي وبمقتضى هذه البراتيقم فان تطور البشرية محكوم بقانون اساسي وهو قانون الصراع الطبقي وهو لازمة لكل التشكيلات الاجتماعية التي عرفتها الانسانية منذ فجر التاريخ باستثناء المشاعة البدائية فالتاريخ هو تاريخ الصراع بين المستغلين والمستعلون وتتكون التشكيلة الاجتماعية من نمط الانتاج والبنية الفوقية التي تنشأ وتتطور على أساسه وفي ارتباط به. أما نمط الانتاج يتكون من علاقات الانتاج وقوى الانتاج وتشير الاولى الى طبيعة الملكية والعلاقات بين الطبقات اما الثاني فيشير الى وسائل الانتاج والبشر الذين يستعملونها في حين نعني بالبنية الفوقية الافكار والايديولوجيا المرتبكة بنظام اجتماعي معين.
وكل التشكيلات الاجتماعية السابقة للاشتراكية باستثناء المشاعية البدائية (العبودية، الاقطاع والرأسمالية) تقوم على التناقض بين علاقات الانتاج وقوى الانتاج . وفي ظل النمط الانتاجي الاشتراكي يتحقق التناسب بين علاقات الانتاج وقوى الانتاج التي سيتم تحريرها وفتح المجال أمامها وذلك من خلال مشركة وسائل الانتاج والغاء الملكية الخاصة في ظل حكم ديكتاتورية البروليتاري التي تعتبر أرقى اشكال الديمقراطية لانها تترجم مصالح الاغلبية الحقيقية للمجتمع.
كما تشتمل الماركسية على عنصر اخر وهو الاقتصاد السياسي ومن هذه الزاوية ترى أن تطور المجتمعات يخضع الى جملة من القوانين وأهمها قانون الصراع الطبقي وفي المجتمع الرأسمالي الذي انكب ماركس على دراسته في كتاب رأس المال فان طرفي الصراع الرئيسيين هما الطبقة البرجوازية التي تحتكر ملكية وسائل الانتاج والبروليتاريا والتي لا تملك شيئا وليس لها ما تخسره الا الاغلال وتتأتى ثروة الاقلية المالكة لوسائل الانتاج من فائض القيمة اذي تجنيه الطبقة البرجوازية من الساعات غير الخالصة الاجر (فائض القيمة النسبي او المطلق) التي ينجزها العمال فهؤولاء لا يتقاضون اجرا عادلا يتناسب مع مجهوداتهم بل ان جزء كبيرا من عملهم يذهب الى جيوب الرأسماليين وهو ما يساهم في مراكمة الرأس المال بين يدي البرجوازية في حين يكون نصيب العمال البؤس والشقاء لا يحصلون الا على اجور زهيدة لا تكاد تكفي لسد الحاجيات الاساسية لضروريبة للمحافظة على حياتهم وانتاج عمال جدد توظفهم الرأسمالية.ونميز في اطار الاقتصاد السياسي بين القوانين الاقتصادية العامة على غرار قانون الصراع الطبقي وقانون عدم التنسب بين علاقات الانتاج ومستوى تطور قوى الانتاج والقوانين الخاصة بهذا النمط او ذاك من انماط الانتاج على غرار قانون فوضى الانتاج الخاص بالنمط الرأسمالي.
وسنحاول التطرق الى هذه الاشكالية من خلال الاجابة عن الأشكالية التالية : لماذا تعبر الاشتراكية بديلا عن الرأسمالية ومامدى راهنية هذا البديل؟
سنتطرق الى هذه الاشكالية من خلال مبحثين يعنى الاول ببيان شل المنظومة الرأسمالية كمقدمة لتركيز الببديل الاشتراكي والثاني بالدفاع عن الاشتراكية كبديل للمنظومة الرأسمالية الفاشلة.
الجزء الأول :فشل الرأسمالية مقدمة لتركيز البديل الاشتراكي
منذ دخولها الطور الامبريالي لم تجن البشرية من بقاء الرأسمالية سوى الكوارث والدمار سواء في انعكاساتها على الانسان او الطبيعة .
فبخصوص الانسان يمكن القول ان حصيلة الرأسمالة مفزعة على كافة الاصعدة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وقيميا.

اقتصاديا : نمط اقتصادي في خدمة الاقليات والامبريالية ومولد للازمات
حرصت الانظمة الراسمالية الكبرى عبر الياتها السياسية والمالية الى الحفاظ على النمط اللاعادل لتقسيم العمل حيث تختص الانظمة المتقدمة بالاستثمار في حلقات الانتاج التي تخلق قيمة مضافة عالية في مجال الصناعات فائقة التطور والتكنولوجيا العالية في حين تجبر الدول المهيمن عليها على توفير المواد الاولية وتوريد السلع الاستهلاكية من دول المركز وحتى وان تم منذ الحرب العالمية الثانية ظهور صناعات بالدول الفقيرة والعالمثالثية فان هذه الصاعات ظلت محصورة في القطاعات الهشة وضعيفة المحتوى التكنولوجي والشركات والاستثمارات بهذه الدول هي عبارة عن فروع تقوم بوظيفة المناولة لدى الشركات الكبرى العابرة للقارات وهي تقوم بمراحل متخلفة من مراحل التصنيع تعهد بها الشركات الكبرى لهذه الفروع التي تعمل في ظروف مربحة من حيث رخص اليلد العاملة وتمتعها بالحوافز المالية ولجبائية التي تتحصل عليها من حكومات الدول التي تنتصب بها وهي حكومات تابعة وموالية لانظمة المركز وعادة ما تكون في فلك هذا القوة الامبريالية او تلك مما يعنى حرمان شعوبها من عائدات كبيرة لفائدة الشركات العابرة للقارات من خلال ما تتمتع به من حوافز مالية وجبائية كما ان القيمة المضافة لمنجزة وعلى محدوديتها فانها ترحل الى دول المركز اين يوجد مقر الشركة الام.
وبفعل الترابط العولمي بين اقتصاديات العام فان كل ازمة تصيب احدى الدول سرعان ما تنتقل عدواها الى الدول الاخرى وقد عجزت الرأسمالية رغم توفرها عللى امكانيات رهيبة علمية وتكنولوحية عن ايجاد حل لمعضلة فوضى الانتاج والانخرام الدوري بين العرض والطلب وازمة الانتاج والاستهلاك والنتيجة هي انفجار الازمة في احدى الدول ومن ثمة انتقالها الى الدول الاخرى لان الرأسمال العولمي القائم على المضاربات في الاسوق المالية وتبعية قطاعات الانتاج الحقيقي للمداولات التي تتم بالاقتصاد الافتراضي يقوم على ترابط كل حلقاته وبمجرد تهاوي اقتصاد احدى الدول فان الازمة ستصيب كل حلقات السلسلة .هذا ما حصل في 2008 في ما يسمى بأزمة الرهون العقارية بالولايات المتحدة الأمريكية المرتبطة بعجز ملايين من العائلات عن سداد الاقساط المتخلدة بذمتهم والمتعلقة بقروض شبه غير مضمونة .ولما كانت هذه القروض غير المضمونة قد استعملت في مضاربات وشراء أسهم في قطاعات متعددة وذات معدل ربحية عالي على غرار قطاع النفط والاتصالات ولان منظومة البورصة مرتبطة بقطاعات استثمارية متعددة ومنتشرة في كافة انحاء العالم فان انهيار هذه الرهون بسبب عجز المقترضين عن دفع أقساهم قد تسبب في انهيار شامل لكل المنظومة المصرفية وخاصة بالبورصات العالمية الكبرى والدول التي لم تتفطن لهذه المضاربات الوهمية مثل بريطانيا واسبانيا وبعض دول الخليج بدرجة ثانية. ولقد أدت ازمة السيولة وتراجع اسعار الاسهم الى افقاد النظام الرأسمالي المعولم أهم الياته اي المال اللازم للاستثمار فتهاوت الاقتصادات الكبرى المترابطة بعضها ببعض وكنتيجة لذلك تهاوت أسعار الاسهم وخاصة المتعلقة بالقطاعات الرئيسية كالنفط والاتصالات وتكنولوجي المعلومات. ثم انتقلت الازمة الى الدول الفقيرة لارتباط اقتصادها باقتصاد الدول المتقدمة في علاقات من التبعية فالازمة فرضت على الدول الغنية تراجعا كبيرا في الطلب الداخلي على الاستهلاك مما قلص في عائدات الدول الفقيرة من تصدير المواد الأولية كما ان تراجع الاستثمارت الخارجية بهذه الدول ساهم في مزيد تعمق معضلات البطالة والفقر فكان الحل المزيد من المديونية وبالتالي المزيد من رهن قرارها ومستقبل اجيالها للدول المانحة ولمؤسساتها المالية.
ورغم تدخل الدولة لانقاذ البنوك والشركات الكبرى في دول المركز فان الازمة لا تزال تلقي بضلالها ولا تزال المؤسسات المالية عاجزة عن ايجاد معالجات جذرية للازمة وتداعياتها وقد ساهمت اازمة كورونا في مزيد تعقيد الامور فتحت تاأثير توقف الانتاج دخل الاقتصاد الرأسمالي العالمي في دورة كساد جديدة نتيجة لتراجع الاستهلاك وانحسار الاستثمار بسبب القيود التي وضعت على البشر في التنقل وبسبب توحيه اعطاء الاولوية للحاجبات المرنبكة بمواجهة الوباء وقد قدرت الخسائر الاقتصادية المباشرة للاقتصاد العالمي خلال المرحلة الاولى من انتشار كورونا من جانفي الى مارس 2020بحوالي 4 ترليون دولار . كما تراجعت الاسواق المالية والبورصات الكبرى بحوالي 40 بالمائة خلال شهر مارس 2020 وتراجع الناتج المحلي الخام بحوالي " نقاط خلال الثلاثي الاول من 2020. ومن المتوقع ارتفاع المديونية العالمية بحوالي 25 بالمائة أي مرور الدين العالمي من 260ترليون دولار سنة 2019 الى 325 ترليون دولار سنة 2020 لكن مديونية الدول الفقيرة هي التي ستكون الاكثر تطورا من خلال تراجع مواردها بشكل كبير جراء تعطل محركات الانتاج وتراجع التجارة العالمية .
ويجمع كل المختصين امتداد الهزة سيكون بعيدا في الزمن فوفق بيانات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وتقارير البنوك المركزية للدول الغنية الكبرى فان الاقتصاد العالمي سينكمش سنة 2020 بنسبة تتراوح بين 2.5 و3.5 بالمائة وان هذا الانكماش سيؤي الى مرحلة من الركود يمكن ان تستمر لحدود 2025.
التداعيات الاجتماعية للرأسمالية
ان العمال والفات الكاحة والمهمشون هم الضحايا الاكثر تضررا من النظام الرأسمالي فحسب البراديغمات الرأسمالية فان اول حل للخروج من حالة الركود هي التضحية بجزء من العمال وهو ما يعني تسريح الالاف من العمال وانتقالهم الى معطلين عن العمل ورغم ان الرأسمالية تعتبر ان هذا الحل مجرد اجراء وقتي فان الواقع يثبت عكس ذلك فالتخلص من العمال لا يعني ضرورة تحقق الانتعاش وتوسيع نطاق الاستثمار من جديد وبالتالي استعادة التوازن وامتصاص البطالة بل تثبت الوقائع ان عدد البطالين في ارتفاع مستمر وهي نسب اصبحت مفزعة سواء في اقتصاديات المركز او في اقتصاديا الدول المصنفة بكونها تنتمي الى ما يسمى بالعالم الثالث ومن المنتظر ان تسهم الازمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا المستجد في بطالة عالمية لاكثر من 200 مليون شخص في عام 2021مع تضرر النساء والشاب بشكل أكبر.
وترتفع معدلا البطالة اثر في الدولل التابعة وذات الاقتصادية الضعيفة غير القادرة على استيعاب الواقدين الجدد على سوق الشغل وتحت تاثير تخلي الدولة عن القطاع العام وتراجع عدد الانتدبات بالوظيفة العمومية سجلت اقتصاديات هذه الدول تزايدا لحجم البطالة نتيجة افلاس العديد من المؤسسات الصناعية علاوة على تضرر قطاع السياحة والقطاعات الخدماتية المرتبطة به والتي تعتبر من اهم القطاعات التي تستوعب اليد العاملة في الاقتصاديات المتخلفة وذلك بسبب ما حتمته الازمة الاخيرة من اجراءات حجر السفر وغلق للحدود.
ولا يعني هذا ان البطالة مرتبطة بالكوفيد بل هي لازمة من لوازم الاقتصاد الرأسمالي الي يحتاح باستمرار اللى جيش من البطالين للتحكم في الاجور كما ان المؤسسات الرأسمالية تلتجى دائما الى التسريج الجماعي لتخطي ازمات فائض الانتاج الدورية.
وزيادة عن البطالة فان اللازمة الاخرى من لوازم اشتغال الاقتصاد الرأسمالي تتمثل في انعدم المساواة وانتشار الفقر بين السواد الاعظم من الشعب بينماا تحتكر الثروات اقليات تتحكم في دواليب الاقتصاد والسياسة
فوفقاً لتوماس بيكيتي في كتابه "رأس المال في القرن الحادي والعشرين"، كان هناك عكس لما يعرف بـ"منحنى كوزنيتس" (أي إن المساواة تزيد مع التقدم الاقتصادي) في الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة منذ الثمانينيات والعودة إلى ديناميات عدم المساواة في الثروة والدخل التي طبعت الرأسمالية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ويتفق العديد من الاقتصاديين مع تشخيص بيكيتي هذا، بما في ذلك أنتوني أتكينسون وجوزيف ستيغليتز. وهذه الزيادة الكبيرة في التفاوت الاجتماعي كان لها تأثير سلبي كبير. ويعدد جوزيف ستيغليتز في كتابه "كلفة عدم المساواة" هذه التكاليف الاقتصادية والسياسية في الاقتصاد الأميركي. وتشمل التكاليف انخفاض الإنتاجية وانخفاض النمو وانخفاض الكفاءة وعدم الاستقرار الاقتصادي، إضافة إلى تآكل الهوية وتقويض المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون في هذه الدولة الديمقراطية الاولى في العالم
إن ازدياد التفاوت كان له تأثير على البنى الطبقية ومكاسب وخسائر الطبقات المختلفة في الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة. فكان هناك صعود نخبة رأسمالية ومالية أو بلوتوقراطية جديدة، حيث إن 1٪ في الولايات المتحدة تأخذ أكثر من 20٪ من الدخل (قبل 1980s أخذوا 9-10٪)، والرؤساء التنفيذيين الأميركيين يكسبون 200 ضعف متوسط الأجر في الولايات المتحدة. وإضافة إلى كل ذلك، فإن الوظائف المستقرة ذات الأجور العالية في الفترة الكينزية قد انتهت. وينقسم سوق العمل الآن بين الوظائف ذات المهارات العالية وذات الأجور المرتفعة مقابل الوظائف المتوسطة إلى المنخفضة المهارة التي تعاني من تدني الدخل وعدم الأمان الوظيفي. وأدى كل ذلك إلى نهاية الحلم الأميركي للكثيرين في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى: نهاية الحلم بالانتماء إلى الطبقة المتوسطة ذات القدرة على العيش برفاهية كتلك التي عاشتها في فترة العصر الذهبي للرأسمالية، ولا يمكن لأيّ جرعات من وعود "الرأسمالية الشعبية" ولا"مجتمع الملكية" أن تغير من ذلك الواقع المرير.
وفي كل بقاع الارض يزداد عدد الفقراء كنتيجة حتمتية للخيارات المتوحشة والمقصود هناك بالفقر هو الفقر متعدد الابعاد والمرتبط بمدى ولوج الشخص للحد الادنى الضروري من كل المرافق العامة الاساسية والضرورية .الفقر أكثر من مجرد الافتقار إلى الدخل أو الموارد أو ضمان مصدر رزق مستدام، حيث إن مظاهره تشمل الجوع وسوء التغذية وانحسار إمكانية الحصول على التعليم والخدمات الأساسية، إضافة الى التمييز الاجتماعي والاستبعاد من المجتمع وانعدام فرص المشاركة في اتخاذ القرارات. واليوم يعيش أكثر من 780 مليون شخص تحت خط الفقر الدولي، 11٪ منهم يعيشون في فقر مدقع ويكافحون من أجل تلبية أدنى الاحتياجات الأساسية كالصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي. وتعيش 122 امرأة تتراوح أعمارهن بين 25 و34 سنة في فقر مقابل كل 100 رجل من نفس الفئة العمرية، وأكثر من 160 مليون طفل معرضون لخطر الاستمرار في العيش في فقر مدقع بحلول عام 2030. وتبين الاحصاىيات انه:
• لم يزل 783 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر الدولي المحدد بـ1.9 دولارا يوميا (دولارات الولايات المتحدة)
• عُشر سكان العالم وأسرهم كانوا يعتاشون على أقل من 1.9 دولار يوميا في عام 2016
• تنتمي الغالبية العظمى ممن يعيشون تحت خط الفقر إلى منطقتين: جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حيث تنشر البطالة وتسوء التغذية وتكثر الامراض والاوبئة رغم التقدم العلمي والاكتشافات الطبية الكبيرة ذلك ان هذه الاكتشافات لا تستخدم لخدمة الانسانية بل لمراكمة ارباح مخابر وشركات الادوية.
• غالبا ما توجد معدلات الفقر العالية في البلدان الصغيرة والهشة وتلك التي تعاني من النزاعات
• في المقابل تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة في العالم، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين. وتوضح الدراسات أنهم لو ساهموا بـ 1% من هذه الثروات لغطت تكلفة الدراسة الابتدائية لكل الأطفال في العالم النامي.
– وبينما يموت 35 ألف طفل يوميا بسبب الجوع طفل يوميا بسبب الجوع والمرض ويقضي خمس سكان البلدان النامية بقية اليوم وهم يتضورون جوعا، تقل المساعدات المخصصة للدول الفقيرة عن طريق منظمة الأمم المتحدة عما تنفقه تسعة من البلدان المتقدمة على غذاء القطط والكلاب في ستة أيام فقط.
وتبرز كل هذه الأرقام الخلل الكبير الحاصل في تمركز رأس المال العالمي، وهو خلل لا يمكن تجاهل تفاعلاته السلبية وما يترتب عليها من آثار وخيمة على البشرية، كما توضح ما آل إليه حال الإنسانية في التغاضي عن هذه الفضيحة الأخلاقية التي تهدد مستقبل البشرية.
اما في الدول الغنية فان التفاوت يبغ من الحدة مستوى يفضح الطابع الوحشي للرأسمالية ، وبحسب التقرير الذي اشرف عليه خصوصا لوكا شانسيل من معهد باريس للاقتصاد وتوماس بيكيتي مؤلف الكتاب الشهير "الرأسمال في القرن الحادي والعشرين"، فان حصة العائدات الوطنية التي يراكمها 10% من دافعي الضرائب الأكثر ثراء ارتفعت من 21% الى 46% في روسيا ومن 27% الى 41% في الصين بين 1980 و2016. وفي الولايات المتحدة وكندا، انتقلت هذه النسبة من 34% الى 47% فيما شهدت اوروبا ارتفاعا "اكثر اعتدالا" (من33% الى 37%). واوضح التقرير "في الشرق الاوسط ودول افريقيا جنوب الصحراء والبرازيل بقي التفاوت في الثراء مستقرا بشكل نسبي" لكن على مستويات مرتفعة جدا
ان قوانين الرأسمالية الرأسمالية تقتضي ان يفضي التراكم الى تركزر الثروة تدريجيا بين يدي أقلية من المالكين في حين يكون مال أغلبية الشعب التفقير والاملاق أما على مستوى دولي فان ثروات الدول الكبرى تعود في جزء كبير منها الى الثروات التي تنهبها من الشعوب المستعمرة والمستعمرات الجديدة وما عدا أقلبية من الرأسماليين المحلين المرتبطين بنظم التبعية والعمالة فان اغلبية الشعب في هذه الدول تسوء أوضاعه اكثر فاكثروتنتشر بينه كل ضروب البؤس والحرمان والتمييز.
وحتى تضمن استمرار هذا النظام تبقى الالية الافضل للنظام الرأسمالي هي الحروب المباشرة والحروب بالوكالة للحفاظ على مراكز النفوذ ومصادر المواد الطاقية والاولية الضرورية لاشتغال وسائل الانتاج في مختلف القطاعات الانتاجية وقد ولد رأس المال وهو يرشح دما وكان ثمن بقائه هو اشعال الحروب في كل مكان دون ان يأبه بنتائجها الكارثية ويكفي هنا ان نذكر بان الحرب العالمية الثانية التي كانت الابشع في تاريخ الانسانية أدت الى وقوع ما بين 50 و85 مليون قتيل حسب التقديرات الرسمية للدولالمتحاربة ونظرا لاهمية الحروب بالنسبةلانظمة النهب والاستعمار فان القطاع الحربي يبقى من اكثر القطاعات من حيث المبالغ المرصودة له في ميزانيات هذه الدول وهي مبالغ هائلة كانت ستحقق الكثير من الرخاء والتقدم للانسانية لو وظفت فيما ينفع الانسانية على غرار قطات الصحة والبحث العلمي وغيرها من الحاجيات الاساسية للانسان (انظر الجدول).
الترتيب الدولة الإنفاق (بليون دولار أمريكي) % من الناتج المحلي الإجمالي الحصة العالمية (%) الإنفاق (بليون دولار أمريكي تعادل القوة الشرائية)[3]

مجموع دول العالم 1,753 2.5 100 1562.3
1 الولايات المتحدة
682.0 4.4 39 682
2 الصينx
166.0 2.0 9.5 228
3 روسيا الاتحادية x
90.7 4.4 5.2 93.7
4 المملكة المتحدة
60.8 2.5 3.5 57.5
5 اليابان
59.3 1.0 3.4 50.1
6 فرنسا
58.9 2.3 3.4 44.7
7 المملكة العربية السعوديةy
56.7 8.5 3.2 58.8
8 الهند
46.1 2.5 2.6 117
9 ألمانياx
45.8 1.4 2.6 40.4
10 إيطالياx
34.0 1.7 1.9 28.5
11 البرازيل 33.1 1.5 1.9 33.8
12 كوريا الجنوبية 31.7 2.7 1.8 42.1
13 أستراليا 26.2 1.7 1.5 16.6
14 كنداx
22.5 1.3 1.3 19.9
15 تركياxz
18.2 2.3 1.0 25.2
المصدر (موقع ويكيبيديا)
والى جانب الاسلوب العسكري تعتمد الامبريالية وسائل اخرى اكثر مرونة ولكنها لا تختلف من حيث نتائجها الكارثية على الشعوب الفقيرة وهي الية المديونية ويمكن القول ان المديونية ليست خاصية للدول الفقيرة وشبه المستعمرة فقط بل أن جل الدول وخاصة الغنية تلتجى الى الاقتراض ولكن الفرق بين الدول الغنية والدول الفقيرة هو كون الاولى تسدد ديونها بعملتها لان الديون تعتبر سيتدادية بينما تسدد الدول الفقيرة بالعملة الصعبة وهو ما يجعل تكللتها باهضة جدا ومكلفة بالنسبة للاجيال القادمة ويتمثل ايصا الفرق بين ديون الدول الغنية والدول الفقيرة في كون الديون التي تقترضها الدول الغنية توظف في الاستثمارات المنتجة بما من شأنه ان يطور اقتصاديتها بينما تقترض الدول الفقيرة لتسدد عجز موازناتها المالية وهي ديون خارجية في الغالب موجهة للاستهلاك ولخلاص الاجور ولخلاص لديون القديمة ونظرا لافتقادها للتصورات الوطنية البديلة المتمحورة حول التنمية الذاتية المستقلة و انتهاج خيارات وطنية شعبية تعتتمد على تنمية الثروة داخليا وعلى القطاعات المنتجة فان الأنظمة العميلة التي تحكم الدول الفقيرة عادة ما تذعن الى شروط الدول المانحة مقابل حصولها على القروض وعادة ما تكون هذه الشروط هي عبارة عن وصفات يعدها خبراء الامبريالية ومؤسساتها المالية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي بما يخدم مصالح كبريات الشركات العابرة للقرات ويعمق تبعية اقتصاديات الدولة الفقيرة للدول المانحة وذلك على حساب مصالح شعوب هذه الدول فالمديونية هي بالنهاية الية للنهب وهي خاصة الية لهيكلة اقتصاديات الدول المتداينة حسب مصالح الجهات المانحة وشركات الرأسمال العالمي . لقد ادى اتباع هذه الوصفات كما هو الحال في اليونان وتونس مثلا الى مزيد تفقير هذه الدول ووصلها الى مرحلة الافلاس ( نسبة المديونية في تونس بلغت سنة 2021 نسبة 100بالمائة من الناتج الداخلي الخام)
وقد فشلت كل محاولات اصلاح النظام الرأسمالي من الداخل والتخفيف من وطأته الاجتماعية في اتجاه أنسنته . لقد حاولت الرأسمالية على اثر كل أزمة ايجاد حلول من داخل منظومتها لتجديد مشروعيتها فبعد أزمة 1992 ونائجها الكارثية (بطالة، افلاس) ومخلفات الحربين العالمية الاولى والثانية التدميرية التي وجهت الضربة القاضة لليبرالية الكلاسيكية ( ريكاردو، ادم سمسث ، جون باتيست ساي ...) التي تتبنى الليبرالية الصرفة و ترفض تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية واكتفائها فقط بدور الشرطي داخيا وخارجيا وبجمع الاداءات والتشريع مع خضوع الاقتصاد لقوانين السوق وقانون العرض والطلب واليد الخفية التعديلية. واثر فشل هذا النموذج وتداعياته الكارثية اجتماعيا وسياسيا وجدت الرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية في كتابات الاقتصادي جون ماينار كاينز الملجأ لتخطي أزمتها وقد سعت الرأسمالية من خلال هذه الصيغة الى تفادي سيناريو الثورة الاشتراكية في بلدانها وقطع الطريق امام امكانية نسج الطبقة العاملة ببلدانها على منوال نظيرتها في روسيا ويقوم التصور الكينزي على الاقرار بضرورة تدخل الدولة للعب دور تعديلي في الاقتصاد فخلافا للاقتصاديين الكلاسيكيين يرفض كاينز فكرة التوازن العفوي ويؤمن ايمانا عميقا بأهمية الدولة القوية القادرة على توجية الاقتصاد الكلي . لقد ساد في النظرية الكلاسيكية القول بأن الاقتصاد الرأسمالي القائم على حرية العرض والطلب بامكانه تحقيق التوازن الشامل بما في ذلك التعديل الالي لسوق الشغل والقدرة على امتصاص البطالة ووفق هذا المنطق فان التضحية بجزء من اليد العاملة في فترات الازمات سيعيد التوان للمؤسسات في المدى المنظور ويمكنها من تخطي الازمات وتحقيق ارباح ستوظف بدورها في استثمارات جديدة وبالتالي خلق فرص عمل جديدة وامتصاص البطالة وهكذا فوفقا لهذا التصور فان أزمات البطالة هي أزمات ظرفية. ولكن كينز ابرز عدم وجاهة هذا التحليل ذلك ان ما يهم الشركات لاعادة الاستثمار هو وجود مناخ محفز ووجود طلب عالي على الاستهلاك وهما شرطان يغيبان في الازمات وبالتالي فان الضامن لاعادة التوازن هو تدخل الدولة عبر المشاريع الكبرى وهو ما يعرف بالتاثير المضاعف (l’effet multipicateur) ذلك ان اطلاق الدولة لعروض الاشغال العامة يمثل فرصة للشركات للاستثمار وانتداب يد عاملة جديدة اضافة الى تدخل الدولة للرفع من الاجور وتوفير خدمات عامة مجانية تتعهد ترصد لها امكانيات في المالية العمومية كل ذلك يساهم في تشجيع الاستهلاك وتحقيق التوازن بين العرض والطلب ودفع الاستثمار الخاص وفي كتابه النظرية العامة للعمالة والفائدة والنقود ينطلق كينز من فكرة تقوم على منطق منسجم بالدولة يجب تزيد في نفقاتها في عصر الكساد لامتصاص البطالة وعليها ان تقلص من الانفاق في حقبات الازدهار للحد من التضخم .بهذا المعنى فان الحكومة مطالبة بالتعاون مع اليد الخفية المنظمة لنشاطات الاسواق وان تحل مكانها اذا ما تطلبت الامور ذلك ولا مانع من أن تمول نفقاتها المتزايدة من خلال القروض لكن مع انفجار ازمة النفط في السبعينات ارتفعت بالتوازي نسب التضخم والبطالة واصبح تاثير الشركات العابرة للقارات والتوجه الجديد تحت اشراف المؤسسات المالية الجديدة يدعو الى التخلي عن دور الدولة في الاقتصاد وسادت في هذه الفترة نظرية جديدة وهي المعروفة اليوم بالرأسمالية المتوحشة وهي النظرية التي دافعت عنها مدرسة شيكاغو وزعيمها ميلتون فردمان ومن بين منظري هذا التوجه الجديد برز خاصة فريدريك هايك الذي نقد بشدة في كتابه طريق عودة العبودية واعتبر كل توجه تدخلي للدولة يمهد لعودة التسلط والعبودية ودعا الى العودة الى الليبرالية الصرفة. وانتشرت هذه الافكار في منتصف السيعينات وتبنت مارغريت تاتشر في بريطانيا وريغن في الولايات المتحدة أطروحات هذا التيار وتم تدشين عهد جديد تم فيه تعيم الخصخصة وتصفية تركة الدولة المتدخلة بالقضاء على كل المكاسب الاجتماعية التي حققتها الطبقة العاملة والفئات الشعبية وقد أعطى سقوط الاتحاد السوفياتي والديمقراطيات الشعبية دفعا جديدا لهذا التوجه الذي ضاعف في وحشية الخيارات الرأسمالية وقضى على كل المكاسب الاجتماعية وأعاد ممارسات الاعتداء على الشعوب وابتزازها من اجل ارضاخها وتدجينها وشدد في وتيرة استنزاف ثروات الشعوب المولى عليها في اطار تصور للعولمة يخدم مصالح الاحتكارات الرأسمالية العالمية . لقد سادت في هذه المرحلة مقولات انتهاء التاريخ عند النموذج الرأسمالي وتباهى العالم البرجوازي بالانتصار واشتغلت ماكينة الدعاية الرأسمالية على التسويق والتهليل للنموذج المنتصر.ولكن ازمة 2008 سرعان ما سفهت ظنون وادعاءات ايديولوجيي البرجوازية ووجدت الدول الكبرى نفسها مضطرة الى التدخل لانقاذ بنوكها وشركاتها الكبرى اما السواد الاعظم من الشعب فلا يعنيها وقد دخل الاقتصاد الرأسمالي في مرحلة من الانكماش والركود لم يتخلص منها الى اليوم وقد زادات ازمة كورونا في تعميق مشاكلة وكشفت مرة اخرى على تناقضاته ومعضلاته المهلكة .وقد بلغ النظام الرأسمالي الحالي مستوى غير مسبوق من الاستغلال والاضطهاد فبعد التراجع عن المكاسب الاجتماعية لدولة الرعاية الاجتماعية التي سادت في الثلاثين السنة التي عقبت الحرب العالمية الثانية ففي كل الدول الرأسمالية سيتم خصخصة كل المرافق العامة و ستتراجع الاجور باستمرر مقابل ارتفاع الاسعار وتكاليف الحياة وتتراجع منظومات التغطية الصحية ويسود التمييز امام الالم والموت بين الفقراء والاغنياء فالصحة اصبحت بضاعة لا يقدر على تسديد "ثمنها" الا الاغنياء الذين يمكنهم مجابهة تكاليف العلاج الباهضة وكذلك الشأن بالنسبة للتعليم حيث تراجعت منظومات التعليم العمومي مفسحة المجال امام تغول مؤسسات التعليم الخاص وجشعها ويحتد الاستغلال والتفاوت الاجتماعي خاصة في الاقتصاديات المتخلفة حيث يزداد عدد المعطلين وتتعمق الفوارق التنموية بين الجهات ويتم استغلال العمال بشكل وحشي يعيد الى الاذهان جرائم الرأسمالية في بداية عهد الثورة الصناعية وقد مر استغلال الاقتصاديات الكبرى للدول التابعة واستنزاف قدراتها الطبيعية والبشرية الى مستوى غير مسبوق حيث تنتصب فروع الشركات العابرة للقارات في المناطق الحرة التي تمثل فردوسا للمستثمرين والمعفيين من دفع الضرائب زيادة على الاجور البخسة التي يسدونها للعمال. ويبلغ عدد المناطق الحرة اليوم قرابة 30 مليون عامل ويتم استغلال العمال في ظروف متشابهة حيث نلحظ:
_ طول يوم العل الذي يتراوح بين 1 ساعة في اندونيسياوالفليبين الى 14 ساعة في سري لا نكا الى 16ساعة في جنوب الصين
_ الاعتماد على العنصر النسائي وهن في الغالب فتيات في مقتبل العمرينتدبن عن طريق وكلاء ولا يتمتعن بأبسط الحقوق
_ منع العمل النقابي وكل أشكال التنظم والاحتجاج الجماعي
_ هيمنة الشعور بالخوف لدى العمال والعاملات ( الخوف ن المستقبل ، من الطرد ، من المرض، من الجريمة) ويشهد على ذلك ما حصل في منطقة سويداد خواريز بالمكسك حيث تعرضت 2000 الى 2500 عاملة الى الاختطاف والاغتصاب وحتى القتل خلال الخمس عشرة سنة الاخيرة . وتصل الاهانة الى حد اجبارهن الى الادلاء في مطلع كل شهر بما يثبت انهن لسن حوامل ويواصل الشغل.
سياسيا: ديمقراطية شكلية تخفي ديكتاتورية الاقلية
لطالما تغنى علماء السياسة واساتذة القانون الدستوري البرجوازيين بانتصار الديمقراطية البرجوازية وعولمة قيم الديمقراطية البرجوازية وتم اعتبار هذه الاخيرة هي الخيار الافضل لتحقيق السيادة الشعبية وحكم الشعب لنفسه وبنفسه وتم اعتبار النموذج السوفياتي كنموذج كلياني منغلق يؤسس للبيروقراطية وحكم القيادة المضيقة للحزب (المكتب السياسي ) ومن وراءه الزعيم الاوحد مع وتعويض ديكتاتورية البروليتاريا بديكتاتورية الحزب والشخص ولقد نصبت كل الاتهامات خاصة على شخص ستالين زعيم الحزب الشيوعي وقائد الاحاد السوفياتي بين 1921 و1952 وتم نسبة عديد الجرائم لنظامه
وفي الحقيقة عادة ما يتم تقديم هذه المزاعم تحت شعارات براقة من قبيل الدفاع عن الديمقراطية والحرية ولكن التعمق في هكذا ادعاءات ومحاولات استكناه مغزاها وخلفياتها الحقيقية سرعان ما يكشف انها تتنمي الى الحرب الايديولوجية التي لا تتوقف و تتخذ كل مرة شكلا واسلوبا وتعكس بحث البرجوازية على شيطنة النموذج السوفياتي واي بديل اشتراكي اخر من شأنه ان يكشف تناقضاتها وزيف الشعارات التي ترفعها.
يعتبر مونتسكيو في كتابه روح القوانين هو مؤسس الديمقراطية البرجوازية الحديثة وهو الذي أنضج وطور المبدأ الذي تقوم عليه الديمقراطية البرجوازية ونعني به مبدأ الفصل بين السلطات فقد أفرد مونتسكيو لهذا المبدأ كتابا كاملا (روح القوانين)ودعى فيه الى ضرورة تفريق السلط لان التعسف في استعمال السلطة اي احتكارها من قبل هيئة واحدة او شخص واحد يفضي ضرورة الى التعسف ولهذا وجب ان تحد السلطة السلطة وقد طور منسكيو هذا المبدأ القديم مستفيدا من عمل جون لوك ومن التجربة الانقليزية التي استلهم منها المبدأ بعد معاينة طويلة لكيفية اشتعاله هناك. وفي الحقيقة يعكس هذا المبدأ سعي البرجوازية اللى سحب السلطة من الارستقراطية وممثليها (الملوك) بصفة تدريجية حيث أصبح البرلمان مركز السلطة ومنه تنبثق السلطة التنفيذية (الحكومة) ولقد انتصبت البرجوازية انذاك على مسرح الاحداث معلنة انها تمثل كل الشعب ورفعت لواء الحرية والمساواة والسيادة الشعبية فهل كانت تلك الادعاءات حقيقة ام جرد خطاب ايديولوجي مضلل.
لقد سعت البرجوازية بعد ان تحولت الى قوة مسيطرة اقصاديا بفضل التجارة ثم الثورة الصناعية الى تغييرقواعد اللعبة السياسية بما يسمح لها بتحقيق السيطرة عللى السلطة واعلان بداية عهد حكمها. وفي تناقض مع خطابها سعت عمليا في البداية الى استبعاد الطبقات الشعبية باعتماد نظام الاقتراع المقيد وهو نظام اقتراع يقيد الانتخاب بشروط مالية أو/ و شروط ترتبط بالكفاءة.
ففي ما يخص الوضعية الولى فلا يمكن للمواطن أن يتمتع بحق الانتخاب الا اذا كان من دافعي الضرائب في حدود نسة معينة وقد عمل بهذا الشرط المالي في فرنسا في ظل دستور 1791وكذلك دستور 1830. ولقد شارك سنة صدور هذا الدستور في الانتخابات أقل من 90 الف ناخب من جملة 30 مليون ساكن. وكان يعمل بهذا الشرط أيضا في أنقلترا حتى صدور القانون الانتخابي لسنة 1918 . فقد قدر عدد الناخبين ب4 بالمائة من دافعي الضراب في حدود العشرين فلورين في السنة.
أما بخصوص شرط الكفاءة العلمية فنذكر مثلا ان التشريع الايطالي لسنة 1912 كان يشترط ان يجتاز الناخب امتحنا معينا ما لم يكن محرزا على شهادة دراسية كما ذهب التشريع في بعض الولايات الجنوبية من أمريكا مثل ماسشوست الى اشتراط معرفة الناخب قراءة الدستور وتفسيره .
ولا يخفى ان هذين الشؤطين كان الغاية منهما استبعاد المولطنين المنتمين الى العمال والفئات الشعبية الفيرة من حق الانتخاب ومن باب أولى وأحرى من حق الترشح وبالنتيجة تكوين يئات تمثيلية يسيطر عليها البرجوازيون . ومن المفارقات أن مفكري عر الأنوار لم يطالبوا بحق الانتخاب للجميع والفكرة الحديثة للاقتراع العام لا تجد لها اثرا في كتابات جون جاك روسو بالرغم من ؟أنه يرى في السلطة العمومي وفي القانون تعبير عن الارادة العامة . ففي كتابه "اعتبارات حول حكومة بولونيا " يدعو روسو الى تحديد المبدأ اللانتخابي على أساس الكفاءة وفي نفس السياق اعتبر كوندورسي اثر الثةورة الفرنسية ان حد الشروط الطبيعية لممارسة حق المواطنة يقتضي أن يكون صاحب هذا الحق مالكا وهي عبارة صادقة تكشف انحياز هذا الفيلسوف الى مصالح طبقته دون مواربة او خداع انشائي وهو نفس الرأي الذي دافع عليه أحد المفكرين السياسيين البرجوازيين والذي يقدم في الجامعات على انه من الاباء المؤسسين للانظمة الحديثة والمقصود هو سياياس الذي رأى أن المالكين هم وحدهم الذين لهم الحق في تمثيل السكان. في هذه الفترة كانت البرلمانات تهيمن عليها البرجوازيات القومية والسلطة النفيذية اصبحت تنبثق عن البرلمان بمعنى ان البرجوازية كان تهيمن على السلطتين التشريعية ةالاتنفيذية . غاب التوازن بين السلط وبالنتيجة لم يعد للحرية اي معنى في ظل احتكار نفس الفئة للسلطتين وانعدم مبدأ المساواة في ظل اعتماد نظام الاقتراع المقيد . لقد كان تبجح البرجوازية الصاعدة بالحرية والمساواة مجرد ديماغويا سياسية لا أكثر.
وبعد اكتساح الطبقة العاملة لمسرح التاريخ ونتيجة لعمل الكثير من المفكرين التقدميين تم القطع مع نظام الاقتراع المقيد وتكريس الاقتراع العام . في هذه الفترة ظهرت الاحزاب السياسية وأصبحت الفاعل الرئيسي والوسيط الأساسي لممارسة السلطة السياسية وتم افتكاك مكسب الاقتراع النسبي وفي ظل هكذا استطاعت ممثلو الاحزاب الثورية والديمقراطية الاشتراكية الحصول على تمثيلية محترمة في البرلمانات وهو ما جعل مفكري البرجوازية يشعرون بالذعر والخوف من فقدان البعض من السلطة السياسية حتى ولو كان جزئيا فاستغل ظاهرة البرلمانات الفسيفسائية والمشتتة وتهاوي الحكومات وتحت هاجس ضمان الاستقرار الحكومي وعناوين براقة من قبيل عقلنة الحكم وترشيده (المقصود هو استقرار الحكم للبرجوازية) وجهت عدة انتقادات لطريقة الاقتراع النسبي وتم التخلي عنها لصالح الاقتراغ الاغلبي وهو ما جعل الحياة السياسية في الدول الرأسمالية الكبرى تنحصر في الاحزاب البرجوازية ذات الامكانيات المالية والتنظيية المتطورة على حساب الاحزاب اليسارية الثورية وأفضى الامر الى تداول شكلي بين الاحزاب اليمينية والديمقراطية الاشتراكية على الحكم وتم تعويض الفصل الافقي بين السلطات الثلاثة بفصل عمودي بين أغلبية تحكم وأقلية تعارض وكلاهما- السلطة والمعارضة البرلمانية - يدافع عن مصالح البرجوازية ولم يكن الاختلاف بين هذه الاحزاب يتجاوز بعض الجزئيات الفرعية اما جوهر الخيارات الاقتصادية والاجتماعية فهو نفسه، اعتماد الرأسمالية المتوحشة والدفاع عن الاقتصاد الرأسمالي ومصالح الطيقات المستفيدة منه، سواء تعلق الأمر بحكم الحزب الجمهوري او الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة او بحكم حزب العمال او حزب المحفظين في انقلترا.
لقد أفضى هذا الواقع الى تراجع ثقة المواطنين في النموذج الديمقراطي التمثيلي فالناس لا يلحظون تغييرا كبيرا في السياسات رغم تغير الحكومات وتداول الاحزاب على الحكم وهذا الحكم يتجه شيئا فشيئا الى خدمة مصالح الأقليات البرجوازية خاصة بعد نهاية عصر الثنائية القطبية وسيادة عصر القطب الواحد ففي المرحلة السابقة فرض نضال الطبقة العاملة والشعوب على البرجوازيات والاحزاب الديمقراطية الاشتراكية عديد المكاسب الاجتماعية تمثلت في المرافق العامة المختلفة ( صحةو تعليم، نقل ضمان اجتماعي... الخ ) وكان تخوف الانظمة البرجوازية في الديمقراطيات الغربية من النموذج السوفياتي واحتمال نسج الطبقة العاملة بهذه البلدان على منوال نظيرتها في الاتحادا السوفياتي هو الذي جعل الانظمة البرجوازية بصيغها المختلفة ( يمينية او ديمقراطية اشتراكية او اجتماعية) تقبل بهذه التنازلات لقطع الطريق امام انتقال عدوى الاشتراكية الحقيقية الى بلدانها اما في فترة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي فقد اخذت الحكومات المختلفة تتراجع عن تلك المكاسب واصبحت الاحزاب اليمينية والديمقراطية الاشتراكية تمعن في تكريس الخيارات الجديدة للراسمالية المتوحشة ولمدرسة شيكاغو وهو ما جعل التباين بين الحكومات ينعدم وأصبحت الانتخابات الدورية مجرد مناسبات فلكلورية خالية من كل رهان حقيقي ولا ينتظر منها تغييرا يذكر وزاد تحكم المال السياسي الفاسد والتدخل الخارجي في نتائج الانتخابات وتأثير الدعاية والبروبقندا الموجهة من قبل وسائل الاتصال المملوكة من قبل المصالح الرأسمالية والخاضعة لها علاوة على الفضائح الاخلاقية والسياسية لمرشحي مراكز النفوذ المالي في تعفين الديمقراطية الغربية ونقمة الجماهير عليها فارتفعت نسبة العزوف و تعمق الشعور بانعدام الثقة في المنوال الديمقراطي التمثيلي نتيجة السياسات العدوانية والتوسعية للانظمة التي كانت ترفع لواء الديمقراطية الغربية على غرار النظام الانقليزي والنظام الامريكي ( حرب الفيتنام، رب العراق الاولى والثانية ، تدبير المحاولات الانقلابية في الانظمة التي كانت تعتبر في خانة الغير مرضي عنها) وقد فضحت تدخلاتها في الدول الاخرى واختلاقها للحروب والصراعات الداخلية والاقليمية لخدمة مصالحها زيف ما ترفعه من شعارات حول سيادة الدول وحقوق الانسان والديمقراطية مما جعل من ازمة الديمقراطية التمثيلية تتحول من ازمة مشروعية سياسية الى أزمة مشروعية سياسية واخلاقية.
ورغم تكريس أغلب الدساتير الحالية للحقوق الانسانية بمختلف ابعادها فان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (الحق في العمل والصحة والتعليم والسكن والضمان الاجتماعي) تظل في ظل اتباع الخيارات الرأسمالية المتوحشة مجرد حقوق شكلية بالنسبة للجزء الاكبر من الشعب كما تعرف الحريات الفردية والجماعيية عديد الانتهاكات خاصة مع وصول التيارات الشعبوية للحكم في اكثر من دولة وسياساتهم المعادية للمهاجرين والاقليات الثقافية.
لقد افضى هذه الازمة الى ظهور الاحزاب والتيارات الشعبوية التي تتغذى من قصور الديمقراطية البرجوازية ومن المشاكل الاقتصادية التي تشق الدول الغربية خاصة بعد ازمة 2008 ( انتشار البطالة، اشتداد الفاوت الاجتماعي ارفاع نسب المديونية) ومهما كانت تصنيفاتها فان الشعبوية تشترك في جملة من الخصائص المشتركة .
هذه الظاهرة التي تشقّ كل دول العالم وتعبّر عن نفسها بأشكال مختلفة. وهي ظاهرة تقوم على فكرتي الوحدة والتنوّع، وحدة أهدافها وآلياتها وتنوع أشكالها. فالشعبوية هي تعبيرة مرضية للنظام الرأسمالي. وهي إحدى أهمّ أعراض فشل نظام الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية البرجوازية عموما. وتتغذى من فقدان الشعوب الثقة في التعبيرات التقليدية لهذه المنظومة سواء كانت أحزابا أو نقابات ووسائط تواصل وتأطير تقليدية. وكما طرحت الرأسمالية في منتصف القرن العشرين الفاشية كبديل مرضي للرأسمالية فإنها تطرح في القرن الواحد والعشرين الشعبوية كحل مغشوش لإشكالية جوهرية هي إشكالية مأزق النظام الرأسمالي وفشله خيارات وآلياتا. الشعبوية تقدّم خطابا يستميل جمهورا واسعا ومتنوع المشارب (إيميني، وسطي ويساري متمرد). وهي تحاور العاطفة الشعبية والمزاج الشعبي السائد وتقدم لكل فئة شعارا وخطابا يلائمها وتتجنب الخطابات التي من شأنها الإضرار بها انتخابيا وتقدم حلولا تعويمية وفضفاضة في المسائل المبدئية التي تطلب الحسم. فالغموض والإنشائية الجوفاء هي لازمة من لوازم الخطاب الشعبوي الذي يتوجّه بخطابه للشعب دون تحديد أو تدقيق أيّ شعب وما هي مصالحه. إنّ الشعب المقصود هو مفهوم ميتافيزيقي وهلامي. إنّ هذا التمشي ممنهج، فالشعبوي يرفع الشعارات التي تعجب الجميع ويتجنب التدقيق ويتوجه إلى الجميع بكلمة الشعب عاملا على استمالتهم ومستهدفا الآخرين أو “الهُم” مشيرا إلى كل النخب القديمة التي فقد الشعب ثقته فيها كنتيجة حتمية للآليات الديمقراطية البرجوازية التي تعيد إنتاج نفس خيارات الفشل بأحزاب وحكومات متعددة. الشعبوية هي إفراز طبيعي لديكتاتورية الأقلية البرجوازية الحاكمة بشكل ديمقراطي.
وتشكل الشعبوية اليمينية التي تتبناها عديد الاحزاب والشخصيات المعرفة في الدول الغربية خطرا على المكاسب الحضارية للانسانية لانها تعادي المهاجرين والاقليات وتحملهم المسؤولية عن فشل الخيارات التنموية للراسمالية المتوحشة وهي تغذي نزعات التطرف والتعصب القومي وتسلك توحها عنصريا وشوفينيا خطيرا كما تدعو الى التقوقع على الذات وتعلي من مصلحة الامة وهي مستعدة لخوض كل الحروب والفضاعات من اجل تحقيق اهدافها الشوفينية .
الشعبوية توعد كثيرا قبل الحكم ولكنها لا تفعل شيئا في الحكم لأنها تفتقد للبرامج وللحلول العلمية للمشكلات المطروحة. وهي تخشى التقدم الذي سيفقدها جمهورها المحافظ كما تخشى التراجع إلى الخلف الذي يجعلها تخسر جمهورها المتمرد. في أحسن الحالات تبقى واقفة في مكانها لا تقدم شيئا أو إنها تخسر كل جمهورها وتنخرط مع المنظومة القديمة وتتسلح بوسائلها.
فالنجاح ممكن بالشعارات الهلامية والفضفاضة ولكن الحكم يتطلب برنامجا ومشروع حكم متكامل.

الشعبوية هي حل مغشوش ووهمي لمأزق حقيقي تتردى فيه المنظومة الرأسمالية سواء قي معقلها الرئيسي او في الدول التابعة.
لقد كاننت نتيجة التحولات الكبرى بالدول الرأسمالية والفشل الفضيع للسيالسات الرأسمالية المتوحشة وضعف الحركة الثورية العالمية خاصة في بداية القرن والواحد والعشرين هي وصول ممثلي الاحزاب والتيارات الشعبوية الى الحكم وشرعت في تطبيق سياساتها العدائية والرجعية في علاقة بمجالات الهجرة وتشغيل الاجانب والقوانين المتعلقة بحقوق الانسان .
وخلال سنوات 2016/2017 بدأت وصل العديد من ممثلي التيار الشعبوي الى الحكم خاصة بايطاليا وبعض الدول الاسكندنافية ودول اوربا الشرقية وفرنسا والولايات المتحدة كما بدأ زحف اليمين المتطرف في المانيا بالوصول الى البرلمان سنة 2019 وهي المرة الاولى التي يصل فيها النازيون الى تحقيق تمثيلية برلمانية منذ الحرب العالمية الثانية
تشكل الشعبوية تجسيدا لازمة الديمقراطية التمثيلية وتستفيد من ازمة هذه الاخيرة لطرح حلول عنصرية ضد المهاجرين كما تطرح العلاج القومي والتقوقع على الذات خدمة لمصالح دولها وهو ما جسده شعار "امريكا اولا" الذي قامت عليه الحملة الانتخابية لرئيس الولايات المتحدة المنهية عهدته ترامب فقد سقط ارث قرون من التنوير والحداثة والعقلانية امام حملات شعبوية لسياسيين متطفلين على الشأن السياسي على غرار رجل الاعمال الفاسد والمتهرب جبائيا وصاحب محلات القماردونالد ترامب الذي توصل في 2016 الى حكم الدولة التي تقود العالم الغربي ومثل اعتلاءه للسلطة تعبيرا فاقعا عن افلاس النموذج الديمقراطي الغربي وبلوغها مستوى غير مسيوق من الخواء القيمي ومن التعفن والانحلال.
لقد طرح بض المفكرين المحسوبين على اليسار على غرار الفيلسوفة شنتال مووف فكرة ضرورة تكوين احزاب يسارية تعتمد اسلوب ا الشعبوية لكسب رهان الوصول الى الحكم ففي كتابها الصادر عام 2018 " من أجل شعبوية يسارية" وفي اطار تصورها البنائي للشأن السياسي التي هاجمت فيه الكاتبة اعتبار الفعل السياسي كفعل توافقي واجماعي ودعت الى اعادة الاعتبار للعمل السياسي كفعل استقطابي تصارعي وما يتطلبه ذلك من اعادة خلق التمايز الحقيقي بين اليمين واليسار وفي هذا الاطار دعت الى ضرورة مجابهة جهة الشعبوية اليمينية بشعبوية يسارية مع ضرورة تخليصها من انحرافاتها العنصرية والمعادية لحقوق الانسان وللاقليات وتجذيرها بالمضامين الاجتماعية والديمقراطية فما يميز هذه الشعبوية اليسارية هو سعيها لتحقيق المطالب الديمقراطية لطيف واسع من المواطنين مثل العمال والفئات الوسطى المفقرة ، الأقليات، النساء ، الحركات البيئية وبناء على ذلك تؤسس مووف مفهوما جديدا للشعب بالتناقض مع الاخر السياسي ( هم) اب الاوليغارشية السياسية المعولمةالتي تمنع تحقيق المطالب الديمقراطية الموسعة. على غرار انطونيو غرامشي ترى مووف ان السياسي هو فعل ممارسة الهيمنة ولكن مووف ترفض كل المطالبات بتجاوز الديمقراطية التمثيلية او تقويض المؤسسات الليبرالية وخلق اطر بديلة لممارسة السلطة على غرار المجالس العمالية او المجالسي الشعبية وهي بالتالي لا ترى افقا للتغيير خارج القنوات والمؤسسات الحالية التي افرغتها البرجوازية من مضاميتها الديمقراطية وترى ان الحل هو في تجذير الديمقراطية وليس اسقاطها. وهي تقريبا نفس التصور الذي يدافع عنه زعيم حركة فرنسا لا تخضع حاليا والجبهة الشعبية سابقا اليساري ميلانشون وهي في الحقيقة أطروحات لا تختلف عن الافكار الديمقراطية الاشتراكية السابقة وتبقى محكومة بهاجس النجاعة الانتخابوية دون ان تحدد افق الانتقال الى الاشتراكية الحقيقية وتحديد الطراز التظيمي لهذا الحزب اليساري مما يجعل من هذه التصورات مجرد صيغ قديمة تقدم في قوالب جديدة وقد تكفل ماركس بالرد عليها لما بين في الحرب الاهلية في فرنسا او كتاب الثامن عشرن بروميرلويس نابليون أن الانتقال الى الاشتراكية لا يمكن ان يتم الا باسقاط جهاز الدولة القديم وبناء جهاز جديد وهي نفس الافكار التي طورها ليني في كتابة الدولة والثورة ولا يمكن بحال ان تشكل هذه التصورات بديلا عن الماركسية اللينينية في اطروحاتها المتعلقة بالاستلاء على السلطة او ببناء الاشتراكية وما يرتبط بها من محددادت و شروط تنظيمية وسياسية برنامجية علمية ودقيقة وقد بينت التجارب الجديدة على غرار حركة بوديموس في اسبانيا وسيريزا في اليونان فشل كل محاولات تحقيق تغيرات راديكالية اجتماعية من داخل الاطار الديمقراطي البرجوازي.
أزمة قيمية وفكرية
يعبر انتشار النمط الاستهلاكي والبراقماتية الانتهازية ومذاهب اللا ادرية وما بعد الحداثة عن ازمة فكرية عميقة تهز الرأسمالية التي قطعت مع ارثها اليبرالي والتنويري وانخرطت في تسويق اكثر الافكار ابتذالا ورجعية بل وصل بها الار الى الاحتماء باللاهوت وبث الروح فيه للدفاع عن المصالح الرأسمالية الكبرى ولتبرير جرائم وقبح النظام الرأسمالي.
وقد جعل ذلك الفيلسوف الكندي ألان دونو يتحدث عن عصر حكم التافهيمن فالجامعات الرأسمالية لم تعد تعددية ومنفتحة على كل الافكار والنظريات بل اصبحت مصانع لانتاج واعادة انتاج خبراء في الاقتصاد الرأسمالي وتلاميذ لتنفيذ وصفات الصناديق المالية العالمية وقد افضت هذه السياسات والخيارات الى نتائج كارثية سواء في مستوى دول المركز او الاطراف.
يؤكد دونو ان هؤولاأ" قد حسموا المعركة. من دون اجتياح الباستيل (إشارة إلى الثورة الفرنسية) ولا حريق الرايخشتاغ (إشارة إلى صعود هتلر في ألمانيا) ولا رصاصة واحدة من معركة «الفجر» (إشارة إلى المعركة الأسطورية بين بونتا وبراكمار)، ربح التافهون الحرب وسيطروا على عالمنا وباتوا يحكمونه.
ويصف دورنو ازمة القيم الرأسمالي في الفقرة التالية : «لا لزوم لهذه الكتب المعقدة. لا تكن فخوراً ولا روحانياً. فهذا يظهرك متكبراً. لا تقدم أي فكرة جيدة. فستكون عرضة للنقد. لا تحمل نظرة ثاقبة، وسع مقلتيك، أرخ شفتيك، فكر بميوعة وكن كذلك. عليك أن تكون قابلاً للتعليب. لقد تغير الزمن. فالتافهون قد أمسكوا بالسلطة»!
وحين يسأل عن أسباب هذا التحول، يعيد ذلك إلى عاملين اثنين، في السوسيولوجيا والاقتصاد، كما في السياسة والشأن العام الدولتي.السبب الأول يعزوه دونو إلى تطور مفهوم العمل في المجتمعات. يقول إن «المهنة» صارت «وظيفة». صار شاغلها يتعامل معها كوسيلة للبقاء لا غير. يمكن أن تعمل عشر ساعات يومياً على وضع قطعة في سيارة، وأنت لا تجيد إصلاح عطل بسيط في سيارتك. يمكن أن تنتج غذاء لا تقدر على شرائه. أو تبيع كتباً ومجلات وأنت لا تقرأ منها سطراً. انحدر مفهوم العمل إلى «المتوسط». وصار أشخاصه «متوسطين»، بالمعنى السلبي للكلمة. صار العمل مجرد أنماط. شيء ما من رؤيوية شابلن في «الأزمنة الحديثة» أو فريتز لانغ في رائعة «متروبوليس».
السبب الثاني مرتبط وفق دونو بعالم السياسة ومجال الدولة والشأن العام. هنا بدأت سيطرة التافهين يقول، أو ولدت جذور حكم التفاهة مع عهد مارغريت تاتشر. يقول انه يومها جاء التكنوقراط إلى الحكم. استبدلوا السياسة بمفهوم «الحوكمة»، واستبدلوا الإرادة الشعبية بمفهوم «المقبولية المجتمعية»، والمواطن بمقولة «الشريك». في النهاية صار الشأن العام تقنية «إدارة»، لا منظومة قيم ومثل ومبادئ ومفاهيم عليا. وصارت الدولة مجرد شركة خاصة. صارت المصلحة العامة مفهوماً مغلوطاً لمجموع المصالح الخاصة للأفراد. وصار السياسي تلك الصورة السخيفة لمجرد الناشط اللوبي لمصلحة «زمرته».
من هذين المنطلقين، تنميط العمل وتسليعه وتشييئه، وتفريغ السياسة والشأن العام، صارت التفاهة نظاماً كاملاً على مستوى العالم. وصارت قاعدة النجاح فيها أن «تلعب اللعبة». حتى المفردة معبرة جداً وذات دلالة. لم يعد الأمر شأناً إنسانياً ولا مسألة بشرية. هي مجرد «لعبة». حتى أن العبارة نفسها راجت في كل لغات عالم التفاهة: «أن تلعب اللعبة». وهي قاعدة غير مكتوبة ولا نص لها. لكن يعرفها الجميع: انتماء أعمى إلى جسم ما، يقوم على شكليات السهرات والغداءات والانتقامات. بعدها يصير الجسم فاسداً بشكل بنيوي قاطع. حتى أنه ينسى علة وجوده ومبادئ تأسيسه ولماذا كان أصلاً ولأية أهداف… أفضل تجسيد لنظام التفاهة، يقول دونو، صورة «الخبير». هو ممثل «السلطة»، المستعد لبيع عقله لها. في مقابل «المثقف»، الذي يحمل الالتزام تجاه قيم ومثل. جامعات اليوم، التي تموّلها الشركات، صارت مصنعاً للخبراء، لا للمثقفين! حتى أن رئيس جامعة كبرى قال مرة ان «على العقول أن تتناسب مع حاجات الشركات». لا مكان للعقل النقدي ولا لحسه. أو كما قال رئيس إحدى الشبكات الإعلامية الغربية الضخمة، من أن وظيفته هي أن يبيع للمعلن، الجزء المتوفر من عقول مشاهديه المستهلكين. صار كل شيء، والأهم أن الإنسان صار لاكتفاء، أو حتى لإرضاء حاجات «السوق».
هكذا يرى دونو أنه تم خلق نظام حكم التافهين. نظام يضع ثمانين في المئة من أنظمة الأرض البيئية عرضة لأخطار نظام استهلاكهم. ويسمح لخمسين في المئة من خيرات كوكبنا بأن تكون حكراً على واحد في المئة من أثريائه. كل ذلك وفق نهج نزع السياسة عن الشأن العام وعن التزام الإنسان.
كيف يمكن مواجهة حكم التافهين هذا؟ يجيب دونو: ما من وصفة سحرية. الحرب على الإرهاب أدت خدمة لنظام التافهين. جعلت الشعوب تستسلم لإرادات مجموعات، أو حتى لأشخاص، كأنهم يملكون عناية فوقية. بدل أن تكون تلك الحرب فرصة لتستعيد الشعوب قرارها. إنه خطر «ثورة تخديرية» جديدة، غرضها تركيز حكم التفاهة. المطلوب أن نقاوم التجربة والإغراء وكل ما لا يشدنا إلى فوق. ألا نترك لغة الإدارة الفارغة تقودنا. بل المفاهيم الكبرى. أن نعيد معاني الكلمات إلى مفاهيم مثل المواطنة، الشعب، النزاع، الجدال، الحقوق الجمعية، الخدمة العامة والقطاع العام والخير العام… وأن نعيد التلازم بين أن نفكر وأن نعمل. فلا فصل بينهما. الأساس أن نقاوم. ان ما طرحه هذا الفيلسوف يعبر عن الخواء الفطري والقيمي للرأسمالية التي لم تعد لها ما تقدمه للارواح الانسانية سوى التخريب والتشويه.!
لقد دفعت النتائج الكارثية للامبريالية منظر الرأسمالية "المنتصرة"ونظريات النهايات فرانسيس فوكوياما يعيد النظر في افكاره ويتراجع عن تلك الافكار التي عبر عنها في مقال نشر عام 1992 تحت عنوان "نهاية التاريخ والانسان الاخير" وفي هذا الكتاب نقرأ " ان ما نشهده ...هو نهاية التطور الايديولوجي للجنس البشري وعولمة الديمقراطيةالغربية باعتبارها الشكل النهائي للحكومة البشرية" ولكن في مقال نشر في مجلة the New Statesman عام 2018 نجده يغير رأيه :
لكن في مقال نُشر في مجلة the New Statesman، يوم 17 أكتوبر من هذا العام، نجده يغني أغنية مختلفة:
«ما قلته آنذاك [1992] هو أن إحدى المشاكل المتعلقة بالديمقراطية الحديثة هي أنها توفر السلام والازدهار، لكن الناس يريدون أكثر من ذلك... فالديمقراطيات الليبرالية لا تحاول حتى أن تحدد ماهية الحياة الجيدة، لقد تركت تلك المهمة للأفراد، الذين يشعرون بالغربة، بدون هدف، وهذا هو السبب في أن انضمامهم إلى تلك المجموعات الهوياتية يمنحهم بعض الشعور بالانتماء».
وقال إن: منتقديه «ربما لم يقرأوا حتى النهاية الكتاب [نهاية التاريخ]، أي القسم المتعلق بالإنسان الأخير، والذي يناقش في الحقيقة بعض التهديدات المحتملة التي تواجهها الديمقراطية».
فوكوياما، الذي كان مسؤولا حكوميا خلال عهد ريغان وبوش، كان في الأصل قريبا من حركة المحافظين الجدد. وهذا ما يفسر ربما حماسه الشديد لاقتصاد السوق والليبرالية. لكن التجربة القاسية جعلته يعيد النظر في أفكاره، إلى حد ما على الأقل.
لقد دعم فوكوياما حرب العراق، لكنه بحلول عام 2003، توصل إلى أنها كانت خطأً في السياسة الأمريكية. كما أنه أصبح ينتقد بعض الأفكار النيوليبرالية كالمطالبة بإلغاء القيود على القطاع المالي، التي كانت مسؤولة جزئيا عن الانهيار الاقتصادي الكارثي في عام 2008. كما أنه منتقد لليورو، أو على الأقل "لطريقة خلقه الخاطئة".
«هذه كلها سياسات وضعتها النخبة والتي تحولت إلى كارثة جسيمة، إن الانزعاج الذي يشعر به الناس العاديون له ما يبرره.»
لتوضيح التغير الدرامي الذي عرفه فوكوياما، نعيد نشر بعض المقتطفات من مقال مجلة the New Statesman:
«لقد كان [كتاب] نهاية التاريخ توبيخا للماركسيين الذين اعتبروا الشيوعية بمثابة المرحلة الإيديولوجية النهائية للإنسانية. سألت فوكوياما كيف يفسر عودة اليسار الاشتراكي إلى الواجهة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة؟ فأجاب: "كل هذا يتوقف على ما تعنيه بالاشتراكية. لا أعتقد أن الملكية العامة لوسائل الإنتاج ستنجح -باستثناء المجالات التي تكون فيها مطلوبة بوضوح، مثل المرافق العامة-.
أما إذا كنت تقصد برامج إعادة التوزيع التي تحاول تصحيح هذا الخلل الكبير الموجود في كل من الدخل والثروة، فنعم أنا لست فقط أعتقد أنها يمكن أن تعود، بل يجب أن تعود. إن هذه الفترة الممتدة، التي بدأت مع ريغان وتاتشر، والتي ترسخت فيها مجموعة معينة من الأفكار حول فوائد الأسواق غير المنظمة، كان لها تأثير كارثي من نواح كثيرة.
لقد أدت في مجال المساواة الاجتماعية إلى إضعاف النقابات العمالية، وإضعاف القدرة التفاوضية للعمال العاديين وصعود فئة طبقة أوليغارشية في كل مكان تقريبا والتي تمتلك سلطة سياسية مفرطة. أما فيما يتعلق بدور القطاع المالي، فإذا كان هناك أي شيء تعلمناه من الأزمة المالية، فهو أنه علينا تنظيم القطاع بشكل كبير لأنه سيتسبب في جعل الآخرين يدفعون الثمن. لقد أصبحت هذه الإيديولوجية مغروسة بعمق داخل منطقة اليورو، فقد كان التقشف الذي فرضته ألمانيا على جنوب أوروبا كارثيا".
وقد وصل الأمر بمنظر البرجوازية الامبريالية الى الاستنتا بانه : "في هذا المنعطف الذي نمر منه، يبدو لي أن بعض الأشياء التي قالها كارل ماركس يتضح أنها صحيحة. لقد تحدث عن أزمة فائض الإنتاج... وأن العمال سيصيرون أكثر فقرا وأنه لن يكون هناك طلب كافٍ"». (التشديد من عندي، آ. و)
ورغم تلكؤ فوكوياما واحتمائه بالتعويم والانشائية التي تكشف عن ضحالة افكاره فانه ينقاد تحت تاثير النتائج الكارثية للفكر البورجوازي الى الاقرار بوجاهة التصور الماركسي والفكر الاشتراكي عموما.
الرأسمالية تدمر الطبيعة :
لم يحدث ان وقع استنزاف الطبيعة وبلوغ مستويات من التلوث والتسمم وخلق علاقة عدائية بين الانسان وامنا الطبيعة كما حدث في العهد الرأسمالي. واستغلال الطبيعة باسلوب استنزافي وتدميري هو نتيجة حتمية لعدم خضوع هذا النمط الى التخطيط ولارتباطه بهاجس تحقيق الربح وكسب رهان المنافسة مهما كانت تداعيات ذلك على الانسان والطبيعة فالغاية (المراكمة وتحقيق الارباح) تبرر كل الوسائل حتى ولو كانت موغلة في الاجرام والبربرية ويكمن ان نلخص النتئج الكارثية للنظام الرأسمالي على الطبيعة في النقاط التالية
• أولا: تفكك طبقة الأوزون في الفضاء الخارجي المحيط بالكرة الارضية ؛

ثانيا: التدمير التام للغابات والانهار الاستوائية ؛

ثالثا: الاحتباس الحراري، الناجم عن السلوك الانساني؛

رابع: تزايد الكوارث الايكولوجية الجهوية.

وعلى عكس الدعاية البرجوازية المتواصلة حول قدرة التكنولوجيات الحديثة على التحكم في مشاكل البيئة مقارنة مع السابق، فإن جميع هذه عوامل الأزمة تعمقت بشكل هائل.

لكن ما هو جديد وخطير أكثر من ذلك هو انطلاق سيرورة جديدة من تشكل خصائص أخرى رئيسية في التطور المتسارع نحو الكارثة الايكولوجية الكوكبية.

وفيما يلي اشارة سريعة الى هذه الخصائص:

1 ، وتسميم وتلويث محيط الكائنات الحية؛

5 – والاستعمال– الخطر المهدد بتدمير توازن المحيطات؛

2 – تدمير النظام الايكولوجي الجهوي واختفاء الانواع؛

3 – النهب المتوحش للموارد الطبيعية؛

4 – غزو النفايات غير المسؤول للطاقة النووية.
ان استمرار النمط الانتاجي الرأسمالي ينذر بالاجهاز نهائيا على الطبيعة وبهلاك البشرية بالتبعية.
وتزداد وتائر استغلال البيئة في دول الهعالم الثالث كنيجة لاعادة هيكلة رأس المال الصناعي جغرافيا ونقل الصناعات القديمة كثيفة التلوث و المعادية للبيئة الى دول الاطراف لانها صناعات اصبحت لا تدر قيمة مضافة عالية وحيث يتم الاستفادة من الاجور الزهبدة ومن الحوافز المالة والجبائي التي تمنحها حكومات هذه الدول للشركات المنصبة فوق اراضيها.
الجزء الثاني :الاشتركية كبديل وافاق لتحرر الانسانية
لقد بينا في الجزء الاول كيف ان الرأسمالية تعيش أزمة متعددة الابعاد وكيفا ان بقاء هذه المنظومة يعني الاتجاه بالبشرية الى التدمير والفناء الحتمي وأمام هذا المصير تلوح الاشتراكية كافق اخر للبشرية من شأنه حل كل الاشكاليات العالقة وبناء مجتمع انساني جديد يلغى فيه استغلال الانسان للانسان والدول بعضها لبعضها وتنتفي فيه الطبقات وتعاد فيه بناء وحدة حقيقية بين الانسان والطبيعة .
ولابد اولا للتدليل على راهنية الاشتراكية كبديل من بيان تهافت بعض النقود الموجهة للماركسية قبل ابراز المزايا التي يمكن ان يقدمها الاشتراكية للانسانية باعتبار مشروعا بديلا وافقا لتحرر الانسانية من حالة البربرية التي ترزح تحتها في ظل حكم الرأسمالية.
1 تهافت الانتقادات الموجهة للرأشتراكية
تتعلق اولى هذه الانتقادات بتلك التي تربط بين فشل التجربة الاشتراكية السوفياتية وفشل الاشتراكية من جهة وبمحاولة التشكيك في علمية الماركسية من خلال الانتقادات الموجهة لفكرة الصراع الطبقي والتغيرات الي طرأت على مفهوم الطبقة العاملة باعتباره يشكل الاساس الذي تقوم عليه الماركسية فكريا وسياسيا.
أ-1 فشل تجربة اشتراكية لا يعني فشل الاشتراكية كنظرية علمية
ان التقييم الموضوعي والابتعاد عن الذاتية والعاطفية يتطلب منا تنسيب الاشياء ووضعها في سياقها التاريخي فتجربة البناء الاشتراكي في دولة واحدة مع ما يعنيه ذلك من محاصرة لهذه التجربة وتكالب القوى الرأسمالية على تخريبها من الداخل والخارج بالتضييق الاقتصادي والحروب والاختراق المخابراتي لابد ان ينتج كردود فعل بعض التجاوزات في التسيير وفي احترام الحقوق والحريات وهي انحرافات تبقى نسبية امام الانجازات التي حققتها التجربة والتي ارتقت بدولة متخلفة كروسيا تعتمد على الاقتصاد الزراعي الى ثاني اقتصاد في العالم عبر تخطيط اقتصادي وقيادة سياسية محكمين حققا قفزة نوعية في الاقتصاد وطورا القطاعات المنتجة صناعية وفلاحية وطورا تقنيات واساليب الانتاج وبلغا مستور رياديا في عديد الاكتشافات العلمية والتقنية والتكنولوجية في مختلف المجالات وهي ذات التجربة التي أنقذت العالم من الوحش النازي وقدمت الدعم للشعوب حديثة العهد بالاستقلال السيساسي لتحقيق تنميتها الداخلية واعتمادها على ذاتها وتركت ارثا اقتصاديا وتكنولوجيا وعسكريا عظيما لروسيا الحالية رغم فشلها بالنهاية تحت عديد العوامل الداخلية والخارجية .ان الحديث عن الفشل هنا يجب أن تقرأ ويفهم كفشل نسبي في التاريخ.
ان التجربة الاشتراكية التي انتهت في الاخير الى الفشل نتيجة عدة عوامل ذاتية وموضوعية ( ليس هنا المجال لتعدادها ذلك اننا لسنا في وارد التقييم ) هي تجربة قصيرة في الزمن بالمقياس التاريخي لانماط الانتاج وقد امتدت هذه التجربة قرابة التسعين عاماوواجهت عديد الصعوبات سواء في بدايتها (الحرب الاهلية والتدخل الخارجي، خطة الناب او أثناءها ( الحرب العالمية الثانية والاحتلال النازي لروسيا وقد نتج عنه تدمير اكثر من إلف مدينة وتخريب مصانع ومدارس وكليات وسكك الحديد وخسائر بشرية كبيرة بلغت حوالي 27 مليون من بينهم خيرة القادة العسكريين والسياسيين والحزبيين البلاشفة) . ان هذه التجربة تعتبر بروفة اولى للنموذج الاشتراكي ولا يمكن الحكم على الاشتراكية بالفشل بمجرد فشل اولى تطبيقاتها فانتصار نمط انتاج جديد يتطلب صراعات مريرة وطويلة فقد احتاجت الرأسمالية لتنتصر على النمط الاقطاعي الى قرون وقرون ولم تتمكن من الانتصار والتركز نهائيا الا بعد ان خاضت البرجوازية عديد الصراعات فازت في بعضها ومنيت بالهزيمة في بعضها الاخر ولا يمكن بالتالي الجزم بفشل الاشتراكية الماركسية بمجرد فشل اولى تطبيقاتها على أرض الوقع وكل نزعة مماثلة هي قراءة ايديولوجية مغرضة وغير موضوعية.
ان تحقق الثورة وظفرها بفضل حنكة قيادتها ممثلة في الحزب البلشفي الذي عرف كيف يستغل الظروف الخارجية ( الحرب الكونية الاولى وتداعياتها) والداخلية ( احتدام الصراع بين الطبقات الاجتماعية الرئيسية وبروز الطبقة العاملة كفاعل نشيط ومحدد) يؤكد المقولات والاستنتاجات الماركسية الرئيسية حول الثورة وشروطها الموضوعية والذاتية وقد بينت الثورة السوفياتية كما الثورات التي اندلعت في القرنين 18 و19 وتواصل نضالات الشعوب الى يومنا هذا وخاصة الانفجارات الثورية وموجات الاحتجاج التي اندلعت في السنوات الاخيرة بأشكال وأساليب متنوعة وجاهة وصحة الأطروحات الماركسية الرئيسية حول الثورات والصراع الطبقي ودورة المحدد في التاريخ. أما فشل هذه التجربة او تلك فهو يرتبط بالعنصر الذاتي أي مدى قدرة البشر في ظروف معينة وتحديدا الحزب الثوري او الائتلاف الثوري الطبقي او الشعبي على قيادة الثورة وفي توفير كل عوامل النجاح من حيث التنظيم والقيادة والبرنامج وتأمين مهمات الانتقال الى الاشتراكية عند تولي زمام الحكم وفشل هذه التجربة او تلك لا يعني فشل النظرية الاشتراكية في د ذاتها بقدر ما يحيل الى اشكاليات وقصور يطرأ على العامل الذاتي.
ان الانفجارات الثورية وعود الشعوب الى الفعل فوق مسرح التاريخ في السنوات الاخيرة واتساع رقعة الاحتجاجات ضدالسياسات الرأسمالية في المركز والاطراف يثبت بشكل لا يحتاج الى دليل وجاهة المقولات الماركسية في الثورة وان الثورة ضد هذا النظام هي السبي الوحيد لتخليص البشرية مما تخبط فيه من اوحال ومعضلات باتت تهدد الوجود البشري يبقى الاشكال هو في مى جاهزية العامل الذاتي اي شرط التنظيموالوعي والمطلوب من الاحزاب الماركسية سواء في دول المركز او الاطراف الاستفادة من التجربة التاريخية للطبقة العاملة بأخطائها وايجابياتها بنقائصها ومكاسبها والتعامل معها بروح نقدية موضوعية بما يمكن من استلهام الدروس واعداد العدة للعب دورها التاريخي وما يلقيه عليها التاريخ من واجب انقاذ البشرية وذلك بصهر كل الطبقات والفئات المعنية بالتغيير في تيار واحد يستهدف المنظومة الرأسمالية بصيغها المختلفة ومن البديهي ان تنفتح الماركسية على الاستحقاقات الراهنة على غرار القضايا البيئية وقضايا الاقليات وحقوق النساء علاوة على مهماتها التقليدية والمطلوب من الحركة الثورية في العالم حل التنالقضات التي يطرحها النظام الرأسمالي والتي تختلف باختلاف مستوى تطور الرأسمالية ووفق قانون التطور غير المتكافئ للرأسمالية: ففي دول الرأسمالية التقليدية او المركز فان التناقض الرئيسي الذي يلقى على حب الطبقة العاملة حله هو التناقض بين رأس المال والعمل عبر برنامج الثورة الاشتراكية اما في الدول التابعة فان المهمة الاولى الملقات على عاتق احزاب الطبقة العاملة والقوى المعنية بالتغيير هي حل القضية الوطنية والتناقض بين رأس المال العولمي والفئات المحلية المرتبطة به من جهة والشعوب من جهة أخرى عبر برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية.
ب_2 تفنيد الانتقادات المرتبطة بمحاولات التشكيك في الاساس الفكري والسياسي للماركسية.
مع تراجع دور الأحزاب الماركسية والتغير الذي طرأ على العالم خاصة بعد سقوط جدار برلين شنت ايديولوجيو البرجوازية حملة ممنهجة ضذ الماركسية فبرزت جملة من النظريات التي تبث الاحباط والتشاؤم وتنذر بالنهايات : نهاية التاريخ عند الحضارة البرجوازية واستتباا نهاة الصراع الطبقي والطبق العاملة والتبشير بنظريات جديدة تهول بعض مظاهر التطور مثل " تضخم الطبقات الوسطى" وتبرجز الارستقاطية العمالية وتعالت اصوات ايديولوجيي البرجوازية مرددة مقولة انتهاء الطبقة العاملة اجتماعيا وسياسيا في عصر ما بد الصناعة وولوج عهد مجتمع الخدمات. وهي ادعاءات مغلوطة الهدف منها هو التمويه والمغالطة فهدف البرجوازية الحقيقي من وراء هذه الادعاءات هو الانتهاء الى انعدام الفائدة من مقولة الطبقات وبالتالي انعدام الجدوى من الحزب الطبقي وتجريد الطبقة العاملة والشعب من ابرز اداة للانتصار وهو التنظم في حزب يقودها لاستيلاء على السلطة وفي عملية البناء الاشتراكي لاحقا.
وتوضح التقارير والاحصائيات تهافت هذه الادعاءات : فحجم الطبقة العاملة من الناحية الكمية على الاقل وحسب احصائيات منظمة العمل الدولية في تزايد مطرد رغم تتالي الأزمات وما يستتبعها من تسريح للعمال :
تشير احصائيات منظمة العمل الدولية الى أن العمل المأجور قد تطور في البلدان المتقدمة بنسبة 20 بالمائة فيما بين 1992 و2008 بينما تطور بنسبة 80 بالمائة ي البلدان الصاعدة (les pays emergents) في نفس الفترة كما تشير نفس الاحصائيات الى تطور العمل المأجولر في المجال الصناعي فقط بنسبة 120 بالمائة في البلدان الصاعدةوتراجعه في البلدان المتقدمة فيما بين 1980و 2005. وتظل هذه الارقام منقوصة وغبر دقيقة باعتبارها لا تأخذ بعين الاعتبار العمل في السوق السوداء وهو يشكل في بعض البلدان الاسيوية نصف اليد العاملة الصناعية وكذلك عمل الاطفال الذين يقدر عددهم ب168 مليون في العالم. واجمالا يقدر عدد مواطن الشغل عللى المستوى العالمي دون احتساب عدد العمال بالقطاع غير الرسمي والعمال القصرب 3.3 مليار نسمة (600مليون في الصناعة و450 مليون في الفلاحة والبقية في الخدمات) و اعتماد على هذه الارقام فان حجم الطبقة العاملة من الناحية الكمية على الاقل يبو ئها مركزا ضمن صدارة الطبقات الاجتماية عالميا وهو ما يفند الادعاءات البرجوازية حول انتهاء الطبقة العاملة وتراجعها.
صحيح اننا نشهد تراجعا طفيفا للطبقة العاملة في المجال الصناعي في الدول المتقدمة ولكن هذا التراجع لا يفسر بتراجع الطبقة العاملة بل يفسر باعادة هيكلة القطاع الصناعي في مختلف انحاء العالم في اطار العولمة والاتجاه نحو تركيز الصناعات القديمة في الدول المتخلقة اين تم التخلص من الصناعات الملوثة والصناعات التصديرة والتحويلية ذات القيمة المضافة المحدودة حيث يتم استعلال الطبقة العاملة باجور زهيدة وتستفيد الشركات المنتصبة من الحوافز المالية والجبائية التي تمنخها اياها حكومات هذه الدول لتحقيق الارباح. وتشير الارقام ان التراجع الطفيف للطبقة العاملة الصناعية فيدول المركز صحبة ارتفاع كبير لعدد العمال في الدول النامية فقد تضاعف عدد عمال الصناعة قد تضاعف خلال الثلاثين سنة الاخيرة في بلدان مثل:
الفليبين حيث قفز العدد من 2.6 الى 5 مليون عامل
المكسيك من 6.5 الى 11.2 مليون
اندنيسيا من 6.7 الى 19.2 مليون.
أما في الصين فقد مر عدد عمال الصناعة من 20 مليون سنة 1960 الى 77 مليون سنة 1980 والى 210 مليون اليوم أي ضعف عدد عمال الصناعة في كل البلدان العنية مجتمعة.
ان التغيرات التي طرأت على الطبقة العاملة من حيث انتشارها ومن حي تركيبتها وشكلها أمر طبيعي في مجتمع متطور فالثابت هو طبيعتها كطبقة عاملة تعمل بمقتضى نظام التأجير وتنتج فائض قيمة يستفيد من الرأسماليون لمراكمة الثروات ومهما بلغ الاقتصاد الافتراضي اللامادي وما يستتبعه من ازدياد عدد الطبقة العاملة في قطاع الخدمات وذمور الاشكال القديمة للعمل فان الطبقة العاملة الصناعية تبقى فاعلا أساسيا في الاقتصاد الرأسمالي لان الاقتصاد اللامادي بدوره لا يمكن ان يستمر الا بوجود اقتصاد حقيقي وهو رغم تضخمه يضل تابعا للاقتصاد المادي.
ان بيان تهافت مقولة انتهاء الطبقة العاملة يبين بالنتيجة سطحية البدائل التي تطرحها الحركة الفكرية البرجوازية والديمقراطية الاشتراكية من قبيل المراهنة على فئات أخرى للقيام بالثورة بدل الطبقة العاملة على غرار الشباب والنساء والمهمشين وهي أطروحات مهتزة وغير متماسكة فالحديث عن الشباب كقائد للثورة تكثف خاصة بعد ثورة 1968بفرنسا وصحيح ان الشباب كان فاعلا اساسيا في كل الثورات بالنظر الى توفره على عوامل الطاقة و الحماس والديناميكية ومع ذلك فاننا لم نر ثورات قادها حزب شبابي بالمعنى العمري للكلمة فالشباب فئة عمرية عابرة ولا يمكن للمرء ان يظل شابا طول حياته وسلوك الانسان لا يحدده سنه بقدر ما يحدده انتماؤه الى طبقة معينة وهو نفس المنطق الذي ينطبق على النساء فالنساء لسن منسجمات من حيث مصالحهن التي تتحدد بانتمائهن الى هذه الطبقة او تللك .كما ان المهمشين لا يمكن ان يتصدوا للمهمات التي من يلقيها التاريخ على عاتق الطبقة العاملة التي تتوفر على عنصر الانضباط والقابلية للتنظم وتمتلك وسائل الضغط التي يمكن فعلا ان تعطل الانتاج الرأسمالي وتدخله في وضعية شلل تام وقد بينت التجربة ان المهمشين قد لعبوا في عديد الثورات ادوارا ايجابية واحيانا اخرى تم توظيفهم في مهمات التخريب ضد الطبقة العاملة ولإعاقة تقدم حركة التاريخ.
2 الاشتراكية هي الحل لتحرر الانسانية:
ان طرح الاشتراكية كبديل للرأسمالية يتطلب اولا ابداء بعض الملاحظات الضرورية حول فهمنا للاشتراكية. فتعامل الثوريين مع الماركسية ليس تعاملا ارتودكسيسا او نصيا يخضع الواقع للنصوص بل انا تعاطينا مع الارث الماركسية هو تعاطي خلاق يستفيد من التجربة الاشتراكية السابقة ويأخذ بعين الاعتبار التطورات التي تشهدها مختلف مجالات المعرفة والسياسة والاقتصاد فالماركسية هي استعاب لكل ماهو تقدمي في الحضارة الانسانية وتفاعل خلاق معه وهي لا تقفز على خصوصية السيرورات الخاصة بهذا المجتمع او ذاك لان ماهو جدير بالاهتمام واولا وقبل كل شي هو الواقع الحي المتعدد والثري اما النظرية فعامة ورمادية . هذا ما يشكل الجوهر الحي للماركسية .وهي التي تؤمن بالتطور وبضرورة اخذ كل الجوانب بعين الاعتبار في فهم الظواهر المختلفة فماهو ثابت حقيقة في الماركسية هي مقاربها الجدلية والنقدية وهو ما جعلها تحافظ على راهنيتها في المجال المعرفي باعتبارها استيعاب لعلوم عصرها وتجاوب معها فقد أثبتت نظرية النسبية لانشتاين وغيرها من الاكتشافات العلمية في العلوم الصحيحة والانسانية الراهنية الابستمولوجية للماركسية ولم تسطتع النظريات النقدية الحديثة على غرار البنائية ومدرسة فرانكفورت الخلول محل الاتشتراكية فقد كانت مؤاخذاتنهم على هذه الأخيرة تتم غالبا من منطلق عدم استيعاب جدلي لهذه النظرية . ان ما نلحظه من حضور للماركسية في شتى فروع المعرفة المعاصرة لهو دليل قاطع على الصرامة والدقة العلمية لهذه النظرية ولمنهجيتها رغم التناول الشكلي لها في البرامج التعليمية وفي البحوث الاجتماعية التي تتم في الجامعات ومراكز الابحاث.
وهذه الراهنية تتاكد من خلال عجز الرأسمالية وتقدم الشتراكية عليها في كل المجالات سياسيا واقتصاديا.
ففي السياسة فان المشرووع الاشتراكي يسعى الى اقامة الديمقراطية الحقيقيية وسيادة البشر على مصيرهم ومزايا المشروع السياسي وتقدمه على المشروع الرأسمالي تتاكد سواء عللى المستولى السياسة الداخلية او على مستوى العلاقات الخارجية
فعلى مستوى السياسة الداخلية تقوم المشرع السياسي الاشتراكي على حكم الاغلبية الحقيقية مقابل الديمقراطية البرجوازية الشكلية التي تخفي دكتاتورية الاقلية المالكة لوسائل الانتاج وتعتمد الاشتراكية على وسائط جديدة لممارسة الحكم تبتدعها الجماهير الشعبية لتتولى من خلالها الاستلاء على السلطة وادارة الدولة وانفاذ مشروع البناء الديمقراطي ويقوم نظام الحكم الجديد على اشراك الجماهير اشراكا فعليا في ادارة شؤون الدولة والحيلولة دون تحول هذه الاخير الى جهاز بيرقواطي غريب عن الطبقة العاملة والشعب وهو ما يقتضي انتخاب موظفي الدولة والتقليص من عددهم اكثر ما يمكن ومنحهم اجور تعادل متوسط أجور العمال مع ضرورة تشديد الرقابة عليهم وسحب الثقة منهم في كل وقت والاشتراكية تستفيد من كل اليات التسيير التشاركي الذي ابتدعه الشعوب في مسيراتها النضالية وتعمل بها لضمان اوسع تشريك ممكن للجماهير الشعبية في تسيير الشؤون العامة كما تستفيد من التطور التكنولوجي والمعلوماتي لتحقيق مراقبة ناجعة على تصرف المنتخبين. كما تمكن مشركة وسائل الانتاج والتخطيط الاقتصادي من تحقيق الوفرة الاقتصادية وتلبية الحقوق والحاجيات الاساسية للانسان وتضمن حقوق الانسان في شموليتها وكونيتها.
أما على المستوى الخارجي فتنشد الاشتراكية تأسيس علاقات جديدة قوامها الاحترام المتبادل بين الشعوب وروابط تتأسس على التعاون والاخاء والندية وتناهض الاستعمار وتدافع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها . فمع مشركة الانتاج وقيام سلطة دكتاتورية البروليتاريا ينتهي عصر اضطهاد الامم القوية للامم الضعيفة وينتهي عصر استنزاف ونهب ثروات الشعوب ومقدرتها المرتبط بنظام الرأسمالية
اما اقتصاديا فان الاقتصاد الاشتراكي يضع حدا للازمات بوضع كل وسائل الانتاج على ملك المجتمع ويحقق بذلك التناسب بين علاقات الانتاج وقوى الانتاج ويوفر الظروف الملائمة لنمو هذه الاخيرة وتحررها في اطار نمط اقتصادي يقوم على التخطيط الشامل بما كن شأنه تحقيق التوازن بين الانتاج والاستهلاك ويزول عن العمل طابع الاغتراب ويصبح اداة لتحقيق انسانية الانسان وتتاح للعمال كل الظروف الملائمة لتفتق مواهبهم وقدراتهم وتطوير اذواقهم وثقافتهم الانسانية العميقة وتخلق الشروط المادية لعلاقات جديدة بين الرجل والمرأة قائمة على الاحترام والتعاون وخالية من عوامل التبعية والامتهان والعنف كما يوفر هذا الطراز أرضية ملائمة لروابط عاطفية واسرية جديدة مبنية على الحب الحقيقي الخالي من كل الاكراهات وعلى فكرة الاتحاد الحر بين أشخاص أحرار ويعمل على تطوير العلوم والتكنولوجيا وتوظيفها لخدمة حاجيات الانسان لا بغاية تحقيق الربح كما يتم تحقيق المصالحة بين الانسان والطبيعة في اطار نموذج اقتصادي واجتماعي يضمن احترام وحدة الانسان والطبيعة ويهدف النموذج الاشتراكي الى تطوير الحياة الثقافية والفكرية والرقي بالارواح والاذواق وخلق كل الظروف والشروط الملائمة لتأسيس منظومة قيمية جديدة مبنية على الاحترام والتعاون واعتبار الانسان هو أثمن رأس مال ومحور المشروع المجتمعي والحضاري.
المراجع:
كارل ماركس،رأس المال، المجلد الأول ، الجزء الأول، دار التقدم 1985.
ماركس، البيان الشيوعي
لينين، الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية،
سمير أمين، ما بعد الرأسمالية المتهاكة، دار الفارابي، 2003
انهيار الرأسمالية، اسباب اخفاق اقتصاد السوق المحررة من القيود،أولريش شيفر،ترجمة عدنان عباس علي،عالم المعرفة، 2010.
أزمة الرأسماليةالمعولمة عتبة الى الاشتراكية، عادل سمارة، 2009.
راهنية افكار كارل ماركس، الان وودزموقع Marxism، اكتوبر 2019.
الجيلاني الهمامي، مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية، الجزء الاول، منشورات حزب العمال 2018.
حمه الهمامي، اشتراكية ام بربرية.
حسن الرحيلي، العولمة ما بعد الكورونا:حتمية ملاد نظام عالمي جديد، دار الثقافية،2020.
التداين: اختيار ام ضرورة، تمنشورات جمعية البحوث الاقتصاديةوالاجتماعيو محمد علي ، جانفي 2017.
مرتضى العبيدي، مقال " البروليتاريا اليوم"، غير منشور.
سرجون النمرود، الماركسية والبيىة، موقع الحوار المتمدن، 2018.
الطبقة العاملة والنضال البيىي: اية علاقة، عبد السلام اوديب، موقع الحوار المتمدن،2016.
Pierre Rosanvallon, Le siecle du populisme seuil 2020
Pierre Rosanvallon, Le peuple introuvable,ed .Gallimard 1998
Pierre Rosanvallon . La égitimité democratique,Seuil,2008.
Dominique Reynié,Les nouveaux populismes,Pluriel,2020
Chantal Mouffe,Pour un populisme de gauche,2018.