الأعنف لم يأتي بعد ومعاهدة لوزان ستنتهي بعد عامين بالتمام.


اسحق قومي
2021 / 6 / 13 - 13:46     

نحنُ معشر ما يُسمى بجيل الخمسينات من القرن العشرين الماضي . أبناء الشرق. خاصة أبناء سورية يعزُّ علينا أن تعود أوطاننا كما كانت قبل عشرة أعوام بكل محمولات .ونقبل بعودتها رغماً عن الجرّاح .لابل نأمل ونعيش محكومين بأمل الأمن والسلام. وأن تعود كما كانت .
لكن مجموعة من الأسئلة تؤرقنا وتهز عقولنا وضمائرنا وأحد تلك الأسئلة يقول هل الأمر كما نريده نحن أم هناك وقائع على الأرض لايمكن تغييرها كما نشتهي . بمعنى هناك استحالة في عودة سورية إلى ماقبل عشرة أعوام؟!!
أليسَ في هذه الآمال التي نغدقها على أنفسنا ما يُخالف الواقع؟!! وننسى أنّ هناك أجيالاً حالية تُخالفنا في كلّ شيء تقريباً. لابل تتجاوزنا في العديد من القضايا التي تخص المفاهيم و خاصة في قراءاتها للوطن والوطنية ومفهوم العيش المشترك وغيرها من مفاهيم عشناها وكُنا نتفانى في تطبيقاتها التي كانت تخرج من القلب والوجدان.
إنّ دراسات ميدانية لو تمت على أجيال سورية الحالية وبعد هذا الذي جرى فيها سيكون هناك 80% منهم من سيصدمنا برأيه وهو محق فيما يقوله .
وكتابتنا هذه لا تمثل أحد وجهات النظر بل نحن نتحدث بشكل شامل وعام وما نكتبه لايمثل أيّ حساسية لأيّ كان. إنما لنخلص إلى نتائج نراها بأنها قوة هائلة وتدميرية للروح الوطنية التي تعيش فينا نحن جيل الخمسينيات . لأنّ الحقائق تقول بأنّ أوطاننا في الشرق الأوسط تشبه رمالاً متحركة لاتستقر على شكلّ نهائي .ولهذا فهي معرضة لأن تفرز بين الحين والآخر مفاهيم وطنية جديدة لهذا تجعلنا أمام استحقاقات أسئلة كُبرى وإنسانية ووجدانية وحقوقية .
وأحد تلك الأسئلة المحزنة يقول.لماذا ليس لي وطن؟! أين هو وطني؟!! كيف تغير شكله وهو مقبل على تغيير جديد لاقدر الله ؟ هل الوطن ثابت أم متحرك؟ لماذا تتغير الجغرافيا السياسية بحسب المعاهدات الدولية ومصالح الدول العُظمى ولا يتغير بحسب إرادة مكوّناته؟!!
تعالوا معي نتجول في الماضي قبل مئة عام من الآن .سنجد أن لاحدود بين الشمال السوري وما كان يُسمى بالسطنة العثمانية .وكانت الأرض السورية تشمل حتى ديار بكر( آمد) . وماردين وأورفا ولواء إسكندرونة وكيليكية. وكان أهلي كما أهل الكثيرين يعيشون في قرى ماردين ثم يرحلون إلى جنوب الخط الحديدي الذي أنشأه الألمان (قطار الشرق السريع).ثم تأتي معاهدة لوزان في سويسرا بين الحكومة البريطانية وبقايا السلطنة العثمانية في 23 من تموز يوليو من عام 1923م يتم فيها تحديد العديد من القضايا خاصة الحدودية وقدرة سيطرة الدولة التركية فيما بعد الانتهاء من سطوة المعاهدة التي حددتها المعاهدة بمئة عام بحق الدولة التركية للسيطرة على الممرات المائية وعودة العديد من الأراضي التي تم تحديدها على أساس أنها للدولة العراقية وكذلك للدولة السورية. فلتركيا بموجب هذه المعاهدة يحق لها أن تعود ـ مثلا لتسيطر وتضم لواء الموصل وشمال سورية وحتى ليبيا .
أجل الماضي كما يقول سارتر لايموت ودعونا نعود لتاريخ دخول العثمانيين الأرض السورية قبل خمسمئة عام أي عند مرج دابق شمال حلب عام 1516 ودخولهم إلى سورية وأغلب الدول التي تُسمى بالعربية ويظل العثمانيون حتى جاءت ما سميّ بثورة الحسين الكبرى بمساعدة الإنكليز عام 1916م .وقيام المملكة السورية ولكن الملك فيصل يفر عندما علم بتغيرات جديدة وبعد ذلك دخلت القوات الفرنسية دمشق بعد معركة ميسلون .وأما على صعيد الكيانات السياسية السورية فكانت هناك عدة دويلات وظلت قائمة حتى بعد أن منحت فرنسا تركيا لواء إسكندرونة وبقيت التسميات للدويلات السورية حتى عام 1942م.ولكن تحت صيفة سياسية متعارف عليها دولياً بالدولة السورية ( الجمهورية السورية).
وعلينا أن نتذكر مرحلة تحديد الحدود بين تركيا وسورية وبين سورية والعراق في عهد الانتداب الفرنسي على سورية.وهكذا مع الأردن ولبنان وفلسطين .ثم العهد الوطني وعهد الانقلابات وبعدها عهد الوحدة بين مصر وسورية (جمال عبد الناصر وشكري القوتلي ). ثم الانفصال عام 1961م.وقيام ثورة أذار عام 1963 م.إلى حرب حزيران عام 1967 م. وبعده جاءت الحركة التصحيحية ومجيء الرئيس حافظ الأسد ثم حرب تشرين عام 1973م وبعدها نرى الأحداث تتوالى والمجتمعات السورية تكبر في حجمها وطموح أهلها والقوميات تتحرك كما تتحرك الرمال في الصحاري وتلعب أيادٍ خفية لتحل الكارثة في سورية مع ما سميّ بالربيع العربي عام 2011م .ومقالنا هذا القصير لايؤسس لنقد الحالة السورية على الإطلاق وإنما الغاية منه هو أن نعود إلى المربع الأول.
المربع الأول يقول هل الوطن السوري ستتغير ملامحه رغماً عن كلّ الشعارات التي شبعنا من تردادها بعد عام 2023م؟!!
هل هناك موافقات قد تمت على تقسيمات جديدة للمنطقة بين أمريكا وإسرائيل وتركيا وروسيا ؟!!
وهل تظنون بأن تركيا الحالية هي عبارة عن دولة عادية؟ ؟ من يظن هذا فهو واهم . تركيا قوة عُظمى في المنطقة وتُسيطر على ممرات مائية ومساحتها الجغرافية وتنوع ثرواتها وصناعاتها الحربية والزراعية والصناعية الأخرى يجعلها فعلا قوة أضف إلى أنها عضو في حلف الناتو وأكثر من ثلثي جنوده من الأتراك .
والليرة التركية الآن قوية وهي في نمو مضطرد لهذا المخيف لم يأتي بعد فيما إذا توافقت تركيا مع الدول العظمى ومع إسرائيل وهذا ماسيكون على مصير وطننا السوري وشمال العراق لقاء تطبيع واضح المعالم واعتراف نهائي لإسرائيل بما تريده لقاء تحقيق أهداف تركيا في سورية والعراق والبوسفور وليبيا والتنقيب عن النفط والغاز في أراضيها.
فالقادم على المتحرك السوري الخارجي من أصعب مراحل ال 100 عام وكذلك المكوّنات السورية لايُستهان بحركتها البركانية مالم تكن هناك دراسات موضوعية وواقعية وبعيدة عن الانفعالية لتحقيق وجود تلك المكوّنات سياسياً وثقافيا ً لأنّ سورية ليست لجماعة عرقية أو دينية مهما غلفنا ذلك برداء القومية وغيرها .إنّ وضع برنامج وطني سوري على أسس شراكة سورية جديدة هو أفضل من محاربة طواحين الهواء.يكمن ذلك في دستور سوري حضاري وعلمي ومدني .
ولنا عودة إن شاء الله بعدما تنتهي معاهدة لوزان عام 2023م.
اسحق قومي.ألمانيا في 13/6/2021م