رواية السيد حمار بعد التطوير ح1


عباس علي العلي
2021 / 6 / 12 - 00:49     

الأول من كانون الثاني عام 2050 نحن في نهاية الفترة التجريبية التي أمتدت لربع قرن في مختبرات عديدة أبرزها ورشات الذكاء فائق القدرة في وكالة ناسا للفضاء والكثير من الهيئات والمؤسسات الأكاديمية، الموضوع الأهم كان أختيار الحيوانات الأكثر قدرة على التعامل مع المشروع أولا بالنسبة لمقدرتها على التكيف أو الأستجابة لمتطلبات المشروع برمته، كانت القائمة الأولى تضم أكثر من ألف حيوان تقلصت على مراحل حتى أستقر المشروع على بضعة صغيرة منها، خمسة حيوانات كبداية للتطبيق، ما يلفت الأنظار أن العينة المأخوذة كانت تضم في رأس القائمة حمارا درب على مدى سنوات وخضع لتجارب وكأنه رائد فضاء سيبعث بمهمة فوق طاقة البشر.
المشروع ليس غريبا بحد ذاته طالما أنه يعتمد على أسس علمية رصينة وخضع للكثير من التجارب التي أتت بنجاحات غير متوقعة، الغريب فقط أن يكون الحمار أو ما يطلق عليه في المشروع رمز (M_D) أي السيد حمار، أختار المؤسسون في عام 2020 بداية مجموعة من ثلاثة حيوانات لتكون صاحبة القيادة في المشروع، حصان وثعلب وطبعا الخيار الأول في حينها الأسد بأعتباره قائد وملك المملكة الحيوانية، لكن الأعتبارات العلمية والتحليل النفسي لعب دورا هاما في أستبعاد الأسد كونه حيوان صعب المراس ولا يقاد بسهولة في تجربة قد لا تأتي متطابقة مع فرضياتها الأولى مما يؤدي إلى تعثرها وفشل المشروع.
أما الخيار الثاني فكان للحصان بأعتباره من أكثر الحيوانات قربا في الخارطة الجنية وقد يصلح هذا القرب في إنجاح سعي التجربة، كل المحاولات التي جرت لترويضه أو على الأقل أستجابته الأولية كانت مخيبة للآمال، فأنصرف تفكير القائمين على المشروع إلى أختيار حيوان أكثر صبرا وأشد هدوء من غيره كما يتطلب فرض النظرية، هنا عرض أحد كبار الباحثين أختيار الحمار ليكون رأس المشروع لما يتميز به من خصائص تتناسب مع هدف التجربة ومحاولة جعل الحيوان يفكر بذات الطريقة التي يستخدمها الإنسان في عمليات صنع الذكاء المبرمج مسبقا.
المبرر الوحيد الذي جعل من القائمين على المشروع أن السيد حمار لدية قدرة عجيبة على المطاولة في التفكير والتأمل، فهو مطرق دوما يبحث ويتأمل ويحاول أن يفهم لماذا تجري الأمور هكذا دون نتيجة محددة، لذا فوضع الشرائح الإليكترونية في دماغه وربطها بالشبكة العصبونية قد يكون أكثر فاعلية طالما أنه يفكر، الأمر ليس بمزحة فكل الأبحاث النفسية والعصبية تؤكد أنه قادر على التفاعل وقادر على التعبير عن فهمه وإدراكه من خلال ردات الفعل التي ستسجلها الشرائح وتبعثها على الكمبيوتر الذي سيتحكم ويعالج البيانات الواردة ثم يعطي الأوامر التي بموجبه ستكون ردة الفعل.
هكذا تطورت فكرة التجربة لتصل إلى التحكم بالعقل لدى الحيوان المختار وإبدال التصرفات الطبيعية له بتصرفات ما يعرف بتعديل السلوك حتى يتبين لنا حقيقتين، الأولى تاريخية أسطورية عن الحكايات التي كانت تروي أن الحيوانات في زمن ما كانت تتكلم وتعبر عن نفسها، والهدف الأخر محاولة تطوير مبرمج لأليات التعقل الحيواني وربما أنجاز معجز تاريخي يساهم في رقي الحيوانات درجة ما لتكون ومع الزمن تستعيد فكرة التطور عبر حرق المراحل الزمنية، هكذا تم الأنتقاء من بين ألاف النماذج الحيوانية لتكون بداية الحلم العلمي بخمسة حيوانات يتأمل الفريق العلمي أنها ستكون تجربة خلاقة في التدخل بصيغ الطبيعة والخروج بنظرية قد تغير المجرى التاريخي لشركاء الإنسان في الوجود.
وحتى تكون التجربة أكثر طبيعية وتساعد على فهم ومقارنة السلوك الطبيعي والسلوك المنمذج كان الخيار أن يكون محل التجربة في محمية طبيعية خاضعة للمراقبة والتحكم عن بعد، فهي توفر طبيعة تتناسب مع تلقائية التصرف الحيواني بعيدا عن أحتكاكها بالإنسان وما ينتج من ذلك من ردات فعل لا يعرف أغلب الناس بوجودها أو حتى يفهموها بما هي عليه، ثانيا أيضا مراقبة صراع البيئة والحيوان الاخر مع النماذج المختارة للتجربة، الخبراء النفسيين أقترحوا أن تجري التجربة بمكانيين مختلفين حتى تسجل الفوارق السلوكية أستنادا لعوامل البيئة، وأيضا قياس فرق التصرف بأختلاف المكان مع أو بدون الشعور الطبيعي التلقائي، بعد هذا الأقتراح أنقسم الفريق البحثي لمجموعتين متخصصتين تمارس كل واحدة مهامها دون أن تعرف ما يظهر من التجربة من نتائج عند الفريق الثاني.
خضعن مجموعات الحيوانات المختارة إلى عمليات جراحية معقدة تم فيها ربط مجموعة من الشرائح الإليكترونية في أدمغتها وتم توصيلها مع الشبكة العصبونية بشكل محكم وع ضمان أن لا تتأثر هذه المزروعات بالحركات العنيفة أو التصرفات الطبيعية التي قد تحدث أو متوقع حدوثها عادة، الفريق المراقب أتخد أماكنه المحددة ومع عشرات الأجهزة التي تستقبل الإشارات القادمة وتقوم بتحليلها وترصيفها ودراسة ما تعبر عنه أو ما يفترض أن يتم التعامل معها، نحو أكثر من مئة وخمسين فنيا وعاملا في كل فريق يعملون ليلا ونهارا وبدون كلل أو ملل، بالرغم النتائج التجريبية التي حصلوا عليها قبل البدء بالمشروع وأثناء التجارب الفعلية، لكن هناك إحساس بالحيرة وأحيانا الشك في أن تقبل الحيوانات على التقيد طويلا بردات الفعل التي تأتيها مباشرة من أجهزة التحكم وتجبرها على فعلها كما هو مخطط في المشروع.