بمناسبة اليوم العالمي للمرأة 08 مارس: المرأة / الإنسان:بين الاستغلال الرأسمالي، وبين الرِؤيا المنحطة في الواقع الاجتماعي، في ظل جائحة كوفيد 19.....12


محمد الحنفي
2021 / 6 / 10 - 14:42     

ما العمل من أجل انعتاق المرأة؟

إن انعتاق المرأة، مما هي عليه، في مجتمعات البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين بالخصوص، يحتاج إلى الكثير من القول، والفعل، في اتجاه فرض احترام كونها إنسانة، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، سعيا إلى تحررها من معاناتها من الرؤيا الدونية لها، مهما كانت هذه المرأة، ومهما كانت الأفكار التي تنتجها، والفلسفة التي تتحكم في مسارها، وعلى جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وكيفما كان مستواها الفلسفي، ومهما كانت مساهماتها في المجال السياسي، بالصفة الحزبية، أو بدون صفة حزبية.

فالرؤيا الدونية للمرأة، لا يشفع لها ما تكون عليه، على جميع المستويات الإنسانية، حتى تكون لها الإمكانية التي تليق بها، كإنسانة فاعلة، ومتفاعلة مع الواقع الإنساني المحكوم بشروط التطور المستمر، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، وعلميا، ومعرفيا، وفلسفيا، وإنسانيا. وهو ما يقتضي منا: العمل على انعتاق المرأة، أفقيا، وعموديا، وعلى جميع المستويات، حتى تتمكن من أداء دورها المطلوب منها، ومن أجل التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، على جميع أفراد المجتمع، ذكورا، وإناثا، نساء، ورجالا.

وتحرر المرأة، يقتضي من المجتمع، ومن الدولة، ومن الجمعيات، والنقابات، والأحزاب السياسية، العمل على:

1) انعتاق المرأة من العمل خارج البيت، وداخله، مما يسبب لها إرهاقا غير محدود، لا في الزمان، ولا في المكان.

وهذا الانعتاق، يقتضي الاعتراف لها بالإرهاق المزدوج، الذي يقودها إلى التراجع، على جميع المستويات. وهو ما يعني: أن على الرجال، أن يعيدوا النظر في رؤيتهم لالتزامات المرأة، لا تجاه المرأة فقط، ولكن تجاه نفسه كذلك، حتى يصير دوره تجاه البيت حاضرا، حتى يساهم في عمل البيت، مساهمته في العمل خارج البيت، ليصبح متعاونا مع المرأة، على مستوى ترتيب البيت، وعلى مستوى العناية بحاجيات الأولاد، وعلى مستوى إعداد الطعام، وكل ما يتعلق بالمطبخ، من أجل التخفيف على المرأة، من مشاق عمل البيت. الأمر الذي يترتب عنه، توطيد العلاقة القائمة بين المرأة، والرجل، والأولاد، ليصير الحب المترتب عن التعاون بين الرجل، والمرأة، ساريا بين جميع أفراد الأسرة، والعائلة، على حد سواء. وهو ما يتبين معه: أن أفراد الأسرة، مهما كانوا، وكيفما كانوا، يقتربون من بعضهم أكثر، في حال التعاون فيما بينهم. وهو ما ينعكس إيجابا على جميع أفراد العائلة، وعلى وضعية المرأة في الأسرة، التي تحظى بمكانة خاصة عند الرجل، كزوج، وعند الأولاد، وعند جميع أفراد العائلة. وهو ما ينعكس إيجابا على عمل الرجل والمرأة خارج البيت.

2) انعتاقها من الاستغلال المزدوج، الذي يبقى فيه الاستغلال خارج البيت، الذي تتساوى فيه مع الرجل، ويزول الاستغلال داخل البيت، بانخراط الرجل في التعاون مع المرأة، بالقيام بجزء من شؤون البيت، حتى يخفف عن المرأة جزءا من أعباء البيت، والمرأة عندما يزول عنها، بالتعاون، استغلال البيت، تصير مطمئنة على نفسها، وتخضع، كالرجل، للاستغلال خارج البيت، مما لا يمكن الخفيف من حدته، أو القضاء عليه، إلا بالانخراط في النقابات، والأحزاب السياسية، من أجل النضال من أجل التخفيف من حدة الاستغلال، ومن أجل التغيير، بعد امتلاك الوعي بالذات، وبالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبعد إدراك أهمية العمل النقابي، في تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية، وأهمية الأحزاب السياسية اليسارية، المناضلة بالخصوص، في العمل على تغيير الواقع، ليصير في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

3) انعتاقها من الاستغلال الرأسمالي، التبعي، الذي يستغل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ومن ضمنهم المرأة. والمرأة القائمة بالعمل الحر، والمرأة الموظفة، والمتقاعدة، وربة البيت، وغيرها، من أجل إخضاع المجتمع، ككل، للاستغلال المباشر، وغير المباشر. وهو استغلال، لا يمكنه التخفيف من حدة الاستغلال المادي، والمعنوي، إلا بالانخراط في النقابات المناضلة، الهادفة إلى إرغام الباطرونا المستغلة، على الاستجابة لمطالب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى يتم التخفيف من حدة الاستغلال المادي، والمعنوي، ولا يمكن القضاء عليه، إلا بالانخراط في الأحزاب اليسارية المناضلة، من أجل تغيير الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، تغييرا جذريا، حتى تصير في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وفي خدمة عموم الجماهير الشعبية الكادحة، وفي خدمة الشعب، في أي دولة رأسمالية تابعة، لجعل الإنسان في هذه الدولة الرأسمالية، أو تلك، يعيش التغيير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في إطار التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية.

والمرأة كإنسان، عندما ينغلق الاستغلال المزدوج، فإن معنى ذلك، أنها انخرطت في النقابة، وناضلت ضد الاستغلال الرأسمالي المزدوج، ومن خلال المواجهة الميدانية، التي قد تنتهي بالتوقيف، أو بالطرد، لجعل المرأة تزداد رغبة في النضال، وإصرارا عليه، من أجل جعل الباطرونا، تنحني أمام صمودها، وأمام استماتتها، في النضال من أجل حقها في العمل، ومن أجل تحصين أوضاعها المادية، والمعنوية، في أفق انتزاع تحسين أوضاع الجماهير الشعبية الكادحة: المادية، والمعنوية، وأوضاع الشعب برمته: المادية، والمعنوية.

والمرأة عندما تقتنع بنضال معين، فإنها لا بد أن تسعى إلى التعبير، من خلال انتمائها إلى الأحزاب اليسارية المناضلة، الساعية إلى تحقيق التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في أفق تحقيق الاشتراكية، حتى تتحرر المرأة، ومعها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وعموم الشعب في الدولة الرأسمالية التابعة، لتصير المرأة، ومعها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، متمتعة، ومتمتعين بالحقوق الإنسانية، كما تراها الاشتراكية، مع التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، وفي إطار التحرر، والديمقراطية، بمفهومهما الإنساني.

4) انعتاق المرأة من الرؤيا المنحطة، التي تلاحقها، وتفرض دونيتها، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، في اي مجتمع متخلف، تحكمه دولة رأسمالية تابعة، من منطلق أن التبعية، لا تعني، في عمقها، إلا الاستغلال المزدوج، استغلال لصالح الرأسمالية التابعة، لصالح الرأسمالية المهيمنة على العالم.

فالدولة الرأسمالية التابعة، لا تكون إلا متخلفة. ومن سمات تخلفها، تكريس دونية المرأة، والحكم بانحطاطها اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، مما يجعلها لا تجرِؤ على رفع رأسها، ولا تتمتع بحقوقها الإنسانية، والشغلية، التي تبقى في جيوب المستغلين، لا لشيء، إلا لأنها امرأة، ويفرض عليها أن تناضل، من أجل خقوقها الإنسانية، قبل النضال من أجل تحسين أوضاعا المادية، والمعنوية، وقبل أن تسعى إلى التغيير الجذري للأوضاع المادية، والمعنوية.

فالنظرة الدونية للمرأة، والحكم بانحطاطها، يجعلها تناضل، من خلال انتمائها إلى الجمعيات الحقوقية بصفة عامة، وإلى الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة، حتى تحرر نفسها: أولا، وأخيرا، من الدونية، ومن الحكم عليها بالانحطاط في المجتمع، وتصير متمتعة بإنسانيتها، وبكيانها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. وعندها تذهب إلى النقابة، رافعة رأسها، للنضال من أجل تحسين أوضاعها المادية، والمعنوية، ولتتجه، بعد ذلك، إلى الحزب السياسي اليساري المناضل، الهادف إلى التغيير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى تصير المرأة في مستوى أن تحظى بمكانتها المشرفة، في المجتمع المتغير، من مجتمع محكوم بالنظام الرأسمالي التابع، إلى مجتمع محكوم بالنظام الاشتراكي المحقق على أرض الواقع.

والمرأة عندما تتحرر من العمل المزدوج، بجعل الرجل مشاركا للمرأة في عمل البيت وعندما تتخلص من الاستغلال المزدوج، الذي يهدف إلى إلى جعل فائض القيمة في خدمة مصالح الرأسمالية التابعة، ومصالح الرأسمالية العالمية. وعندما تتخلص من الاستغلال الرأسمالي، بتحقيق التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في أفق الاشتراكية. وعندما تتخلص من الدونية، ومن الرؤيا المنحطة، المعبرة عن تخلف المجتمع، فإنها تصير، عند ذلك، رافعة رأسها، غير مبالية بالماضي المتخلف، وساعية إلى الرفع من شأن المجتمع ككل، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، وحريصة على تقدمه، وتطوره، في أفق مسايرة الركب الحضاري، على المستوى العالمي.

وإذا كانت المرأة حريصة على تقدم المجتمع، وتطوره، فلأنها تكون مستفيدة من التقدم، والتطور، ومتضررة من تخلف المجتمع، فلأن الإنسان، رهين بالتقدم، والتطور، واللا إنسان، رهين بالتخلف المسلط على المجتمع، بقرار سياسي، من الجهة المفروض فيها أنها تحكم، وتسعى إلى فرض فرملة الواقع، حتى لا يتطور، أو أنها تدعم كل المبادرات الهادفة إلى تقدم المجتمع، وتطوره، حتى يصير مجالا لبناء الحضارة الإنسانية، التي تعكس كل مظاهر التقدم، والتطور، وتطرح كل مظاهر التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، سعيا إلى أن تصير حضارة العصر، في وجهها الإنساني، هي السائدة.

والمرأة عندما تحرص على التقدم، والتطور، في مستواه الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؛ فلأن غايتها، هي الرفع من شأن الإنسان كأسرة، وكعائلة، وكأفراد: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا. أملا في بناء مجتمع جديد، ينعم فيه الإنسان بالتحرر، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، حتى تعود لمفهوم الإنسان مكانته، وحتى يصير الأمل في الإنسان عظيما.

وفي إطار مجتمع متحرر، وديمقراطي، وعادل، تصير المرأة متمتعة، كالرجل، بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، لتصير منتجة، إذا اختارت أن تكون كذلك، أو عاملة في التسيير الإداري، في أي قطاع من القطاعات القائمة في المجتمع، أو اختارت أن تصير طبيبة، أو ممرضة، تضع نفسها في خدمة المرضى، أو اختارت أن تشتغل في سلك من أسلاك التعليم المختلفة، أو اختارت أن تكون مشتغلة على إنتاج الوسائل التثقيفية، التي تغني المجتمع، أي مجتمع، بالقيم الثقافية، التي نحتاج إلى إغنائها، وتطويرها، حتى تقف وراء تقدم المجتمع، وتطوره... إلخ.

وبصيرورة المرأة متمتعة بكافة حقوقها الإنسانية، تصير كذلك متمتعة بحقوق النوع، كما تفهمها الاشتراكية، التي يعتبر فهمها أكثر تطورا، من اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، ومن أن تصير مكانة المرأة، في المجتمع الاشتراكي، أكثر تقدما من المجتمع الرأسمالي المتقدم، والمتطور. أما المجتمع الرأسمالي التابع، فلا داعي لأن نقول: إن المرأة في هذا المجتمع، متطورة، بدل الإقرار بتخلفها، حتى وإن كانت مهندسة، أو طبيبة، وأستاذة جامعية.

فتطور المرأة رهين بتطور المجتمع، في اتجاه أن يصير إنسانيا. والمجتمع الإنساني، لا يمكن أن يتحقق، في أي مجتمع، يمارس فيه الاستغلال الإقطاعي، أو الرأسمالي، أو الرأسمالي التابع، بقدر ما يتحقق في مجتمع خال من الاستغلال المادي، والمعنوي، للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وللجماهير الشعبية الكادحة، وللشعب الذي يقدم تضحيات جلى، من أجل التحرر، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في أفق تحقيق المجتمع الاشتراكي، وبناء الدولة الاشتراكية.

ومعلوم، أن دور المرأة في عملية التحرر، وفي تحقيق الديمقراطية بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والوصول إلى جعل التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، قائما في الواقع، في أفق تحقيق الدولة الاشتراكية، التي تشرف على التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، على جميع أفراد المجتمع، حتى يبقى حاضرا، وفعالا؛ لأنها أكثر معاناة من غيرها، في النظام الرأسمالي التابع، باعتباره يشرف على الاستغلال الهمجي، للمجتمع بصفة عامة، وعلى الاستغلال الهمجي للعمال، والعاملات، وباقي الأجراء، والأجيرات، وسائر الكادحين، والكادحات.

فمعاناة المرأة كعاملةن وكأم، وكمربية، وكمعيلة لأسرتها، يتجاوز كثيرا معاناة الرجل، في هذا المجتمع، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بالإضافة إلى معاناتها من الرؤيا الدونية للمرأة، من قبل الرجل، ومن قبل جميع الأفراد الذكور في المجتمعن الذين لا يرون في المرأة إلا الجانب السلبي منها، ولا ينتبهون إلى فعلها الإيجابي، الذي تتم نسبته إلى الرجل، ولا ينتبهون أبدا، إلى أن المرأة أكثر إنسانية من الرجل، على مستوى الأسرة، وعلى مستوى العائلةن وعلى مستوى أي ميدان من ميادين عملها: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وعلى المستوى العام، حيث نجد أن إنسانيتها تمتد إلى كل أفراد المجتمع. وما تملكه هو للناس جميعا. وإنسانيتها آتية من طبيعتها كامرأة، إلا ذا تقمصت شخصية الرجل، على جميع المستويات، فإنها تتخلى عن إنسانيتها، وتصير شيئا آخر، لا علاقة له بالمرأة الإنسان.

فانعتاق المرأة إذن، رهين بحضور إنسانيتها، كما هو رهين بتخلصها من العمل المزدوج، الذي يرهقها كثيرا، ومن الاستغلال المزدوج الممارس عليها في ميادين عملها، ومن الاستغلال الرأسمالي الهمجي بالخصوص، الذي يستنزف كل طاقتها، في جعلها لا تستطيع التحمل، ومن الرؤيا الدونية، والمنحطة، في الواقع الاجتماعي، من أجل أن تستعيد مكانتها في هذا الواقع المأزوم أصلا.