من هو مرشح الفقراء Pedro Castillo الذي فاز بالانتخابات الرئاسية في البيرو


بشير الحامدي
2021 / 6 / 9 - 23:14     

عادة ما ارتبط اسم البيرو لدى القوى اليسارية باسم الدرب المضيء (1) وخاصة سنوات النشاط المتعاظم لهذا التنظيم من 1980 إلى 2000. وها هي عشرون سنة تمر على انطفاء شعلة هذا الدرب ولكن الفقر وسوء أوضاع الأغلبية على كل المستويات في البيرو لم تنطفئ بل ازدادت حدة واتساعا خصوصا مع تفاقم الفساد لدى الطبقة البرجوازية المهيمنة وبيروقراطياتها الحزبية الحاكمة.
انطفأت راديكالية الدرب المضيء لتخلف راديكالية أخرى أكثر رسوخا. راديكالية منبعها ليس الأفكار أو الأيديولوجيا ولا يقودها حزب أو تنظيم سياسي بل هي راديكالية جماهيرية شعبية لمن في التحت الطبقي أولئك الذين لم يعد بوسعهم الإصغاء لأكاذيب اللبراليين الفاسدين ووعود طبقة الأغنياء المتحكمين في كل شيء في البيرو.
هذه الراديكالية الشعبية الموطنة في القاع الاجتماعي الطبقي لا تختص بها البيرو وحدها إنها سمة من سيمات الأوضاع في العشريات الأخيرة في كامل بلدان أمريكا الجنوبية في بوليفيا وفي فينزويلا وفي السلفادور وفي الأوروغواي وفي المكسيك وفي الهندوراس وفي البرازيل وفي نيكاراغوا... إنها الراديكالية التي أتت بـ "موراليس" في بوليفيا وبـ "لولا دا سيلفا" ثم بـ "ديلما روسيف" في البرازيل وبـ "تاباريه باثكييث" في الأوروجواي وهي نفس الراديكالية التي مكنت "بيدرو كاستيو" من الفوز بالانتخابات الرئاسية في البيرو منذ أيام فمن هو "بيدرو كاستيو"؟
هو من مواليد سنة 1969 ينحدر من عائلة فلاحية فقيرة مدرس نقابي وسياسي حاصل على درجة الماجستير في علم النفس التربوي. في عام 2017 قاد أحد أضخم إضرابات للمدرسين الذي شارك فيه أكثر من 200000 مدرس ودام ثلاثة أشهر وانتهى بتحقيق أغلب المطالب التي رفعها.
خلال فترة شبابه كان ناشطا في منظمة فلاحية في القرية التي ولد بها. شارك 2014 في الانتخابات الرئاسية مرشحا عن الجمعية الوطنية لممثلي المدرسين ولم يتمكن من المرور لدورها الثاني.
نشط فترة طويلة في حزب "بوديموس بيرو" ليغادره وينظم لحزب "بيرو حرة" سنة 2020 ليضفي الطابع الرسمي على ترشحه للانتخابات الرئاسية التي فاز بها تحت راية هذا الحزب.
"بيدرو كاستيو" خاض الانتخابات لكرسي رئاسة البيرو ضد المرشحة اليمينية "كيكو فوجيموري" ابنة الرئيس السابق الديكتاتور"ألبرتو فوجيموري" الذي يقضي الآن عقوبة 25 سنة سجنا بعد إدانته بالفساد وارتكاب جرائم ضد الإنسانية والمتهمة بدورها بقضايا فساد وتم حبسها عديد المرات في السنوات الماضية والمهددة بالسجن لمدة طويلة.
لم يكن "بيدرو كاستيو" معروفا لدى البيروفيين قبل عام 2017 وتجمع عديد المواقف على أنهم اختاروا "كاستيو" ليس لراديكاليته أويساريته بل لأنه في رأيهم يمثل أهون الشرور. فنقاط برنامجه التي صرح بها [إخراج "الأجانب المقيمين بطريقة غير شرعية" الذين يرتكبون الجرائم من البلاد وإعادة فرض عقوبة الإعدام وسيطرة الحكومة على موارد الطاقة ...] لا يمكن أن تمثل الحل الذي تطمح إليه غالبية سكان بيرو هذه الدولة التي تعاني من ركود اقتصادي مزمن حيث تراجع الناتج الإجمالي الداخلي فيها بنسبة 11,2 ٪ سنة 2020 ومن الفساد والتفقير ومن انهيار العملة المحلية ومن ارتفاع الضرائب الموظفة على الطبقات الفقيرة ومن البطالة والجريمة والجريمة المنظمة إضافة إلى الكارثة الصحية التي تمر بها حيث ذكرت التقارير الصحية أنها تسجّل أعلى معدّل وفيات جراء فيروس كورونا مقارنة بعدد سكانها مع أكثر من 184 ألف حالة وفاة مما جعل منها خامس دولة أكثر تضرراً من الوباء في العالم.
الحلول التي تطمح إليها غالبية سكان بيرو قطعا لا تأتي بها الانتخابات فهي ليست أكثر من مناسبة تتصور فيها الجماهير التي تذهب للانتخابات أنه كما بمقدورها فرض مرشحيها بمقدور مرشحيها من داخل منظومات الحكم اللبرالية تغير الأوضاع جذريا لصالحها. ولكن التجربة بينت ومنذ عشريات كثيرة وهو ما يغيب للأسف عن الجماهير أن هؤلاء الممثلين ما إن يحتلوا مواقعهم داخل السيستام الذي يقول عن نفسه ديمقراطي حتى يصبحوا مجرد دمى بيد طغم المال والسلاح والفساد و أقصى ما يمكن أن يقوموا به هو أن يتنزعوا القليل القليل من الخبز والدواء لصالح من انتخبهم ولكن الماكينة الرأسمالية تظل تدور وتدور وتطحن أكثر فأكثر في انتظار الوضع الملائم لاسترجاع أضعاف أضعاف ما منحته ...
الشيء الوحيد الذي لا يمكن لهذه الماكينة نفيه أو تفاديه أو الحد منه هو تلك الراديكالية الشعبية راديكالية ستظل قائمة في بيرو وفي غيرها من البلدان وتتكثّف إلى أن تحين ظروف انفجارها لقلب الأمور جميعا لصالح معتنقيها ممن لا يملكون وأدركوا أن لا خلاص لهم بالانتخابات وبكل أنصاف الحلول في ظل سيادة نظام رأس المال.
ـــــــــــــــ
(1) منظمة الدرب المضيء منظمة ماوية تأسست في بيرو في أوائل سبعينيات القرن المنقضي نتيجة الانقسام داخل الحزب الشيوعي البيروفي. اسم المنظمة مستوحى مباشرة من كلمات لـ "خوسيه كارلوس مارياتغي" مؤسس الحزب الشيوعي البيروفي في عام 1928: "الماركسية اللينينية ستفتح الطريق المضيء الذي يؤدي إلى الثورة" مؤسس الحركة هو "إبيمال جوزمان رينوسو" تعتنق المنظمة " الحرب الشعبية " في الريف والمدينة وخاضت الكفاح المسلح ضد النظام... اعتقال مؤسسها في عام 1992 وتتالي اعتقال قياداتها بعد ذلك وجه ضربة قاسية للحركة حيث تراجع نشاطها وهي اليوم تقريبا منظمة لا وجود لها.

09 جوان 2021