الاسلام السياسي: قداسة ام دناسة؟!


طلال الربيعي
2021 / 6 / 9 - 00:11     

ادناه تعليقي على مقالة الاستاذ المحترم ضياء الشكرجي:
-مع جريدة المستقبل حول خلافة السيستاني 3/3-
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=721367
وما قبلها- انشره كمقالة بسب طوله بعض الشئ كتعليق, ولكوني ايصا اعتقد ان معالجة موضوعة الدين ورجالاته (وقدسيتهم المزعومة) لا يمكن فصلها عن موضوعة الرأسمالية التي تشيئ كل شيئ, وبضمنه الدين, وتحيلة الى بضاعة.

لذا عند حديثنا عن الدين, الدين الإسلامي هنا, وخصوصا الإسلام السياسي, ييدو الامر وكأن ان هنالك إسلامان: اسلام فقهي, واسلام سياسي؟ الاول هو القران والأحاديث النبوية (حسب فهمي لأني لا ادعي التخصص في الإسلام او اية ديانة اخرى, وهذا أيضا ليس محور كلامي هنا), وهو عابر للتاريخ, والثاني هو اسلام حقبة النيوليبرالية الحالية وامبرياليتها الجديدة. انه نفسه دين الرأسمالية. اي بعبارة اخرى, ان الاسلام السياسي هو آيديولوجية رأسمالية تتلبس لباس الدين-الاسلام . وهذا ما شرحه الاستاذ الراحل سمير امين بكل وضوح.
- الإسلام السياسي، الوجه الآخر للرأسمالية المتوحشة-
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=178734
ان الاسلام السياسي هو دين الرأسمالية (المتوحشة) نفسها.
-الرأسمالية كدين: العراق كمثال!-
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=673285
واضفاء القدسية عليه, بدلا من الدناسة, هو دليل آخر على رأسماليته!

وماركسية القرن التاسع عشر تنطبق على وضع القرن الحادي والعشرين اكثر من انطباقها على القرن العشرين, وذلك كما يشرح ذلك بتفصيل شامل Sven-Eric Liedman في كتابه المؤلف من اكثر من سبعمائة صفحة.
A World to Win
https://www.versobooks.com/blogs/3784-a-world-to-win-the-life-and-works-of-karl-marx
------
الاستاذ العزيز ضياء الشكرجي
كل الشكر على مقالتك, وخاصة في هذا الظرف الحرج!

بخصوص انتخاب خليفة السيستاني, فلا ادري هل توجد آلية خاصة بهذا الشأن كما في حالة بابا الفاتيكان مثلا! فاذا كان هنالك انتخاب من قبل المراجع الدينية الاخرى, فقد يقلل هذا من تأثير القوى السياسية الداخلية او الخارجية باختيار الخليفة.
ولا ادري أيضا هل يشترط أن يكون الخليفة عراقيا أم لا!
اعتقد ان عراقيته امر مهم. وهذا ليس شوفينية. الفاتيكان يختلف لأنه دولة مستقلة بحد ذاتها.

وبخصوص إضفاء القداسة على المرجعية (او عموم رجال الدين) فهو أمر غير مفهوم, ولربما تساهم المرجعية نفسها بتكريسه او عدم الحد منه. وهنالك فقرة بالدستور بهذا الخصوص: موقع مميز للمرجعية او شيئ من هذا القبيل. ولكن الموقع المميز انقلب الى تقديس او ما يشبه التقديس, وهذا يصب عموما ايضا لمصلحة السياسيين الذين يضفون القدسية على المرجعية. وهم لكونهم اتباعها او مقلديها الخ فهم يتمتعون أيضا (ببعض) القداسة التي يستخدمونها لتحقيق مصالح شخصية او سياسية. اي يمكن القول, هنالك منفعة متبادلة بين رجالات الدين (المقدسين؟) ورجالات السياسة (المدنسين!)! ولو اقتبسنا عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر, فان القداسة والدناسة يتداخلان ويصبحان صنوا لبعضهما الآخر, كما يبدو الحال في العراق الآن في العديد من الاحيان!

وللأسف لا افهم قولك بامتلاك السيستاني خبرة سياسية!
-كان العراق كان لا بد له أن يمر بتجربة المرجعية المعنية بالشأن السياسي، فهو محظوظ بأن ذلك تمثل بشخص السيستاني-
فمع احترامي, الدلائل تؤكد على العكس (وان كان هذا لا يعني ان خليفته سيكون سياسيا افضل بالضرورة وهذا أمر صعب التكهن فيه!). فهو وقف الى جانب الاحتلال وزكى احزابا وقوى دينية-سياسية معينة كما اشارت اليه مقالتك. وكل هذا ساهم في خلق الوضع الذي يعيشه العراق الآن, والذي يمكن تلخيصه بكلمتين:
كارثة وفرهود (اسوء من الفساد)! ولكن كل ذلك هو بلغة العم سام "الفوضى الخلاقة"! والمرجعية وقفت الى جانب الفوضى الخلاقة-الاحتلال, ولم تتساءل حتى عن حاجة العراق الى فوضى؟ او ما الذي سيجعل هذه الفوضى خلاقة؟ أين المنطق هنا؟ ألا يدرس رجالات الدين علم المنطق؟

وما فرق هذه الفوضى الخلاقة (فوق العادة!) عن عقيدة الصدمة كما تسميها الكاتبة ناعومى كلاين؟
-عقيدة الصدمة للكاتبة ناعومى كلاين - مترجم للعربية - كامل-
https://www.youtube.com/watch?v=YRDDQ9H_iVU&feature=youtu.be%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AF%D9%85%D8%A9+%D9%84%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%A8%D8%A9+%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%88%D9%85%D9%89+%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%86+-%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%85+%D9%85%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85+%D9%84%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9+-+%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84
وعقيدة الصدمة مستمدة من تقنيات إوين كاميرون، طبيب نفساني أسكتلندي المولد في الولايات المتحدة والرئيس السابق لجمعيتي الطب النفسي الأمريكية والعالمية, بالتعاون مع الاستخبارات الامريكية, للتلاعب بذاكرة البشر وجعلهم اكثر تقبلا للأيحاءات والقيادة بدون ادنى مقاومة.
Dr Ewen Cameron and the Shock Doctrine
http://frontierpsychiatrist.co.uk/dr-ewan-cameron-and-the-shock-doctrine/
(الاتحاد السوفيتي لم يكن الوحيد في إساءة استخدام الطب النفسي).

وأين المنطق أيضا في الموافقة على دستور ينص على إن الإسلام دين الدولة؟ والمنطق والعقل السليم يقول ان الدولة كيان معنوي لا دين لها, فهي لا تحج ولا تصوم ولا تدخل الجنة او النار! وهناك عراقيون من أديان اخرى وملحدين الخ. انه خطأ منطقي. فكيف وافقت المرجعية على ارتكاب هذا الخطأ المنطقي الكارثي؟

والمقالة هذه تؤكد ان النبي محمد نفسه لم يكن مقدسا:
- من الضروري بمكان نزع القداسة عن الرسول ، لأنه هو أصلا غير مقدس ، بأعتراف القران ، وبذاته الرسول يشدد على صحابته بعدم أكثار الأطراء عليه-
لكن تضيف المقالة:
-وأرى أن نزع القداسة بها أشكالية لأنها سوف تضع شخصية الرسول ، سيرة وحديثا وسننا ، تحت المجهر ، وفي هذا سيتعرض شيوخ الأسلام ، خاصة الذين يقتادون من الترويج لهذا الدين ولرسوله ، في الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية ، لأزمة ليس من بعدها أزمة !! ، لأن هذه المادة وسيلة للثراء لهم-
-هل الرسول محمد .. مقدس !! قراءة نقدية-
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=669821

فمن سيقوم بنزع صفة القداسة عن النبي ("آيات شيطانية" للكاتب البريطاني-هندي سلمان رشدي أنزلت فتوى الخميني بقتله كالصاعقة- نار تسقط من السماء في رعد شديد), اذا كان شيوخ ومرجعيات الاسلام يستفادون من هذه القداسة ماديا ومعنويا؟ وكما قال ماركس, ان الرأسمالية تحيل كل شيئ الى بضاعة! والدين ورجاله ليسوا استثناءا!

لذا لا ارى اي منفذ او مخرج لإزالة القدسية سوى بالنضال ضد الرأسمالية التي تقدّس المال, التي قد لا تخلق القدسية-القداسة الدينية, ولكتها تكرسها وتفاقمها للمتاجرة والاستفادة سياسيا-ماليا! وبذا تصبح المرجعية الأطروحة النقيض للتغيير الجذري من اجل مصلحة الكادحين والمهمشين. فالاحصائيات تقول ان نسبة الفقر في العراق تجاوزت ال 30 بالمائة, والفقر والبطالة وتردي الاحوال يشمل مناطقا اكثر من غيرها مثل منطقة الثورة-الصدر ومناطق الجنوب التي أكتريتها تنتمي الى طائفة المرجعية-المرجعيات.

اذن, واقع الحال, كما يبدو, يؤكد ان دور رجال الدين عموما هو دور رجعي وبالضد حتى من مصلحة طائفتهم. واني طبعا سأصحح رأيي هذا بكل طيبة خاطر اذا كانت هنالك حقائق مناقضة لا أراها الآن.

وأود أن أتساءل هل لدينا معلومات بخصوص إيرادات المرجعية وأملاكها في الداخل والخارج وكذلك حول عدد العاملين في مؤسساتها ورواتبهم؟ هل تدفع المرجعية (ورجال الدين) ضريبة على ايراداتها؟ ام ان قدسيتها المضفية تعفيها من كل هذه الامور؟

البعض من يّدعي الشيوعية في العراق زعم, بما يخالف المنطق والواقع, إمكانية تحالف الشيوعيين ورجال الدين بحجة إمكانية خلق لاهوت تحرير إسلامي, لربما على غرار لاهوت التحرير المسيحي. اني شخصيا لا اعتقد بإمكانية خلق لاهوت تحرير اسلامي لأسباب منها عدم وجود رجال دين اسلاميين على غرار , مثلا, الطبيب والفيلسوف ورائد ثيولوجيا التحربر Gustavo Gutiérrez من بيرو, والذي اعتنق العديد من مفاهيم ماركس وفرويد, والذي احتفلنا البارحة بعيد ميلاده ال 93, فله الصحة الوافرة والعمر المديد.
https://www.facebook.com/marginalmennonitesociety/photos/a.222064161152813/6249668348392334/

وهو القائل
The demand of the poor is not a call to generous relief action, but a demand that we go and build a different
social order
-ان مطلب الفقراء ليس دعوة إلى أعمال إغاثة سخية، بل هو مطلب أن نذهب ونبني نظامًا اجتماعيًا مختلفًا-
علما ان الفاتيكان انتقده بشدة واصدر تقريرا مكونا من 36 صفحة، والذي أعلن فيه ان الماركسية لا تتوافق مع التعاليم الكاثوليكية!
Klabier, Jeffery (July 1989). "Prophets and Populists: Liberation Theology, 1968-1988". The Americas. 46 (1): 1–5. doi:10.2307/1007391. JSTOR 1007391.

اطروحة جوستافو جوتيريز هي بكل وضوح النقيض الكامل لما يقوله (المرجعية!) مقتدى الصدر بأنه يعيّش الملايين من اتباعه, بتصدقه عليهم (ولربما هي اموالهم هم تعود اليهم, او تدوّر, بسبب الزكاة التي يؤدونها كفريضة!) بدلا من استخدامه نفس الاموال لانشاء مصانع او مزارع او مؤسسات خدمية لتشغيل الناس وايقاف اعتمادهم عليه.

آسف, استاذي العزيز, ضياء الشكرجي المحترم, لطرحي أسالة لربما اجابتها لديك متعذرة او ان اجابتك عليها تسبب لك بعض الإحراج, وهذا بالطبع ليس هدفي!
مع وافر احترامي