العبث بثوابت الصورة


أبو الحسن سلام
2021 / 6 / 8 - 17:04     

مهمة النوادى تهميش الريادة المسرحية
على الشباب أن يعبثوا بثوابت الصورة ويحطموا أرسطو وغيره
حوار مع ( د. أبو الحسن سلاّم)
أحمد زيدان :
يكسب الحوار مع د. أبو الحسن سلام أهمية خاصة نظرا لكونه أحد القلائل فى مصر الذين مارسوا المسرح تمثيلا وإخراجا ونقدا وتدريسا ، وأيضا مسئولية .
لقد لعب الرجل كل هذه الأدوار مجتمعة وأجاد فيها جميعا ، ومازال حتى الآن بخبراته وطاقاته المتجددة يمارس دورا مهما في التدريس والنقد الأمر الذى يجعله بمثابة موسوعة عن المسرح فى مصر والوطن العربى .
المهرجان بداية جديدة لإعادة صياغة نظرتنا لمسرح الثقافة الجماهيرية .
* سألت د. أبو الحسن سلام عن رأيه فى فكرة نوادى المسرح والهدف الذى أنشئت من أجله؟
** قال : فكرة نوادى المسرح أقرب ما تكون فكرة دراسة جدوى لمشروع إبداع مسرحى غير مسبوق ارتكازا على عنصر درامى فنى وذلك بالعبث فى ثوابت الصورة وإذابة ثلج الكلمات والسريان فى دروب النص المظلمة للكشف عن لذة النص والكشف عن بكارة التعبير قتل المألوف ، توليد الدلالات من التعبير الواحد ، نهش عرض الصورة المسرحية القائمة نهش عرض المسرح التقليدى ، ونص المسكوكات المسرحية ، إطلاق العنان للخيال والتخييل فى التعبير الإبهامى نقض محراب الأرسطية نقض محراب البريختية نقض محراب الأوتورية والمايرهوارية والكريجية والكانتورية فكل هؤلاء الرواد قد صنعوا مسرحهم فأين هو مسرح جيل الشباب يجب تهميش الريادة المسرحية ونوادى المسرح هدفها خلق مسرح مغاير مسرح ليس له وجود بعد فى النص فى الإخراج فى المنظر فى الإضاءة فى أماكن العرض فى الأداء التمثيلى .. متى يحدث ذلك لا شك أنه سيحدث فى يوم ما فالتراكم يؤدى إلى تغير نوعى سيحدث ذلك حتما عندما يوجد بيننا فنان الخيال .
* وكيف ترى هؤلاء الشباب ؟
** أرى فيهم شبابى وشباب زملائى فى بدايتنا المسرحية ، مع فارق جوهرى وهو أننا لم يكن متاحا لنا ما أتيح لشباب النوادى ، وكنا ندفع من مالنا الخاص ليخرج العرض كما حلمنا به ، وكنت أنا وزملائى فى بحث دائم عن أماكن للتدريب وكانت فى الأغلب فوق أحد الأسطح أو فى حديقة منزل ، أو شقة زميل لنا وكنا نصنع الإكسسوار والأزياء بأنفسنا .
* وما هى حكاية الفرقة التى أنشأتها ؟
** كنا نحاول أن نصنع دعاية فى كل حى ونرتب الأحياء بحيث ندعو كل حى فى يوم معين ، فكنا نتعرض لمطاردة رجال الشرطة لاعتبارهم ما نفعله (إشغال طريق) وقبضوا علينا فى إحدى المرات وواجهناهم بالبكاء بين أيديهم ليتركوننا .

(شيكا بيكا)
* هل نجحت فكرة الفرقة التى أنشأتها مع أصدقائك ؟
** استأجرنا مسرحا فى رمضان مقابل مائة جنيه فى الشهر وكان ذلك عام 1970 واتفقنا مع نقابة عمال النشر على أن يحضروا العروض مجانا مقابل طبع عشرين ألف دعوة وكان اسم المسرحية (غريب جدا) لعبد الفتاح مرسى وهو كاتب سكندرى واسمعها (شيكا بيكا كانى مانى الزلبانى) وكانت تتحدث عن سيطرة مراكز القوى وكان المسرح يمتلئ عن آخره لأن التذكرة وقتها كانت بعشرة قروش .
* وماذا عن أول عرض مدعوم من مسرح الدولة ؟
** ضحكوا علينا .. كان أول عرض مدعوم من الدولة وكان محكى الإسكندرية بقلعة قايتباى سنة 81 وذلك قبل تسمية محكى القلعة وكان العرض معالجة تاريخية أدبية للكاتب معاوية حنفى ، عن صراع الحضارات وكان اسم العرض (حلم ليلة صيد) واستمر العرض ما يقرب من شهر ، واستعنا فيه بحشود عسكرية حيث نستعرض من قبل دخول الإسكندر حتى دخول عمرو ابن العاص إلى الإسكندرية .
* وهل حصلتم على مقابل مادى لهذا العرض ؟
- فى الحقيقة كانت لنا حقوق مادية ولكنى وجدت أنى أحتاج سنوات لأحصل عليها ، فقد كانت تتوقف على لجان واجتماعات ثم اجتماعات تنبثق منها تحليل للجان أخرى وهكذا حتى أن الملابس أجرناها من مسرح إسماعيل يس .
(تغيير الجنود)
* وماذا عن جنود الأمن المركزى الذين تسبب العرض فى تغييرهم يوميا ؟
** هذا موقف مضحك جدا .. فقد اكتشفت تغير الجنود فى كل يوم عن اليوم السابق ، وكنت أضطر للعمل من جديد كل يوم لتدريبهم على حركتهم ، وحين سألت عن سبب التغيير المتكرر وجدت أن الجنود كانو يعودون لثكناتهم ويرددون أغانى العرض ، فحيث قلق للقيادة وقتها وأمروا بتغييرهم يوميا .
* وهل يؤمن بفكرة نوادى المسرح ؟
** نوادى المسرح تتيح الفرصة لشباب المسرحيين ، عبر فكرتها الخلاقة والفعالة فى تخريج أجيال تفيد المسرح المصرى وتطوره ، وتمده بدماء جديدة تضخ إبداعات مشرقة فى مجالات المسرح المختلفة ، ما بين التأليف والاعداد والتمثيل وعناصر العرض المسرحى الأخرى ، بما يتيح لهم يبتكروا ويجربوا ويفرغوا طاقاتهم المكبوتة ، ويعبروا تعبيرا حقيقيا عن معاناتهم ورؤاهم .

* ما دورك فى دفع الشباب خلال وجودك فى موقع المسئولية ؟
** كنت أدعمهم دوما من خلال وجودى فى موضوع المسئولية سواء فى الجامعة أو فى مجال وزارة الثقافة عندما أشرفت على فرقة الإسكندرية بمسرح سيد درويش ، كنت رئيسا للمركز القومى للمسرح ، وذلك كان على قدر المتاح لى وقتها بالنسبة لقسم المسرح حاولت أن أجعل طلابى يمتلكون الأدوات المنهجية لأداء المسرحى ، سواء فى مجال دعم الموهبة بالتحليل سواء التحليل الأدبى للنص أو التحليل الأدائى للتمثيل ذلك القائم على اكتشاف مناطات التعبير بعد تحديد النقلات الشعورية والمعنوية ، واكتشاف الحاسة التمثيلية عند كل من يمتلك موهبة التمثيل والطاقة التأليفية عند من لديه طاقة تأليفية وخبرة مناسبة لدعم هذه الطاقة ، وذلك من خلال تأسيس قسم المسرح وتجديد مناهجه ومن خلال مساعدتى للفنان العظيم نبيل الألفى الذى دعم الأداء العملى داخل القسم وشرفت بالفعل بمساعدته .
(معارك ثقافية)
* وماذا عن معاركك فى مسرح سيد درويش ؟
** لم تكن معارك وإنما اختلاف فى وجهات النظر ، حيث كنت أحاول إعادة تأسيس فرقة الإسكندرية ، وأحضرت المخرج حسن عبد السلام لكى يعطى خبراته للشباب ولكن ما حدث أن بعض الشباب انزعجوا وقالوا إنهم لا يريدون مخرج من المسرح التجارى وانتهت تلك المعركة بتكليف المخرج أحمد عبد الحليم والكاتب ألفريد فرج بعمل مسرحية (الطيب والشرير) .
* كانت هناك معركة الطيب والشرير أيضا ؟
** كنت لا أحبذ أسلوب التلقين الذى اتبعه المخرج أحمد عبد الحليم مع ممثلى الإسكندرية !! ولكن كان استجلاب لنجوم مثل يحيى الفخرانى وسوسن بدر ما أرضانى لأنهم سوف يضيفون خبراتهم التمثيلية لممثلى الإسكندرية .
* ولماذا توقف العمل فى العرض ؟
** توقف العرض لأن رئيس البيت الفنى للمسرح آنذاك (سامى خشبة) اعترض على الميزانية التى كانت وقتها ثلاثمائة وعشرة آلاف جنيه ، إلى جانب رغبة الكاتب ألفريد فرج رحمه الله أن تتم استضافته على حساب الفرقة فترة البروفات رغم حصوله على أجره كاملا قبل البدء فى التدريبات الأولية !!
(وضحك قليلا ثم أكمل) ما يضحكنى رغم الاعتراض على مبلغ الميزانية تم إنتاجه بالمسرح الحديث بميزانية قدرها 2 مليون جنيه وهذا يدل على عدم الاهتمام بفرق الإسكندرية المحترفة .
* وكيف كانت تجربة المركز القومى للمسرح ؟
** لقد حاولت وفق لائحة المركز تشغيل شباب المسرحيين وليس مجرد موظفين فى مركز مهم كالمركز القومى للمسرح ، وحاولت أن يقوم المركز بدوره فى نشر الثقافة المسرحية فى جميع أرجاء مصر .
وقد عينت معظم الشباب المتعاقدين بالفعل مع المركز من قبل وهذا دورى فأنا لم أجامل أحدا وكان أهم ما فعلته إداريا عدم التدخل فى عمل الآخرين .. ومنحهم الثقة ليبدعوا فى إطار الخطة العامة .
(الناقد المقيم)
* وماذا عن دعمك لشباب النقاد ورأيك فى النقد الآن ؟
** دعمت شباب النقاد من خريجى الأكاديمية وقسم المسرح بكلية الآداب لاستحداث شكل جديد لعمل الناقد وقد خرج مشروع الناقد المقيم بالفرقة المسرحية وكانت وجهة نظرى أن يكون تدريب عملى للناقد الشباب وتحرر الناقد من أكليشيهات النقد الانطباعى الذى يملأ الجرائد .
* ما هى حكاية تماثيل المركز القومى للمسرح ؟
** كانت حديقة المركز يرثى لها ، فقررت وضع ثمانية عشر تمثالا لكبار المبدعين منهم على الراعى ، يوسف وهبى ، أمينة رزق ، نجيب سرور ، نبيل الألفى ، زكى طليمات ، توفيق الحكيم وهم من إبداع مثالين تشكيليين شباب بعضهم معيد بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة وحلوان والإسكندرية وثلاثة تماثيل لـ نجيب الريحانى ، على الكسار ، اسماعيل يس وهم إهداء من الفنان زوسر مرزوق وأنشأت جائزة د. على الراعى للنقد المسرحى وأصدرت عددين من مجلة جديدة اسمها تراث المسرح كان الفنان محمود الحدينى قد أكمل أول عدد منها تقريبا وقد جاء من بعدى من وضع اسمه على تلك الإصدارات وكنت أتمنى إصدار عدد كبير من النصوص التراثية وعددها ثلاثة آلاف نص إلى جانب ثلاثمائة أوبريت ولم استطع أن أخرج المجلد الأول من موسوعة صور المسرح المصرى حيث يحوى المركز أربعين ألف صورة فيتوغرافية من مسرحيات تبدأ من جورج أبيض ولم يصدر رغم أنى أنجزت المجلد الأول وتمت ترجمته للإنجليزية أيضا .
وآمل من د. سامح مهران أن يولى ذلك عناية كافية وأعتقد أنه مهتم بذلك لإصداره عدد من النصوص التراثية وهى ما يحمد له .
* ما السلبيات التى تأخذها على مسرح الثقافة الجماهيرية ؟
** ومن خلال خبراتى مع هذا المسرح عبر لجان التحكيم من الصعيد لغرب ووسط الدلتا والندوات النقدية للعروض تلاحظ لى سلبيات لابد من مزاحمتها لكثير من الإيجابيات أولا : مشكلة اختيار النصوص بما لا يتلاءم مع مستويات التلقى الجماهيرى ، فلجوء بعض المخرجين للنصوص الفلسفية يضر كثيرا لأنه لا يهتم بالمتلقى العادى الذى يهرب من المسرح فدعوى يوسف إدريس التى تبناها كثيرون ولم ينجح حتى كرم مطاوع فى ترجمتها على نص الفرافير ، فكيف يقدم مثل هذه النصوص مخرجون مبتدئون من أو قليلوا الخبرة حتى أن النص نفسه يتحدث عن فلسفة أكبر بكثير من وعى المشاهد العادى ومن المضحك أن يقدمها أحد المخرجين بأدوات هندسية قلم وفرجار وهى أدوات تحدد ماهية الشخصيات التى هى فى صراع وجودى وبحثى عن ماهيتها السلبية الثانية استئثار المخرج بأكثر من وظيفة داخل العرض يحرم مبدعين كثيرين من العمل وإخراج طاقاتهم بالأقاليم مثلما حدث العام الماضى بالإسكندرية ووجود ممثل أو ممثلة فى أكثر من عمل فنى كذلك يحرم طاقات تمثيلية من الإبداع ويقتل الطاقات الشابة ويحرمنا من اكتشاف الجديد النص المفروض على الفرق من قبل المخرج وهو غير ناسب لقدراته المبالغ الهزيلة التى تدفع للمثل يجب أن ترفع كذلك تحديد البروفات بثلاثين بروفة فيه ظلم لهم لأنهم يعملون أكثر من ذلك كذلك أجور المؤلفين والمخرجين الهزيلة جدا وتحديد الفنان بعدد قطع وفئة شئ غير مقبول بالمرة وبالنسبة لأماكن العروض يجب إلقاء نظرة عليها فأغلبها لا يصلح حتى لإجراء بروفات وتحتاج المسارح المغلقة لإعادة فتحها حتى تكون متنفسا للفرق وعن لجان التحكيم التى كانت له معها خبرات كثيرة قال : بعض الآراء فى التحكيم مسرعة فى الإعلان عن تشيعها لعرض من العروض أو ممثل قبل مشاهدة كل العروض ولا يلتزم البعض بضوابط التحكيم أيضا وفى النهاية أنا سعيد بحوارى معكم وأتمنى نافذة إبداعية خلاقة نطل منها على عصارة الإبداع المسرحى بتنوعاته المختلفة ، لتعانق أعيننا التموجات المسرحية فى مصر والعالم العربى والغربى نقطف من كل حديقة زهرة إبداعية مفارقة ، ونستبصر المشاهد والكلمات والشخوص والأماكن لنملأها بالغناء والمحبة فى عناق متواصل بين الحركة والجسد حينما يتوحدان بالكلمات .
حوار : أحمد زيدان