تبعثر الشيوعيين في وسائط التواصل


المنصور جعفر
2021 / 6 / 8 - 10:57     

بحاول هذا النص تأثيل وتمحيص الفرق بين تصورين يكتنفان نشاط كثير من الشيوعيين في وسائط التواصل: تصور لنشاط الشيوعيين في تلك الوسائط وتصور لطبيعة ومهمات استراتيجية الدعاية والإعلام الشيوعي، عسى أن يسهم هذا التأثيل في تنمية الإعلام الشيوعي، وتطوير نشاط الشيوعيين في وساءط التواصل بتجميع قوى كل مجال عمل أو منطبقة سكن وبفرز منبر لكل قضية من القضايا العمل أو لكل قضية من القضايا العامة.


1- اختلاف الهدف والوسيلة:
يوجد فرق محزن بين هدف الشيوعيين الإجتماعي والحالة المحزنة لتبعثر جهودهم في وسائط التواصل، فالهدف تقوية الأفكار الاشتراكية، لكن الممارسة تثير مختلف أشكال التفكير والنشاط والتميز الفردي.


2- المثال الشيوعي المنشود:
تشبه الإستراتيجية الشيوعية تظاهرة إمكانات متنوعة منظمة ومرتبة وفق قضايا وقوى عمل. وإتجاه وهدف هذه التظاهرة تشكيل مجتمع جديد مختلف في عناصره وعلاقاته وبنياته وأساليبه وأهدافه التعاونية والاشتراكية عن مجتمع الإستغلال والتهميش ودولتهما القائمة على الإستعمار الداخلي والتمول الخارجي.


3- واقع الأزمة:
بصورة نسبية تتحرك أنشطة الشيوعيين في وسائط التواصل على أساس فردي فكل ناشط يتصرف في نشاط موقعه بطريقته ووفق ظروفه وردود فعل متابعيه، ومن ثم تحولت وتتحول الأمور من تظاهرة استراتجية إلى هيصة كل من فيها يتصرف بطريقته.


4- اتجاه الحل:
منطقيةً يستحيل لمهمة سياسية الإكتفاء بنشاط حزبي مغلق لكن الإعلام المفيد لتوعية وتحريك الجماهير وانفتاح الأذهان وخروجها أو إخراجها من مغاليق و من انبهام التضليل البرجوازي، إنفتاح وخروج يحتاج إلى نقل الأذهان من حالة ردود الفعل إلى حالة التفكير والفعل الجمعي المنظوم وهذا هدف يحتاج إلى ما هو أكثر من ردود الفعل الفردية المختلفة.


5- حاجات الحل:
إجمالاً تحتاج استراتيجية الشيوعيين في مجال حروب التوجيه المعنوي، لتنظيم تنوع القضايا والقوى، ولتنظيم إسهام الأفراد في الإعلام والتوعية، بحيث تختفي ظاهرة الجهود الفردية ويتحول الكلام في مختلف القضايا إلى كلام هيئات ومجموعات متخصصة.


6- سمة الحل:
السمة العامة للحل هي الجمعية والتنظيم، أي الابتعاد عن ظاهرة المنولوج/مسرح الفرد، التي بهتف فيها كل فرد بطريقته وبرفع فيها ما شاء من رايات، هذا يبكي وهذا يضحك، وثالث يغني، ورابع يًنظر، وخامس يؤثل، وسادس يقرأ، وسابع يحكي، وثامن يعرض فيلماً، وتاسع يسأل، وعاشر يترجم. الفردية لا تصنع وعياً اجتماعياً.


7‐ العلة الأساس والمصادمات اللازمة لإنجاح التوجيه المعنوي:
(أ) علة تغيير النشاط والإعلام الحزبي دون دراسة وتخطيط:
منذ حل "الكمونترن" عام 1943 ثم انقلاب المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي السوفيتي عام 1956 على مقومات العمل الجمعي في النشاط الشيوعي، تفاقمت نزعة فردية في بعض أعمال الأحزاب الشيوعية والمنفذين لاستراتيجيتها الاعلامية، وظهرت حالة نجومية في عالم الكتابة والخطابة اليسارية، زادت الثقة في نهج الإقناع الفردي وتصور إن الوعي الطبقي الثوري يبدأ أو يتحقق بإقناع الأفراد وإرسال الأفكار من متكلم إلى متلقي، وليس بعمليات حزبسياسية تصادمية كبيرة ومتسلسلة تشمل مختلف مجالات التفكير.

(ب) مصادمات مفيدة لتوجيه المشاعر والأفكار والأعمال:
تشمل تلك المصادمات المنشودة كافة الموضوعات المهمة لحركة أفراد المجتمع: مثل الموضوعات المرتبطة بـ: أنواع التفكير، قضايا العمل، قضايا السكن، التعليم، اللغة، الإعلام، الدين، المعيشة، النقابات، التعاون، الأسرة، العنف، الثقافة، الآداب والجماليات، القومية والعشائرية والإثنية، التمدن، العنف، القوى العسكرية، المركز والهامش، الإقتصاد، الوضع الدولي، السياسة، الأفكار، الشخصيات، أنواع الديموقراطية، طبقية القانون، الأعراف، تناقضات العدل والفردية، الأخلاق، أخلاق الدولة، الحكم المركزي، الحكم المحلي، الإدارة القبيلية، حدود الحكومة في المجتمع، حدود التجارة، حدود الدولة، البيئة، .. إلخ


8- هدف ولوازم تنظيم التوجيه المعنوي:
مهم لإنجاح تكوين وأعمال إستراتيجية التوجيه المعنوي فرز ورصد وتنظيم وترتيب اللوازم المتنوعة الضرورية لقيام إستراتيجية ودعاية الأحزاب الشيوعية بنقل المشاعر والأفكار والمعارف واتجاهات المعرفة والعلوم والثقافة وموضوعات وأساليب الإعلام، من حالة ردود الفعل والتخمينات إلى أسس وآفاق الإشتراكية العلمية. وتشمل هذه اللوازم:

(أ) التخطيط والتنفيذ:
أ رسم وتصميم وتنفيذ سلاسل مصادمات أفقية ورأسية مرتبة ومنظومة في مختلف مجالات المعيشة والحياة والسياسة.

(ب) الأسلوب:
تميز وحدة التوجيه المعنوي (تعليق، مقال، كتاب، خطاب، معرض، ادب، فن، ..إلخ) بأسلوب انتقادي تاريخي يكشف تناقضات الماضي وتناقضات الحاضر مع أوضاح معالم المستقبل الاشتراكي وأفقه الشيوعي وفوائده في تخريب وتدمير عناصر وعلاقات وبنى الاستغلال والتهميش القديمة وآثارها.

(ج) الحاضر أساس المستقبل:
ربط كل خطاب بالفرق الموضوعي السياسي الطبقي بين حاضر الدولة القائمة على الإستعمار الداخلي والتسول الخارجي والمستقبل في دولة وطنية يتركز نضال شعبها بالديموقراطية المتكاملة على محاربة تماسيح السوق والمعيشة ومحاربة جبروت العاصمة ومحاربة العنصرية والهيمنة الذكورية، وعموم حالة الإستعمار الداخلي والتسول الخارجي.

(د) إشتراكية المجتمع والدولة في التغيير:
بيان إمكان الخروج من أزمات الاستغلال والتهميش والعنصرية والإستعمار الداخلي والتبعية والخضوع للتمويل الخارجي وذلك بتعزيز موجب لفعالية الوطن وتحقيقها بإشتراك المجتمع والدولة إشتراكية علمية في عملية البناء والتغيير الجذري لأوضاع المعيشة والثقافة والحكم والدولة ، بداية بتحقيق المساواة في الكفاف والتنمية.



9 - اللوازم الداخلية لإنجاح تكوين ونشاط إستراتيجية الدعاية والإعلام الشيوعية:

(أ) التنمية الداخلية:
تحتاح تنمية أعمال الدعاية والتوجيه المعنوي وتحويلها إلى استراتيجية فعالة إلى تنظيم وترتيب جديد في بنية تنظير وجهود كل حزب شيوعي بحيث تكون هيئاته وأعماله أكثر بروليتارية في تكوينها، وتكون دعايته كذلك لكن بشكل أعمق في تنوعه من تنوع البرجوازية الصغيرة وأكثر جمعية وتنظيماً.

(ب) تنظيم منابر الإعلام:
مهم أن تتركز دعاية كل حزب شيوعي على مجموعة من المنابر يجب أن تعمل بشكل منسق مركزياً عبر عمليات تقنية تجمع هندسيات وفنون الإعلام الحديث، وتشمل هذه المنابر:

1- منبر سياسي مركزي (صحيفة وموقع الكتروني) ،

2 - منبر مفرد لكل فئة من فئات الطبقة الكادحة (رعاة، فلاحين، عمال، مهنيين) يناقش قضاياها،

3 - منبر لكل قطاع جماهير (مجتمع الفنون، مجتمع النساء الكادحات، الطلاب، المهمشين، الحركة التعاونية، المجتمع العسكري، المجتمع الأكاديمي، المجتمع المدني، المجتمع التجاري، ، مجتمع الإعلاميين، مجتمع الأدباء، إلخ )،

4 - منبر مضاد للأفكار والأحزاب والدعاية الرجعية ومضاد للأفكار والأحزاب والدعاية الليبرالية،

5 - منبر لنقاش كل قضية عامة مستدامة (قضية الديموقراطية المتكاملة، قضية التنمية المتوازنة، قضية العلمانية، ..إلخ)،

6 - منبر لنقاش مستجدات الموضة الثقافية البرجوازية (وحدة القضايا ونسبية المصالح والفهوم، الحداثة وصور موت الإله، اللغة والخطاب وما بعد الحقيقة، ما بعد الحداثة، تواصل اجتماعي كبير أم تواصل برجوازي صغير؟ تركيب التفكيك وتفكيك التركيبات، الايديولوجيا البرجوازية لتصورات اللاآيديولوجيا، طبقيات المركزية وطبقيات اللامركزية، كيف نجحت الإمبراطوريات القديمة بدون علمانية؟ لماذا لم تواصل الحضارات القديمة تقدمها العلمي والسياسي؟ هل الدين والجنس والسلطة هم مفاتيح الوعي؟ لماذا تدعم الرأسمالية الأفكار والأحزاب الإشتراكية الديموقراطية؟ الصلات والفروق بين "الحتمية التاريخية" و"الحتمية الإقتصادية"؟، ..إلخ.

(ج) الآيديولوجيا الثورية:
إوضاح معالم الأفكار والآيديولوجيا الثورية وكينونتها الطبقية بصور مباشرة وغير مباشرة، والعمل على فرز إرتباطها بمصالح الكادحين والكينونة البروليتارية للثورة الإجتماعية من الدعاوى الإصلاحية الرجعية والليبرالية ومن صور التكلس والإنتهازية.



الخلاصة:
ان التنظيم الجمعي والتنويع المنظوم للمصادمات الذهنية/الواقعية أفيد لإستراتيجية الأحزاب الشيوعية وتنمية نشاطها الدعائي والثقافي وأزكى لتوجيهها المعنوي لجماهير بعض مجالات العمل وبعض مناطق السكن، وهو أثرى لإظهار ونقاش كل فئة قضايا، بشكل يتفوق على فائدة وثراء الأعمال الفردية المتفرقة التي دأب كثير من الثوريين منذ ولادة وسائل التواصل على ممارستها لساعات في اليوم الواحد مع مئات الآلاف آخرين من التقدميين وقرائهم، دون أن يجذب غالبيتهم في أخر سنة من مداومته للوسائط بعض العمال أو الفلاحين أو المهنيين أو الضباط.

إن تنظيم إسهامات الشيوعيين الإعلامية يمثل بداية خروج من شتات ردود الفعل والثرثرة إلى فعالية التنظيم والتثقيف والنشاط الجمعي، إنه تحول من "أنا" إلى "نحن"، ومن "هيصة" إلى "تظاهرات شيوعية".