خربشة عقل على جدران الخرافة..أوهامنا البشرية


سامى لبيب
2021 / 6 / 6 - 20:44     

- نحو فهم الإنسان والحياة والوجود ( 104 ) .
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (95) .

تناولت فى هذه السلسلة من "أوهامنا البشرية " العديد من أشكال الوهم الذي يراود البشر لأري أن جوهر وأساس كل الأوهام هو وهم الوعي أي التحليل والإستنتاج الخاطئ عند التعامل مع الأفكار والرؤي , ومن هنا يأتي وهم الوعي كمُنتج لكل أوهامنا البشرية حيث النظرة والإستنتاج والمعالجة الخاطئة عند التعاطي مع الأفكار والرؤي .
أتناول فى هذا المقال أوهام شائعة فى الذهنية الدينية الإنسانية مصدرها جميعا قراءة خاطئة للوعي نتاج حالة نفسية خاصة وترتيبة ذهنية خاطئة جاءت لتفي رغبات نفسية مضطربة .

- وهم القدر .
يسود منهج فكري بين أصحاب الإيمان الديني متمثلاً فى الإعتقاد بأن هناك قدر وأقدار مُخططة ومُرتبة من قبل إله تجاه البشر أي ما خططه ورتبه وقدره هذا الإله لهم من مصائب وبلايا ومباهج أعدها ورصدها لهم وفق مشيئته وإرادته .
تجد فكرة الأقدار المرتبة من قبل إله حضور في وعي الكثيرين من المؤمنين بوجود إله , فهكذا هي إرادته ومشيئته وترتيبه كما تجد قبول وتسليم بإستقبال ما يخبئه المستقبل من مصائب وبلايا وهنا تكمن خطورة الوعي بالأقدار فقد ضاعت بوصلة الفهم الموضوعي للحياة .
بالطبع لا يوجد اى دليل أوإثبات لقصة الإله المُقدر , فالأمور لا تخرج عن الظن وتصور خاص لوعي بشري يحل بها إشكالية الخوف والغموض من المستقبل بوجود كيان يخطط ويرتب ويقدر مستقبلنا .
نشأت فكرة القدر من خوف الإنسان من المستقبل والغد وما يحمله من أحداث مجهولة قد تحمل معها الألم , فإدراك الوعي البشري بوجود لحظات قادمة مستقبلية جعله يخاف ويتوجس مما هو قادم لتصدق مقولة : الإنسان عبد لما يجهله , فهكذا نشأت وترعرعت كل الخرافات والأوهام من خوف تغلغل بين الضلوع .
يضاف للخوف من المستقبل العجز المعرفي فى إستنتاج التوقعات المستقبلية وما تحمله من إحتمالات وكيفية التعامل مع تلك الإحتمالات ليتجه الذهن والوعي الكسول بالتسليم لما هو قادم دون أى محاولة لتجنب تلك المخاطر المتوقعة , وإن كان الإنسان الحديث بدأ يستنتج المشاهد المستقبلية ويحاول التعامل مع إحتمالاتها , ولكن يبقي التسليم بوهم القدر والمُقدر حائل دون التقدم والتغلب على الخوف والتوجس من المستقبل .
نقطة أخري أنتجت وهم القدر والمُقدر تتمثل فى أن الفكر والوعي البدائي نتيجة جهله بالأسباب الموضوعية يتجه لتعزية الأمور لوجود سبب عاقل ذو مشيئة وإرادة كعادته فلا يسمح لذهنه بقبول أسباب طبيعية أنتجت الحدث ويأتي هذا الرفض نتيجة الجهل علاوة علي فكر إنساني مغرور يرفض المثول لتأثير الوجود المادي الغير واعي ولا المريد ليحس حينئذ بالدونية .
خطورة فكرة وهم القدر والمُقدر أنها ترسخ فكرة العجز الإنساني وتسليمه بالمصائب والبلايا فلا يصدر عنه أى مقاومة أو قدرة على المعالجة أو محاولة التعديل والتجاوز فهكذا هي أقدار مكتوبة لا سبيل للهروب والخروج منها .
بالفعل بدأت الذهنية الإنسانية فى تقليص المربعات التي يقف فيها الإله المُقدر من خلال التعامل العلمي المادي , فأمكن التعاطي مع الإحتمالات المستقبلية من مصائب وكوارث وبلايا وأمراض وإحتمالات الفشل والإحباط والنجاح فلا يصير المستقبل مجهولا مخيفاً صادماً مفاجئاً .

- وهم البعث .
من الأوهام الشائعة والتي وجدت حضوراً فى الوعي الإنساني منذ القدم وحتي الآن وهم البعث بعد الموت لتجد هذه الفكرة تصديقاً وقبولاً غريباً لدي المؤمنين بفكرة إله بالرغم من عدم وجود أى إشارات أو دلائل تثبت قصة البعث بل على العكس , فالموت والفناء وتحلل الأجساد هو الحادث دوما فكيف يكون البعث .. وكيف يتحقق البعث المُفترض بتحلل الأجساد وذوبانها فى مكونات الطبيعة ودخولها فى وحدات وجودية أخري , فكيف يتم تجميع هذه الجزيئات ثانية !
فكرة البعث هو وعي إنساني خيالي رافض لفكرة الموت والفناء أى هى رغبة الأنا الإنسانية التي تريد البقاء والديمومة لذا رافق الخلود فكرة البعث ليتحدي بها الإنسان الموت فلا مكان لحضوره , ولتزداد فنتازيا الفكرة لتجعل الخلود مليئ بالمتع الممتدة التى يشتهيها الإنسان .. خطورة وهم البعث أنها تهمش الحياة وتجعل الإنسان مبدداً لحياته فداء وهم ما بعد الموت !

- وهم اليقين .
اليقين هى الثقة التامة والكاملة بفرضيات معينة أى إدعاء إمتلاك الحقيقة المطلقة والثقة بها , بينما مفهوم الحقيقة المطلقة يعني التحقق التام عبر كل زمان ومكان , والتحقق هنا يعني تلمس الأحداث وحضورها والقدرة على رصدها ومعاينتها وتجريبها التام ودوماً وهذا غير متحقق على الإطلاق فى المفردات والغيبيات الإيمانية مما يعني أن اليقين هو غطرسة وغرور وتعنت عقل وفكرة .. وهم اليقين هى غطرسة الحالة الإيمانية في محاولتها تأكيد حضور غيبياتها وفرضياتها وخيالاتها بإدعاء اليقين والثقة التامة بمفرداتها برغم عجزها عن إثبات وجود أى من تلك الغيبيات .
الإنسان تقدم وتطور عندما لم يمتلك فكرة الثقة التامة , ففكرة اليقين تَحول دون التقدم والمراجعة والتغيير , فالأمور فى منظور اليقينيين كاملة وتامة لا تقبل التعديل والتغيير ومن هنا تاتي الإستاتيكية والجمود .

- وهم الجن والعفاريت والأشباح .
من الأوهام الشائعة وهم الجن والعفاريت والأشباح فلا تُستثني مجتمعات منها لتجد حضور فى المجتمعات الدينية بكثافة , وتجد حضورها أيضا فى مجتمعات لا تعلي من قيمة الدين لتتقدم فكرة الأشباح , ولكن لا يجب أن نهمل أن منشأ خرافة ووهم الجن والعفاريت والأشباح هو منشأ ديني فى الأساس .
جاء وهم الجن والعفاريت والأشباح من خوف الإنسان وجهله ليعزي ما يجهله ويستغربه وما يصيبه من خوف وقلق لوجود كائنات ميتافزيقية حاضرة ومؤثرة تؤثر على الموجودات حوله .
بالطبع لا يمكن وضع خرافة ووهم الجن والعفاريت والأشباح تحت الفحص والرصد والتجربة فهي تجارب شخصية ذاتية نفسية ذهنية لحالات خاصة هكذا كان تفسيرها , فلن تجد تجربة واحدة عاينها وأدركها جمع من البشر لتبقى الأمور فى ظل حالات نفسية وعصبية وذهنية محددة جاهلة تفسير الأشياء تفسيرا علمياً مادياً .
كما يأتى حضور وهم الجن والعفاريت من رغبة إنسانية فى التعامل مع المجهول ومداعبته , كما يأتي من ميديا هائلة روجت له خدمة لمصالح الكهنه والساسة لإحكام هيمنتهم على العامة ليتكون وعي جمعي بوجود كائنات ميتافزيقية غير متحققة ليتم الإستعاضة عن هذا الخلل بسرد المزيد من القصص حولها ولتصل الأمور إلى تكفير من يشكك فى وجودها .
خطورة وهم الجن والعفاريت والأشباح أنها تنحرف ببوصلة الوعي بعيداً لتفسر الواقع والأمور بشكل خيالي خاطئ يبتعد عن التشخيص الحقيقي للواقع .

- وهم الحظ والنحس .
من الأوهام الطريفة التى تجد قبولاً لدي البشر وهم الحظ والنحس ليُمارس فى هذا الوهم طقوس غريبة وطريفة فهناك أرقام وأماكن ومشاهد تجلب الحظ وأخري تجلب النحس وليخترع كل إنسان مشاهده الخاصة وإن لم تخلو الأمور من ثقافة مؤثرة .
وهم الحظ والنحس نشأ من جهل الإنسان وعجزه وخداعه لنفسه فهو يجهل الظروف الموضوعية التى تجلب عليه السعادة والشقاء وعجزه عن التعامل مع تلك الظروف ليبرئ نفسه بغرور من الفشل فهكذا كان حظه .
منشـأ وهم الحظ جاء من فلكلور شعبي وإن لم تخلو الأمور من تأثير قوي للمعتقدات الدينية التى روجت لمفهوم "البركة" التي تحل جالبة للخير والسعادة .
وهم الحظ جاء متوافقاً مع رغبة الإنسان فى الإثارة والمفاجأة واللعب ومداعبة المجهول فيالها من متعة عندما يحل عليك وهم الحظ بالريح والمكسب الذي تراه مفاجئاً ولكن خطورته فى التسليم العشوائي للأحداث وإيعاز النجاح والفشل لأسباب غير موضوعية .

ختامًا نجد أن أوهامنا خيالية هشة لا تقدم أى تحقق تثبت به وجودها ليكون البديل غطرسة غريبة بإدعاء وجودها وإزدراء ومحاربة من يراها خرافة ووهم فهكذا هو إسلوب الأفكار الهشة العاجزة عندما تفقد الموضوعية والمنطق ليحل مكانها مخالب وأنياب .

دمتم بخير .
لو بطلنا نحلم نموت .. طب ليه ما نحلمش .
الحلم هو الذي أنتج إبداعنا وخرافتنا وأوهامنا .