موقف الحزب الشيوعي العراقي من المثقفين


عادل عبد الزهرة شبيب
2021 / 6 / 6 - 10:02     

وجه المؤتمر الوطني العاشر للحزب الشيوعي العراقي المنعقد خلال الفترة من 1 – 3 كانون الأول 2016 نداء الى المثقفين العراقيين من علماء وادباء وفنانين وصحفيين واكاديميين وغيرهم مقدرا لدورهم المشهود الذي مارسوه في الفترة الماضية وهم يصدحون صوتا مجيدا لشعبنا المبتلى الصابر العزيز وهم يعبرون عن آلامه الكثار وعن آماله في الأمن والحرية والتنمية في عيش كريم حر .
ودعا نداء المؤتمر شغيلة الفكر في العراق بأنهم كانوا أمناء لرسالة الكلمة الملتزمة الحرة وهم يشاركون ابناء الشعب العراقي في تظاهراته واحتجاجاته في ساحة التحرير وفي سوح المحافظات الاخرى في اطار الحراك المدني الشعبي المستمر وهم لم يبخلوا بأقلامهم وافكارهم وكلماتهم والحانهم ومشاركتهم الزاهرة في التعبير عن معاناة شعبنا الكريم , وما صب عليه من مصائب جراء السياسات الحمقاء للنظام المباد وجراء ويلات الاحتلال والارهاب والمحاصصة والفساد .
وينظر مؤتمر الحزب الشيوعي العراقي العاشر الى المثقفين العراقيين بعين الاعتزاز الى مواقفهم النبيلة وصرخاتهم الأصيلة ضد كل ما يشوه تاريخ الشعب العراقي ولحمته الوطنية وتاريخ الحركة الوطنية والتنويرية وضد كل من يسعى الى تكريس قيم ومفاهيم فات اوانها . والحزب الشيوعي العراقي يبقى ينتظر المزيد من المثقفين من اجل ترسيخ مفاهيم الدولة المدنية .. دولة المواطنة والقانون والمؤسسات والدعوة الى تحقيق العدالة الاجتماعية وما زال المشوار مستمرا .
ودعا مؤتمر الحزب العاشر وجوه عراقنا العريق الى السعي معا لتكريس الرؤية السليمة الى الثقافة والعلم كونهما وسيلة لارتقاء الانسان روحيا وفكريا وشرطا لأنسنة المجتمع وتحقيق نهضته المطلوبة . ويتطلع الحزب الشيوعي العراقي الى عمل مشترك متعاضد لإقامة مشروع ثقافي وطني , انساني النزعة وديمقراطي المحتوى , يكون حاضنة لكل التيارات الداعية الى بلورة هوية وطنية منفتحة متجددة , تحترم التعددية الثقافية والفكرية . واكد الحزب على وضع يد الحزب بيد المثقفين العراقيين على طريق الحرية والنور والعلم والجمال .
وقد ضحى مئات المثقفين العراقيين بحياتهم دفاعا عن الكلمة الحرة ومن اجل الثقافة الوطنية , امثال استشهاد المفكر والناقد الادبي كامل شياع وكان الشهيد من ابرز المطالبين ببناء حركة ثقافية جديدة في العراق وفق رؤى علمانية منفتحة , ولم يتم الكشف عن قاتليه لحد الان فمازال القاتل حرا يواصل القتل والاغتيال . والى جانب القيادي في الحزب الشيوعي العراق الشهيد كامل شياع هناك المئات من شهداء الثقافة في العراق والذين لم يتم الكشف عن قاتليهم المجرمين من امثال الشهيد الدكتور علاء مشذوب وغيره . فقد كان المجرمون ومن ورائهم يخافون المثقفين وذلك لأهمية الثقافة ودورها في المجتمع .وقديما قال لينين : ( اعطني منبرا للكلام وخذ كل الأسلحة ) وقال ايضا : ( اعطني صحيفة اعطيك حزبا قويا ) . كما كان القائد الفرنسي نابليون بونابرت يخاف الجريدة اكثر من خوفه من السلاح . اما وزير الدعاية النازي غوبلز فكان يقول ( كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي ) وقام بحرق الكتب الثقافية في ساحة برلين ومطاردة المثقفين لما يشكلوه من خطر حسب اعتقاده .
وفي العراق وكما جاء في خطاب الاستاذ مفيد الجزائري وزير الثقافة الأسبق للمثقفين في اتحاد ادباء البصرة ( ليس لدينا دولة منذ سقوط النظام السابق ولم نبني المؤسسات ولحد الان نعاني من اوضاع غير عادية في فترة انتقال لا يراد لها ان تنتهي . لقد آن الأوان خاصة بالنسبة للمثقفين في المجتمع وهم العقل والروح المتوهجة والعقل المدرك المكتشف , مسؤوليتهم كبيرة وكلمتهم مسموعة وصوتهم نافذ.
في ظل هذه الأوضاع البائسة التي يعيشها العراق, ما هو واجب المثقفين؟ يجب أن يتحرك الضمير ولا يمكن السكوت اكثر , وليس هذا دعوة للعصيان , نقول اننا نرفض هذا الحال ولا نريد للبلد ان يستمر بهذا الوضع , يجب ان نزيل كل هذا الدمار . هناك من يريد أن يصمت المثقفين وينبغي الرد عليهم والا خسروا الكثير من سمات وجوهر المثقف , تأملوا خلال السنوات الماضية لا يستعان بالمثقفين في اعداد الخطط والمشاريع. فمجلس النواب مثلا لم يحيل أي مشروع الى اكاديميين لأخذ رأيهم ؟ الان يتحدثون عن الصين وكيف قفزت قفزات عالية بفضل التعليم وغيره, ونحن نشرد كفاءاتنا ونهدرهم ليستفيدوا منهم في الخارج . امام المثقفين مهمة كبرى, كنت الوم الدولة انها لا تعير المثقفين اهتماما وتهملهم ولا يعنون لها الكثير , ثقافتها م اخر لا علاقة لها بالثقافة الحقة . هناك تقصير من المثقفين الذين لا يطالبون بحقوقهم وفي هذا اهانة كبرى , هؤلاء يهملون بهذه الطريقة ويهانون بهذه الطريقة وهي ليست مسألة شخصية, المدن مدنهم والبصرة بصرتهم والحلة حلتهم كلهم يتمنون ان يساهموا ولكن كفى التمني وينبغي ان نرفع صوتنا , فهذا الواقع لا يمكن ان يدع احد يصمت ويخلد الى السكينة ويصور لنفسه وللآخرين بأنه غير معني. لدى المثقف حساسية عالية ازاء الجور وامتهان الانسان والتلاعب به وبمصائره والوطن وبمستقبله . اننا كمثقفين يجب ان ننصت لهذا الصوت ويجب ان نستجيب ونتحرك وللمثقف طريقته في الرد والتجاوب واول ما يطالب هو حقه في تقرير مصير هذا البلد وحتى حقه في وضع الخطط والمشاريع لهذا البلد ولمستقبله , ومن يستطيع ان يفعل ذلك افضل من المثقف . ومجلس النواب يجب ان ينصت لهم. كيف نرتقي بالثقافة وكيف نصلحها , الخطة لإصلاح الثقافة في البلد لا يمكن ان يضعها الا المثقفين انفسهم والخروج من الوضع الساكن للثقافة, لدينا الروح العراقية الحية , المبدعة , وكم من الفنانين والادباء حصدوا جوائز عالمية رغم هذا الجو الكئيب , حال الثقافة بالمعنى العام وليس الفردي , هناك وضع اقل ما يقال فيه اجواء محبطة بمعنى الكلمة لولا الروح العراقية الاصيلة تتحدى كل الظروف غير العادية ., ويشير الاستاذ مفيد الجزائري في كلمته للمثقفين نحن نحتاج الى اصلاح ثقافي كما الاصلاح الاقتصادي والسياسي ...الخ ولا يوجد ميدان في العراق الا ويحتاج الى اصلاح ..
الاصلاح , في الجوهر يعني اتخاذ اجراءات للتغيير نحو الأفضل وهو يشمل جوانب الحياة المختلفة: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية والقانونية وسواها . ويفترض الاصلاح وجود أزمة في المجتمع تكون سببا في اللجوء اليه فتنهض قوى الاصلاح لحل الازمة في حين تتصدى قوى المجتمع القديم لهذه العملية بكل الوسائل المتوفرة لديها حفاظا على امتيازاتها ومواقعها .
ويرى وزير الثقافة الأسبق الاستاذ مفيد الجزائري فيما يخص الاصلاح الثقافي يرتبط الأمر بتوفير مستلزمات بينها:
-اعادة اعمار البنى التحتية للثقافة .
-تأمين شروط نهوض ثقافي وفق خطة استراتيجية تعتمد الكفاءات والآليات السليمة .
- تعزيز دور الدولة في هذه العملية .
- تنمية الوعي الثقافي.
- ضمان حرية التعبير والتنسيق بين منظمات المجتمع المدني الثقافية ومؤسسات الدولة المعنية بما يضمن ازدهار الثقافة الوطنية وثمار الابداع وحقوق منتجيه .
ان الغاية من الاصلاح الثقافي في حالتنا العراقية هي اعادة الاعتبار الى الثقافة كجزء اساسي من حياة الناس ومصدر لا ينضب لفائدتهم ومتعتهم وحاجة لا غنى عنها وذلك من خلال توفير شروط نموها وتطورها بحيث تفعل فعلها :
- في افراد المجتمع على المستوى التنويري – التربوي والصعيد المعرفي – القيمي والانساني العميق , وانعكاس ذلك في سلوكهم وعلاقاتهم المتبادلة وحياتهم الاجتماعية .
• في المجتمع ككل , في حركته ونهضته عبر ادماجها كعنصر استراتيجي في السياسات الانمائية واسهامها الجوهري المباشر وغير المباشر في التنمية الاقتصادية – الاجتماعية والتنمية البشرية والارتقاء بنوعية الحياة. ونقطة البداية الضرورية للوصول الى هذه الغايات هي اعمار البنى التحتية للثقافة وتطويرها وتوسيعها وتأمين التمويل اللازم لإطلاق وانجاز عملية الاعمار والتطوير هذه والتنمية الثقافية بوجه عام على وفق استراتيجية ثقافية مدروسة ومعتمدة . ويتوقف نجاح عملية الاعمار والتنمية الثقافيين على التوظيف الصحيح للأطر والاليات والادوات ذات الصلة , المؤسسات والمراكز وعموم الفعاليات الحكومية وشبه الحكومية وغير الحكومية التي تتكون منها المنظومة الثقافية العراقية كما يتوقف على فاعليتها .
• على صعيد الدولة تبرز بين الاليات الاستراتيجية الثقافية الواضحة والمعللة , القائمة على الفهم العميق للموقع المؤثر للثقافة في حياة وتطور المجتمع , وعلى ادراك دورها في نموه وتقدمه. وهذه الاستراتيجية التي سعت وزارة الثقافة حتى ربيع 2005 لصياغتها وعقدت من اجل ذلك (مؤتمر المثقفين العراقيين) في نيسان من السنة المذكورة , ما زالت غائبة حتى اليوم .
• وهناك الاليات والاطر القائمة ذات الصلة المباشرة بالثقافة والتنمية الثقافية :-
• تخصيصات ميزانية الدولة السنوية للأغراض الثقافية التي يتم تمويل قطاع الثقافة منها عبر الوزارة المعنية ووزارة الاقليم ومجالس المحافظات وبعض المؤسسات الثقافية المتفرقة .وهذه التخصيصات تتسم بالهزال ولا يستقيم حجمها مع التوجه المعلن نحو تحقيق تنمية وتحديث شاملين في البلاد . وقد كانت وما زالت , اذا استثنينا منها الانفاق على الاجهزة البيروقراطية المكلفة بالإدارة , قاصرة عن تأمين الحد الادنى من الاحتياجات الاساسية للقطاع وفي مقدمتها الحاجة الى اعمار البنى التحتية الثقافية وتوسيعها وتحديثها .
• وزارة الثقافة – المؤسسة الرسمية الأساسية المعنية بالثقافة وادارتها وهي تبدو عاجزة عن النهوض بمهماتها , والسبب لا يكمن فقط في ما سبق ذكره من افتقارها الى الرؤية الاستراتيجية ومن ضآلة المخصص لها في الموازنة السنوية للدولة والذي سجل هبوطا كبيرا جديدا في ظل نهج التقشف المعلن في السنة الاخيرة , انما يرجع ايضا الى افتقادها السياسات الملموسة والخطط السنوية للإعمار والتنمية الثقافيين , مثلما يعود الى الادارة غير الموفقة لعملها والتصرف غير الرشيد بتخصيصاتها المالية المحدودة الناجمين كليهما عن عدم العناية باختيار قياداتها وكوادرها المسؤولة .
• المؤسسات التعليمية والبحثية من مدارس ومعاهد ومراكز وجامعات , وهي ذات طبيعة تأسيسية بالنسبة الى الثقافة في معناها الأوسع , لكنها تقع خارج نطاق اهتمامنا المباشر في هذه الورقة , باستثناء بعض قليل من حلقاتها مثل معاهد وكليات الفنون الجميلة التابعة التربية والتعليم العالي والمجمع العلمي وبيت الحكمة ومراكز اخرى . وليس واضحا موقع بعض هذه المؤسسات ودور البعض الاخر في اطار المنظومة الثقافية القائمة , ولا واقع علاقاتها مع بعضها وشكل وحجم اسهامها في العملية الثقافية .
• المؤسسات الثقافية في الاقليم والمحافظات : شأن بنية الحكم المحلي بمجملها , ما زالت في طور التكوين ولا تتوفر معلومات عنها وعن عملها . كذلك لا تتوفر معطيات عن حجم المخصص لها وللعمل الثقافي عموما في موازنات الاقليم والمحافظات , وماذا ينفق ( في المحافظات تحديدا ) عليها فعلا ام يرحل الى ابواب اخرى غير الثقافية , ولا عن المعايير المعتمدة في تحديد هذه التخصيصات ,ثم في توزيعها وانفاقها , وليست واضحة ايضا علاقة هذه المؤسسات في المحافظات بوزارة الثقافة وطبيعة هذه العلاقة وتقسيم العمل بين طرفيها والتنسيق والتكامل بين نشاطاتهما .
• على صعيد المجتمع : هناك خصوصا الكيانات الثقافية ذات الطبيعة المهنية والمنظمات الثقافية غير الحكومية ووسائل الاعلام فضلا عن المنابر الثقافية الاهلية وجهات اخرى بينها احزاب وشخصيات تعي اهمية الثقافة وتكرس لها انتباها وجهدا .:
• فالاتحادات والجمعيات والنقابات الثقافية ( اتحاد الادباء , جمعية الفنانين التشكيليين , نقابة الفنانين , جمعية الموسيقيين .. وغيرها ) التي تضم عادة منتجي الثقافة في ميادين الابداع المختلفة ,تُعنى قبل كل شيء بنشاط منتسبيها والجوانب المهنية لعملهم الابداعي والتعريف بنتاجاتهم , فضلا عن انشغالها بأحوالهم المعيشية والحياتية وسعيها لتأمين أسباب البقاء لهم في الوقت الذي يواجهون فيه تجاهلا تاما تقريبا من طرف الجهات الحكومية , فيما يبقى اهتمامها بالواقع الثقافي عموما والتنمية الثقافية وبدور الثقافة والمثقفين في حياة المجتمع وتطوره وتقدمه محدودا ان لم يغب تماما . ويشكل اتحاد الادباء استثناء بدرجة معينة على هذا الصعيد .
• كذلك حال المنظمات غير الحكومية المعنية بالثقافة والتي تركز هي الاخرى على تنظيم النشاطات الثقافية , ويندر ان يتسع اهتمامها ليشمل المسائل الكبيرة للثقافة وعلاقات الثقافة المتبادلة مع المجتمع والدولة ودورها في التنمية الاجتماعية –الاقتصادية وغير ذلك من القضايا
• وتبقى المنابر الأهلية خاصة المجالس الثقافية تنشط في نطاقات ضيقة ويظل دورها وتأثيرها محدودين .
• اما وسائل الاعلام فقد لعب العديد منها , في ظروف العجز الراهن للبنية التحتية للثقافة دورا لا معوض عنه في تعريف الرأي العام بالنشاط والانتاج الثقافيين وفي الترويج للثقافة وتشجيعها واحياء وتنشيط الاهتمام العام بها وكشف الاهمال الذي تلقاه من طرف الدولة والضغط من اجل وضع حد له .
ماهي التغييرات الواجب ادخالها على الوسائل ( الاطر والاليات والادوات ) سابقة الذكر , والاجراءات التي ينبغي اتخاذها لتفعيل تلك الوسائل وتأمين انجازها المهمات المحددة في ميادين اعمار البنى التحتية الثقافية , وتنمية الثقافة والنهوض بها ؟ويجيب على ذلك الاستاذ مفيد الجزائري مبينا :
من الواضح اولا أن الثقافة , نشاطا وانتاجا , ينبغي ان تستعيد استقلالها الذي سلبه اياها النظام السابق وان تعود - مثلما كانت حتى ستينات القرن الماضي – شأنا يخص المجتمع اولا ومنتجي الثقافة قبل غيرهم .
ومفهوم ان احترام اجهزة الدولة استقلال الثقافة وكفها عن التدخل في العمل الثقافي وعن السعي للهيمنة عليه وتوجيهه وتركها امر الانتاج الثقافي لمبدعي الثقافة انفسهم. ان هذا لا يعني تخلي الدولة عن واجب رعاية الثقافة وحفز تطورها ودعم منتجيها وناشطيها وتشجيع العمل الثقافي بوجه عام . بل العكس هو الصحيح , وهو المعتمد في عامة بلاد العالم. ويصح ذلك اكثر في حالنا الراهن الذي تفتقد فيه ثقافتنا ومبدعوها الحدود الدنيا من متطلبات الاستمرار والنشاط والانتاج , واذ يعجز المجتمع المدني عن القيام بدوره في هذا السياق نظرا الى كونه لا يزال في طور التشكل , شاقا طريقه في ظل شروط صعبة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتشريعيا .
في ضوء ذلك يتوجب النظر في التغييرات والاجراءات الاصلاحية المشار اليها اعلاه من خلال الاتي :-
• استكمال رسم الاستراتيجية الثقافية الوطنية في بلدنا متعدد الثقافات ومتنوعها . وهذا من مهمات الدولة والمجتمع على حد سواء , وهو يتطلب العودة الى ما انجزته وزارة الثقافة في هذا الشأن بالتعاون المباشر مع المثقفين سنتي 2004 و2005 , والانطلاق منه في مسعى متجدد يتصدره المثقفون انفسهم ويساهم فيه سائر المعنيين بالموضوع الثقافي والتنموي .
• ادخال تغيير عميق وجوهري في مجال تخصيصات الموازنة العامة السنوية للأغراض الثقافية . ويتطلب الأمر هنا نظرة مغايرة الى الثقافة من جانب النخب السياسية الحاكمة والمشرعين . نظرة ترى في الثقافة غاية ووسيلة في وقت واحد , عاملا جوهريا لا غنى عنه في عملية ارتقاء الانسان وتقدم المجتمع على حد سواء . وهذه النظرة الناضجة والرشيدة , هي ما يكمن خلف توجه الكثير من البلدان نحو تخصيص نسبة ثابتة من دخلها الوطني ( او من مجمل موازنتها ا لسنوية ) للثقافة والتطوير الثقافي . وهو ما يجدر ان نستلهمه ونحذو حذوه .
• في خصوص وزارة الثقافة : لا مفر من اعادة النظر في طبيعة هذه الوزارة ووظائفها في الظروف الجديدة , فمع تقدم عملية اعمار البلاد وانطلاق الدورة الاقتصادية والنشاط الانتاجي واستعادة المجتمع حياته وعافيته , سيتمكن مبدعو الثقافة من الوقوف على اقدامهم والانطلاق في نشاطهم الانتاجي المستقل . وسيكون على وزارة الثقافة ان تخلي المواقع التي تحتلها الان في حقول النشاط والانتاج الثقافيين وان تباشر وظيفتها الاساسية الجديدة . وهذه تمثل من جانب في صياغة الرؤيا الاستراتيجية العامة للثقافة , بالتعاون والتنسيق مع المثقفين انفسهم , وفي تطويرها وتحديثها باستمرار والسهر على تنفيذها . وتتمثل من جانب ثان في الرعاية الشاملة للثقافة وتأمين الدعم للمبدعين – المنتجين المستقلين وتقديم التسهيلات والخدمات والحوافز للنشاط والانتاج الثقافيين بوجه عام .
بديهي ان الوصول الى هذا كله سيستغرق وقتا غير قصير . وحتى يتحقق , وبالإفادة من النظرة الجديدة المطلوبة والمرتقبة الى الثقافة , ومن العناية باختيار اصحاب القرار في الوزارة على المستويين الاعلى والاوسط بعيدا عن المحاصصة الطائفية – الاثنية وباعتماد اسس الكفاءة والنزاهة والخبرة , تباشر الوزارة مهمات ( فترة انتقال ) تنصرف فيها اساسا الى :
- انجاز الاستراتيجية الوطنية الثقافية وما يرتبط بها واعداد خطط الاعمار والتنمية الثقافيين وفقا لهذه الاستراتيجية والبدء بتنفيذها .
- اعادة النظر في القاعدة التشريعية للوزارة ومؤسساتها ( وبضمنها قانون الوزارة ) وللثقافة بوجه عام وما يتعلق بها .
- المباشرة بخطوات اصلاحية في القطاعات الثقافية المختلفة ومؤسسات الوزارة المعنية بها : المكتبات , طباعة ونشر الكتب , المجلات الثقافية , المهرجانات , تكريم الشخصيات الثقافية وغيرها .
- بجانب ذلك يتوجب توضيح مواقع المؤسسات الثقافية الرسمية الاخرى غير التابعة لوزارة الثقافة وادوارها في اطار العملية الثقافية والنظر في امكان ربطها بعلاقات تنسيق هادفة مع الوزارة تؤدي الى تفعيل اسهامها في الوصول بالعملية الى غاياتها .
- وينطبق هذا ايضا على المؤسسات الثقافية في المحافظات الممولة من ميزانيات مجالسها والتي ينبغي بناء علاقات عمل فعالة تربطها مع وزارة الثقافة وتحقق التكامل بين نشاطات المركز والاطراف على الصعيد الثقافي .
- على صعيد منابر المجتمع الثقافية تبرز الحاجة الى اعادة نظر عميقة في اوضاع وعمل اتحادات المثقفين وجمعياتهم ونقاباتهم , والى اعادة تعريف طبيعتها ورسم مهامها .
ويختتم وزير الثقافة الأسبق الاستاذ مفيد الجزائري خطابه مؤكدا على ضرورة ان تتجاوز هذه المنابر طابعها المهني المجرد او الغالب وان تولي اهتماما متزايدا للموضوع الثقافي وكل ما يتصل به وان تكون قرينا مكافئا لمؤسسات الدولة الثقافية خاصة وزارة الثقافة في توجيه وادارة العملية الثقافية وان تمارس دورا اساسيا ومباشرا في صياغة الاستراتيجية الثقافية الوطنية وتنفيذها . وفي الوقت عينه ينبغي ان تكرس اهتماما فائقا لقضايا الثقافة في علاقتها بالمجتمع ولتفعيل دور المثقفين في الحياة والحراك الاجتماعيين وتأمين انخراطهم بالتعاون مع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها , في الضغط على مؤسسات الدولة والقيادات السياسية النافذة ودفعها الى تبني النظرة الجديدة الى الثقافة واعتمادها والى وقف تدخل السلطات في شؤون الاتحادات والنقابات والمنظمات غير الحكومية الثقافية وغير الثقافية واحترام استقلالها وحقوقها , والاسراع في استصدار تشريعات ديمقراطية تنظم وجودها وعملها . كذلك الحال بالنسبة الى المنظمات غير الحكومية المعنية بالثقافة , التي يجدر ان تنصرف في مرحلة التغيرات الكبيرة التي تشهدها البلاد بجانب اهتمامها بالنشاطات الادبية والفنية والفكرية والعلمية المختلفة , الى القضايا الجوهرية للثقافة وعلاقتها بالإنسان والمجتمع والى الاسهام الفعال في الحملات سابقة الذكر وسواها والمساهمة في برامج واسعة للتنوير ونشر المعارف واشاعة الوعي بالحاجة الماسة الى التنمية والنهوض الثقافيين .)