إسرائيل إحدى مكونات الامبراطورية العالمية


سعيد مضيه
2021 / 6 / 5 - 17:45     

-
رؤية لإسرائيل تستحق إمعان النظر
كيتلين جونسون شاعرة وإعلامية أميركية تجري حوارات مع القراء عبر الميديا الاجتماعية. تعيد طرح موضوع الحكومة المخفية التي تتحكم في شئون العالم وتقرر في القضايا المصيرية. يجرى الحديث بين فترة وأخرى عن الحكومة المخفية مكونة من نخبة النخب العسكرية والمالية والفكرية والسياسية والاستخباراتية الخ من مناطق أميركا الشمالية والاتحاد الأوروبي واليابان، تعقد اجتماعات دورية تناقش خلالها القضايا والأزمات وتقرر الحلول حسب مصالح الاحتكارات المالية والاقتصادية . في المقال التالي طرحت كيتلين جونسون موضوع إسرائيل وعلاقتها بالولايات المتحدة ؛ بناء على قناعتها بالحكومة العالمية ترى جونسون أن إسرائيل والولايات المتحدة عضو في نفس الامبرطوربة غير المعلنة يحكمها ملوك متكتمون يسخرون الحكومتبن سلاحا به يغتالون ويسلبون. الدولتان لا تخضع واحدة منهما للأخرى ولا تعمل اي منهماالمركز الذي يتحكم في قضايا المعمورة. فيما يتعلق بإسرائيل و الحكومة المخفية أقدم ترجمة لما كتبت جونسون:
قرابة المائتي ألفا شاركوا في مظاهرة وسط لندن تضامنا مع الشعب الفلسطيني بعد ظهر السبت(29 أيار)، دلالة واضحة أخرى على أن دعم الحقوق الفلسطينية تغدو بالتدريج المعلم الرئيس للحياة الدولية، وان قوى الامبربالية تفقد بالتدريج سيطرتها على الرواية الإسرائيلية.
الحصيلة الحقيقية لهذا التحول هي أن الشعوب بدأ ت تفقد الثقة بالحكومات وهيئات الميديا التي تدعم إسرائيل؛ ذلك ان الامبراطورية بدون الثقة لا تستطيع خداع الشعب، وبدون القدرة على الخداع لا يستطيع حكامنا إدارة الأمور. لا ينتصب خطر ان يستيقظ الضمير الأميركي بغتة أو تشرع الإصغاء لمطالب الشعب ، و تفقد إسرائيل حينئذ مساندة الولايات المتحدة، فهذا لن يحدث؛ غير ان فقدان السيطرة على الرواية يضع الامبراطورية امام مشكلة كبرى . صورة تتعرض للتغيير ، والتغيرات تمضي لصالح الشعب الفلسطيني.
نحن شهود حملة إدارة هذه الرواية، تتم بينما تسمح المنافذ الرئيسة في الوقت الحالي لبعض النقد الجاد لإسرائيل . يدور نقد الرياء هذا لاستباق فقدان الشعوب ثقتها بمؤسسات الدعاية. غير ان للنقد أيضا نتيجة حقيقية بمقدورها ان تفيد الشعب؛ مثال جيد يوضح كيف ان توسيع الوعي مفيد دوما، حتى لدى المؤسسات الأكثر ابتذالا. كلما تعاظم وعي الجمهور بديناميات قوى الجور لدى الامبراطورية تتضاءل إمكانات الامبراطورية في تمرير جورها . دوما ينطوي على الفائدة ارتخاء قبضة الامبراطورية على روايتها .
مع اتساع النقد لتصرفات إسرائيل السيئة يزداد دأب المحاولات لتحليل أي دور تؤديه إسرائيل على المسرح الدولي، ولماذا تتلقى مثل الدعم الكبير من الولايات المتحدة . يقول البعض ان إسرائيل تدور في فلك واشنطون، تقوم بمهام القاعدة العسكرية للولايات المتحدة في أكثر مناطق العالم ثراء بالمصادر. ويقول بعض آخر ان العكس صحيح تماما مستشهدين بنفوذ اللوبي الإسرائيلي في واشنطون، وغالبا ما يسف بهم الابتذال ليقولوا ان اليهود يحكمون العالم.
كل ذلك يتولد عن إدراك غير ناضج لماهية الأمم حقا وكيف تعمل ضمن تحالف سلطوي مرْكزُهُ الولايات المتحدة، يشكل امبراطورية واحدة فيما يتعلق بالسياسات الخارجية.
ليست الولايات المتحدة تابعة لإسرائيل ولا إسرائيل تابعة للولايات المتحدة؛ والقول بتبعية إحداهما للأخرى كالقول بأن ولاية أوهايو تتبع ولاية نيفادا. كلتا الدولتين عضو في نفس الامبراطورية غير المعلنة يحكمها ملك غير معلن يسخّر الحكومات أسلحة للاغتيال والسلب.
الخطوط الفاصلة بين الأمم ضمن امبراطورية مركزها الولايات المتحدة ليست اكثر وضوحا وحلاءًا من الحكومات المنتخبة لهذه الأمم؛ فهي بنية موحدة فريدة توظف ما تشاء من روايات تبرر بها حملاتها الدؤوبة للسيطرة على المعمورة بكاملها.
لا يتسامحون مع دول مستقلة منفصلة ضمن تحالف السلطة التي مركزها الولايات المتحدة. والخطوط المتخيلة الفاصلة بين الدول سراب يتم ترويجها بهدف خداع البسطاء؛ فهي لا تتطابق مع التحالف عابر الدول للحكام المتحكمين والهيئات الحكومية التي تدير الأمور بالفعل. ويتمركز هذا التحالف حول قدر كبير من العسكريين والماليين والأمنيين والقوة النارية الدبلوماسية حول البنية المتخيلة المعروفة بالولايات المتحدة. غير أن السلوك الفعلي للامبراطورية يتقرر من قبل التحالف ، وليس حكومة الولايات المتحدة.
لا وجود ل "إسرائيل" حقيقية أو " اميركا" حقيقية؛ يوجد امبراطورية واحدة ليس إلا . وليس اللوبي والدعم المالي والدعاية سوى بعض الصمغ المطلوب لحفظ تماسك امبراطورية لم يعلن رسميا عن قيامها . وسوف تسخر الامبراطورية اي إيديولوجيا لخدمة مصالح امبريالية ، سواء كانت صهيونية او اصولية مسيحية ، تفوق العرق الأبيض، التطرف الاسلامي أو التقدمية المستيقظة. فليست كلها سوى روايات لتحريك الامبراطورية على المسار المطلوب ، لأن ذلك هو ماتستدعيه ملابسات امبراطورية غير مصرح بها وغير معترف بها.
في النموذج القديم للامبراطوريات يصدر الامبراطور اوامره ويحافظ بشكل مكشوف على تماسك الامبراطورية؛ أما حسب النموذج الحديث للامبراطورية ، حيت تحتفظ الدول الأعضاء كل بعلمها وبحكوماتها لكنها تفقد سيادتها ، فإنها تحافظ على تماسكها بواسطة سيطرة السردية .
ما من حكومة تشرف بمفردها على كل هذا؛ والحكومات المنتخبة رسميا ليست الموقع الذي تكمن فيه السلطة؛ يبقى الهيكل الفعلي للسلطة مخفيا ولا يخضع للمساءلة؛ ذلك أنه كوّن خبرة عن كيفية تمكن الجماهير من التصرف إزاء أباطرة ارتدوا التيجان في الأزمنة الراهنة.
بدلا من السلطة الظاهرة تحكم الأوليغارشيات حاليا من خلف ستار بالتنسيق مع هيئات حكومية ` وسبب ذلك ان الإنسانية نما وعيها لدرجة لم تعد تحتمل الحكام الظاهرين . وهي توظف التلاعب المبهم بالروايات كي تضمن تسيير الامبراطورية وفق مصالحها.
بالطبع، نجد الترياق الناجع لهذه الدينامية في استمرار التزود بالمزيد من الوعي، ومواصلة تقصي ما يدور بعالمنا وتعميمه على اوسع نطاق . وظيفتهم هي الإبقاء على الحقيقة مخفية وغير معلومة، بينما تتمثل وظيفتنا في المساعدة على إبراز الحقيقة للجميع. ومن ينجح في هذه المبارزة سوف يقرر مصيرنا كجنس بشري.
الأمم ، شأن بقية الأشياء في عالمنا، تراكيب مفهومية ليس لها وجود مستقل خارج التصور البشري. وما هو حقيقي هو الأسلحة والتفجيرات ، طلقات الرصاص، التوترات ونقل الموارد من جهة لأخرى؛ وكل ما نشاهده في الأخبار مجرد روايات ذهنية تتم صياغتها على نطاق جماهيري من أجل التلاعب بالشعوب كي تقبل حركة الموارد الطبيعية. ووظيفتنا أن نساعد الناس على إدراك الحقيقة الكامنة تحت أكداس الروايات المتداولة.

.