في ذكرى إحدى هزائمنا


الطاهر المعز
2021 / 6 / 5 - 12:09     

ذات يوم من حُزيران

احتدّت الخلافات بين النظام المصري والأنظمة الرجعية العربية (المغرب وتونس وليبيا وغيرها، بزعامة السّعودية) بعد دعم الجيش المصري للجمهوريين في اليمن (من 1962 إلى 1967) ضد الإستعمار البريطاني، وضد النظام الملكي، بقيادة "الإمام محمد البدر حميد الدّين" الذي تدعمه السعودية.
في هذا المناخ جاء العدوان الصهيوني على مصر، بعد تِسْعِ سنوات من العدوان البريطاني الفرنسي الصهيوني على مصر، سنة 1956.
صباح يوم الخامس من حزيران/يونيو، سنة 1967، تضاربت الأخبار بين محطّات الإذاعات العربية ومحطات الإذاعات الأجنبية الناطقة بالعربية (صوت أمريكا، راديو مونتي كارلو، بي بي سي، دويتشه فيلله..."، وبدا الكبارُ، منذ الصّباح الباكر، حزينين في شُرُفات المقاهي وفي الأسواق والمحلاّت والشّوارع...
أَبْدَت محطّات الإذاعات الأجنبية انحيازًا كاملا، وبدون أي تَحفُّظ، للكيان الصّهيوني، وتحدّثت، بكل فخر، عن انهيار الجيش المصري، وعن فقدانه كافة طائراته، واحتلال الكيان الصهيوني شبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان السورية وما تبقّى من فلسطين...
بعد انتهاء الحرب، "تصالحت" الأنظمة العربية، وأقرت اللآت الثلاث في مؤتمر الخرطوم، وبعد تسعة أشهر (آذار/مارس 1968)، بدأت "حرب الإستنزاف" التي انتهجتها مصر ضد قوات الإحتلال الصّهيوني، إلى أن قبلت مصر الناصرية، في حزيران 1970، ما سُمِّي "مشروع روجرز"، على إسم وزير الخارجية الأمريكي "ويليام روجرز"، الذي تظاهرت ضدّه جماهير العرب، من المُحيط إلى الخليج، وخلق خلافات كبيرة بين النظام المصري (الناصري) والمنظمات الفلسطينية، لأن النّص الذي قدمته الولايات المتحدة (والكيان الصهيوني) يعتبر القضية الفلسطينية، مسألة "إنسانية" تتعلق بمعالجة مشكلة أشخاص (أفراد) لاجئين، وليست قضية احتلال وطن وتشريد شعب يريد العودة إلى وَطَنِهِ...
بعْد الهزيمة انتشرت بسرعة عجيبة الأغاني الرديئة (كلمات ولحنًا وأداءً) والأشرطة السينمائية الهابطة، والمسرحيات المُنحطّة، بالتّوازي مع ظهور بوادر التّمرّد ورفض الأمر الواقع، وتأسيس تيارات ثقافية بديلة، ومنظمات سياسية "ثَوْرِيّة" (في الظّاهر، على الأقل)، وتمكّنت المقاومة الفلسطينية من خلق ائتلاف عربي حولها، خاصة بعد معركة الكرامة (21 آذار/مارس 1968)، وشكّل عُدوان النظام الأدرني على المقاومة الفلسطينية (أيلول/سبتمبر 1970) بداية مرحلة جديدة، بعد الوفاة المُفاجئة لجمال عبد الناصر، بسكتة قلبية، يوم 28 أيلول/سبتمبر 1970، عن 52 سنة...
كان عدوان 1967، أحد أسباب القطيعة بين النُّسخة النّاصرية من القومية العربية، من جهة، وحركة القوميين العرب، من جهة ثانية، وأدّت الهزيمة أيضًا، وقُبُول "مشروع روجرز"، إلى انخفاض تأييد الشباب العربي لعبد الناصر، وكانت الهزيمة منطلقًا لتأسيس حركات "اليسار الجديد" العربي (من خارج الأحزاب الشيوعية التقليدية المُوالية للإتحاد السوفييتي الذي اعترف بالكيان الصهيوني، سنة 1948)، وكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية لتحرير عُمان (والخليج العربي المُحتلّ) والعديد من المنظمات "الماركسية اللينينية" العربية، تجسيدًا لمرحلة جديدة، مرحلة ما بعد الهزيمة، التي سُمِّيَتْ "نَكْسَة"، ولا زلنا نُعاني آثارها وآثار هزيمة 1948، إلى الآن، لكن لا يوجد خيار آخر غير مواصلة المُقاومة، بين المَدّ والجَزْر، لأنك "لَسْتَ مهزومًا ما دُمْتَ تُقاوم"