معادلة الوجود والعدم كما يفهمها النص القرآني.


عباس علي العلي
2021 / 6 / 4 - 20:49     

في هذه المقالة لا أتحدث عما يشاع من فكرة أو مفهوم الإعجاز العلمي في القرآن كما تطرح بقدر ما هي قراءة لفكرة موجودة بالفعل قد لا يدركها حتى المسلمون أنفسهم، ولا تعني أيضا أنني مكتشفها أو من يشير لها دون أن أفهم أصلا القواعد العلمية التي تربط معادلات الوجود ضمن نظرية شمولية محكمة تتسق مع نفسها أولا ويساندها العلم وإن أختلفت طرق التعبير والطرح، المسألة إذا هي إعادة فهم فكرة دينية في ظل تنامي الرصيد العلمي الذي صنعه الإنسان بعقله ومن التجربة العلمية الصرفة، فمعادلة الوجود والعدم معادلة أزلية قبل أن يخلق الإنسان أصلا بل حتى قبل أن يظهر الوجود المادي للوجود، وبالتالي فهي قضية علم وفيزياء وكيمياء وقوانين محركة ومولدة للزمن والمكان والشيئية التي تمنح المادة صفة الوجود.
الوجود نوعان كما يقول الفلاسفة والعلماء موجود مصنوع وموجود صانع وكلاهما موجود بخصيصة مختلفة وماهية منفردة، فلا يمكن أن يكون الوجود الثاني السابق وجودا حقيقيا بدون قوانينه ومعادلاته حتى يمكنه أن يكون سببا وعلة في خلق الوجود المصنوع وتحريكه ومنحه الماهية الشيئية التي لا يمكن أيضا أن تشترك مع الوجود الصانع لا في القوانين ولا في جوهر الماهية، وإلا لا يعتد بوجود مشترك بينهما ويمكن جمعهما مع بمفهوم واحد، فكل وجود سابق للوجود المصنوع لا بد أن يكون مختلفا بكل شيء عن وجود المصنوع وهذه من بديهيات العقل العلمي، بمعنى أننا لا يمكن أن نستدل على الوجود السابق ونفهمه وندركه بأليات ومدارك ومفاهيم الوجود المصنوع لنحدد من خلالها أن الوجود السابق يخضع لنفس المفاهيم والقوانين والمعادلات، وبالتالي يمكننا الحكم والإدراك بهذه الطريقة ومن خلالها حتى لو حاولنا أن نقر بشكل أو بأخر وجود الفوارق، فلكل وجود عالم خاص لا يشتركان لا في المقدمات ولا في السيل الواصلة والمتواصلة بينهما لأختلاف جوهرية الوجود الذاتي لكل منهما.
القرآن من خلال النصوص التي وردت فيه فرقت بين الخالق والمخلوق وأعطت لكل منهم حدود مادية وذهنية وصور حسية تفرق بينهما على ذات القانون الذي تكلمنا عنه، لا يعنيني ما يسمى الوجود الخالق رب إله خالق الخلق رب العالمين ولكن ما يعنيني الإشارة العلمية التي يطرحها، فمثلا فرق بين الوجودين بأنه أشار إلى مفهوم كلي تفريقي ينص على أن الصانع (ليس كمثله شيء) بمعنى أن الأشياء الوجودية المصنوعة المخلوقة لا يمكنها أن تشترك بالصفات الشيئية مع الوجود الصانع بأي شكل من المشابهة أو التماثل، لا في القضايا الكبرى ولا في تفصيلاتها الجزئية، فالوجود الصانع ممكن أن يكون عالم مختلف تماما في قوانينه معادلاته ماهيته وحتى شكليته الذاتية، لكنه ممكن الإدراك به بصورة مجملة من خلال نفي المشاكلة أو المماثلة مع الوجود المخلوق المصنوع.
إذا تعامل النص القرآني مع مفهوم تعدد الوجود وأقر بالأختلاف الماهوي والشيئي بينهما، وبنى نظريته على أن معادلة السابق واللاحق والقديم والجديد والسبب والمسبب والعلة والمعلول تبنى على وجود حقيقة المفارقة لا على حقيقة أن كل شيء في الوجود العام يمكن أن يفهم بنفس الطريقة (لا يدرك ولا يترك)، لأنه بالعموم مجرد حقيقة منطقية علينا أن نقر بوجودها أولا ثم محاولة فهمها بطريقة أخرى طريقة لا شيئية تنتمي للوجود المادي الحسي بل من خلال فهم عملية التباين السابقة، لم يرد في النص القرآني مفهوم العدم مقابل مفهوم الوجود مطلقا لأن العدم في نظر القرآن هو الجانب المجهول من الوجود، جانب ليس غيبيا بالطبع ولكنه غير موجود أصلا حتى نقر بوجوده، بل أستعاض عن هذا المفهوم بفكرة الشيئية ذاتها أي منح أي وجود صفات وخصائص وجوهر مختلف عن أي وجود أخر، فلا يمكن أن يأت من العدم وجود ولا يمكن أن يذهب الوجود للعدم لأن العدم أصلا معدوم.
العدم في الفهم المعرفي الوضعي هو الجانب النقيض والمضاد لمعنى الوجود بشقيه الصانع والمصنوع أو كل وجود ندركه ونفهمه، وبالتالي مفهوم الثنائية الطبيعية يظن ألبعض أنه متحقق بهذا الفهم، والحقيقة أن التسليم بهذا المنطق يضعنا أمام ثلاثية لا ثنائية النقيض والضد، فيكون لدينا وجود صانع ووجود مصنوع ووجود مفترض وإن كان لا يمكن إدراكه أو حتى بناء صورة ذهنية له، فهو نقيض الوجود الموجود بغيره ونقيض الموجود بذاته لذاته أو الوجود الضروري لكل وجود، ووجود وجود ثالث يعني أننا لا يمكن أن نضعه قبالة أيا من الوجودين السابقين ولا يمكن حتى وضعه قبال مفهوم الوجود عموما، إذا العدم ليس نقيض ولا ضد نوعي للوجود لعدم أشتراكه بمعادلة الضدية النوعية أو النقيض الماهوي لأننا لا نعرف ولا ندرك ولا نفهم نوعه ولا ماهيته ولا حتى يمكننا وضع حدود شيئية له تنبع من ذاتية العدم الذيلا ذات له.
قد تكون إشارة النفي التي أطلقها النص القرآني هي أول إشارة علمية حقيقية ذكرت في التاريخ العلمي للإنسان وفي وقت مبكر لم يتهيأ للعلم الجزم بهذه المعادلة، حتى جاءت قوانين حفظ المادة والطاقة لتحسم الأمر بشكل منطقي لأنها بنيت على نفس ذلك الفهم، العدم ليس وجودا بأي شكل من الأشكال، بمعنى لا يعد كوجود نضير أو ضد للوجود الحسي المادي المعقول، فلا تولد المادة والطاقة من العدم ولا تنفى بمعنى أن تتحول للعدم، لأن الوجود حقيقة تامة كاملة مطلقة لكنه متغير حسب قوانين الفيزياء والكيمياء التي تنظم وتشرح وتفسر التحولات الوجودية، وبالتالي كلما يخرج بطبيعته عن هذه القوانين ليس وجودا ولا يعد حقيقة ومنها مفهوم العدم، الوجود المادي هو المكان التي تشغله المادة والزمن هو حركة المادة داخل الوجود، وكلاهما الزمن والمكان يخضعان لقوانين الفيزياء والكيمياء وبالتالي فهما عنصران وجوديان ملازمان للمادة بقاء وتحولا.
لذا عندما يقول النص القرآني (خلقت من قبل ولم تك شيئا) إنما يشير إلى عملية التحول النوعي من عالم لا تتحكم به وتحركه قوانين علمية لأنه يخضع لقانونه الخاص ولكنه موجود بقوانينه الذاتية من فيزياء خاصة وكيمياء خاصة، إلى عالم شيئي مادي حسي مدرك ومفهوم وحقيقي خاضع ايضا لقوانينه الخاص فيزيائيا وكيميائيا حسب طبعه الذاتي، لكن العالم اللا شيئي ليس عدما ولا ينتمي للمجهول لأنه موجود فعلي وإن كنا لا ندرك تماما قوانينه لكننا نفهم عملية التحول بعاملي الزمن النسبي والمكان النسبي لكليهما لأنهما يخضعان لمفهوم وجودي واحد السبق والقدم والمقدمة والنتيجة.
إذا يمكننا من خلال ذلك أن نعيد صياغة معادلة الوجود والعدم من عنصرين أساسيين هما الشيئية الماهوية مقرونة بقوانين الفيزياء والكيمياء لتكون المعادلة كالأتي، كل وجود له حقيقة خاصة به تنبع من كون ماهيته في الحدوث (سابق ولاحق)، وكل وجود له قوانينه الخاصة به التي تختلف بحسب معطيات ماهية الحدوث وألياته، وبالتالي فلا قوانين بلا ماهية ولا ماهية لا تخضع لقانون، وعليه فالوجود إذا معادلة مترابطة تخضع في مكانها وزمانها لطريقة الحدوث وأليته، وما لا يخضع للحدوث لا يمكن أن يسمى وجودا ولا عدما لأن العدم أصلا غير حادث ولا محدث ولا يمكن حتى نسبة الحركة لمعدوم الحدث، هذه المعادلة هي نهاية كل جدل وجودي وبداية كل بحث أو بناء فكرة علمية وعملية منطقية وأصولية وهي حقيقة من حقائق العلم التي أكتشفها الإنسان ليس عن طريق النص الديني ولكن من خلال رياضيات المختبر العلمي التحققي .