إينشتاين والإشتراكية


الطاهر المعز
2021 / 6 / 3 - 15:21     

علاقة العلم بالإشتراكية، وفْقَ "ألبرت إينشتاين"

ألبرت أينشتاين (1879 - 1955) هو رجل علم ومُنَظِّر في مجال الفيزياء، واشتهر بنظرية النسبية، وهو رجل فِكْر حظي بتقدير عالمي، عندما تجَرَّأ على معارضة التيار السّائد. واشتهر بالمعادلة ( E=mc2 ) التي مَكّنَت من تطوير ميكانيكا الكَمّ، وعِلْم الكونيات. حصل على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1921 لتفسيره للتأثير الكهروضوئي. اعتبرته مجلة "ذا تايم" شخصية القرن العشرين.
مارس ألبرت أينشتاين نفس الروح العلمية لتحليل المجتمع الذي يعيش فيه، ولئن رَكّز الإعلام على الجانب العِلْمِي وعلى الجانب التّهكُّمِي المَرِح من شخصيته، فإنّه أهمل (عن عَمْدٍ) جوانب أُخْرى من شخصية "إينشتاين"، النّاقد للنظام الإقتصادي والإجتماعي السّائد، والدّاعي للعدالة وللمُساواة، وللإشتراكية، وظلت هذه الجوانب من شخصية أينشتاين أقل شهرة، وتتجاهلها وسائل الإعلام تمامًا، ولذلك نورد أسفَلَ هذا التّقديم، مُقطفات من مقال، نُشِرَ سنة 1949، حيث ينتقد المُواطن "إينشتاين" الرأسمالية ويقترح بديلا، وتتفق أفكاره الإجتماعية مع منهجيته العلمية، حيث نُسِبَتْ له مقولات عديدة، ومنها ما قاله عن الرياضيات والعلوم: "إذا لم تستطع شرح مفهومٍ علمي لطفل في السادسة من عمره، فأنت لم تَفْهَمْهُ تمامًا، إذ لا توجد مشكلات بدون حل، وإنما مشكلات مطروحة بشكل سيء".

مُقتطفات مُترجَمة (بتصرّف) من مجلة "الشهرية" (مونثلي رفْيُو) التي نشرت نصًا لألبرت أينشتاين بعنوان: "لماذا الاشتراكية؟ "- أيار/مايو 1949، مع الإشارة أن التّرجمة غير احترافية، فهي مُحاوَلَة للإقتراب ما أمْكَنَ من المَعْنى، وأن الفقرات الواردة ليست ترجمة لنصِّ كامل، بل مٌقتطفات:

إن الفوضى الاقتصادية للمجتمع الرأسمالي كما هي عليه اليوم هي ، في رأيي، المصدر الحقيقي للشر. نرى أمامنا مجتمعًا ضخمًا من المنتجين يسعى أعضاؤه باستمرار إلى حرمان بعضهم البعض من ثمار عملهم الجماعي - ليس بالقوة، ولكن وفقًا للقواعد المعمول بها قانونًا، وفي هذا الصدد، من المهم أن ندرك أن وسائل الإنتاج [...] هي في الغالب ملكية خاصة لأفراد معينين.
من أجل التبسيط، أُطْلِقُ مُصْطَلَح "العمال" على كل أولئك الذين لا يمتلكون وسائل الإنتاج، أما من يمتلك وسائل الإنتاج فهو قادِرٌ على شراء قُوة أو جُهْد العامل، وقُدْرَتِهِ على العمل.
يستخدِمُ العاملُ وسائل الإنتاج، لصُنْعِ أو إنتاج سلعٍ تصبح ملكًا للرأسمالي، مالك وسائل الإنتاج، الذي لا يهتم بالمنفعة التي يجنيها الناس من هذا الإنتاج، بل لا يهتم سوى بالرّبْح الذي يُوفِّرُهُ الإنتاج، وتكمن النقطة الأساسية في هذه العملية في العلاقة بين إنتاج العامل، والرّاتب الذي يحصل عليه مقابل جُهْدِهِ، ويتم تقييم كلا الأمرين من حيث القيمة الحقيقية، لكن ما يحصل عليه العامل لا يتحدد بالقيمة الحقيقية للبضائع التي ينتجها، بل بالحد الأدنى الذي يكفيه لتلبية احتياجاته الأساسية، كما يتحدّد الأجْرُ (ليس بقيمة إنتاجه) وإنما بالمعادَلَة بين عدد العمال الذين يحتاجهم الرأسمالي وعدد العمال الذين يبحثون عن عمل، فعندما يرتفع عدد الباحثين عن عَمَل، يتوسّع هامش الرأسمالي وتزيد شُرُوطه، إذ لا يتم تحديد أجر العامل بقيمة منتجه (كما سَبَقَ ذِكْرُهُ).
يميل رأس المال الخاص إلى أن يتركز في أيد قليلة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى المنافسة بين الرأسماليين، وكذلك إلى التطور التكنولوجي والتقسيم المتزايد للعمل، اللّذَيْن يشجعان على تكوين وحدات إنتاج أكبر على حساب الوحدات الأصغر، وتؤدّي مجمل هذه العوامل وهذه التطورات إلى تركيز حكم أقلية من الرأسماليين الذين يستمدُّون "حُكْمَهُم" من القانون، ولا يمكن تقييد سلطتهم الهائلة بشكل فعال، ولا حتى من قبل مجتمع لديه مُؤسّسات ومنظومة سياسية ديمقراطية.
يُوجدُ دائما جيشٌ من العاطلين، قد يكثُر عددهم أو يَقِلُّ، لكن لا توجد وسيلة للتنبؤ بأن جميع القادرين والراغبين في العمل سيتمكنون دائمًا من العثور على وظيفة، ولذلك يُسيطر على العامل، باستمرار، الخوف من فقدان وظيفته. وبما أن العاطلين عن العمل والعاملين ذوي الأجور المنخفضة هم من قلِيلِي الإستهلاك، فإن إنتاج السلع الاستهلاكية مقيد وينحسر ترويج السّلع، كلما ارتفع عدد العاطلين، وانخفضت الأُجُور...
إن التقدّم التكنولوجي ليس مسؤولا عن زيادة عدد العاطلين عن العمل، بل إن استخدام الإبتكارات كان من أجل زيادة الرّبح، وليس من أجْل تقليل العمل الشاق، وخفض عدد ساعات العمل للجميع. إن حافز الربح المقترن بالمنافسة بين الرأسماليين مسؤول عن عدم الاستقرار في تراكم رأس المال واستخدامه، مما يؤدي إلى كساد اقتصادي حاد بشكل متزايد، كما تؤدي المنافسة غير المحدودة إلى إهدار كبير للعمل وإلى تشويهٍ للضمير الاجتماعي للأفراد...
أنا مقتنع بأن هناك طريقة واحدة فقط للقضاء على هذه الشرور الخطيرة، وهي إنشاء اقتصاد اشتراكي مصحوب بنظام تعليمي موجه نحو الأهداف الاجتماعية. في مثل هذا الاقتصاد، ستكون وسائل الإنتاج إلى مِلْكًا للمجتمع الذي يستخدمها وفق مُخططات، فالاقتصاد المخطط، حيث يتكيف الإنتاج مع احتياجات المجتمع، من شأنه أن يوزع العمل الذي يتعين القيام به بين كل القادرين على العمل ويضمن سبل عيش كل رجل وامرأة وطفل...
في مجال التعليم، يجب أن يعزز تعليم الفرد تنمية ملكاته الفطرية ويغرس فيه إحساسًا بالمسؤولية تجاه إخوانه من البشر، بدلاً من تمجيد القوة والنجاح الفردي، كما هو الحال في مجتمع اليوم (أي سنة 1949).
من الضروري، مع ذلك أن لا نَنْسَى أن الاقتصاد المخطط لم يصل بعد إلى الاشتراكية، فيمكن أن يصاحب مثل هذا الاقتصاد استعباد كامل للفرد.
يتطلب تحقيق الاشتراكية حل بعض المشكلات الاجتماعية - السياسية الصعبة للغاية: كيف يمكن، في مواجهة المركزية الشديدة للسلطة السياسية والاقتصادية، منع البيروقراطية من أن تصبح قوية ومتغطرسة؟ كيف يمكننا حماية حقوق الفرد وضمان الثقل الديمقراطي الموازن لسلطة البيروقراطية؟