تغريدات خارج السرب


جاسم ألصفار
2021 / 6 / 2 - 22:02     

في تسجيل مسرب لمقابلة مع وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، تضمن تصريحات مثيرة للجدل عن العلاقات الإيرانية الروسية ومصادر صنع القرار في إيران وخصوصيات السياسة الإيرانية إضافة الى رأيه الشخصي بموضوع الدعم المقدم لسوريا وقرار التواجد العسكري الإيراني هناك والتعاون في هذا الشأن مع روسيا. فما هي حقيقة هذه التصريحات التي وصفتها وكالة أسوشيتد برس "بالقاسية" وما هي أغراضها؟
قبل تنصيبه الرسمي كرئيس للولايات المتحدة، أرسل جو بايدن إشارات إلى طهران، حتى بعد أن فرض دونالد ترامب عقوبات جديدة على إيران قبل خمسة أيام من تغيير الإدارة، تهدف تلك العقوبات إلى تعقيد قدرة الإدارة الجديدة على فتح حوار مع طهران. وتناغما مع إشارات بايدن، نشرت صحيفة اعتماد الإيرانية، ذات الميول الليبرالية، تصريح لظريف، يفتح المجال لتفسيرات مختلفة، قال فيه إن "طهران يمكن أن تتعاون مع الولايات المتحدة بشأن الأمن في الخليج الفارسي ومبيعات النفط".
وبالتالي فلا غرابة فيما تسرب من تصريحات لظريف على القناة الاخبارية الفضائية إيران انترنشنال التي تبث باللغة الفارسية، وهي قناة مقرها لندن مملوكة، سابقا، لمواطن سعودي. وشارك تلفزيون إيران انترنشنال ملفًا يزيد قليلاً عن ثلاث ساعات لنفس التصريحات مع مراسل وكالة الأسوشييتد برس في الإمارات العربية المتحدة إضافة الى ارسال نسخة من التسجيل إلى خدمة بي بي سي الفارسية.
أثار نشر تصريحات محمد جواد ظريف عاصفة سياسية حقيقية في إيران، حيث يحاول المسؤولون مراقبة أقوالهم عن كثب في بيئة سياسية صارمة. كما أن تصريحات ظريف فاجأت الكثير من المتابعين للشأن الإيراني، خاصة وأن وزير الخارجية الإيراني كان من المتوقع أن يكون المرشح الليبرالي الأبرز في الانتخابات الرئاسية القادمة، في 18 يونيو من هذا العام، حسب وكالة أنباء أسوشيتد برس، كما أن صحيفة لوفيغارو الفرنسية توقعت أيضا، أن "يخلف الليبرالي المعتدل ظريف الرئيس الحالي روحاني" في الانتخابات الرئاسية القادمة، ودعت البيت الأبيض إلى التعامل مع هذا التوقع بالجدية الكافية وعدم التباطؤ في فتح حوار مع طهران.
وتجدر الإشارة الى أنه، بعد نشر التصريحات المسربة لوزير الخارجية الإيرانية على الملأ، لم ينفي الممثل الرسمي للوزارة سعيد خطيب زاده حقيقة وجود تسجيل صوتي لتلك التصريحات، مضيفا في تصريح للصحفيين إن ما نشر ليس سوى جزء من مقابلة استمرت سبع ساعات أجراها ظريف مع الاقتصادي والصحافي السياسي البارز سعيد ليلاز. ووصف خطيب زاده ما نشر من المقابلة بأنه اجتزاء انتقائي و"غير قانوني".
وفقًا لوكالة أسوشيتيد برس، فان ظريف في تلك المقابلة، وصف روسيا بأنها كانت تريد إفشال الصفقة النووية منذ البداية. مشيرا كذلك الى أن تطبيع العلاقات بين إيران والغرب الذي سيوفره الاتفاق النووي، لا يتوافق مع مصالح موسكو. ونقلت الوكالة عن ظريف قوله: "لو لم تصبح إيران أولوية السيد ترامب، لكانت الصين وروسيا من أولوياته". وبالتالي فان حالة العداء بين أمريكا وإيران عادت بالفائدة على روسيا والصين. في نفس السياق، نقلت قناة الجزيرة القطرية عن الوزير ظريف قوله "يجب أن تكون لدينا علاقات مع روسيا والصين، مثلما ينبغي أن تكون لدينا علاقات مع الغرب، كما لا ينبغي أن تكون لدينا توترات مع الولايات المتحدة". وكأن التوترات في علاقة بلاده بأمريكا يتحملها "طرف ثالث".
إما أن ظريف لا يعرف سياسة بلاده منذ الإطاحة بالشاه، أو أنه متابع سيء لما كان يجري في المنطقة منذ ذلك الحين، لذلك توهم أن الاخرين، غير الغرب وأمريكا، هم من خرب علاقات إيران بأمريكا. أما بالنسبة للصفقة النووية، فظريف يستشهد، حسب التسريبات نفسها، "بدليل" يثبت مشاركة روسيا في محاولات افشال عقد الصفقة في 2015، وهو أن رئيس فيلق القدس قاسم سليماني، الذي يعتبره ظريف معارضا للاتفاق النووي، زار موسكو قبل ستة سنوات، دون علم الخارجية الإيرانية، وكان "الغرض من الزيارة تعطيل الاتفاق النووي". ويفوت ظريف أن روسيا هي أحد الموقعين على الاتفاقية متعددة الأطراف.
ويسترسل وزير الخارجية الإيراني، في نفس السياق، في تصريحاته بأن خطة العمل الشاملة المشتركة، التي تم توقيعها في عام 2015، لم تروق للروس في المقام الأول لأنها فتحت الطريق لتطبيع العلاقات بين طهران والعواصم الغربية. على هذا الأساس، يتذكر ظريف، حصول الكثير من المناوشات بينه وبين نظيره الروسي سيرجي لافروف، تجاوزت حدود الدبلوماسية.
يعتبر الخبراء الروس بأن موسكو ساهمت بنشاط في صياغة بنود الاتفاق النووي، وهذا بحد ذاته كان يفترض بعض من الشد لخفض سقف المطالب الامريكية في فترة لم تكن فيها العلاقات مع إدارة أوباما في أفضل حالاتها. أما مواقف قاسم سليماني فهي، بالتأكيد، لم تكن دون استشارة المرشد الأعلى والتنسيق مع قيادة الحرس الثوري الإيراني، وهو سياق متعارف عليه في إيران. ووفقا للخبيرة الروسية في الشؤون الإيرانية يوليا سفيشنيكوفا فان هذا الحدث القديم، مهما كانت ملابساته، لن يؤثر على العلاقات الروسية الإيرانية. وكما ذكرت وكالة الأسوشييتد برس أن كل من الصين وروسيا داعمين نشطين للعودة إلى تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة، المبرمة بين الوسطاء الدوليين الستة وطهران.
الغريب هو أن هذه التصريحات تم تسريبها في فترة حساسة بالنسبة لإيران. ففي هذه الأسابيع في فيينا، وبدعم من وسطاء دوليين، بمن فيهم روسيا، انطلقت مفاوضات بشأن عودة الولايات المتحدة وإيران إلى التزاماتهما بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة. وعلى الرغم من أن الممثلين الأمريكيين والإيرانيين لم يتحدثوا بشكل مباشر خلال هذه المفاوضات، إلا أنه تم تسجيل تقدم في المباحثات. فمنذ بعض الوقت، حدد الجانب الأمريكي قائمة أولية من التنازلات التي يمكنه تقديمها لتحفيز المفاوضين الإيرانيين في فيينا وإنعاش اقتصاد الجمهورية الإسلامية. وجاء في الوثائق المتبادلة أن واشنطن مستعدة للتخلي عن عقوبات ضد قطاعات هامة من الاقتصاد الإيراني.
من المقابلة المنشورة، يخلق ظريف انطباع بان وزارة الخارجية الإيرانية محدودة الصلاحيات في المواضيع السياسية المصيرية. الا أنه، لتعزيز هذا الانطباع، يستشهد بقرارات هي من صلاحيات المرشد الأعلى والقوات المسلحة الإيرانية. وكمثال على ذلك، يذكر ظريف هجمات إيران الصاروخية على القاعدة الأمريكية "عين الأسد" عام 2020 في العراق رداً على اغتيال سليماني والمهندس، ويعبّر ظريف عن امتعاضه لعدم إبلاغه بقرار الهجوم قبل وقوعه.
يتضح من حديث الوزير أنه يعارض أيضًا انتشار القوات البرية الإيرانية في سوريا. وأعرب في تصريحاته المذكورة عن رفضه لما وصفه بقرار سليماني إعطاء الضوء الأخضر لإرسال قوات إلى سوريا وتزويد دمشق بالمعدات والأسلحة عبر شركة الطيران الحكومية. كما لفتت وسائل الإعلام الغربية التي نشرت المحادثة الانتباه إلى أن وزير الخارجية الإيراني أعرب أيضًا عن استيائه من أن سليماني، حسب تصريحات ظريف، سمح للقوات الجوية الروسية باستخدام الأجواء الإيرانية من أجل تنفيذ عمليات في سوريا. واعتبر ظريف أن استخدام روسيا للموارد الإيرانية للحرب في سوريا أثر سلبًا على مصير خطة العمل الشاملة المشتركة.
أعربت الخبيرة الروسية في الشؤون الإيرانية يوليا سفيشنيكوفا عن استبعادها لفكرة أن يكون الغرض من التسريب الإساءة لوزير الخارجية الإيراني، وأضافت بأنه "سواء تم ذلك بعلمه أم بدون علمه، لا أعتقد أن ظريف كان منزعجًا". يذكر القارئ أن وزير الخارجية الإيراني قدم استقالته قبل فترة عندما علم بأن المرشد الأعلى وقادة الحرس الثوري الإيراني التقوا بالرئيس السوري بشار الأسد، دون إخطار وزارة الخارجية. كانت هناك تكهنات وقتها بأن ظريف أراد أن يوحي للغرب بأن لا علاقة له بالمساعدات العسكرية وغيرها التي تقدم لسوريا.
لا يخفى على أحد أن العديد من قرارات السياسة الخارجية في إيران يتخذها الزعيم الروحي علي خامنئي ومساعديه، وأن المشاورات حول قضايا مثل الصراع السوري تتم بشكل أساسي مع الحرس الثوري الإيراني، "فهل كانت تصريحات ظريف محاولة لتغيير هذا السياق" كما تفترض الخبيرة الروسية سفيشنيكوفا.
فرضية أخرى مفادها أن توقيت "تسريب" التسجيل الصوتي متزامن مع الانتخابات الرئاسية المقررة في يونيو في إيران. ذكرت سفيشنيكوفا "هناك تكهنات بأن التسريب قام به شخص من فريق ظريف التفاوضي من أجل توفير شعبية إضافية في الانتخابات". وقالت إنه في هذه الحالة، سيساعد النشر في خلق الانطباع بأن ظريف وفريقه يعملون لصالح الأمة لرفع العقوبات، بينما يمنعهم المحافظون من القيام بذلك. ومع أن سفيشنيكوفا استبعدت هذا الافتراض، الا انه يبقى واقعيا كونه تسجيل موقف سيحدد مستقبل ظريف السياسي بعد الانتخابات الرئاسية.
النظرة العامة لتصريحات الوزير تترك انطباعًا بامتعاض متراكم ليس فقط تجاه الشركاء الروس أو الصينيين، بل أيضًا تجاه رجال الدولة الذين بأيديهم صناعة القرارات المصيرية في إيران. أما ما يتعلق بموضوع العلاقة بالغرب وأمريكا، فان الامتعاض عندما يكون مصدر التفكير يؤدي لاريب الى عمى ألوان. وختاما، لابد من الإشارة الى أن التسريبات لم تنجح الا بإثارة الشارع الإيراني ضد التيار الليبرالي وتزايد الدعوات لاستقالة وزير الخارجية محمد جواد ظريف ودفعت لأن يكون خيار الانتخابات الرئاسية القادمة بين محافظ راديكالي ومحافظ معتدل.