تأثيل الخراب وضرورة التغيير


المنصور جعفر
2021 / 6 / 1 - 16:27     

يحاول هذا المقال تأثيل وتمحيص طبيعة الأزمة المتفاقمة في غالبية الدول الرأسمالية التنظيم في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وما فيها من خراب أو تخريب، وبيان المقدمة الموضوعية الترياق ضد سمومها وحل التناقضات المتنوعة للأزمة الرأسمالية فيها.

بشكل مباشر يقاوم هذا التأثيل أسلوب التفكير الجزئي الخطي وتصوراته القليلة النقاط التي تظن بعوارة يمنية وتضليل إعلامي ان كل تغيير هادئي هو تغيير مفيد، والتي تظن بعوارة يسارية ان كل تغيير داخل ديكتاتورية تماسيح السوق هو تغيير موجب.

من ثم بعض أوضاح طبيعة الأزمة وبيان تناقض الآراء التي تزعم حلها مع التاريخ والواقع والمنطق، يقدم المقال شكل التفكير المناسب لإحداث تغيير جذري وطبيعة النظم التي يقدمها لحل تناقضات الأزمة االرأسمالية للمعيشة والسياسة في غالبية دول العالم الثالث التجارية التظيم.



1- أنوأع خراب أو تخريب الدول:
غير الاشكال الرأسمالية السياسية والعسكرية لخراب الدول بالتفاوت الطبقي وااتفاوت الإقليمي والتفاوت بين الذكور والاناث، في التحكم في موارد المعيشة ومقاليد تنظيمها. وما يرتبط بهذا التفاوت من صراع داخلي وضغط أو غزو امبريالي ، توجد ثلاثة أشكال رئيسة للأزمة المجسدة في خراب أو تخريب الدول: شكل ثقافي اعلامي، وشكل إداري سياسي، و شكل تجاري وإقتصادي.


2- الامبراطوريات كائنات غير ديموقراطية:
في صراعات الطبقة الكادحة ضد الطبقة المالكة تزعم بعض الأراء ان وجود الديموقراطية الليبرالية [بكل ما فيها من من تملك فردي لموارد المجتمعات] وجود يعزز قوة الدول! والواقع إن ربط النموء الاقتصادي الاجتماعي بالديموقراطية هو واحد من التضليلات الليبرالية الكبرى لأن الإمبراطوريات المعروفة في العالم منذ أيام الفرس والروم والعرب والأتراك والإسبان والبرتغال وبريطانيا وفرنسا كانت انبراطوريات ضخمة عاشت مئآت السنين وحكمت واستثمرت عشرات البلدان وآلاف المجتمعات وتضخم نموءها بنسب مئوية كبيرة وبلغت كماً هائلاً من الثروات، ولم تكن في تحقيقها كل هذه الأوضاع الكبيرة دولاً ديموقراطية إلا أواخر عهود امبراطوريتي بريطانيا وفرنسا حيث حولتا نوع الاستعمار القديم إلى نوع جديد.

المعنى الواقعي لهذه الحقيقة التاريخية إن الولايات/الدويلات المتحدة الأميركية والغرب أوروبية لم تبلغ قوتها الحاضرة اليوم لأنها دول ديموقراطية بل لأنها كانت ولم تزل دولاً للأنانية تجارية والإستعمار.
وكذا حال التجار الأغنياء في السوق، لم يصبحوا أغنياء لأنهم كانوا ديمقراطيين، بل لأنهم في خطوات صعودهم وعقودهم ومعاملاتهم التجارية كانوا أصحاب تمكن وحرص وحيلة ونفوذ وقوة.


3- الديموقراطية ليست مصدر غنى الدول الكبرى الحاضرة:
لو كانت الديموقراطية بالفهم الغربي السائد هي مصدر الغنى والثراء والمنعة والإزدهار للدول لكانت كل دول هيئة الأمم المتحدة دولاً مزدهرة، ولما كانت غالبية المجتمع في كل دول الإمبريالية تعاني صعوبات معيشية، ولكانت أثينا القديمة حاضرة اليوم مزدهرة عامرة ولكانت الصين الحاضرة اليوم دولة فقيرة ضعيفة، نأهيك عن الدول التي تحتقر كل أنواع الديموقراطية كدول الفاتيكان أو الخليج أو بعض الممالك في آسيا وإفريقيا.


4- مكمن القوة الإنفرادية:
من قراءة تاريخ الإمبراطوريات القديمة تتبين حقيقة ان القوة العالمية لبعض الدول ليست في زينتها السياسية وشعاراتها ونصوص دساتيرها بل في طبيعة تنظيم موارد قوتها في العالم واستراتيجية إستثمارها وتأمينها لهذه القوى.

المشهود ان كل أمور تنظيم واستراتيجية الانفراد بقوة كبيرة في العالم هي أمور سياسة تجارية وعسكرية قديمة، ليست لها علاقة حيوية بلب القيم الديموقراطية (الكرامة والحرية والعدالة) حيث يشهد التاريخ ان لهذه الأمور التجارية والعسكرية لقوة الدول علاقة قديمة وقوية بأفكار وأساليب الأنانية التجارية والتضليل والقهر ومختلف أشكال الإستغلال الطبقي والإستعمار الخارجي.


5- الخراب والتخريب:
عملية خراب أو تخريب أي دولة عملية سهلة كما تعطل أو تخريب أي آلة، فأساسه تعرقل أو عرقلة انتظام تركيب أو حركة آلة، أو حدوث أو خلق أو زيادة بعض التناقضات في جزء من الآلة ومن ثم يسرى العطب لبقية الأجزاء. واقعياً لكل خراب أسباب داخلية وأخرى خارجية.


6- أمور الخراب والتخريب:
إضلفة للقهر والاساغلال والتهميش الطبقي والاقليمي والتفاوت المرتبط بهما بين الذكور والإناث في ظاهرة "تأنيث الفقر" يرتبط تفاقم خراب أو تخريب وجود أي دولة ببضعة أمور، مثل (¹) وجود أو دعم وضع عنصري أو إرهاب، (²) تفاقم أو مفاقمة نزاع على حدود الدولة الجغرافية السياسية، (³) هتك السياسة الفظ لبعض الحدود الإجتماعية (⁴) زيادة التوترات الداخلية، (⁵) وجود أو دعم اعمال الفساد أو أعمال التهريب عبر الحدود، (⁶) التحكم غير الإجتماعي في عملة الدولة، (⁷) دعم التهرب من المحاسبة بزعم "دعم الإستثمار"، أو وجود أو دعم حالات هروب من الضرائب بتسهيلات قانونية أو مصرفية.


7- أسلحة الدمار الشامل:
تحقق الدول الكبرى في حلف "الناتو" أهدافها وأهدافه في إضعاف دول العالم إلثالث وتسهيل السيطرة المالية والتجارية على أهم موارد القوة الثقافية والاقتصادية لتلك الدول, عبر وسائل أهمها:

1- وسائل ثقافية: عبر الإذاعات والفضائيات والمقالات والأفلام وعبر مناهج الإعلام وااتعليم غير التاريخية وغير الإنتقادية، والمزكية للنجومية وللأدوار الفردية، وكذلك يتم الخراب أو التخريب عبر ارتباط نشاط الجمعيات بزيادة إهتمام ونشاط محدود دون باقي أنشطة المجتمع، كذلك يحدث ويتفاقم الخراب عبر شيطنة أو مسخرة الآيديولوجيا والنظم والشخصيات الاشتراكية، كذلك عبر الإشاعات والأخبار المزوفة أو التضليلية،

2- وسائل إدارية:
(أ) محق الظل الإداري باستعمال أسلوب إدارة مركزي ضيق لتنظيم نطاق واسع متنوع أو بإطالة الظل الإداري بإستعمال أسلوب إدارة واسع مترهل لتنظيم نطاق محدود بعدد كثير من الهيئات المركزية وبكثير من الموظفين، (ب) عرقلة سلاسة الحكم بإضعاف المؤسسية، وبعنصرة وشخصنة القرارات وثمراتها، وأيضاً بعمليات إضعاف ثم إبتزاز بعض الموظفين وبعض المسؤولين (ج) إزكاء المرونة والدعم الإعلامي والبيروقراطي للفاسدين وازكاء الصرامة والمحاسبة الحادة ضد المخلصين في أداء واحبات العمل والنشطاء النقابيين ومتزعمي الانتقادات..

3- وسائل إقتصادية:
أهمها دعم التملك التجاري تحت شعار "دعم المبادرة الخاصة" زاعمين انها تحسن المعيشة ! رغم ان التملك التجاري الخاص لموارد المجتمع وتحكم بعض التجار في موارده يصعب معيشة أضعاف عدد من يسهل لهم المعيشة.


8- الترياق:
الترياق المضاد لسموم الخراب أو الدفاع الذي يصد استراتيجية التخريب التي تمارسها قوى الامبريالية ودوائرها الرجعية أو دوائرها الليبرالية داخل دول العالم الثالث هو استراتيجية إشتراكية علمية تخفض أسس وأشكال التملك التجاري وتنظم الموجود منه بشكل إجتماعي تقوده في القاعدة هيئات العاملين وسكان كل منطقة بتنسيق ديموقراطي بين الحركة النقابية والحركة التعاونية والحكومات المحلية وآليات الجمارك والضرأئب وعملية التخطيط، وتكمل هيئات الدولة الثقافية والاعلامية والتعليمية والسياسية هذا التغيير بتنمية متوازنة وديموقراطية متكاملة، تعززها بكل الاجراءات الشعبية والحكومية التي تمنع توالد وانتشار أسس وأشكال الأنانية التجارية وسمومها الثقافية والاقتصادية والسياسية.


9- الوعي الزيف وآيديولوجيات التغيير الشكلي:
بوار وبؤس حكاوى وشعارات الحلول الجزئية من نوع ان "التعليم هو الحل" ! "التعاون هو الحل" ! "الوطنية هي الحل" ! "الإسلام هو الحل" ! "العلمانية هي الحل" ! "الليبرالية هي الحل" ! أو "الإسعاف هو الحل" ، أو ان الحزب الفلاني أو الزعيم الفلاني هو الحل، صارت منذ فترة الستينيات ثم منذ فترة التسعينيات مجرد حكاوى وشعارات وممرات يتخارج بها ساسة البرجوازية الصغيرة من صرامة الحل الديموقراطي الشعبي المرتبط بإلغاء الملكية التجارية لموارد المجتمع. بل بهذا النوع من الشعارات يخرج ساسة البرجوازية الصغيرة من ما يسمونه (جوطة) الجماهير والصراعات، وينتقلون إلى هدوء مسؤولية المنصب وإدارته الشخصية لشؤون الحكم، حيث يزعم هؤلاء الساسة انهم يواجهون "تحديات حقيقية" ويطلبون فترة من الهدوء (لا صوت يعلو على صوت البنك الدولى) يرتبون فيها الأمور ويحلون الأزمات! لكنهم بعد فترة من الحكم يقومون بتسويف القضايا سوف وسوف ويماطلون في تحقيق مطالب الجماهير ثم يغادرون.

الواقع إن ساسة البرجوازية الصغيرة يجدون في وصولهم أو وصول محاسيبهم ومحازبيهم إلى مقاعد الحكم ومقاعد القضاء ومقاعد التشريع، ذروة أحلامهم الذاتية وتطلعاتهم الشخصية في الانتقال الطبقي من صفوف الجماهير الكادحة والمستضعفة إلى صفوف النخبة والإدارة السياسية العليا حيث النفوذ والمال والصيت والجاه، ولايعدو تتالي الوعود والخطب الرنانة سوى أكاذيب تتلوها أكاذيب.


10- الخراب:
أكبر الوسائل التضليلية/ السياسية المؤدية إلى إضعاف سيطرة دول ومجتمعات العالم على مواردها وعلى مصيرها. هي سياسات البرجوازية الصغيرة المتنكرة باسم "النهضة" أو "التقدم" ، أو "الإسلام" أو "الوطنية"، أو "السلام والعدالة"، أو بإسم "الديموقراطية" أو باسماء "الاستقرار"، "تولية الأكفياء"، "تشجيع الإستثمار"، "حكومة تكتوقراط"، أو حتى بأسماء وآيديولوجيات متواضعة من نوع "الاصلاح"، "التجديد،" أو "الإسعاف".


11- الحل:
يرتبط الحل الواقعي والمنطقي لأزمات الخراب والتخريب في غالبية دول العالم الثالث باستراتجية تغيير جذري شاملة بدايتها ثورة وطنية ديموقراطية تربط تحقيق النموء والإزدهار الاجتماعي الإقتصادي في دولتها بتحقيق استقلال متكامل للفرد والمجتمع والدولة عبر ديموقراطية شعبية متكاملة لابد بالضرورة ان ترتبط بتنمية متوازنة.


12- عراقيل الحل:
ضد هذا التغيير الجذري ترفع قوى الخراب والتخريب شعارات ترقيع وتلتيق بإسم الانتقال "الديموقراطي" و"التحول الديموقراطي" و"التغيير العقلاني" و"التعاون مع المجتمع الدولي" وكلها شعارات خيال وتضليل مرتبطة بوهم رفع مستوى المعيشة والاقتصاد بنفس علاقات الانتاج الرأسمالية التي أدت لتخلفها العالمي وأزماتها الداخلية.طلب تغيير جذري بأسلوب يكرر أكثر أسس التخلف والصراع السلبي هو مجرد تكرار وإدمان للفشل الذي تحقق عشرات المرات خلال عشرات السنين الماضية التي سادتها أساليب التفكير الجزئي وتغييرات شكل الحكم دون تغيير مضمونه الطبقي مع كم يصعب حصره من الحلول الترقيعية في كل مجال.

الدليل الأول على ضلال وتضليل هذه الشعارات المضادة للتغيير الجذري ان التاريخ السياسي العالمي لم يشهد أي انتقال من نظام طبقي إلى نظام طبقي أخر بأسلوب أخوي أو عبر انتخابات إلا مرات مأزومة في فنزويلا وفي بوليفيا وفي نيبال، وبعد صراعات دامية دمرت السيطرة التجارية على مقاليد الحكم. أما في عموم العالم فقد كانت غالبية الإنتقالات الديموقراطية مجرد تحولات داخل صندوق سياسات الطبقة الإستغلالية. تغيير مقاعد في عربة الدرجة الأولى في قطار منحدر إلى هاوية.


13- ضرورة الحل وطبيعته:
الآن نظراً لحدة التدهور المعيشي والوطني تبدو غالبية المجتمعات في حاجة إلى تفكير سياسي جديد ثوري، خارج صندوق التفكير الجزئي الاصلاحي الترقيعي التاابعي الذي يتصور ان بالامكان حل الازمات المتشعبة المتداخلة باجراءات محدودة.

اهم معالم التفكير الجديد هو الجدلية والتنوع والتكامل والشمولية والانفتاح على الفكر الايديولوجي الثوري الاشتراكي العلمي القائم على التنمية المتوازنة الاشتراكية التنسيق والديموقراطية المتكاملة، أي الديموقراطية الشعبية المضادة لأي تفاوت طبقي أو إقليمي أو عنصري.

بدون التنمية المتوازنة والديموقراطية المتكاملة يزداد تفاقم الازمات وترتفع معدلات تفكك واحتراب المجتمعات وتنهار الدول وتتحول إلى اقاليم أو طوائف أو مجموعات مدن بل قد تتحول بعض المدن إلى أحياء سكنية متحاربة.