ستالين: خيانة الشيوعيين للشيوعيين 2!


طلال الربيعي
2021 / 6 / 1 - 09:12     

مما لا يُتصور، كما لا يُمكن تصوره، هو عمليات الترحيل نفسها، طرد الشيوعيين للشيوعيين، هدية للنازيين على أيدي أعداء النازيين اللدودين. امر غير معقول ولا يصدقه حتى الجستابو, الذين يستلم نسبة كبيرة من المناهضين للفاشية، الأشخاص الذين سجنوا في كثير من الأحيان بتهمة التجسس الفاشي، ليكونوا عملاء في GPU، الخدمة السرية السوفيتية 2. وحتى أكثر من ذلك، لأن الألمان كانوا يعارضون صراحة عودة العديد من المُرحلين إلى الوطن ويرفضون قبولهم مرات عديدة، على الأقل حتى عام 1939. ارادت السفارة الألمانية ووزارة الخارجية قبول الألمان، وليس أعداء ألألمان، وليس أعداء ألمانيا. إنهم يريدون فولكس دويتشه Volksdeutsche، الأشخاص من أصول ألمانية، وليس اليهود، المغتربين، والمناهضين للفاشية. ومع ذلك فهم يحصلون عليهم، مما يسعد الجستابو. ثمانون مضادًا للفاشية قبل معاهدة هتلر-ستالين عام 1939، أكثر من 200 (من أصل 350 مُبعَّدًا) بعد ذلك. الآن فقط يضغط الألمان من أجل الترحيل، مؤكدين على العلاقات الودية المتبادلة بين الرايخ الألماني والاتحاد السوفيتي. لا يوجد دليل على ضغوط أخرى، ولا على أي "تبادل" لاحق. قدم النازيون الأرقام، وقدم السوفييت الأسماء. لا يتم التضحية بمناهضي الفاشية وفقًا لبعض المبادئ الشاملة للحسابات السياسية ولا كعملة في التبادل وإنما كنوع من الهبة.

على الرغم من أن كل معتقل يُصنف على ان مَن "أعيد إلى وطنه من روسيا مشتبه به سياسيًا" بالنسبة للجستابو، إلا أنهم استنتجوا أن غالبية "المصابين بالماركسية" قد "شُفيوا تمامًا من "غسل الدماغ البلشفي"، وغالبًا ما يكونون على حق. تصف مارغريت بوبر نيومان كيف أن العديد من المعتقلين الذين تم تسليمهم واحتجازهم في السجون الألمانية فقدوا إيمانهم بالاتحاد السوفيتي، وأصبحوا مقتنعين بانتصار ألمانيا، وتوقعوا مستقبلًا مشرقًا للاشتراكية القومية-النازية 1. حتى أن البعض يجد فيها جوانبا إيجابية، ويكتشف السمات الاشتراكية في الاقتصاد والتشريعات العمالية! يشهد ألكسندر ويسبرغ-سيبولسكي بالفعل في موسكو مثل هذه المناقشات:
"قبع السجناء في زنزانة المرحلين في بوتيركا ... والجهازان كلاهما يثقلان كاهلهم. ما زالوا يخشون الشرطة السرية السوفيتية (GPU)، ولكنهم أصبحوا الآن خائفين من الجستابو أيضًا. لا يزال الحديث الفضفاض قادرًا على التسبب في حنق النظام الستاليني. بعد بضعة أسابيع، قد يثير الولاء المفرط للسوفييت نفس الشيء من قبل الجستابو. كان علينا توخي الحذر، فقد يكون احد مخبري الشرطة السرية السوفيتية يجلس في زنزانتنا. ناهيك عن أولئك الذي قرروا بالفعل أن يخونوا رفاقهم من أجل كسب ود الألمان. في ظل هذه الظروف، كان مجرد فتح فمك أمرًا غير مستحسن."
--------
"توقف" قصير للتعقيب من قبلي (ط.ا.):
يذكرني الكتاب, وبالأخص مصير مناهضي الفاشية الألمان الذين فروا الى الاتحاد السوفيتي ومن ثم تسليمهم الى الجستابو, بملحمة الفردوس المفقودة للشاعر الأنكليزي الكبير جون ميلتون, حيث ان الفردوس المفقودة لم يكن مبعثها, كما في الملحمة, الملائكة الساقطون fallen angels او اكثرهم وسامة Mammon, بل انهم الشيوعيون الساقطون من امثال ستالين وبيريا والعديد من زمرتهما. والفردوس المفقودة هي ايضا شعار شيوعيين ساقطين, شيوعيين يرفعون شعار -وطن حر وشعب سعيد!- فيعملون مع بريمر وذيوله في خلق نظام فاشي. والفاشية هي الاسم الآخر للفردوس المفقودة. واستعادتها هو شعار الستالينيين الأزلي. وكما في ملحمة ميلتون, ان استرجاع الفردوس المفقودة هو صيغة بلاغية غاشمة تجعل من الفردوس والجحيم وجهان لعملة واحدة. وحتى فردوس الاديان السماوية هي اسم آخر للجحيم او الموت, حيث يتوقف الزمن (بعرف بيرجسون وغريمه آينشتاين سواء بسواء): لا تغيير: تكرار فقط! الماركسية, كنظرية للتغيير-الديالكتيك, هي نقيض لفردوس ترحل الزمن الى منفى ابدي. والسعي الى جنة الشيوعية او فردوس الاديان السماوية هو تجسيد, بعرف المحلل النفسي جاك لاكان, لرغبة الانسان الابدية باستعادة الجسم petit a المفقود وهي رغبة لا يمكن تحقيقها مطلقا.
Lacan’s Concept of the Object-Cause of Desire (objet petit a)
https://thedangerousmaybe.medium.com/lacans-concept-of-the-object-cause-of-desire-objet-petit-a-bd17b8f84e69
هذا برغم ان الرغبة في استرجاع الجسم (هو ليس جسما فيزياويا بالمعنى المتعارف عليه, بل انه اشبه بالثقب الاسود الذي يبتلع كل الأجسام ولا يمكن ملؤه بحكم التعريف نفسه) تتقنع برغبات بديلة surrogate-desires اشباعها لا ولن يشبع الرغبة في امتلاك الجسم, ويوفر فقط عزاءا موقتا-المعادل السماوي هو الرغبة في الصعود الى الجنة التي سقط منها آدم وحواء, ليس بفعل الجاذبية, ولكن بفعل الملاك الساقط, الشيطان: وظيفة الساقط بداهة هي الأسقاط. والطريق الى الجنة يُعبد بالحجارة التي يرجم بها المؤمن الشيطان! ولكن ان نقول "ليس هنالك من جنة!" سينزل نزول الصاعقة. والصاعقة الأكبر هي قولنا, او بالأحرى قول ميلتون, ان الجنة الموعودة أسوء بما لا يقاس من الجنة المفقودة. لذا, كما يقول الفيلسوف الشيوعي والمحلل النفسي اللاكاني فاسلاي جيجيك: "لكي تكون ماركسيا حقا ينبغي أن تمر عبر لاكان". وما عداه هو تسويق لوهم الرغبة, للرغبة الرأسمالية, الحلم الأمريكي, المعولم الآن, كدمية باربي التي لا تملك من الشيوعية سوى حمرة شفتيها. انها شيوعية المتاجرة بالرغبة, بالفردوس الموعودة. ومن يبحث عن دلائل امبريقية, فنحن على اتم الاستعداد لذكر البعض منها الآن, تلك التي تعود لبضعة عقود فائتة, والاخرى التي هي اصغر عمرا. الدلائل الاولى: ستالين-بيريا, وخيانة الشيوعيين للشيوعيين. الثانية, عمل "شيوعيين!" مع صانعي الحلم, الحلم الأمريكي, لخلق وهم قاتل في ان دولة نامية (!) developing country, مثل العراق, اذا سلكت الطريق المستقيم-طريق الشعب (!), الشعب ككتلة هلامية تندمج فيها كل فئات الناس بلا طبقية تحسد عليها مع بعضها البعض لتنتج كوكتيلا هيغليا, كوكتيل الروح المطلقة, ستصبح دولة متطورة developed country مثل الولايات المتحدة. فبغض النظر عن عنصرية الهرمية الثنائية وغرزها الشعور بالضعة بمَن, كطفل, يحبو وينمو ساعيا الى النضوج, فأن الوهم يشترط ان الدولة المتقدمة ستتوقف عن التقدم كي تلحق بها الدولة النامية: انها السذاجة في احط مراحلها! ومصدر الوهم ليس سوء النية, بل منطق فاسد يتغافل عن حقيقة إن وجود الدولة النامية شرط لا غنى عنه لوجود الدولة المتطورة. ومنطق الشيوعيين الذين يتخلون عن لينين بزعم أن تعاليمه هي من صنع ستالين (خيال علمي ردئ في احسن تقدير!) ليس اقل فسادا من منطق ستالين-بيريا نفسه, بل اكثر فسادا بما لا يقاس. ستالين حارب الفاشية بلا هوادة, ولكن شيوعيي الحلم الأمريكي يكرسون الفاشية: المطلب الأول الآن في الدولة النامية, العراق, هو وقف قتل المتظاهرين السلميين وكشف قتلة زملائهم: وقف نمو الموت! انها ديموقراطية الناس اليافعين, ابناء وبنات العم سام للأطفال القصر (رغم ان اعمارهم تتجاوز عمر العم سام بعشرات المرات) او للمعتوهين عقليا!
--------
في زنزانة الترحيل نشب شجار بين فايسبيرج-سايبولسكي والمتعاون السابق للكومنترن الذي يعتبر الآن الاشتراكية القومية بالنسبة له شكلاً من أشكال الرأسمالية المنظمة التي من شأنها أن تمهد الطريق للاشتراكية. كان الشجار هو بين مناهض للستالينية ولكنه لا زال اشتراكيا, وألماني اشتراكي- قومي تخلى عن ستالينيته.

كتب فايسبيرج سيبولسكي في "Hexensabat: Russland im Schmelztiegel der Sä--------uberungen" (مصدر 4): "كان يجب أن أبقى هادئًا". "كان الاستمرار في هذه المحادثة أمرًا خطيرًا. ... كان غالبية المحتجزين في الزنزانة أذكى مني. لقد اختاروا الطريق الصحيح الوحيد في هذا الوضع المعقد: الصمت ".

انهم لا يقولون شيئًا. لكن هذا ليس صمتًا تضامنيا، لكنه صمت الوحدة المبني على عدم الثقة، على الخوف من الجار. إنهم لا يقولون شيئًا لأن الأشياء التي يقولونها قد تُسمع. انهم لا يقولون شيئًا بدافع الخوف، ولكن ليس فقط بدافع الخوف: إنه أيضًا لم يكن لديهم رأيا في تقرير مصيرهم، ويتقرر مصيرهم بين سفارة وأخرى، ودولة وأخرى. إنه يتركهم عاجزين عن الكلام. ان المصافحة المفعمة بالسرية بين NKVD والجستابو هي التي تقرر مصير أجسادهم.

وهؤلاء هم الذين سيجعلونهم يتحدثون أيضًا، في استجوابات لا حصر لها من البيروقراطية إلى الوحشية: أولاً NKVD، ثم الجستابو في بولندا أو في ألمانيا. سيقوم الأخير بتقسيمهم إلى مجموعات وفقًا للخطر الذي يمثلونه، A و B و C، ويرسلونهم إلى المصانع والثكنات أو السجون أو معسكرات الاعتقال الألمانية. يتم إرسال العديد منهم إلى أماكنهم الأصلية، حيث يتعين عليهم التسجيل لدى السلطات والعمل في الشركات الألمانية تحت المراقبة الدقيقة. يتم تجنيد الكثير - ربما معظمهم - في الفيرماخت: الجيش، ونادرًا ما يعودون إلى الاتحاد السوفيتي كجنود في حرب الإبادة التي شنت ضد الجيش الأحمر.

خذ، على سبيل المثال، قضية إروين جوريس - على الرغم من أنه ليس مثالًا، في الحقيقة، ليس حتى قضية، ولكنه فريد تمامًا - فقد تم سجنه كزعيم لرابطة الشبيبة الشيوعية في برلين - ليشتنبرغ, وكان مسجونًا مع إريك محسام (كان إريك محسام كاتب مقالات وشاعر وكاتب مسرحي ألماني يهودي مناهض للعسكرية. ظهر في نهاية الحرب العالمية الأولى كواحد من المحرضين الرئيسيين لقيام جمهورية بافاريا السوفيتية الفيدرالية، حيث قضى بسببها 5 سنوات في السجن. ط.ا.), لمدة عام في معسكر اعتقال Sonnenberg. لم يكد يُطلق سراحه حتى انضم إلى الحركة السرية المناهضة للفاشية حتى عام 1935، عندما تعرضت منظمته للانكشاف واضطر الى الفرار، أولاً إلى براغ ثم إلى موسكو. فقط ليتم القبض عليه في عام 1937 وإعادته في عام 1938، وهذه المرة إلى بولندا ثم إلى ألمانيا. بعد عام في الحبس الاحتياطي في موابيت، أطلق الجستابو سراحه وتم تجنيده من قبل الفيرماخت. في عام 1944، تم أسره من قبل السوفييت، ولكنه تجاهل ذكر زيارته الأولى للبلاد، علاوة على ذلك، لم يتكلم كلمة واحدة باللغة الروسية لمدة عامين، على الرغم من إتقانه لها. بعد إطلاق سراحه في عام 1946، عاد إلى برلين وهناك التقى بأحد معارفه القدامى باسم إريك هونيكر ( هونيكر اصبح لاحقا رئيسا لألمانيا الديموقراطية لسنوات عديدة. شعر هونيكر بالخيانة من قبل غورباتشوف في سياسته تجاه بلده. فمنع نشر النصوص الرسمية للاتحاد السوفيتي، وخاصة تلك المتعلقة بالبيرسترويكا، فلم يعد من الممكن نشرها أو بيعها في ألمانيا الشرقية. اضطر الى التنحي عن السلطة في عام 1989. بسبب فقدانه منزله بعد القبض عليه، أصدر هونيكر, كمثل كل ستاليني اصيل يستجدي الكنيسة عند سقوطه, تعليمات لمحاميه فولفغانغ فوغل ليطلب من الكنيسة الإنجيلية في برلين-براندنبورغ المساعدة. عرض القس أوفي هولمر، رئيس معهد Hoffnungstal في لوبيتال ، بيرناو باي برلين، لهونيكر وزوجته منزلاً في مقره. توفي هونيكر في المنفى في شيلي في مايو 1994 بسبب سرطان الكبد. ط.ا.). أخبر جوريس هونيكر أنه فقد كل الاهتمام بالسياسة. بعد أسبوعين، اعتقلته NKVD بناءً على تصريحات أدلى بها أمام الجستابو بشأن الاتحاد السوفيتي، وحُكم عليه بالسجن 25 عامًا مع الأشغال الشاقة في وركوتا 5.
(صور لسجن وركوتا
https://www.google.com/search?q=vorkuta+prison&rlz=1CAPKUQ_enAT906&sxsrf=ALeKk01T--U1gREoYEC6tQ8f_fmCBDPzdQ:1622505311642&source=lnms&tbm=isch&sa=X&ved=2ahUKEwisgfylj_XwAhW-_rsIHTdSCh4Q_AUoAXoECAEQAw&biw=1117&bih=533
ط.ا.)
يتبع
--------
المصادر
اضافة الى اعلاه:
5. Scholmer, Joseph. Die Toten kehren zurück: Bericht eines Arztes aus Workuta. Kö--------ln-Berlin, 1956
(شولمر، جوزيف. عودة الموتى: تقرير من طبيب من وركوتا. كولون-برلين، 1956)