لماذا استسلم السرفاتي ؟


احمد المغربي
2021 / 5 / 31 - 19:43     

يشكل انهزام المعارضين لنظام ما و استسلامهم له مكسبا أكبر من سحقهم في السجون أو اغتيالهم في المنافي فصورة معارض سابق يقبل يد الحسن الثاني أثمن لهذا الأخير من جثة أستاذه السابق بن بركة
لكن لماذا ينتهي هؤلاء بتلك الطريقة ؟ و إن أغرت المناصب الوزارية اليوسفي و أصدقائه فما الذي يجعل ثوريا كالسرفاتي الذي صمد سنوات طويلة في السجون ينتهي بالتراجع عن مواقفه من جلاد تزمامارت و تأييد ابنه الشاب لتحديث المغرب "تحت رعاية جلالته" ؟
يجيب المتملقون عن أسئلة كهذه بغبائهم الفطري فيدّعون أن هؤلاء إما كانوا خونة انتهازيين أو صاروا ناضجين بعد أن كانوا ساذجين فلا يعتقد الموظفون المحافظون أنه يمكن لشخص سليم أن يكون مناضلا و بما أن أصواتهم المزعجة لن يخرسها شيء غير انتصار الثورة فلا فائدة في تضييع الوقت في نقاشات عقيمة مع أمثالهم لكن الاجابة عن تلك الأسئلة تظل ضرورة ملحة فكثيرا ما يفزع انهيار رموز نضالية شامخة الثوريين ككابوس يفسد الأحلام الثورية المتفائلة كما أن دعاية المرتزقين المستندة على استسلام المناضلين السابقين يمكن أن تنجح في بث سموم الشك و الاحباط في فترات الجزر و الهزائم
و من البديهي أنه قبل كل شيء يجب التفريق بين أصناف من يوضعون في سلة "المعارضين" فنادرا ما كان هؤلاء يشكلون كتلة منسجمة لكن الرموز كالسرفاتي التي لا شك في نزاهتها و انتمائها لمعسكر الثورة هي النموذج الذي سيكون موضوعا لمقالنا
و بشكل عام لن نتطرق لدور الأطروحات السياسية التي يعتبرها بعض رفاقه سببا في نهايته فرغم اختلافي مع أطروحات منظمة إلى الأمام (حول الثورة عبر مراحل و التحالف مع البرجوازية الوطنية) لا أعتبر أنها يمكن أن تؤدي للاستسلام للملكية الاستبدادية بل أرى أن السبب الحقيقي في استسلام أو حتى خيانة بعض الثوريين ذوي التاريخ النضالي الطويل له جذوره و أساسه الحقيقي في الواقع السياسي فالنضال مثل المعارك المسلحة يتأثر بالجزر و الهزائم الكبرى و المناضل كالجندي المفعم بالروح الوطنية رغم اخلاصه لمبادئه لا ينجوا من تأثير المعارك المرعبة و الحصارات الطويلة التي تنهكه و تستنزف قوته
أما العامل الآخر الذي يلعب دورا كبيرا في احباط المناضل فهو فشل مُحركه الأول للنضال أي رهانه السياسي فطالما نتكلم عن استسلام لا خيانة أثناء المعركة نلاحظ أن الرهان السياسي تاريخيا لعب دورا حاسما في استسلام جنود طرف ما في معركة سياسية و يقدم استسلام المعارضة اليسارية الروسية في أواخر عشرينات القرن الماضي مثالا جيدا و مفيدا حول المسألة فبعد أن تخلى عنه حلفائه و أقرب رفاقه و استسلموا للتيرميدور الستاليني شرح تروتسكي الذي قاد نضالا دائما ضد البيروقراطية أنه انطلاقا من نقاشه معهم استنتج أنهم كانوا يراهنون على نصر قريب في حين كان هو يرى العكس و روى أنه كان دوما يؤكد لزينوفيف و كامينيف "أن علينا أن نستهدف ما هو أبعد من ذلك...علينا أن نستعد لنضال طويل و جاد"(تروتسكي – حياتي)
و في حالة السرفاتي و رفاقه فقد كان تراكم الهزائم و فشل الرهانات شديد القسوة فانهيار الاتحاد السوفياتي و البيروقراطيات الشرقية و الانحراف اليميني في الصين خلال السنوات الأخيرة من حكم ماو و خلافته من طرف "أنصار الطريق الرأسمالي" بعد وفاته و كذلك سيادة الخمول السياسي و القمع الدموي لاحتجاجات الشعب في المغرب كل هذه عوامل لا شك أنها تدفع بعض من التهمت المعتقلات السرية أجسادهم للإحباط و الاستسلام
لكن رغم كل هذا فيمكن للمناضلين أن يريحوا ضمائرهم بحقيقة أن "احتمال" هزيمتهم لن ينفي "حقيقة" مساهماتهم الإيجابية فلأفكار الانسان و دوره التاريخي استقلال تام عن تطوراته الشخصية إذ أن حاضره لا يمحي ماضيه و يمكن ذكر الدور الذي لعبه بليخانوف و كاوتسكي في تكوين قائد الثورة الروسية على سبيل المثال لا الحصر
أما من ناحية أخرى فالنظرية ليست عاملا ثانويا لا أهمية له في التأثير على الرهان نفسه بل في العديد من الأحيان تشكل عمودا أساسيا يكون لصلابته أو ضعفه دور حاسم بالنسبة للنضال المستند عليه فحقيقة أن إلى الأمام رغم ماويتها انتمت لليسار التقليدي كان يعني أنها اعتبرت روسيا الستالينية كنموذج اشتراكي و بالتالي فقد تسبب لهم انهيار المعسكر الشرقي بصدمة لم يصب بها من تبنوا التحليل النظري التروتسكي للستالينية كما أن الوعي المستند على نظرية صحيحة يشكل لقاحا قويا ضد الجزر المفاجئ و قد سبق لتروتسكي أن قال "إن النظرية هي تفوق التوقع على الدهشة"