الحذاء العسكري


بشير الحامدي
2021 / 5 / 30 - 16:16     

الطبقة البرجوازية التي ورثت السلطة عن الاستعمار في المنطقة العربية وصعدت للحكم بالوكالة عن هذه القوى منذ خمسينات القرن الماضي لم تنجح سوى في بناء أجهزة عسكرية وبوليسية مخابراتية مثلت أداتها الرئيسية في سيطرتها عل شعوبها وفي استمرار وظيفة الوسيط التي تنفذها لصالح رأس المال العالمي.
الحذاء العسكري في كل المنطقة العربية حذاء ملوث بالدم والعمالة ولا وظيفة له غير حراسة طبقة الأقلية الوكيلة ومن ورائها هيمنة ونفوذ القوى الاستعمارية الناهبة لثروات الشعوب ومثل هذا الواقع سيستمر ويطول في ظل التذرر الطبقي الذي تشهده البنى الطبقية في هذه البلدان وفي ظل استراتيجيات الهيمنة وغياب كل قدرة حالية على انتظام الأغلبية بشكل مستقل وتشكيل قوة جماهيرية موازية ومقاومة للدولة ولأجهزتها وعلى رأسها جهازيها المسلحين.
في الجزائر والسودان تقدّمت الأوضاع في هذا الاتجاه وحسمت انتفاضات السنة الفارطة لصالح هذين الجهازين وهو وضع طبيعي في ظل ازمة مستمرة منذ أكثر من سبع عشريات وفي ظل ميزان قوى غير متكافئ بين شعوب تنتفض وتثور وسرعان ما تعود وتستكين وتذعن لحلول أعدائها ومصاصي دمائها وبين أجهزة استعمار الداخل وعلى رأسها الأجهزة العسكرية والبوليسية والمخابراتية.
مهمة الجيش التقليدية التي ظهرت مع ظهور الدولة الأمة تبخرت نهائيا وتبخرت معها مهمة حراسة الحدود وخوض الحرب وتحولت المهمتان إلى حراسة طبقة الأغلبية وخوض الحرب ضدها كلما انفجرت الأوضاع في وجه الدولة الوكيلة.
هذا الوضع يكون تقريبا ساريا على أغلب البلدان في مصر وفي اليمن وفي الجزائر وفي ليبيا وفي العراق وفي سوريا وحتى الاستثناءات التي عرفت هنا وهناك مثل تونس ولبنان فإنها لا تشكل استثناءات حقيقية بالمعنى الصحيح للكلمة لأن هذا الجهاز لعب نفس الدور ولكن من وراء الستار.
وفي ظل الفوضى الحالية التي يشهدها الوضع وفي ظل ما انتهى إليه مسار الانتقال الديمقراطي في نسخته التونسية وبعد الرسالة المفتوحة التي توجه بها عدد من القيادات العسكرية المتقاعدين لرئيس الجمهورية المتناغمة مع كان صرح به هو منذ أشهر حين قال "...وكلما تحدث أحد الوزراء إلا وطلب منى أن أتدخل لدى الجهاز ... و"الجيش للتدخل السريع وتدخلاتكم كانت الأنجع والأسرع..." أكثر من معنى !!! فهل يحث قيس سعيد جنرالات العسكر على التدخل في الحياة السياسية مباشرة لنشهد طورا جديدا للانتقال الديمقراطي: نظام شبه عسكري بغطاء مدني وحسم فوقي في منظومة "انتقال" لم تنتج غير الفوضى ومزيد الفساد في كل المجالات في عملية استباق لكل ما يمكن أن ينتجه وضع أصبح منسدا على كل المستويات ولن يؤدي إلا لتجدد الاحتجاج والانتفاض وقلب الأوضاع جميعا.
المؤكد أن خيار بمثل هذه الخطورة سيكون ثمنه باهظا على الشعب التونسي الواقع اليوم في قبضة لصوص السيستام مدنيين ومسلحين.
30 ماي 2021