من الذي كتب التاريخ؟


حسن مدن
2021 / 5 / 28 - 10:35     

تحكي رواية "تاريخ حصار لشبونة" لمؤلفها، خوسيه سارماجو، والتي ترجمها إلى العربية سيد عبد الخالق عن مصحح بروفات، أو من نسميه بالمدقق اللغوي، يخترق المألوف، فيقوم بتعديل حادثة من حوادث التاريخ في كتابٍ يُصححهُ، إذ يقرر وفقاً لترتيب الأحداث وطبيعتها وقراءته الخاصة لها، أن الصليبيين لم يساعدوا البرتغاليين في احتلال لشبونة واستردادها من أيدي المسلمين المغاربة في النصف الثاني من القرن الثاني عشر .
بينما يؤكد الكتاب الذي يقوم بتصحيح بروفاته، وكذلك عدد كبير من المراجع المشابهة مساعدة الصليبيين للبرتغال، فما كان منه إلا أن أضاف كلمة "لم" قبل الفعل "يساعد"، وبهذا انعكست الآية .
ولما اكتشف الناشرون هذا التغيير الذي مرّ بسلام، رغم أنه قلب الحقائق رأساً على عقب، اقترحت عليه إحدى المسؤولات عن النشر أن يواصل كتابة تاريخ الحصار من الزاوية التي بدأ بها، ومن هنا يُشرع المدقق اللغوي في كتابة تاريخ البرتغال كله من جديد وفق رؤيته بدءاً من حصار لشبونة، ليبدأ هذا التاريخ بكلمة "لم" النافية التي أضافها عندما كان يصحح البروفات .
وكم مَن هم على شاكلة المدقق اللغوي الذين قرروا أن يكتبوا تاريخاً يتسق وهواهم، فأضافوا إليه "لا" النافية حين أرادوا، أو حذفوا لاءات "مثلها" في أمكنة ومواضع أخرى من دون أن يلتفت إليهم أحد أو يعترض عليهم، تماماً كما حدث مع صاحبنا المدقق الذي صنع تاريخاً مغايراً من دون أن يجد من يقول له إن هذا غير صحيح، وإن الأمور لم تسر كما رواها هو، لأن الناس مشغولة عن التاريخ بقضايا الحاضر .
لعل التاريخ الحقيقي يقع في منطقة أخرى مجهولة لا نعرفها، وأن ما نسميه تاريخاً ليس هو بالضرورة كذلك، وأنه قد لا يعدو كونه اجتهاد فرد أو أفراد، مثل المدقق اللغوي في الرواية المذكورة، صاغوا لنا الأحداث وطلبوا منا أن نصدقها، وفعلنا ذلك في الأغلب .