إدموند هوسرل Husserl : معنى الوعي (حسب الفينومينولوجيا)


محمد الهلالي
2021 / 5 / 26 - 17:40     

الوعي هو المدخل لبلوغ حقيقة الأشياء. يحلل هوسرل الوعي في كتابه (Idées -dir-ectrices pour une phénoménologie pure et une philosophie phénoménologique) وهو الكتاب الذي ترجمه أبو يعرب المرزوقي تحت عنوان "أفكار ممهدة لعلم الظاهريات الخالص وللفلسفة الظاهراتية". يهدف المذهب الفينومينولوجي إلى التخلص من الموقف الطبيعي في مجال المعرفة والذي يرتكز على مطابقة التمثلات لماهية الأشياء (أي يعتبر أن التمثل عن الشيء يعكس ماهيته).
فالوعي مرتبط بالإدراك. والإدراك حسب هوسرل هو عملية تدفق الإدراكات في الوعي. لذلك ينبغي عدم الخلط بين الإدراك والشيء المُدرك بالرغم من تداخلهما الوطيد والوثيق. فالعنصر المُدرَك لا يظهر إلا تدريجيا من خلال لقطات متتالية. لكن إدراكنا لشيء ثابت ليس ثابتا. فالشيء يظل ثابتا بينما إدراكنا له متعدد الجوانب والزوايا.
لما يوجهُ الوعيُ انتباههُ نحو موضوع مُعيّن، فإن هذا الموضوع ينفصلُ عن الخلفية التي يوجد ضمنها. كما أن الوعي يتخلى (إبان اهتمامه بالموضوع الذي وجه انتباهه صوبه) عن عدد كبير من الإدراكات الحسية المحتملة. فإدراك شيء ما يعني الاقتصار على النظر إلى جزء منه فقط، لكن مع وجود احتمال منظورات أخرى. يميزُ هوسرل بين الإدراك و العواطف. فهذه الأخيرة يتم الشعور في كليتها.
الوعي بالنسبة لهوسرل قصديٌ. فخلافا للظواهر الفيزيائية، تقصدُ الظواهر النفسية (تقصدُ بمعنى تستهدف وتتجه صوب) دائما شيئا محددا، لأن فعل الوعي (الإدراك، الذاكرة، الإحساس) وموضوعه مرتبطان بشكل وثيق. إن الموضوع المستهدف ليس هو الموضوع كما يوجد موضوعيا، أي كما هو في ماهيته. فهناك فعل التفكير (le noèse) من جهة، والمحتوى الموضوعي لهذا التفكير (le noème) من جهة أخرى. وإذا كان الوعي هو سيرورة معرفية واقعية، يتطابق مع إحساسات، فإن الموضوع المستهدف هو محتوى غير واقعي، هو ثمرة للقصدية، والقصدية حسب هوسرل هي الخاصية الأساسية المميزة للوعي والمتمثلة في كونه وعي بشيء ما. فالقصدية هي الكيفية التي ينسج الوعي من خلالها علاقة مع العالم. كل عنصر تستهدفهُ يُدرك ويُعاش بكيفية خاصة.
ومع ذلك، إذا تمكنت الذات من تقويم وتصحيح نزوعها الطبيعي المتمثل في إصدار أحكام عن المواضيع في ذاتها (كما يُحتملُ أن تكون في استقلالٍ عن الإدراك) فإنه بإمكانها مراقبة وعيها في صفائه، هذا الجهد الذي يستهدفُ تحقيق الموضوعية يسميه هوسرل: الاختزال الفينومينولوجي.
يميز هوسرل بين نوعين من المعنى تمنحهما الذات للموضوع:
- يمكن للذات أن تركز فقط على بعض الخصائص الموضوعية مثل الصلابة واللون والوزن والموقع...
- ويمكنها أن ترتبط بالموضوع وفق صيغ مختلفة متعلقة بذاتيتها مثل الذاكرة والرغبة والقيم والمشاعر.
يخلص هوسرل إلى أن المعرفة لا تتشكل بالمعنى العلمي إلا وفق المعنى الأول الذي تمنحه الذات للموضوع المقتصر على الجوانب الموضوعية. لذلك من الضروري أن تتطابق الخصائص التي أدركتها الذات (عن الموضوع) فعليا مع الخصائص الفعلية والواقعية لهذا الموضوع.

للاطلاع على مواضيع ذات صلة بهذا الموضوع:
https://www.facebook.com/hilaliphilo