ستالين: خيانة الشيوعيين للشيوعيين 1!


طلال الربيعي
2021 / 5 / 26 - 03:38     

بيني أدمجاك Bini Adamczak (ولدت في عام 1979) كاتبة ومنظِّرة اجتماعية نسوية وفنانة المانية مقيمة في برلين, تكتب عن النظرية السياسية، وسياسات الكوير، ومستقبل الثورات الماضية.
ادناه ترجمتي (وتعليقاتي التوضحية) لمقال مقتبس من الفصل الأول من كتابها
Yesterday s Tomorrow
On the Loneliness of Communist Specters and the Reconstruction of the Future
- غد الأمس
حول عزلة الأطياف الشيوعية وإعادة بناء المستقبل-
https://mitpress.mit.edu/books/yesterdays-tomorrow
الذي صدر هذا العام ونشر من قبل MIT ,(Massachusetts Institute of Technology).
في هذا الكتاب تتحدث أدمجاك عن ان انبثاق المشروع الشيوعي في القرن العشرين كان يهدف الى معارضة الهياكل الطبقية وإلغاء الاضطهاد. ومع ذلك، تزامنت محاولات تحقيق هذه المُثُل سلسلة من الإخفاقات الهائلة. في -غد الأمس- ، تفحص أدمجاك هذه الكوارث في ترتيب زمني عكسي من عام 1939 إلى عام 1917: ميثاق هتلر وستالين، الارهاب العظيم لعام 1937، فشل اليسار الأوروبي في منع الاشتراكية القومية-النازية، صعود ستالين إلى السلطة. انها تسعى إلى مستقبل لم يحدث أبدًا.

في كتابها, تصف أدمجاك ترحيل المنفيين المناهضين للفاشية من الاتحاد السوفيتي إلى ألمانيا النازية - خيانة الشيوعيين للشيوعيين؛ الشك الأولي للشيوعيين الأوروبيين في أنباء اتفاق هتلر - ستالين؛ خطة ستالين للإرهاب الاشتراكي للدولة، مع حصص للإعدام بدلاً من المحاصيل؛ اختفاء الطبقة وظهور الحساب التكتيكي والاقتصادي؛ استحالة التعرف على نجاحات الثورة؛ والوعد الرخيص بأنه "في المرة القادمة ستكون ديمقراطية". كتبت أدمجاك أن ما يثقل كاهل إمكانية الرغبة الشيوعية ليس مجرد نهاية التاريخ ، ولكن أولاً وقبل كل شيء، نهاية الثورة. ليس فقط عام 1989، ولكن أيضًا، أكثر من ذلك، 1939 ، 1938 ، والعودة إلى عام 1924، إلى عام 1917. فقط إذا فهمنا هذا التاريخ يمكننا العمل نحو مستقبل أفضل.
------
"في كل جيل يجب أن يكون هناك من يعيش كما لو كان زمنه لم يكن له بداية ونهاية، بل نهاية وبداية."
مانيس سبيربر، ( مثل دمعة في المحيط)
Manès Sperber, Wie eine Träne im Ozean (Like a Tear in the Ocean)
(مانيس سبيربر (1905 - 1984) روائي وكاتب مقالات ومحلل نفسي نمساوي-فرنسي ومؤلف للعديد من الكتب. ط.ا.)
------------
افل آخر شعاع من اشعة الشمس الدافئة. لا يقلع طائر واحد من تلك الأشجار التي نفضت أوراقها، لا يمكن سماع إيقاع جناح واحد. كما لو لقد نسوا الطيران، وفقدوا الثقة في وجود يحمله الهواء، تجلس المخلوقات على الأغصان الرفيعة. ببطء، تتلاشى ظلال أعمدة التلغراف الطويلة التي كانت ستربط قارة مستقبلية، وتتلاشى في الحقول المحصودة. منجل قطع الاعشاب ينتظر بلا حراك في وقت مبكر لغسق همدت رياحه.
في المسافات المتباعدة تختلط الغابات المتناثرة بتخوم القرى التي نساها التاريخ. المكان يزداد عتمة. فقط ربما، رغم ذلك، بقي القليل من ضوء شاحب ليسمح بالقاء نظرة عابرة على مناظر طبيعية تعج بالعمل الميداني غير المتغير. هنا وهناك التصق الندى بأكوام الحبوب. تشرع المركبات الأولى في السير، ولبضعة كيلومترات. شعور دافئ يتسرب من خلال الشقوق الصغيرة في المركبة. في أحيان يغيّب الضباب المنظر، والذي حتى بدونه لن يكون واضحا. بعد رحلة طويلة من موسكو ، أو بعيدًا، على الحدود الروسية، يمكن أن تتعب أعينهم من مشاهدة الحقول، التي تتسارع في المضي ومع ذلك، بسبب سعتها ،تبدو ثابتة. لكن عيون مناهضي الفاشية الألمان المهاجرين الشيوعيين لا ترى شيئًا، لا توجد نوافذ في عرباتهم. ربما في الخارج، البقع الأولى من الضوء لامست الأرض بينما تمد الجبال في الأفق رؤوسها الحجرية مرتطمة بفجر يوم جديد. أو ربما كان الوقت ظهرا. من المحتمل، حتى على الأرجح ، أن الجو مشرق, يوم مشع، أبيض من الثلج الذي يعلو القمم في المسافات، من تألق الأنهار الواسعة، وبحيرات بولندية لا حصر لها. ترتفع شمس الظهيرة تقريبًا في السماء الفارغة خلاف ذلك، تدفئ أسطح عربات Stolypinski، سجون متدحرجة يجلس فيها النزلاء, سبعة نزلاء في كل مركبة. قعقعة القطار تحول دون إجراء محادثة. لبعض الوقت تكون الأغاني مسموعة و الكلمات مشجعة، ولكن بعد ذلك، في كل مرة، يصمتون. يحضر الحراس الماء والإعانات السخية من الطعام، ولكن الأسرى فقدوا شهيتهم. "لماذا الان؟ كلوا فقط! هناك متسع من الوقت. عليكم أن تجوعوا في وقت لاحق!" قال لهم أحد الجنود بلطف.(1) إن الجنود هم من NKVD (مفوضية الشعب للشؤون الداخلية في الاتحاد السوفيتي. ط.ا.) ، وقد أمروا بإحضار شحنة مغلقة - شحنة بشرية صامتة. عندما يبطئ القطار، و تصل الشمس إلى ذروتها، تظهر الطبيعة نفسها عمياء عن التاريخ. في محطة القطار، يخرج السجناء المناهضون للفاشية، ويمشون سيرًا على الأقدام للوصول إلى مفصدهم النهائي في غابة. على جسر القطار من Brest-Litovsk، الحدود المنشأة حديثا، ينتهي الطريق. يأتي جنود آخرون من الجانب الآخر من الجسر، يرفعون أياديهم إلى قبعاتهم لتحية ضباط NKVD. تتم قراءة الأسماء، ويبدأ التبادل. أولئك الذين يقاومون في حالة من الذعر يتم دفعهم بشدة، والجنود الألمان- افراد ال SS النازيين - يستقبلون اليهود في صفوفهم بصياح كلمات معادية للسامية.

قطار من عدة قطارات منسية. قطارات خاصة ينقل بها ال NKVD الشيوعيين الألمان أو النمساويين إلى الحدود الألمانية، ويقومون بتسليمهم إلى الجستابو-الشرطة السرية النازية. أولا بمسارات مختلفة، حسب مكان حجزهم، من خلال Shepetovka و Negoreloe / Stowbsty وإلى الحدود البولندية، من خلال Būcmaņi في لاتفيا أو عبر Ostrow أو عبر فنلندا. (2) . ثم ، بمجرد أن تشترك ألمانيا وروسيا في حدود مشتركة, حصريًا من خلال Brest-Litovsk. تشير الوثائق الى انه من ضمن آلاف المرحلين كان هنالك أكثر من 300 شيوعي ويهودي ومناهض للفاشية. كان هنالك العديد من وسائل النقل، الأولى سيرت بالفعل في عام 1935، والأخيرة في مايو عام 1941، قبل شهر من اندلاع الحرب (3). معظم المرحلين في القطارات من روسيا إلى ألمانيا هم المهندسين والمتخصصين والعمال المهرة الذين انتهت عقودهم والذين تم الإفراج عنهم في رحلة العودة إلى الوطن. كان ضمنهم قليلا من السجناء من المتعاطفين مع الاشتراكيين الوطنيين (النازيين)، وعددا منهم كانوا جواسيسا بأوامر من النظام الألماني. آخرون، والذين يهموننا الآن هم شيوعيون ،معظمهم من أعضاء الحزب الشيوعي الألماني أو النمساوي Schutzbund. وصلوا إلى الاتحاد السوفيتي كأنصار الثورة- ثورة اكتوبر 1917، وبقي معظمهم حتى عام 1933 أو 1934.وقد غادر بعضهم في وقت لاحق فقط، بعد سنوات من القتال السري، وبناء وإعادة بناء الحزب الشيوعي ،KPD, الحزب الشيوعي الألماني، دون توقف حتى تم اكتشافهم واضطروا إلى الهروب. لقد عانى الكثير منهم التعذيب في السجون الألمانية، وبعضهم في معسكرات الاعتقال الأولى. انهم المناهضون للفاشية، لديهم حتى ختم الدولة، والسلطات السوفيتية صارمة في هذه الأمور. فقط أولئك الذين شاركوا في مقاومة نشطة وفقًا لمعايير الحزب الشيوعي الألماني يُسمح لهم بالهجرة؛ الاضطهاد المعاد للسامية لا يكفي مؤهلًا للحصول على عرض للجوء.

مضطهدون من قبل النازيين, فارون من خطر المعسكرات, الشيوعيون الألمان والنمساويون يفرون إلى المنفى الروسي، إلى جمهورية السوفيتات، الوطن الأم للعمال، للبروليتاريا، إلى موسكو ، المدينة الأكثر احمرارًا على هذا الكوكب. الحماية ليست ما هي يأمل فيه معظمهم قدر حصولهم على الفرصة لمواصلة المساهمة في بناء الاشتراكية، لتنظيم المقاومة ضد ألمانيا في المنفى. قلة منهم يقصدون البقاء ويريدون العودة بأوراق جديدة، بمهمة مختلفة. ويعودون، لكن عزل، ليس كثوار، كجنود سوفيت، بل بالأحرى كأسراهم.

جاءوا من معسكرات العمل، من كاراغاندا في كازاخستان ،من السجون في جزر سولوفيتسكي في البحر الأبيض، أو مباشرة من مراكز الاحتجاز في خاركيف أو غوركي أو إنجلز ،حيث يمكثون لسنوات، في انتظار المحاكمات التي تستمر دائمًا بنفس الطريقة. يتم شحنهم من معظم المناطق النائية من الجمهوريات السوفيتية، عبر الآلاف من الكيلومترات، منفردين أو في مجموعات صغيرة. بعضها قد اصبحوا معارفا الآن، حيث يجدون أنفسهم مرة أخرى في زنازين في بوتيركا، السجن المركزي في موسكو، حيث تم وضع الكثير منهم بعد اعتقالاتهم الأولية قبل بضع سنوات. لكن الآن، على عكس ما سبق ،يوجد 25 منهم فقط، وليس 110 محتجزون في زنزانة مخصصة ل 25 شخصً، وينامون على أسرة، وليس على ألواح، أو على حشايا ذات ملاءات و ليس على أرض مغطاة بمعاطفهم. يجلسون على كراسي، وبدلاً من الهمس يتحدثون بصوت عال ويلعبون الألعاب. كان من قبل ممنوعا عليهم حتى التجول، ناهيك عن ترتيق ملابسهم أو الغناء (4). يعطونهم الادوية, طعام جيد، ليس الحساء المائي كما من قبل، يتم تقديم وجبات سخية ثلاث مرات في اليوم. الجوع ابلى بهم خلال سنواتهم في الحبس الاحتياطي، مما دفعهم إلى العمل القسري في المعسكرات، الذي تم ايقافه عشية تسليمهم. وكأن المبعدين قسرا يجب أن يتركوا انطباعا جيدا لدى أولئك الذين سيستقبلونهم عن البلد المضيف. ليس على الأرجح، لإقناع النازيين بإنسانية نظام السجون السوفياتي, بل لإظهار سخاء الإمبراطورية الحمراء، وانه لديها ما يكفي لأشباع أسراها. الاسرى، بطبيعة الحال، يرون الأشياء خلاف ذلك: لقد تم تسمينهم لتسليمهم إلى جزار ألماني.

هذا ما يبدو عليه الأمر، لكن القليل منهم فقط يتحدثون عنه، وعدد قليل فقط يجرؤ على التحدث عما يبدو محتملاً ولكنه مستحيل في نفس الوقت. كانت بضمنهم زنزل محسام - اعتقلت بعد وقت قصير من وصولها إلى الاتحاد السوفياتي لنشر أخبار جرائم النازية.
(زنزل محسام ( 1884- 1962) ناشطة سياسية شاركت مع زوجها، إريك محسام، في سوفيت ميونيخ ("مجلس العمال") عام 1919. بعد خمسة عشر عامًا، بعد مقتل زوجها في معسكر اعتقال أورانينبورغ بالقرب من برلين، شقت طريقها إلى موسكو ، على أمل الترتيب لنشر كتابات زوجها السياسية. بعد ثمانية أشهر من وصولها، اتهمت على أنها "جاسوسة تروتسكي"، تم القبض عليها في عمليات التطهير السياسي في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي واعتقلت لأول مرة في أبريل 1936. ولم تتمكن من مغادرة الاتحاد السوفيتي لمدة ثمانية عشر عامًا أخرى، وقضت الكثير من الوقت في السجون أو معسكرات العمل.ولكنها نجت بعد إعادة تأهيلها من قبل محكمة عسكرية سوفيتية التي اعترفت بخطأ التهمة بسبب خلل فني قضائي. ط.ا.)
يتبع
...........
المصادر
1. Buber-Neumann, Margarete. Als Gefangene bei Hitler und Stalin. Eine Welt im Dunkel. Munich, 2002
(بوبر نيومان، مارجريت. كسجينة لدى هتلر وستالين. عالم في الظلام. ميونيخ ، 2002)
2. Schafranek, Hand. Zwischen NKVD und Gestapo. Die Auslieferung deutscher und österreichischer Antifascishten aus der Soviet--union-- an Nazideutschland. Frankfurt, 1990
(شافرانيك, هاند. بين NKVD والجستابو. تسليم مناهضي الفاشية الألمان والنمساويين من الاتحاد السوفيتي إلى ألمانيا النازية. فرانكفورت، 1990)
3. Schafranek, Hand- and Müller, Reinhard, ed(. Die Säuberung. Moskau 1936. Stenogramm einer geschlossenen Parteiversammlung. Reinbek bei Hamburg, 1991
(شافرانيك، هاند, و مولر راينهارد (محررين)، التطهير. موسكو 1936. اختصار لاجتماع حزبي مغلق. Reinbek بالقرب من هامبورغ ، 1991)
4. Buber-Neumann, Margarete- and Weissberg-Cybulski, Hexensabbat. Die Gedankenpolizei—die große Tschistka. Gekürzte Auflage. Frankfurt, 1951
(بوبر نيومان، مارجريت؛ و وايزبرج -سيبولسكي، سبت الساحرات. شرطة الفكر - تشيستكا العظيمة. طبعة مختصرة. فرانكفورت، 1951)