لا حل للصراع إلا بدولة علمانية أممية


سامى لبيب
2021 / 5 / 25 - 22:09     

* خراب خراب .
آلمني مشهد الدماء والخراب والدمار الذي حل بفلسطيني قطاع غزة ولكنى لم أندهش من تكرار مشهد هذه الحرب لأضيف أنها لن تكون الأخيرة فستتكرر المأساة دوماً وسنحزن ونندب ما يحل بالفلسطينيين دوماً طالما كان هناك حضور للمؤسسة اليمينية الدينية اليهودية وللقوي الإسلامية الحمساوية .
دعونا نتذكر ما حل بالفلسطينين والأسرائيليين فى هذه الحرب :
- أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على القطاع إلى 232 بينهم 65 طفلاً و39 سيدة , و1910 مصابين ومن بين الإصابات 560 طفلا، و380 سيدة، و91 مُسنّا , وفي المقابل تسببت الصواريخ التي أطلقتها حماس والفصائل من قطاع غزة باتجاه إسرائيل فى مقتل 12 شخصا وإصابة 335 آخرون بجروح وفق الشرطة الإسرائيلية .
- بلغت الخسائر المادية الأوليّة في غزة مئات من ملايين الدولارات , كما أدت الهجمات الإسرائيلية إلى نزوح أكثر من 75 ألف فلسطيني لجأ منهم 28 ألفاً و700 إلى مدارس تابعة للوكالة "أونروا" إما بسبب هدم بيوتهم أو هربا من القصف , لنشهد لأول مرة تهجير وتشريد الفلسطينيين داخل بلادهم !
- تسبب قصف غزة بأضرار بلغت مئات الملايين من الدولارات للمباني والبني التحتية كالكهرباء والمياة والصرف الصحي والمنطقة الصناعية بالقطاع ومنشآت صناعية أخرى, وفي الجانب الإسرائيلي قالت رابطة المصنعين إن الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الإسرائيلي بلغت 166 مليون دولار .
- قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن 75 مقراً حكومياً ومنشأة عامة تعرضت للقصف الإسرائيلي , تنوعت ما بين مرافق خدماتية ومقار أمنية وشرطية , وتضررت 68 مدرسة كما تضررت مرافق صحية وعيادات رعاية أولية بشكل بليغ وجزئي بفعل القصف الشديد في محيطها, فيما تضررت 490 منشأة زراعية من مزارع حيوانية وحمامات زراعية وآبار وشبكات ري , كما تضررت شبكات الصرف الصحي وإمدادات المياه تحت الأرض بشكل كبير نتيجة الاستهداف المباشر , ولم تسلم بيوت العبادة من العدوان حيث تعرضت 3 مساجد للهدم الكلي بفعل الاستهداف المباشر و40 مسجدا وكنيسة واحدة تعرضت لدمار بشكل بليغ .
- قصف جيش الاحتلال أكثر من 300 منشأة اقتصادية وصناعية وتجارية وهدم 7 مصانع بشكل كلي , وألحق أضرارا بأكثر من 60 مرفقا سياحيا كما تضرر 31 محوّلا للكهرباء في غزة بفعل هجمات الاحتلال الإسرائيلي , وتعرضت 9 خطوط رئيسية للقطع ,كما كشفت الإحصائيات الحكومية الفلسطينية أيضا تضرر 454 سيارة ووسيلة نقل بشكل كامل أو بأضرار بليغة .
- رصد باحثو مركز لحقوق الإنسان في غزة خلال العدوان على قطاع غزة , قصف طائرات الاحتلال لعدد (6) أبراج سكنية دُمرت (3) منها بشكل كلي وبلغ مجموع الوحدات السكنية المدمرة كلياً فيها (437) وحدة سكنية , كما ألحق القصف أضراراً متفاوتة في مئات المنازل والشقق السكنية والمحال .
- أعلن الجيش الإسرائيلي أن أكثر من 4300 صاروخ أُطلق من قطاع غزة في اتجاه إسرائيل , اعترضت الدفاعات الجوية الإسرائيلية 90% منها بواسطة القبة الحديدية , ولتشير إلى سقوط 610 صاروخ منها داخل غزة , وإذا كان قصف حماس لإسرائيل كان قصفا عشوائيا يعتني ويأمل بقتل أكبر عدد من المدنيين مما أفقد حماس أي دعم عالمي , بينما نجد أن القصف الإسرائيلي أصاب أهدافه سواء البني التحتية لحماس وغزة ناهيك عن قصفه الهمجي للمدنيين وعلي كل الأحوال لم يكن قصفاً عشوائياُ .

* المشهد الهزلي .
- بعد أن إستعرضنا حجم الخراب والدمار الذي حل بغزة جراء القصف الإسرائيلي , فوجئنا بإعلان الأفراح وإطلاق الزغاريد من جانب حماس إعلانا بإنتصارها على إسرائيل لأشد شعري من هذه العقلية النرجسية البلهاء التى لم يَهزها ولم يُحرجها حجم الدماء والخراب الذي حل بالشعب الفلسطيني بل ما حل ببنيتها من تدمير مخازنها وأنفاقها أيضا لتعلن عن الإنتصار الوهمي ليتصوروا أن قذف إسرائيل بالصواريخ يعني بطولة وإنتصار كما يرى أستاذ العلوم السياسية في قطاع غزة جمال القاضي بأن حركة حماس تشعر بأنها انتصرت لأنها تمكنت من الضرب في عمق إسرائيل , مشيراً إلى أن إسرائيل لم تتمكن من منعها من ضرب المدن الإسرائيلية بالصواريخ !
- كما تري حماس أن قبول إسرائيل لوقف إطلاق النار يعني هزيمتها وإنكسارها !! فقبولها جاء نتيجة الضغط الدولي كما أن إسرائيل تهتز بسقوط فرد واحد علاوة علي أن قصف غزة لن يجدي بدون تدخل بري فى ظل تواجد حماس داخل ظهير مدني .. فما هذا الغرور والغباء ولكنه ليس غريباً عن العقليات الدينية والقومية التى تعيش وهم الإنتصار لإخفاء خيبتها وهوانها , فلنا تاريخ طويل من الغطرسة والكذب لمواراة الإنكسار والهزيمة , كمثال حرب 56 إثر تأميم قناة السويس ليتم دك مدن القناة والجيش المصري من قبل إنجلترا وفرنسا وإحتلال سيناء حينها من قبل إسرائيل , لتجبر أمريكا الدول الثلاث على التوقف ثم نعلن بعدها أننا منتصرون ولنظل نحتفل بوهم الإنتصار لعقود كثيرة !
- حسابات المكسب والخسارة تتم وفق أن مكاسبي تفوق خسائري كما أنني كبدت العدو خسائر تفوق خسائري , أضف لذلك أنني فرضت شروطي وحلولي السياسية فأين هذا من هذه الحرب , فقتلي الفلسطينيين 232 وقتلي الإسرائيليين 12 وحجم الخراب والدمار الذي حل بغزة هائل يعادل مئات الملايين من الدولارات يتمثل في تدمير البنية الفوقية والتحتية لغزة وحماس بينما الخسائر الإسرائيلية لا تكاد تُذكر وإذا كان هناك من يتكلم عن مكاسب سياسية إستدعت الحرب , فالوضع فى القدس والهيمنة والسطوة الإسرائيلية عليها لم تتغير .
- طالما نخدع أنفسنا لنخفي خيبتنا وهواننا وإنكسارنا بل نبلغ من الوقاحة والغرور مأخذاً بأن نعلن إنتصارنا فلا يعنينا حجم الدماء البريئة التي سُفكت والخراب الذي حل بالفلسطينيين فداء معاركنا وبطولتنا الوهمية فلا تتوقع أى تقدم أو تغيير يطرأ على شعب يسلم ذفنه لهؤلاء النرجسيين البلهاء .
- شاهدت منذ يومين تصريحات لأحد اللواءات الحمساوين المتقاعدين الذي يبشرنا بان حل الضرب بالصواريخ والتحرير الكامل فلسطين قادم بواسطة حماس فى غضون سنتين أو ثلاث ليبلغ الهزل مداه الأقصي , والغريب أنه يصدر من عقلية عسكرية فلا عزاء لأحد عندما يُحكم ويُصدق مثل هذه العقول .

* لن تجدي الحلول الدينية القومية لدي الطرفين فى حل الصراع .
- جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أن الحلول الدينية القومية لكلا الطرفين قوية حاضرة متغلغلة فى الجين الفكري الثقافي لكلاهما , فجوهر الصراع تحت الجلد يعلن عن أنه صراع وجود وليس حدود , فالقكر اليهودي الصهيوني والفكر الإسلامي الحمساوي لا يعترفا بحق الآخر فى الوجود وإذا كان هناك أي تخفيف لهذا المشهد الفج فسيقبلون وجوده ديكوراً خاضعاً خانعاً .
- الرؤية الدينية للصراع قديمة قدم الحضور الديني اليهودي والإسلامي فى أرض فلسطين , فكلا الطرفين يستند لفكره الديني , فإسرائيل هى الأرض الموعودة من قبل الرب وشعبها هو المختار , ولغرابة المشهد وسخريته نجد أن الإسلام يُقر بحق اليهود فى تلك الأرض وأن شعبها هو المفضل على العالمين , ومن هنا تتكون العقلية اليهودية فى التشبث بالأرض وإغتصاب حق الآخرين وإستخدام كل الوحشية والهمجية كما فعل أجدادهم التاريخيين .
- الإسلاميين يتغاضون عن أن قرآنهم أقر بحق اليهود فى الأرض وأنهم أفضل العالمين , ليستحضروا فكرة أرض الإسلام فكل أرض يطئها مسلم هى أرض إسلامية وعلي هذا النهج يحلمون بأرض أسبانيا ليعضدهم فى عدائهم أيضا النصوص القرآنية الإنقلابية التى إنقلبت على اليهود فى المرحلة الأخيرة من حياة محمد .
- الحلول القومية والتى تتمثل فى قومية عربية فى مقابل قومية يهودية جذرها ومنشأها الفكر والرؤية الدينية وإن كانت تحاول أن تخلع لباس الرؤية الدينية ليبقي صراع قوميات , ولكن هذا الصراع لن يجدي طالما يرفض الطرفان الحق فى وجود الطرف الآخر .
من هنا أري أن فكرة حل الدولتين يستحيل أن تحل القضية لتحقق السلام بالرغم أن هذه الفكرة صعبة المنال والتحقق , فكلا أطراف الرؤية الدينية القومية اليهودية والإسلامية لن يقبلوا بحل الدولتين ولتنظر لأدبيات وبرامج الفكر الإسلامي واليهودي الديني , لذا فتحقيق حل الدولتين بعيد المنال كما هو ليس لإنهاء الصراع بل لتأجيله لجولة أخري من الحروب .

* لا حل إلا بدولة علمانية تقصي الحلول الدينية والقومية .
ما الحل فى ظل هذه الحالة من الصراع العدائي المعقد الذي يستدعي الجين الثقافي الديني القومي المتعصب النابذ لوجود الآخر إلا خاضعاً صاغراً .. أرى الحل في تغيير المفاهيم وتغلغل مفهوم الدولة العلمانية لدي الفلسطينيين والإسرائيليين .. دولة المواطنة الكاملة التى تُعلي من وجود الإنسان وكرامته وتُهمش الحضور الديني والقومي .
فلسفة الدولة العلمانية أنها لا تًسحق الإيمان الديني كما لا تسحق القوميات والهويات بل ترفض حضورهم السياسي ونظرياتهم فى الإدارة لتكون الإدارة لعموم المواطنين المتحررين من النزعات الدينية والقومية ..أضيف أن الحل العلماني صعب المنال ولكن ليس مستحيلاً .. صعب لتغلغل الجين الديني المتعصب الإقصائي ولكنه ليس مستحيلا فبعد حروب ودماء كثيرة وخراب شامل فلابد أن يستفيق الطرفان ويتغلبا على نزعة العنف والهمجية .
يأتي دعم حضور الدولة العلمانية من حضور اليسار والقوي التقدمية لدي كل من الفلسطينيين والإسرائيليين لوضع الصراع الطبقي فى مساره الطبيعي بدلا من هذا الصراع الوهمي المضلل المنحرف بالبوصلة , وليكون الحل الأممي هو السبيل للسلام والكرامة الإنسانية .

* إنتخابات مبكرة .
أولي خطوات تصحيح المسار أن يُقام إستفتاء وإنتخابات مبكرة فى الضفة وغزة حول من يعتلي سدة الحكم والقرار هل لمنظمة التحرير الفلسطينية ونضالها ومقاومتها السلمية أم لحماس والجهاد وحروبهم التصادمية الإستنزافية , فمن هنا يحدد الشعب الفلسطيني مصيره ومساره , فإما لحل سياسي أو حل تصادمي إستنزافي , ففى حال إختيار الفلسطينيين للحل السياسي كما كان نضال السود فى جنوب إفريقيا فسيكسبوا دعم العالم لهم علاوة على تقوية اليسار الإسرائيلي ليصعد المشهد السياسي بديلا عن اليمين الإسرائيلي الديني القومي المتطرف وكبداية لتحقيق دولة علمانية , أما فى حال إنحياز الشعب الفلسطيني لخيار المقاومة الحمساوية فليشربوا ولا يبكوا .

دمتم بخير .
لا سبيل إلا لحل أممي علماني يقضي على التعصب والكراهية والحرب ويُعلي من قيمة وكرامة الإنسان .