الصيام شهر أم أيام معدودة


عباس علي العلي
2021 / 5 / 25 - 08:16     

في تفسير لبعض الكتاب الذين اباحوا لأنفسهم أن يكونوا مفسرين ومتؤلين للنص الديني بأعتبارهم أصحاب قراءات متعددة تسمح لهم الرؤية المركبة والإفتاء في محكم النص، ضربا بعرض الحائط ليس قوانين وأشتراطات التفسير والتأويل فقط ولكن أيضا ضرورة أحترام عقل الكاتب نفسه، مثلا النص التالي من مقالة أحد الكتاب (البدعة هي العبادة المحدثة التي لم يأت بها الشرع، وعند مقارنة ما وصل للمسلمين اليوم عبر كتب الحديث والتراث مع ما هو مذكور في القرآن، نجد ميلا دائما عند رجال الدين لتشديد الأحكام والمغالاة في العبادات والعقوبات عبر القرون، وصيام رمضان الذي جعلوه إلزاميا ولشهر كامل ليس سوى أحد الأمثلة على ذلك، بينما قامت الديانات الأخرى بالتخفيف من طقوسها بما فيها الصيام بما يتلاءم مع مصلحة الصائم وتطورات الحياة) .
الكاتب يعترض على قضيتين الأولى طبيعة تكليف الله للناس بالصيام والنقطة الأخرى مدته وتوقيته، فهو يرى أن الصيام ليس فريضة بقدر ما هي تطوع أختياري بدليل النص القرآني (ومن تطوع فهو خير له)، ونسي أن النص في السياق النظامي للتكليف جاء (كتب عليكم الصيام كما كتب على اللذين من قبلكم)، فهل يعرف السيد الكاتب الباحث النيو مفسر معنى كتب؟، في البداية يقر الكاتب أن الصيام عبادة موجوده في الدين اليهودي ومحددة مدة وتوقيتا، لكنها في الديانة المسيحية ليست فرضا ولا إلزاما بل هي ممارسة عبادية تطوعية، وفي كلا الديانتين هناك ما يعرف بالاقتران الفرضي بين الصوم والاعتكاف والصلاة، عليه فشكل العبادة في الصيام يجب أن تكون وفقا للشكل الذي أتت عليه في التوراة وهي ربط الصوم مع الاعتكاف بديل النص القرآني الذي أورده (كما أن الصيام في اليهودية والمسيحية يترافق مع الصلاة، وفي سورة البقرة 187 "ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد"، مما يدل على أن المسلمين كانوا مثل أتباع الديانات الأخرى يعتكفون للصلاة في المساجد طوال فترة الصيام).
أولا من حيث مدة الصيام في النص القرآني فهي محدودة في شهر رمضان، أي لا يمكن أن يكون الفرض خارج هذا الشهر، نعم ممكن التطوع من باب النافلة في أي وقت أخر بنية زيادة الأجر أو التقرب لله، النقطة الأخرى هي مقدار ما يصوم المسلم في الشهر؟ هل كل الشهر أم أيام معدودة؟ السؤال أولا عن معنى أيام معدودة هل هنا النص يشير إلى منه أو يشير إلى أن الشهر هو أيام معدودة؟ نعود للنص إذا لنفهم معنى الأيام المعدودة (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه"... (185)، إذا النص يشير غلى أن شهادة الشهر وهنا نفهم من النص أن المسلم المكلف والغير معذور بسبب سفر أو مرض متوجب عليه صيام الشهر، وحيث أن الشهر في الحقيقة هو أيام معدودة وليس مجهولا ولا غير محدد وهو بالعادة تسع وعشرون يوما وست ساعات، فالشهر معدود من حيث أيامه، وعليه فهو مكلف بما هو معدود والمعدود محسوب وكل محسوب هو معلوم غير مجهول.
فصيام شهر رمضان هو صيام أيام معدودة معلومة لا يزيد ولا ينقص وبالتالي فليس هناك أجتهاد في مورد النص، الكاتب يقول تعقيبا على هذا النص السابق وقياسا على ما يعرفه عن صوم اليهود ويطالب أن تكون الأيام المعدودة حسي فهمه زاعما أن المعنى للمعدود هو بين يوم إلى بضعة أيام حسب المعنى اللغوي (حسب معنى الآيات على المسلمين الصيام "أياما معدودات"، وهذا يعني لغويّا بين ثلاثة وتسعة أيام كحد أقصى، وبما أن الصيام قد كتب على المسلمين كما كتب على الذين من قبلهم، فبالإمكان تقدير عدد الأيام المقصود من خلال معرفة الصيام عند الديانات الأخرى، فاليهود مثلا يصومون لستة أيام فقط طوال السنة)، ناسبا هذا إلى المماثلة في فرض الصيام (كما كتب على اللذين من قبلكم، وهذا يعني حسب ما فهم من المعنى أن يكون الصوم كيفا وكما كما كتب على اللذين من قبلكم، أي لا يجوز أن تتعدى مدة الصيام الستة أيام.
نسي الكاتب أن صيام اليهود محدد تماما في أوقات محددة لا يجوز فيها أن تكون إلا في أوقاتها، بمعنى لا يجوز لليهودي أن يصوم فرضا مكتوبا في غير الأيام المذكورة، النص القرآني أشار إلى وقت معدود ومعلوم ومجمل في شهر دون وجود نص في هذا التكليف بتحديد الأيام، هل هي في أوله أو منتصفه أو أخره، وبالتالي وعملا بمنطق المطلق الغير مقيد بسري على إطلاقه، والدليل (فمن شهد الشهر فليصمه) إذا المطلوب هنا صيام الشهر لا صيام أيام بعينها، ثم أن التكليف هنا أستثنى مما لا يطيق الصيام لسبب سفر أو مرض هذا لا يعفي الصائم من أدائها في وقت أخر عند زوال السبب في أيام أخر، لكن ومع وجود السبب المخفف أو العاذر فمن يستطيع الصيام مع العذر فهو خير له وتطوع وليس كل الصيام هنا تطوع، المناسبة نجدها في النص التالي (أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدّة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) (184)، يفهم من النص أن التطوع إن لم يكن مقابل الاستطاعة فهو مقابل فدية طعام مسكين تطوعا والأفضل من التطوع هو الصيام وطعام المسكين.
النقطة الأخرى الاعتكاف عبادة ثانية ولا تعني أنها جزء من عملية الصيام ولا ترتبط بها، فهو يتحدث أصلا عن الرجال ولا يتحدث عن كل المسلمين، بمعنى أن الأعتكاف حصرا على الرجال والمنع وارد فقط على الرجال الذين لديهم نساء، أما النساء والغير متزوجين أو الذين ليس لهم نساء غير مشمولين في حكم معنى عدم المباشرة، وهذا يعني كواجب على جميع المسلمين أن يصوموا بشروط الأستجواب أو الإجابة دون أن يلزم الجميع في الأعتكاف، وإلا لو كان شرطا أن تترافق عبادة الأعتكاف مع الصيام كشرط لسقط الصيام عن غالبية المسلمين ومع عدم وجود نص أيضا يربط الأثنين معا.
هذه المحاولات النقدية التي يروج لها البعض من خلال طرح الشبهات أو أستخدام اللغة والتمسك بمفردة واردة دون ربطها بالسياق العام لا تعدو أن تكون أجتهادا في معرض النص، فقد كان الصيام كشهر معمولا به أيام التنزيل وبعده مع وجود الرسول ص والذين كانوا معه، فلو كان الأمر كما روج البعض لتصدى له الرسول في وقتها أو الرجال الذين كانوا معه، أما التعلل في وجود أخطار من صيام الشهر وأنها تسبب عوارض صحية وغيرها من المبررات التي تسوق من باب الصحة العامة، فقد عالج النص هذه التخوفات من خلال فرض الإباحة، وبالتالي من كان مريضا ولم يحدد النص نوع المرض وتركه للمعرفة وتقدير أهل الأختصاص إنما يعني إزالة المخاوف تلك، كذلك هناك قاعدة نصية تعطي صاحب العذر حتى لو خيف ن يقع في المحذور أن يترك الصيام بأعتبار أن الله لا يكلف المكلف إلا ما أستطاع إليه سبيلا، فشرط الإستطاعة أولى ومقدمة كشرط على شرط التكليف، والنص موجود ومكرر(إنما يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) فالتيسير القاعدة الأولى المرافقة للتكليف والتيسير مقدمة للإستطاعة ومصاحبة لها، فترويج الأعذار الطبية للمنع من الصيام هي محاولة للقفز على المبادئ الأولية للوصول إلى الطن بأساس التكليف.