يجب أن يكون هناك حزب ثالث في الساحة الفلسطينية للمطالبة بدولة واحدة نعيش فيها بالمساواة مع الإسرائيليين


حزب دعم العمالي
2021 / 5 / 23 - 18:49     

“يجب أن يكون هناك حزب ثالث في الساحة الفلسطينية للمطالبة بدولة واحدة نعيش فيها بالمساواة مع الإسرائيليين”

رأي عامل فلسطيني بعد الحرب الدامية.
اجرى المقابلة اساف اديب

موسى، عامل فلسطيني من الضفة الغربية، يستيقظ يومياً في الساعة الثانية قبل الفجر ليجهز الزوادة ويتوجه نحو الحاجز في طريقه إلى مكان عمله داخل إسرائيل. موسى مثله حوالي 150 ألف عامل فلسطيني من زملائه يعملون في الورشات الإسرائيلية ويشكلون عصباً مركزياً للاقتصاد الفلسطيني وفي الوقت ذاته لهم دور محوري بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي.

بحكم معاملته اليومية بمكان العمل يعرف موسى جيداً الواقع الإسرائيلي ويفهم أيضاً الواقع الفلسطيني التعيس الذي يعيشه هو وعائلته.

الحديث الذي نورده هنا مع العامل الفلسطيني موسى جاء من خلال مكالمة هاتفية معه بعد انتهاء الحرب الدموية الأخيرة. وجاءت المكالمة لتتيح المجال لسماع الأصوات غير المسموعة في المجتمع الفلسطيني، وهي الأصوات التي لا بد أن تكون لها وزن عندما يتم صنع القرار السياسي.

موسى يعمل في المشاريع الاسرائيلية منذ 15 عاماً، وموسى اسم مستعار، لم نكشف هوية العامل الحقيقية وذلك لأسباب يدركها الجميع. فيما يلي نص المقابلة:

“اليوم في المسجد الأقصى كانت هناك انتفاضة للشباب بعد الصلاة وتم اتهام المفتي بأنه هو والرئيس أبو مازن خانا فلسطين، وذلك بعد أن تغافل في خطبة الجمعة الحديث عن الحرب والقتل والدمار ولم يذكر عنها شيئاً على الإطلاق. كما أن الشعور العام هو بأن حماس فعلت ما لم تجرؤ دولة عربية على فعله. أنا من جهتي أعتقد أن هذا الدعم لحماس ناتج عن عدم وجود خيار آخر وعدم وجود بدائل”.

“ولو أن هناك قوة سياسية فلسطينية جادة تطرح بناء دولة مشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين، حيث يسمح للشباب الفلسطينيين بالعيش والسفر للوصول إلى البحر لرؤية العالم الذي سيختارونه لكان الوضع مختلف”.

“قبل انتشار كورونا، فتحت إسرائيل إمكانية الوصول إلى بحر تل أبيب ونتانيا. وقتها تحدث معي العديد من الشباب الذين انتهزوا الفرصة ليذهبوا إلى هناك وقالوا إنهم فوجئوا برؤية الإسرائيليين يعاملونهم بطريقة طبيعية وإنسانية. شبابنا لا يعرفون ما هي الحياة، وما هو البحر وما هو القطار.”

“الجميع هنا في الضفة يحلم بأوروبا، ولكن إسرائيل هي أوروبا. نحن بحاجة إلى إيجاد حل يسمح لنا بالعيش على قدم المساواة هنا”.

“محمود عباس والسلطة الفلسطينية هم شلة من الفاسدين. يتحدثون بوجهين، من ناحية هناك يتحدثون عن فلسطين وعن القدس، ومن ناحية أخرى تعتبر السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع إسرائيل مقدساً. وفي أثناء الحرب لم نسمع صوت السلطة التي التزمت الصمت، والآن فقط عندما أعلنت مصر أنها ستقدم نصف مليار دولار لإعادة إعمار القطاع، أعلن حسين الشيخ (وزير الهيئة العامة للشؤون المدنية -أ.أ.) أن أموال إعادة إعمار غزة يجب أن تمر عبر السلطة”.

“ما أقوله هو رأي الكثيرين، ولكن لا يجرؤ أحد على القول إن الحل هو مع الإسرائيليين. وإذا قلت ذلك أو كتبته سيقولون إنني خائن. نحن بحاجة إلى أكاديميين وجامعيين يدعمون هذا الاتجاه الصحيح الذي يفهمه جميع العمال”.

“يذهب الناس مع حماس لأنهم يفهمون أن السلطة الفلسطينية لا تفعل شيئاً. يجب أن تكون هناك قوة لتحل محل السلطة الفلسطينية وحماس. كلا الجانبين – رام الله وغزة – لهما مصلحة بإطالة الصراع وعدم حله”.

“تتفاخر حماس بأنها تتحدى إسرائيل وتطلق الصواريخ. لكن المنازل التي هُدمت في عام 2014 لم يتم ترميمها حتى يومنا هذا”.

“عندما يكون الناس عاطلين عن العمل وبدون مستقبل ولا يمكنهم المغادرة والقوة الوحيدة التي لديها فرصة لتوظيفك هي حماس أو مليشيات الجهاد فمن الواضح أن الشباب سينضمون إليها”.

“أما في الضفة الغربية، الوضع مختلف إذ أن هناك فرصة للعمل في إسرائيل. الناس هنا ترى أن الموظف في السلطة الفلسطينية يتقاضى 2000 شيكل شهرياً لذلك يفضل شباب الضفة مواجهة كل صعوبات العمل في إسرائيل على أن يكون تابعاً لهذه السلطة”.

“حاليا لا يمكن للفلسطينيين الذهاب إلى أي مكان. ولدخول أي دولة تحتاج إلى تأشيرة. ولكي يكون هناك اقتصاد نحتاج إلى تغيير جذري وذلك لا يمكن صنعه من دون بناء دولة واحدة مع الإسرائيليين”.

“اسأل من هو محمد دحلان؟ لا يصدقه أحد هنا. ربما يحظى مروان البرغوثي بدعم أكبر. لكنني أعتقد أن المعادلة بحاجة إلى تغيير. بجب أن نعيش حق المساواة. تماماً كما هو الحال في الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ويجب أن نطبق ذلك هنا”.

“الشعب يريد الديمقراطية والحرية. ويسأل الناس إلى أين ستقودنا كل هذه الحروب. كما يحتاج الإسرائيليون أيضاً إلى أن يفهموا أنه من المستحيل إغلاقنا في قفص صغير وأن يتوقعوا أن يعيشوا بأمان وسلام. يجب أن يكون هناك طرف ثالث يقدم بديلاً جديداً. لا أرى اليسار الفلسطيني كقوة تقدم بديلاً أو رؤية. ومع ذلك أعلم أنه يوجد اليوم بالفعل العديد من المشاريع الاقتصادية المشتركة التي يعمل فيها الفلسطينيون والإسرائيليون معاً”.

“طالما أن شبابنا يواجهون جداراً مسدوداً بلا مستقبل ولا عمل ولا فرصة للسفر وللعيش، سيشكل هؤلاء قاعدة دعم لحماس والجهاد. ولا نريد أن نعيش في بلد كالأردن أو لبنان. الدول العربية فاشلة من كل النواحي في مقابل إسرائيل التي هي دولة قوية، ولديها تكنولوجيا واقتصاد. نحن بحاجة إلى فهم الوضع والسعي للبناء تحالف مع قوى وأطراف إسرائيلية تفتح نفسها باتجاه الفلسطينيين وتقف الى جانبنا.”

صوت الأغلبية الصامتة

يعقوب بن افرات

يعبّر موسى من دون شك، عن رأي الأغلبية العظمى من الشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن صوته وأصوات زملائه ليس مسموعاً ولا أحد يهتم لمعاناتهم ومطالبهم. أما الأصوات المسموعة هي بطبيعة الحل أصوات نخبوية من المثقفين والسياسيين وهؤلاء -للأسف الشديد- يحتفلون بالوحدة بين فلسطينيي الضفة والغزة وداخل الخط الأخضر وراء انتصارات المقاومة المزعومة، بعيداً عن الواقع السياسي المحكوم من قبل فتح وحماس واليمين الإسرائيلي.

جزء من هذه النخبة من معارضي السلطة يتمسكون بشعار الدولة الواحدة من البحر النهر ويعتقدون أن تحقيق ذلك ممكن من دون إشراك الإسرائيليين. ويبتعد هؤلاء كثيراً عن الواقع غارقين في مثالية ضارة وخاوية من النتائج، وكأنه وبجرة قلم سيختفي صدفة 7 ملايين إسرائيلي عن وجه الأرض. فمن هنا تأتي أهمية الحديث الذي أدلى به موسى والذي لا يريد أحد الإصغاء إليه، فهو حديث العامل الفلسطيني الذي يعيش في الضفة الغربية ويمر يومياً بالمعابر ويتعرض للإهانة والضغوط، ومع كل ذلك فهذا المواطن هو من يدرك حقيقة الواقع ويعبر عما في قبله بكلام واضح وضوح الشمس.

بالفعل، الشعب الفلسطيني بحاجة إلى أكاديميين وجامعيين من أجل صياغة برنامج سياسي واقعي ثوري، موجه إلى القوى الديمقراطية داخل إسرائيل التي تعارض الاحتلال وسياسة اليمين الإسرائيلي. أما إلغاء المجتمع الإسرائيلي بالكامل وتجاهل تناقضاته الداخلية فلا يخدم سوى اليمين الإسرائيلي من ناحية والتيار الإسلامي الذي يحرض ضد الديمقراطية ويكفرها. وما يقوله العامل الفلسطيني هو الطريق الوحيد لإنهاء الاحتلال وبناء دولة ديمقراطية تجمع الإسرائيليين والفلسطينيين تمتد من النهر إلى البحر، وأما من يتجاهل وجود الشعب الإسرائيلي فهو يعيش في الأوهام مثله مثل من يتجاهل وجود الشعب الفلسطيني. هذا التوجه المطلوب يحظى اليوم بدعم دولي وتحديداً من قبل الكتلة التقدمية في الحزب الديمقراطي داخل الكونغرس الأمريكي، التي تنادي بالمساواة في الحقوق وتطرح شعار “حياة الفلسطينيين لها قيمة” (Palestinian Lives Matter).