طاغور في القاهرة


حسن مدن
2021 / 5 / 23 - 00:15     

في ديسمبر من العام 1926، أتى شاعر الهند العظيم طاغور إلى القاهرة في زيارة، التقى خلالها بأبرز وجوه مصر الفكرية والأدبية، كالدكتور طه حسين والشاعر أحمد شوقي والشيخ مصطفى عبدالرازق. وحسب ما ينقل الدكتور جلال أمين، فإن جريدة «الأهرام» قامت في مايو 2016 بإعادة نشر مقابلة مهمة أجرتها مع طاغور صحيفة «السياسة الأسبوعية» التي كانت تصدر في القاهرة يومذاك.
سألت الصحيفة طاغور ما إذا كان قد فكّر في توحيد الهنود جميعاً في دين واحد يجمعهم بدلاً من أن يكونوا على أديان مختلفة ما قد يؤدي إلى خلافات فيما بينهم وربما صدامات.
استهجن طاغور السؤال قائلاً إنه لم يفكر في أن يدعو لأمر مثل هذا، ولا ينبغي أن يفكر فيه أي أحد، فهو إن تحقق سيضر أكثر مما سينفع، فالدين، برأيه، هو أحد تعبيرات الإنسانية عن العواطف والميول والمثل العليا. وهو لهذا السبب متصل بأمزجة الأفراد والأمم، ويمثلها بصدق ما يجعل من حمل الناس على مغادرة أديانهم وتبني ديانات أخرى ضرباً من التعسف.
أكثر من ذلك، رأى طاغور أن تعدد الأديان يثري الإنسانية، لأنه يتيح صوراً مختلفة من الطرق التي بها تعبر الأمم عن عواطفها وميولها وأسلوب تفكيرها، ومحاولة محو أي دين تبدد شيئاً من هذه الثروة المتنوعة للبشر، وبكلمات طاغور للصحيفة المذكورة: «إنك لا تستطيع أن تستغني بدين عن دين، لأن كل دين مظهر قوي لمزاج الأمة التي تدين به، وهو طريق من الطرق التي تسلكها الإنسانية إلى الجمال والحق والمثل الأعلى».
وهنا سأل أحد الصحفيين اللذين أجريا الحوار مع طاغور: «أليست الإنسانية في حاجة إلى أن يتحد مثلها الأعلى؟ وإذا لم تستطع الديانات أن تفعل مثل هذا التوحيد فما السبيل إليه؟».
ورّد الشاعر الهندي حامل نوبل للآداب بأن المثل الأعلى للإنسانية يجب أن يكون واحداً ومشتركاً، وهو الحقيقة المطلقة التي لا حدّ لها ولا سبيل إلى استيعابها، ولن يؤثر اختلاف الديانات في كون هذا المثل الأعلى واحداً مشتركاً تتعاون الإنسانية كلها على طلبه والسعي إليه، ذلك أنه سيظل واحداً وإن اختلفت إليه الطرق، وما الديانات المختلفة إلا طرق متباينة ولكنها متحدة تنتهي كلها إلى هذا المثل الأعلى المشترك.
كان طاغور في حديثه الذي مضت عليه نحو مئة عام يقدم درساً في التسامح والتآخي بين البشر، تزداد الحاجة إليه إلحاحاً اليوم، خاصة في عالمنا العربي - الإسلامي المنقسم على نفسه.