قراءة في رواية الرحيل


فاضل عباس البدراوي
2021 / 5 / 22 - 15:44     

الرحيل...
منذ ريعان الشباب لم تستهويني قراءة الكتب الادبية، روايات، قصص، دواوين شعر، إلا النزر القليل منها، بالأخص الروايات المستمدة أحداثها من أرض الواقع، كُتّابها هم على الغالب ابطالها، قرأت روايات الام ومولد انسان لغوركي. والعقب الحديدية لجاك لندن، والشيخ والبحر لهمنغواي، وتحت أعواد المشنقة للمناضل الشيوعي الجيكي الذي إعدامه النازيون فوتشيك، وهادئا يجري الدون لتيشخوف.
كنت التهم المؤلفات التي تعنى بالسياسة والفلسفة والتاريخ والاقتصاد والمذكرات الشخصية.
اليوم اكملت قراءة رواية الرحيل لمؤلفها السيد عادل حاتم،
شوقتني قراءة الرواية كثيرا وانشددت إلى تفاصيل سردها، وتعاطفت مع بطلها نور، الذي هو مؤلف الرواية نفسه.
نور يترك عائلته ومحلته مرتع الطفولة والصبا، يترك المدينة بكل مباهج الحياة فيها، يغامر بحياته للالتحاق برفاقه الذين سبقوه في تسلق الجبال ليصل إلى ذراها، دفعته عسف الدكتاتورية كغيره من الشباب الذين انخرطوا في صفوف حركة ثورية وجدوا فيها ضالتهم في تحقيق حلم الأجيال الذين سبقوه في تحقيق أمالهم في وطن حر متحرر من قيود العبودية وشعب سعيد يتنعم بخيرات بلاده الوفيره التي سرقها الطفيليون، شاب في مقتبل العمر لم يسبق له أن استعمل سلاحا في حياته يندفع لحمل السلاح دفاعا عن النفس ومن أجل تحقيق الأهداف التي أمن بها كبقية رفاقه، هناك في أعالي الجبال يكلف نور بتنفيذ أخطر المهمات التي يُكلف بها، عند قيامه بتسهيل عبور الرفاق الجدد الاتين من شتى بقاع الأرض عبر الأراضي السورية مرورا بالأراضي التركية، للالتحاق بقوات الأنصار الشيوعيين، يتحدث نور عن معاناته مع رفاق السلاح ممن يتولون قيادة الأنصار لانه في نظرهم اصبح رفيقا مشاكسا، لكونه يناقش كثيرا ويخطئ بعض القررات، ربما باندفاع شبابي مخلص، لكنه بنظر بعض القادة وعدد من بطاناتهم يعد هذا في نظرهم خطاً احمراً، القائد لا يخطأ وقراراته واجبة التنفيذ بلا نقاش، ان بعضهم مصاب بمرض التحجر الفكري والجمود العقائدي وعبادة الفرد التي اكل عليها الدهر وشرب.
يضطر نور إلى عبور الحدود لا أدري بقرار من الحزب أو منه شخصيا، هنا تبدو تراجيديا جديدة، تخلص من براثن نظام عنصري فاشي ليقع في براثن نظام ثيوقراطي لا يقل قساوة في معاملة من يختلف معه في الفكر عن أي نظام ديكتاتوري آخر. يبدأ نور بسرد معاناته في بلد غريب لا يعرف لغته ولا يعرف فيه أحدا، يقع في حبائل غرام لا طائل له بحمله لكن الأمر ليس بيديه إنما القلب هو الذي يهوى، يعيش مرارات، الغربة وفراق الاهل وشظف العيش وقساوة الطبيعة وفراق الحبيبة، لكن أشدها هو جحود رفاق السلاح والعقيدة.
أن هذه الرواية التي انتهت تفاصيلها بين مطاري طهران ودمشق لا ندري إلى أين دفعت الأمواج بنور بعدها، يبدو أن للرواية تكملة وفصول أخرى.
كان على السيد عادل تقديم مسودة الرواية الى مصحح لغوي ليقوم بتصحيحها وتجذيبها، حيث ان فيها عدد غير قليل من الأخطاء اللغوية والإملائية، بالرغم من ذلك فهي لا تقلل من القيمة الادبية والتاريخية للرواية وتضعها في خانة الارشيف النضالي للشعب العراقي.
للسيد عادل اعطر التحايا وأطيب التمنيات له بمزيد من التألق والإبداع. وهو أحد ايقونات انتفاضة تشرين المجيدة وله باع طويل في اشعالها وربط بين تاريخه النضالي في الجبل وبين ساحة التحرير بؤرة الثورة التشرينية.