جون بول سارتر: -تأملات في المسألة اليهودية- كتاب يُحلل مُعاداة السامية ويدعّم الصهيونية (على حساب حقوق الشعب الفلسطيني) لأنها في نظره -حل لمشكلة اليهودي المُضطهد-


محمد الهلالي
2021 / 5 / 22 - 08:12     

اهتم الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر Jean Paul Sartre (1905-1980) بالمسألة اليهودية بسبب الاحتلال النازي لفرنسا وتعاون حكومة فيشي مع النازيين بتطبيق إجراءات ترحيل اليهود إلى معسكرات الاحتجاز. يحمل كتاب سارتر العنوان التالي "Réflexions sur la question juive"، (وقد تمت ترجمته إلى العربية من طرف د. حاتم الجوهري تحت عنوان "تأملات في المسألة اليهودية"، روافد للنشر والتوزيع، 2016).
يُحلل سارتر في هذا الكتاب ما يميز ظاهرة "معاداة السامية" سلوكيا واجتماعيا وتاريخيا. وما يميز اليهود ما بين العرق والتاريخ. ورغم أهمية النقد في التحليل الفلسفي الوجودي للمسألة اليهودية، فإن سارتر تخلى عن سلاح النقد في التعاطي مع الفلسطينيين. فهو لا ينتقد المشروع الصهيوني الهادف لإقامة دولة إسرائيلية على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها. بل إنه يدافع على أن "الصهيونية هي الجواب عن مشكلة اليهودي المضطهد". لقد قدم تبريرا نظريا وفلسفيا للصهيونية لا مثيل له. إن كتاب سارتر عن المسألة اليهودية هو من أهم الكتب المساندة فلسفيا للصهيونية. ولقد استفادت إسرائيل من كاتب ومفكر وفيلسوف يحظى بالعالمية والاحترام، ويؤثر على الرأي العام وعلى المثقفين.
لقد رفض سارتر تسلم جائزة نوبل التي مُنحت له سنة 1964. وسبب رفضه هو اعتقاده أنه لا ينبغي تكريم أي شخص وهو لايزال على قيد الحياة. لكنه لم يرفض تكريم جامعة أورشليم الإسرائيلية له بقبوله الدكتوراه الفخرية منها. ولقد برّر تصرفه هذا بقوله: "قبلت هذه الدكتوراه الفخرية لخلق روابط بين الشعب الفلسطيني الذي أتبناه وإسرائيل صديقتي". بل لقد ذهب إلى أبعد من ذلك لما قال عن دولة إسرائيل: "قيام الدولة اليهودية هو أهم حدث عرفه هذا العصر".
بل يصل الأمر بسارتر إلى ترديد الدعاية الإسرائيلية حين يقول "إن المجتمع اليهودي (يقصد في فلسطين المحتلة) لا ينبني على الأمة ولا الأرض ولا الدين ولا المصالح المادية ولكنه ينبني فقط على هوية موقف، ربما يكون رابطة روحية حقيقية للتعاطف والثقافة والتعاون المشترك".
لاحظ سارتر أن أساس المسألة اليهودية هو غموض الهوية اليهودية. فالتهوّد (الانتماء لليهودية) يصاحبه انزعاج اجتماعي. "فاليهودي هو من يعتبره الآخرون يهوديا" (يقول سارتر). إنه "إنسان في موقف" أي فرد واقعي ملموس في وضعية اقتصادية واجتماعية وسياسية محددة. ولذلك فمميزاته الجسدية ليست إلا عاملا من بين عوامل أخرى، فليس جسده هو الذي يجعله يهوديا. فالمسألة ليست مسألة عرق، فاليهود مختلفون في ما بينهم في مكوناتهم الجسدية. أما من الناحية التاريخية فهم فقدوا تدريجيا مميزاتهم الوطنية والدينية حتى صاروا "جماعة تاريخية مُجردة". لذلك من الصعب أن يكون لهم مرجع تاريخي موحد. فما يجمعهم (حسب سارتر) هو "ذاكرة حزن طويل" وعداء المسيحيين لهم. (يقول سارتر: "ما الذي يبين ان هذا الشخص يهودي إذا لم تكن هذه المحددات التي يختلط فيها النفسي والجسدي والاجتماعي والديني والفردي، أي هذه التركيبة الحية التي لا يمكن أن تكون وراثية، بما أنها في آخر المطاف تتطابق مع شخصيته؟ هذا يعني أن السمات الجسدية لليهودي ليست إلا عنصرا واحدا من بين عناصر أخرى").
يرى سارتر أن الفشل في تحديد هوية اليهودي اعتمادا على عرقه ستقود إلى الاعتماد على دينه أو على "المجتمع الإسرائيلي". ومن الملاحظ أن الأمم المعاصرة لا ترغب في استيعاب اليهود لأنها ترى فيه مصدرا لمجموعة من الشرور.
إن معاداة السامية تحوّل اليهودي إلى "كبش فداء"، وتحمله مسؤولية جميع المصائب، وتجعله يدفع ثمنها. ويخلص سارتر إلى أن معاداة السامية لا يمكن أن تستفيد من الحق في حرية التعبير، لأنها انفعال وتنطلق من لاعقلانية عملية. (يقول سارتر: "معاداة السامية لا تقع في نطاق باب الأفكار التي يحميها حق حرية الراي).
إن الغموض الذي يكتنف المسألة اليهودية يفسر نزوع اليهود الطبيعي نحو "الاستبطان". كما ان امتلاكهم لوعي حاد بالحرية في تحديد هويتهم يقودهم للاستمتاع بتعذيب الذات (المازوشية). ويسقط بعض اليهود في فخ "المعادين للسامية" حين يحاولون إثبات عدم وجود طبيعة (بشرية) يهودية. ومن جهة أخرى، يعيش اليهود تحت تأثير الشعور بالذنب.
إذا اختار اليهود أن يعيشوا تهوّدهم بطريقة أصيلة فسوف يلقون بأنفسهم في الحزن والأسى. أما بخصوص قلق اليهودي فيقول سارتر: "ليست حالة قلق اليهودي ميتافيزيقية وإنما هي اجتماعية. فموضع اهتمامه الاعتيادي ليس هو مكانة الانسان في الكون وإنما مكانته في المجتمع. فهو لا يستطيع أن يتخيل عزلة كل إنسان في عالم هادئ. إنه يوجد في وسط البشر ويشعر بذاته منعزلا لأن المشكلة العرقية تحدّ من أفقه. ليس قلقه من النوع الذي يبحث عن الخلود، إنه لا يستمتع به، فهو يبحث عن الاطمئنان".
كما أن مختلف الإجراءات التي اتخذت لدمج اليهود في المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها (مثل تغيير الأسماء، الزواج المختلط، التخلي عن الدين اليهودي...) هي إجراءات غير إنسانية. فاليهود، في نظر سارتر، مواطنون بحكم مشاركتهم في الحياة الاجتماعية لمجتمعاتهم. والحل الذي اقترحه سارتر للمسألة اليهودية هو إما التهّود بطريقة أصيلة وإما اختيار الصهيونية. بل يذهب سارتر إلى أبعد من ذلك حين يقول: "الثورة الاشتراكية ضرورية وكافية لقمع المعادين للسامية، ومن أجل اليهود سنصنع الثورة". إن الفلسفة لا تقي صاحبها من البلاهة والاصطفاف مع الأشرار.


هامش: للتفكير في مواضيع ذات الصلة:

https://www.facebook.com/hilaliphilo