رواية بوشكين (عربي القيصر) ترجمة : د. نصير الحسيني


نبيل عبد الأمير الربيعي
2021 / 5 / 20 - 02:35     

حياة الكسندر بوشكين (1799-1837م) فيها نزعة التمتع بالملذات وبالحرية التي يصبوا إليها الروس أحياناً، في غفلة من النسيان، وتخطئ دوماً بإنجاب الشباب الروس الغض، وتتجسد فيه منذ الأعوام الأولى لظهوره في أوساط المجتمع، ولن يمارىي أحد بأن ابن الجبل بزيه الحربي الحر وعاشق للحرية، وهو بالنسبة لنفسه القاضي والسيد، يكون أكثر تألقاً، وكلما كانت المادة عادية تتطلب أن يكون الشاعر أكثر سمواً ورفعة بغية أن يستنبط منها ما هو غير مألوف، ومن أجل أن يصبح الاعتيادي غير المألوف، فهل جرى تقييم آخر لأشعاره بعدالة؟ وهل قيم وفهم أحد ما أعماله؟ إن بوشكين يبدو في اعماله الرائعة وفي هذه الإنثولوجيا الرائعة، متعدد المواهب الأدبية والأبعاد بصورة غير عادية، وهو أكثر سعة ورحابة من أشعاره.
صدر عن دار الفرات للثقافة والإعلام في بابل بالاشتراك مع دار سما رواية الاديب الروسي الكسندر بوشكين (عربي القيصر) ترجمة الدكتور نصير الحسيني، وتقديم د. أسماء غريب. تضمنت الرواية (127) صفحة من الحجم المتوسط، اعتمد فيها المترجم على الرواية الصادرة باللغة الروسية الغير مترجمة، وباعتبار الدكتور الحسيني من المتقنين للغة الروسية، ويمتلك لغة عالية في العربية والروسية من خلال دراسته في الاتحاد السوفيتي سابقاً للهندسة المعمارية، والذي صدر له أكثر من منجز ادبي وكذلك في مجال الهندسة المعمارية، وقد تجاوزت مؤلفاته (13) منجز. فنجد في ترجمته الرائعة لرواية بوشكين بما تتمثل بشيء من البساطة والتألق، فهي ترجمة دقيقة مائزة، تجسد كل شيء في حياة الراحل بوشكين من رواية وشعر، ومن خلال هذا الإصدار الرائع تجد نفسك تحتاج أن تقرأ جميع أعمال بوشكين عدّة مرات، في حين هذه الخصال مفقودة في الأعمال التي تتراءى فيها الفكرة الرئيسية فقط، ويمكن اعتبار هذه الترجمة الرائعة حجر الاختبار الذي يُمكّن المترجم د. الحسيني ترجمة بقية اعمال اعلام روسيا، من خلال جمالية اللغة ودقة الترجمة، والتعبير والنقل الجيد دون إضافة أو حذف، فهي ترجمة بسيطة ومتزنة وساطعة وملتهبة وماتعة، وفي الوقت نفسه ذات نقاوة في اختيار الجمل في الترجمة.
فالشاعر والروائي بوشكين كلما صوّر بقدر أكبر المشاعر المعروفة للشاعر وحده، تتقلص بشكل ملموس دائرة جمهوره الملتف حوله، وفي نهاية المطاف تصبح صنيعة بحيث يمكن أن يُعد على الأصابع عدد متذوقيه الحقيقيين.
إن الكتابة عن بوشكين الملقب بأمير شعراء روسيا ليست بالمهمة اليسيرة، كذلك الترجمة، فقد كُتبت عنه مئات المجلدات، ولهذا أن الرواية المترجمة (عربي القيصر) تعكس عبقرية بوشكين، فهو مثل غيره من كبار الأدباء والشعراء أبدع في النثر بقدر لا يقل عن إبداعه في الشعر، وقد اختار الدكتور نصير الحسيني من اعماله تلك والتي لم تترجم بدقة سابقاً (روايته عربي القيصر)، فضلاً عن ترجمة بعض الأعمال النثرية له من قبل المرحوم غائب طعمة فرمان وأبو بكر يوسف وراجعها مستعربون روس، فهي أصدق من غيرها من حيث المحتوى. ولا بد لي من الإشارة إلى أن الترجمة من لغات أخرى غير الروسية إلى العربية كثيراً ما تتضمن أخطاء المترجم الأول الانكليزي أو الفرنسي وتضاف إليها أخطاء المترجم العربي.
ويلاحظ في العديد من التراجم الأخرى تحوير في الأسماء الروسية، وأن الاسماء اللاتينية حين تطلق على الشخصيات الروسية تفقد هذه الشخصيات صورتها في جو القصة أو الرواية. والقصة المنشورة (عربي القيصر) يروي فيها بوشكين قصة جده الأكبر إبراهيم الذي أرسله القيصر إلى فرنسا لدراسة العلوم العسكرية؛ وعودته إلى روسيا بعد سلسلة من المغامرات في إسبانيا، حيث حارب إلى جانب الفرنسيين وعلاقته الغرامية في باريس مع كونتيسة فرنسية من النبلاء التي أنجبت منه صبياً تم إخفاؤه عن زوج الكونتيسة وبعيداً عن باريس.
ويتحدث بوشكين عن كيفية اتخاذ بطرس الأكبر قراره أن يتزوج إبراهيم من ابنة أحد النبلاء الروس بغية أن يوطد مركزه في مصاهرة أحدهم. والقصة كلها من بنات خيال بوشكين، حيث أن جده الأكبر لم يتزوج ابنة نبيل روسي بل ابنة تاجر يوناني. ويقول نيقولاي غوغول بحق بوشكين ما يلي : "عندما يذكر اسم بوشكين تنبجس على الفور الفكرة حول وجود الشاعر القومي الروسي. وفعلاً لا ضاهيه له في هذا أي أحد من شعرائنا ولا يمكن تسمية أحد غيره بالشاعر القومي: فهذا الحق يعود إليه حصراً. وتجسد فيه، كما لو كان معجماً لغوياً، كل غنى وقوة ومرونة لغتنا".