مفاتيح الذاكرة


حسن مدن
2021 / 5 / 18 - 11:12     

خلال الأيام القليلة الماضية، وفي ظروف الحراك الجماهيري الواسع الذي يغطي أرض فلسطين التاريخية من أقصاها إلى أقصاها، واستمرار العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة، موقعاً القتلى والجرحى والدمار، مرت الذكرى السنوية للنكبة الفلسطينية، والعربية بالنتيجة، وكما في كل سنة، حين تمرّ هذه الذكرى المشؤومة، لوح فلسطينيون، ومن أجيال مختلفة، بمفاتيح بيوتهم، أو بيوت أجدادهم وآبائهم التي هجروا منها بالقوة عام ،1948 عند إقامة الكيان الصهيوني .
ليست الفكرة في المفاتيح، وإنما هي الذاكرة التي لا تدع نفسها تلغى، ورغم أن للنسيان سطوته التي لا سبيل لنكرانها، لكن حين يتعلق الأمر بالذاكرة الوطنية الجمعية، فانها تمتلك مقاومة لا توصف لأهواء الفتك بها، فهي تنتعش وتجعل حفظتها ينبعثون، أما كيف يحدث ذلك، فان أحد من كتبوا في الموضوع يرى أن "الحفظة الأولين يصونون تقديس أماكن الذكرى، إنهم يعارضون بها ناشطي الإنكار الذين لا يريدون أن يظل التذكر باقياً، وأن يكون منقولاً إلى الأجيال الجديدة" .
ما الإنسان إذا لم يكن ذاكرة وفؤاداً . وهذه الذاكرة قمينة بأن تجعله مشدوداً إلى تلك "الدروب التي لا تنسى"، إلى تلك الأماكن التي لا تنسى، "وبوسع أجيال لم تر هذه الأماكن والدروب، أن ترث من الآباء والأجداد الحنين إليها، شيء ما ينتقل عبر الدم أو الجينات، بهذا المعنى تغدو الذكرى، لكونها رفيقة اللحظات العادية في الحياتين الفردية والجماعية، مساهمة في بناء الحاضر، في الطريقة التي بها يصلان إلى تماس وأحدهما بالآخر" .
وللذاكرات الجماعية قدرة مدهشة على مقاومة وثبات التاريخ، ففي غضون أسوأ المراحل، تقي نفسها بالانكماش والانطواء في حياة خفية حين يشتد عليها ضغط الظروف أو القهر أو الاستبداد أو الاحتلال أو مصادرة الحرية، ولكن ما إن تخف وطأة هذه الظروف حتى "تنبجس وتتوصل إلى وجود متفجر بمقدار ما يكون قد طال زمن كبتها" .
في مثل هذه المناسبة يجري الحديث عن النكبة، لكن العقود الماضية لم تكن سنوات للنكبة وحدها، وإنما كانت، أيضاً، عقوداً من المقاومة الشجاعة في سبيل الحرية والكرامة والأرض، للملايين من الشباب العرب في فلسطين وفي لبنان ومصر وسوريا وغيرها من البلدان العربية الذين اجترحوا البطولات في سبيل حياة كريمة لأوطانهم وشعوبهم .
ويظل حق العودة عنوانأً جديراً للاحتفاء الدائم به، ترسيخاً لحق ثابت، لا يسقط ولا يتقادم، لأن في سقوطه محواً للذاكرة الوطنية وتغييباً للتاريخ، من أجل مصادرة المستقبل . صانت أجيال من الفلسطينيين هذه الذاكرة بالنضال، وثمة أجيال لم تولد بعد ستبلغ بالحلم أقاصيه .