اليسار بين مناهضة الامبريالية ومناهضة الانظمة الاستبدادية


عواد احمد صالح
2021 / 5 / 17 - 02:17     

اليسار بين مناهضة الامبريالية
ومناهضة الانظمة الاستبدادية
عواد احمد
من الامور البديهية عند اليساريين والتقدميين وحتى عند بعض الليبراليين المتحررين من النظرة الاحادية ان الامبريالية تتصرف وفقا لمصالحها الاقتصادية ونزعتها الاستعمارية للهيمنة والتسلط على الشعوب الصغيرة والضعيفة (( فمن خلال العدوان الامبريالي كسياسة واسلوب تتم ممارسة اسس توسع رأس المال )) ولم تكن الدول الامبريالية الشغوفة بنزعة الهيمنة والسيطرة يوما تتصرف بصفاء نية او بموجب اعتبارات انسانية او في سبيل الديمقراطية وحقوق الإنسان، او دفاعا عن المدنيين المهددين " بالابادة" من الحكومات وفقا للتوصيفات الزائفة والتضليل الاعلامي الرأسمالي بجميع صوره واشكاله الذي يمهد عن طريق التهويل وقلب الحقائق للتدخل الامبريالي .
ان اطروحات مثل (مناهضة الامبريالية) التي يتبناها اليسار والموقف من الانظمة التي توصف بانها استبدادية يراد من خلالها وضع تصور معين عن الموقف الذي يجب على اليساريين اتخاذه ازاء الطرفين .بناء على قراءة احداث محلية وعالمية مختلفة والذي يهمنا خاصة ماحدث في المنطقة العربية وشمال افريقيا بعد احتلال العراق عام 2003 ولاحقا ما يسمى بثورات الربيع العربي عام 2011 التي بدأت بالثورتين المصرية والتونسية وتحولت في ليبيا وسوريا الى حروب اهلية وتدخل امبريالي بدعم لوجستي بالمال والسلاح والبشر من قبل الدول الخليجية . بهذا المعنى لم تكن ( الثورات والحروب الاهلية ) حدثت بفعل عوامل داخلية فقط بل تظافرت العوامل الخارجية في ادامتها وتأجيجها وربما تحريفها عن مسارها الصحيح .
انتهت الانتفاضة التونسية والانتفاضة المصرية بسيطرة الاسلاميين حزب النهضة والاخوان المسلمين وهما قوى برجوازية رجعية ولاحقا سيطرة الجيش المصري بقيادة السيسي وبتفويض جماهيري لا يمكن انكاره على الحكم وكلا النظامين وبصرف النظر عن التفاصيل هما نظامين برجوازيين من حيث الموقع الطبقي ومن حيث التوجهات . بمعنى ان السلطة انتقلت من جناح من البرجوازية الى جناح اخر يتبنى بشكل محدود بعض التوجهات الانتخابية والديمقراطية دون المساس بطبيعة النظام الاجتماعي الرأسمالي في كلا البلدين . وهذا يبين ان الجماهير الشعبية المنتفضة الباحثة عن العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية لم تحقق اهدافها ، فالمرحلة التاريخية الراهنة ليست مرحلة الثورات الاجتماعية الجذرية بناء على هذا التصور لم تكن الاشتراكية هدفا مباشرا للنضال الجماهيري والاجتماعي في الثورات العربية مطروحا على جدول اعمال التاريخ . وذلك بسبب غياب العامل الذاتي : الحركة العمالية المسيسة وغياب حزب عمالي ماركسي وثوري من الطراز البلشفي .هذا من جانب ومن الجانب الاخر بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 واحداث 11 سبتمبر واحتلال العراق عام 2003 كان السياق التاريخي للأحداث عالميا هو( تصفية الحساب مع ارث الاشتراكية السابقة وتحقيرها ..) ثم اعادة توزيع مناطق النفوذ والهيمنة على المنطقة والقضاء على الدول (المستقلة ) اي ما يشبه مرحلة الحاق استعمارية جديدة هذه المرة تحت ذريعة نشر الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان والقضاء على الانظمة الاستبدادية .
وفي سياق ما سمي (بالصحوة الاسلامية ) التي قادتها المخابرات الاميركية منذ ثمانينيات القرن العشرين ومولتها دول البترودولار السعودية خاصة سيطرت الحركات الاسلامية بشكل مهيمن على الشارع وعلى الحركات الجماهيرية في ظل غياب وتراجع واضح لقوى اليسار ومختلف التيارات التقدمية . وقد ساهمت الانظمة الاستبدادية في العراق وسوريا ومصر وغيرها في العقدين الاخيرين من القرن العشرين في اعادة انتاج الاسلمة في المجتمع وتوسيع دور الدين من خلال تكثير المعاهد والكليات والمدارس الدينية والحملات الايمانية وزيادة عدد المساجد والجوامع بحيث صارت اكثر عدد من مدارس التعليم ضنا منها انها ستستوعب موجة المد الديني واستخدامه كجدار ومصد ضد اليسار والشيوعية – التي تعرضت دائما لقمع الانظمة الديكتاتورية الشديد وفي كل المراحل - لكنها بذلك اي الانظمة الحاكمة الاستبدادية هيأت الارضية لنشوء ونمو حركات الاسلام السياسي التي لعبت دورا كبير في طرح نفسها كبديل لتلك الانظمة ، وكانت كل الدلائل تشير الى ان اسقاط الانظمة الاستبدادية في العراق ، سوريا ، ليبيا وغيرها كان سيكون البديل لها هو قوى الاسلام السياسي الرجعي او الحركات الارهابية .
اليسار والديمقراطية
العديد من القوى اليسارية في الشرق الاوسط ترفع اليوم شعار الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان والبعض منها يتمنى تدخل اميركا والغرب الامبريالي من اجل تغيير الانظمة المستبدة ويثني على تدخل الغرب وخاصة في الحرب الاهلية السورية . لا شك اننا نتفق مع كثير من اليساريين على استبداد الانظمة الحاكمة وقمعها ووحشيتها كما كان نظام صدام والقذافي وكما هو نظام الحكم في سوريا لكن ما البديل في ظل موجة الأسلمة والحروب الاهلية الطائفية والتعصب المذهبي والجهل الجماهيري والارهاب بمختلف مسمياتها البديل المفترض سيكون حكم الاسلاميين او سيطرة الحركات الارهابية المتطرفة ، ونموذج نظام المحاصصة الطائفية والقومية في العراق مائل امامنا ولنعقد هذه المقارنة البسيطة اذا كان نظام صدام قتل الالاف العراقيين في حروبه العبثية وممارساته القمعية فان من قتلوا في العراق في عصر الديمقراطية الاميركية بفعل الحرب الداخلية التخندق الطائفي والقتل على الهوية والتفجيرات والخطف والاغتيال وسيطرة داعش ثم ماسمي بالحرب على الارهاب وتحرير الموصل وغيرها من المدن ( لا تزال جثث المدنيين في الموصل تحت الانقاض ) ،واخرها ما تعرض له نشطاء انتفاضة تشرين 2019 من قتل واغتيال وتغييب الالاف ومن الناحية العددية تفوق نظام المحاصصة بالقتل والترهيب على كل ما فعله نظام صدام فهل جلبت ديمقراطية المحاصصة والطوائف والمليشيات الامن والاستقرار والحرية والبناء والاعمار للعراق ام القتل والخراب والدمار ؟؟
وما حدث في ليبيا مشابه لما حدث في العراق فلقد تراجع المجتمع ونشبت صراعات دموية على اخص الخصوصيات المحلية والعشائرية ذلك ما يصب في مصلحة الغرب الامبريالي ولا يمكن ان يحدث في سوريا بعد زوال الدولة السورية سوى اسوء مما حدث في العراق وليبيا واليمن .
هناك اسئلة مطروحة على كل اليساريين والثوريين هل الدفاع عن الحقوق الديمقراطية هو (مبدأ اليسار الاسمى ) كما يقول البعض ؟؟ وماذا عن دور اليسار في الدعوة والنضال من اجل قيادة الجماهير نحو التغيير الثوري ومن اجل الاشتراكية ؟؟ بعض قوى واحزاب محسوبة على اليسار تحولت الى مجرد دعاة للديمقراطية الليبرالية واقتصاد السوق والاستثمار الرأسمالي تعبيرا عن افلاسها السياسي ؟؟ وهناك من يدعو من اليسار الذي اسماه البعض ب ( اليسار الامبريالي ) الى استجلاب التدخل العسكري الامبريالي من اجل تغيير الانظمة الاستبدادية (لتحقيق الحرية والديمقراطية ) وماذا ستكون النتيجة : الدمار والخراب وانبعاث العرقيات وصراع الاديان والطوائف والفوضي والقتل وتراجع المجتمع الى القرون الوسطى والبديل سيكون حكم الاسلاميين والقوى الرجعية والهيمنة الامبريالية .
ان الانظمة الاستبدادية في المنطقة هي انظمة ظالمة وقمعية وبديلها المحتمل اكثر شرا وظلما وفوضى لذلك فان بعض الشر اهون من بعض كما يقول المثل الدارج .
المعايير المزدوجة لبعض اليساريين :
يركز جلبير الاشقر في مقال له بعنوان (المناهضة التقدمية للإمبريالية تقتضي مناهضة جميع الدول الإمبريالية، لا الانحياز إلى بعضها ضد بعضها الآخر.) نشر اخيرا في مواقع التواصل الاجتماعي، يتطرق الكاتب الى نظام صدام والقذافي والرئيس اليوغسلافي سلوفودان ميلوشسفيتش ويشير الى عمليات قتل وحشية ارتكبتها هذه الانظمة لكنة بالمقابل لا يوضح بشكل كاف كيف ان ( الاوضاع والظروف الدولية التي تمت فيها عمليات القمع يتحمل الغرب واميركا مسؤولية كبيرة فيها ) وقد لعب الغرب واميركا في يوغسلافيا وفي العراق خاصة على تاجيج الصراعات العرقية والدينية بموجب سياسة استعمارية قديمة جديدة ( فرق تسد ) وكان الغرب يبيت لتدمير يوغسلافيا وتقسيمها قوميا ودينيا في مرحلة استثمار انتصاره ما بعد اسقاط الاتحاد السوفييتي والمجموعة السوفييتية السابقة فقد قررت اميركا وبواسطة تحويل ( حلف الناتو من حلف دفاعي الى منظمة امنية تشارك في حروب قائمة على سياسات تدخلية )- كما يقول الكاتب - الى اسقاط جميع الانظمة غير الموالية لهم وتصفية (ارث الشيوعية ) في اوربا وتصفية الانظمة المسماة ( القومية التقدمية ) في الشرق الاوسط والمنطفة العربية التي لديها سياسات استقلالية نسبية رغم تعاونها مع الغرب .كان ذلك الاسقاط تم بناء على سياسة غربية ومشروع سياسي كبير مرسوم لاعادة الهيمنة وتقسيم مناطق النفوذ لا بناء على اساس نوايا "حسنة وانسانية " اي التخلص من انظمة ( استبدادية ) ونشر الديمقراطية كما صورتها الماكنة الاعلامية الغربية والخليجية ولتامين هيمنة شاملة على العالم فمن خلال الحرب يتم توسع راس المال والنهب والاستحواذ على الثروات ، اما مزاعم تحرير الشعوب فهي نغمة زائفة وكاذبة .
وفي واقع الامر كان لابد من فرض ايديولوجيا الديمقراطية واقتصاد السوق وتجزئة الدول كتعبير عن انتصار الرأسمالية على الاشتراكية بعد اسقاط الاتحاد السوفييتي والمجموعة المسماة الدول الاشتراكية بغض النظر عما اذا كانت تلك الدول اشتراكية فعلا ام تمثل انظمة بيروقراطية منحطة او رأسمالية دولة ، ودخل في روع المواطن العادي في كل بقعة ومكان في العالم ان الاشتراكية انتهت وولى زمانها وفشلت ، لذلك تراجعت والغيت في وعي ونضال ومطالب الجماهير العفوية المحتجة في كل مكان في العقود الثلاثة الاخيرة وحتى يومنا هذا .
يطلق السيد جلبير الاشقر في مقالته مصطلح ( الاصطفافيون الجدد ) على الذين يقفون الى جانب الدول المناهضة للامبريالية الاميركية ويدينون تدخلاتها على طول الخط ويصف ذلك (بالاستهتار الاخلاقي ) وهذا ( الاستهتار الاخلاقي ) يعني ان الكاتب يدين اولئك الذين لديهم سوء النية دائما بالدور الاميركي وان اميركا يمكن ان تلعب ادوارا ( تقدمية ) في انقاذ الشعوب او المجموعات الاثنية والقومية المضطهدة كما يحاول ان يرسم لها هذا الدور .. وهو ما ينافي بشكل قاطع طبيعتها الامبريالية ونزوعها الامبراطوري للهيمنة والتدمير عالميا .
في موضوع ليبيا وتدخل الناتو عام 2011 يقدم الكاتب افتراضات مجردة عن نية القذافي ارتكاب مذبحة جسيمة ضد (الثوار) في بنغازي الذين (استنجدوا بالمجتمع الدولي لحمايتهم ) دون ان يكشف ماهي طبيعة ( المجتمع الدولي ) ومن يمثله طبعا في العرف السياسي السائد الغرب الامبريالي واميركا هم من يمثل (المجتمع الدولي ) مرة اخرى هذا تعبير ايهامي فليس هناك مجتمع دولي منسجم يمثله مجلس الامن بل ان القرار دائما يرسمه الكبار فقط ، واذن فمقولة المجتمع الدولي مقولة مخادعة وزائفة ..
كانت الدول الامبريالية تبيت لتدمير ليبيا منذ ما قبل اندلاع الاحتجاجات عام 2011 واسقاطها كدولة ونهب ثرواتها وتم لها ذلك بعد ( الانتفاضة الليبية ) تحت ذريعة الدفاع عن المدنيين من خلال - كما يقول الكاتب- ( فرض منطقة حظر طيران لحماية المدنيين والمناطق الاهلة بالسكان !!! ) بموجب قرار مجلس الامن الذي اتاح تدخل حلف الناتو يضيف الكاتب بطريقة غريبة ايضا (لا شك في أن قرار مجلس الأمن الدولي شابته عيوب واضحة، إذ كان قابلاً للتفسير بطريقة تتيح مواصلة تدخّل قوى الناتو في الحرب الأهلية الليبية لأمد طويل. لكن، وفي غياب وسيلة بديلة لمنع وقوع المذبحة المحدقة) لكنة لا يقول لنا هل جاءت العيوب الواضحة في القرار سهوا ام بطريقة مقصودة تتيح تدخل الغرب واداته الناتو في ليبيا ؟؟ ويستمر في التأكيد على احتمالية ( وقوع المذبحة المحدقة ) التي ربما لن تقع اصلا وبدلا من ذلك يتغاضى عن تدمير الحلف للدولة الليبية وقتل مئات المدنيين وهو امر مشروع !! مادام الامر سيؤدي الى الخلاص من الاستبداد .
وفي مفارقة اخرى يقول (كان بإمكان الثوار الاستمرار دون تدخل خارجي مباشر لو جرى إمدادهم بالأسلحة اللازمة لمواجهة ما تبقّى من ترسانة القذافي.) ولكن ماذا عن الاسلحة التي امدتهم بها قطر وتركيا والسعودية وبدعم وتسهيل من فرنسا واميركا .؟؟ ويستمر في القول وبمنطق غريب (غير أن حلف الناتو فضَّل إبقاءهم مرتهنين بتدخله المباشر، على أمل التحكم فيهم. لكنهم، في نهاية المطاف، أحبطوا حسابات الناتو بقيامهم بتفكيك دولة القذافي تفكيكاً كاملاً، الأمر الذي خلق حالة الفوضى الراهنة في ليبيا.) في هذا المقطع يفهم القاريء ان حلف الناتو فضل ابقاءهم مرتهنين لكنهم احبطوا حسابات الناتو بقيامهم بتفكيك دولة القذافي تفكيكاً كاملاً !!! هل هناك منطق يثير العجب اكثر من هذا ؟؟ يعني ذلك ان هؤلاء الثوار الذين رسم الناتو لهم الخطط هم من فكك دولة القذافي وحدهم والناتو براء من المشاركة الفاعلة في تفكيكها !!! وهم من خلق حالة الفوضى الراهنة في ليبيا وحدهم والناتو ايضا براء من تدمير الدولة الليبية وخلق حالة الفوضى ونتساءل هنا هل يهم الناتو او اية دولة من دول الغرب الامبريالي الديمقراطية جدا بقاء ليبيا كدولة؟ بقدر ما يهمهم نهب ثرواتها حيث النفط الليبي لم يتوقف تدفقه على الغرب ولا يوم واحد ولا يعرف اين تذهب عائداته كما هو حال النفط العراقي الذي توضع عوائده بيد الأمريكان منذ عام 2003 الا تخدم حالة اللادولة والفوضى والاقتتال عمليات النهب الغربي للنفط الليبي ؟
اليس هذا ما يشبه دفاع ضمني عن حلف الناتو ؟؟ البريء من تدمير الدولة الليبية !!!
في موضوع سوريا وهو الاكثر تعقيدا كما يصفه الكاتب فان ادارة اوباما لم تنو فرض حظر طيران بتاتا بسبب حتمية قيام روسيا والصين باستخدام حق النقض هكذا يقول وهو محق في ذلك .. ..لماذا حتمية استخدام حق النقض ؟؟ لان اميركا والغرب لم يفوا بالتزاماتهم بعدم التدخل العسكري في ليبيا كما تعهدوا بعد فرض حظر الطيران على ليبيا ثم قام حلف الناتو بالتدخل وبتدمير ليس الدولة الليبية فحسب بل الاسلحة الروسية التي تمتلكها ليبيا تدميرا كاملا فيما يعتبر اهانة معنوية واضحة لروسيا وبالتالي الصين . مما اتاح للمليشيات الاخوانية والعشائرية ولاحقا القاعدة وداعش من السيطرة العسكرية وتدمير ما تبقى من اجهزة الدولة الليبية قامت مليشيا فجر ليبيا الاخوانية بتدمير الطيران المدني الليبي الذي يملك احدث اسطول في العالم ؟؟ هكذا يفعل الثوار !!!!! لذلك سوف لن توافق روسيا والصين على فرض الحظر على سوريا ، يومها قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالحرف الواحد (( لن يخدعوننا هذه المرة في سوريا كما فعلوا في ليبيا )) .
ان (واشنطن ) هكذا يسميها السيد جلبير بمنطق كاتب ليبرالي دون ان يقول اميركا او الامبريالية (حافظت واشنطن على مستوى منخفض من التدخل في الحرب السورية، ولم تصعّد من مشاركتها إلا بعد هجمة “داعش” واجتيازها الحدود إلى العراق، وقد حصرت تدخل الولايات المتحدة المباشر بالقتال ضد “داعش”. !!!! ) ولكن من اسهم في ايجاد داعش ونشرها في سوريا والعراق اليس اوباما وهيلاري كلنتون بالتعاون مع حلفائهم الدول الخليجية وتركيا لاحداث فوضى ودمار في سوريا والعراق والمنطقة تتيح لاميركا التدخل في سوريا والعودة للعراق . الم تكن داعش واحدة من اكثر القوى وحشية في التاريخ التي تمكنت اميركا من استخدامها كأداة للحرب بالوكالة بهذا القدر او ذاك وكمبرر لاحتلال اجزاء واسعة من سوريا ؟؟
في سبتمبر 2014 شكلت اميركا ما يسمى التحالف الدولي لمحاربة داعش ( بالمناسبة هذا التحالف اكبر اكذوبة ) لتضمن لها موقع على الارض السورية واستخدمت اميركا داعش في كثير من الحالات وقصفت طائراتها والطائرات البريطانية والفرنسية مرار الكثير من مواقع الجيش السوري تمهيدا لداعش لاحتلال مناطق معينة في سوريا وباعتراف المخابرات الروسية وكثير من شهود العيان كانت المروحيات الاميركية توفر غطاء جويا لارتال داعش عند انتفالها من منطقة الى اخرى وتقدم لها قصفا تمهيديا عند هجومها على مواقع الجيش السوري . وكانت القوات الاميركية تسقط لهم الاسلحة والتموين من الجو وتقوم بنقل مجموعات منهم من مكان الى اخر بين سوريا والعراق !!! لاستخدامهم بالحرب بالوكالة ضد الجيش السوري .او لارباك الاوضاع المرتبكة اصلا في العراق .
يقول الكاتب ايضا منعت (واشطن حلفائها الإقليميين من تزويد الثوار السوريين بالأسلحة المضادة للطائرات، وذلك بسبب معارضة إسرائيل لذلك الأمر في المقام الأول . كانت النتيجة أن نظام الأسد حظي باحتكار الأجواء طوال النزاع، بل استطاع اللجوء إلى استخدام مكثّف للبراميل المتفجرة التي تلقيها الطائرات المروحية. هذا أيضاً ما شجّع موسكو على التدخل المباشر وإشراك قواتها الجوية مباشرة في النزاع السوري بداية من العام 2015.)
طبعا هذا الكلام غير دقيق ويمكن العودة الى مصادر كثيرة وارقام موثقة بالانترنيت عن حجم الاموال التي صرفها حلفاء واشطن الخليجيون السعودية وقطر والامارات وتركيا زودوا ( الثوار السوريين ) غالبيتهم العظمى من الجهاديين المتطرفين وفي مقدمتهم جبهة النصرة -لاحقا غيرت اسمها الى هيئة تحرير الشام -بمختلف انواع الاسلحة ومنها الاسلحة الثقيلة والدبابات والاسلحة المضادة للطائرات وهم تعهدوا ان هذه الاسلحة لن تستخدم ضد اسرائيل !!!! لماذا تجاهل هذه الحقائق ؟؟
والحقيقة ان الحرب التي شنت على سوريا كانت حربا عالمية بكل معنى الكلمة شارك فيها متطوعون اسلاميون واجانب وفدوا من كل انحاء العالم وشاركت فيها اميركا وفرنسا وبريطانيا واسرائيل وتركيا اضافة الى دول ومحميات الخليج . وتدخلت فيها روسيا وايران وحزب الله اللبناني بناء على طلب الحكومة السورية وايضا لمقتضيات الدفاع عن مصالحهم .ودفع الشعب السوري من حياته وامنه واستقراره افدح الاثمان . والحروب هي صراع مسلح بين قوى مختلفة تتحدد اهداف كل طرف وفقا لطبيعة المرحلة التاريخية وهي كما وصفها المنظر العسكري كلاوزفيتز (استمرار للسياسة بوسائل عنيفة ) من هذا المنطلق تندرج الحرب في سوريا كمحطة في سيرورة استثمار (النظام الدولي الجديد) بقيادة اميركا والغرب انتصاراته وهيمنته العالمية بعد مرحلة اسقاط الاتحاد السوفييتي ، وكتعبير عن حق اميركا والغرب المطلق بالتصرف في السياسة الدولية وعملية تغيير الانظمة والخرائط كما يريدون . وتدخلت ( روسيا بوتين الامبريالية التي ليس لديها ماض استعماري ) وحلفائها لتأمين ادوارهم ومكانتهم والدفاع عن مصالحهم في عملية تقسيم مناطق النفوذ الجديدة .
ان ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية الكردية التي حظيت في البداية بدعم اميركا من اجل شرعنة تدخلها في سوريا استخدمتهم اميركا للحرب بالوكالة ضد داعش و ( تحرير ) مدينة الرقة عاصمة داعش التي تحولت الى انقاض ولم تعد صالحة للسكن البشري فيها كما القت على كاهلهم الاحتفاظ ب( اسرى داعش ) الذين تملصت اميركا من المسؤولية الانسانية والاخلاقية تجاههم ورفضت الدول الاوربية عودة مواطنيها الاسرى الذين قاتلوا في صفوف داعش .وعند تدخل تركيا الاردوغانية عام 2019 في سوريا عسكريا لفرض منطقة امنة على الحدود تملص ترامب من مسؤولياته تجاه حماية الاكراد وقام بسحب قواته من كثير من مناطق الاكراد ثم اعيد تمركزها لاحقا وهي اليوم باعتراف مسؤولة مكتب الشرق الاوسط في وزارة الدفاع الاميركية في ادارة بايدن (دانا سترول) تفاخرت بالسيطرة على ثلث سوريا حيث تسيطر على ابار النفط السورية وتبيع النفط واحرقت مزارع القمح وسرقت المواشي ، كما اعترفت بان اميركا ستعمل على منع اعادة البناء في سوريا !!! هل هناك اقذر من هذا الاحتلال الاميركي غير المبرر تحت اية ذريعة الذي يسمية السيد جلبيرالاشقر (مستوى منخفض من التدخل في الحرب السورية )
وفي نهاية مقاله يقدم لنا جلبير الاشقر نصائح يسميها ارشادية منها : (خلافاً للمواقف التي تطلي باللون الأحمر دفاعها عن المستبدّين – إنما تُحدَّد في ضوء المصالح العليا لحق الشعوب في تقرير مصيرها ديمقراطياً، لا نتيجة معارضة تلقائية لأي عمل يصدر عن قوة إمبريالية تحت أية ظروف؛ فعلى مناهضي الإمبريالية أن “يتعلموا التفكير”. )
طبعا على الجميع ان يتعلم التفكير الديمقراطي ويتعلم الاطروحة الجديدة عن (المصالح العليا لحق الشعوب في تقرير مصيرها ديمقراطياً..!! ) . فمثال الديمقراطية الاميركية ديمقراطية المكونات على الطريقة العراقية هي اسوء حل ( لتقرير مصير الشعب ديمقراطيا ) .
الوقوف ضد الانظمة الاستبدادية يجب ان يكون واحدا لا ان يقف المرء ضد انظمة معينة ويتغاضي عن انظمة اخرى اكثر استبدادا صديقة للغرب واميركا !!! اي ان لا يغض الطرف عن مستبدين اخرين من اصدقاء اميركا والغرب في دول الخليج الذين يمارسون القمع السياسي ضد العلمانيين والنساء التحرريات ويقطعون الايدي والرؤوس وفقا لعقيدتهم القروسطية ويقدمون الرشوات والهبات بين فترة واخرى مقابل سكوت اميركا والغرب عن جرائمهم وقمعهم للحريات الفردية والمدنية والصحفيين ( مثال مقتل خاشقجي مازال حاضرا ).
اليست هذه سياسة ازدواجية المعايير ،
اليسار الحقيقي يقف ضد الاستبداد والديكتاتورية ولكن مع الشعوب ومع حياتها وامنها ومعيشتها ويدرك ان الشعوب هي الاكثر تضررا من الحكومات في الحروب الاهلية والحصارات الامبريالية والتدخلات والصراعات ولابد من الحفاظ على ما حققته من مكتسبات اجتماعية وثقافية وحداثوية يراد تدميرها وقتل الانسان والعودة الى الوراء الى النكوص التاريخي والاجتماعي وثقافة القرون الوسطى والتقسيمات العرقية والطائفية والمذهبية. نحن نعتقد ان الدول الامبريالية لا تملك صك الشرعية في تقرير طبيعة الانظمة الحاكمة التي تناسب أي شعب من الشعوب وليس لديها رسالة تاريخية مقدسة تمليها على أي شعب فماضيها الاستعماري ملطخ بدماء الشعوب التي استعبدتها حقبا طويلة.
ان الشعوب الحية وفي طليعتها العمال والكادحين وقوى التحرر والتقدم والانسانية هي من يقع على عاتقها تغيير الانظمة السياسية المستبدة وتحقيق التقدم الاجتماعي وصولا الى الاشتراكية .
25 نيسان 2021