يمكن ، بل يجب شكم النزعة العدوانية الإسرائيلية


سعيد مضيه
2021 / 5 / 16 - 14:46     

يمكن بل يجب شكم النزعة العدوانية الإسرائيلية
غير مجد ، وقد يقدم خدمة للعدوان الإسرائيلي ، الغرق في النقاش بصدد ضرورة ونجاعة الدخول في الصدام المسلح مع قوة عسكرية تعتمد دوما حرب الأرض المحروقة. قد تتوفر ظروف تفرض المواجهة العسكرية مع قوة غاشمة . نتنياهو وأنصاره ودول الغرب الامبريالية اعتادوا تبرير إقدام إسرائيل على العدوان العسكري، مبادرةً أكان العدوان العسكري أو رد فعل، ب "الدفاع عن النفس" ، ومن ثم اتهام الجانب الفلسطيني بالعدوان وبالإرهاب . حتى أن إيهود أولمرت ، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق والخصم السياسي لنتنياهو اتهم نتنياهو في مقال نشره بصحيفة معاريف يوم الجمعة 30 نيسان الماضي، بتحريض منظمات اليمين الفاشي الإسرائيلية ضد العرب من أجل استفزازهم لرد فعل "إرهابي".أولمرت، حتى وهو يدين جرائم الميليشيات الفاشية ويفضح مراميها ، يعتبر أنشطة المنظمات الفاشية " عملا منظما ومنهاجيا لمحافل يهودية"، بينما رد الفعل الفلسطيني في حالة اضطرار يعتبر "إرهابا".
طبيعي أن يرى الرئيس الأميركي، بايدن، الأمر من نفس المنظار الصهيوني ؛ وبفضل ذلك نال ما ناله من نفوذ سياسي. يرى في توجيه الصواريخ الى البيوت والمشافي والعمارات السكنية وإسكات المكاتب الإعلامية ، وكذلك القتل بالجملة لأسر بكاملها في مهاجعها والأطفال في ملاعبهم .. يرى في ذلك دفاعا مشروعا عن النفس، وفوق ذلك دفاعا لم يسرف في القسوة والعنف. هي نظرة السياسة الأميركية التقليدية، تتبعها تلقائيا نظرات دول الغرب الامبريالية.
هذا، بينما قطاعات واسعة في الولايات المتحدة وغرب أوروبا تنظر للعدوان تظرة موضوعية وتفسر مراميه، انطلاقا من جذوره المتعمقة في نهج الصهيونية الاقتلاعي . نوعام تشومسكي، أحد الضمائر اليقظة وتلحظ بذكاء مجريات الأمور، لاحظ رابطة بين العدوان الإسرائيلي و "محاولات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ سنوات لطرد الفلسطينيين من القدس، بما في ذلك الجولات الأخيرة من الهجمات". ولايفوت تشومسكي مناسبةدون تعرية الشريك الأميركي . فقد اورد ، في مقابلة أجراها لصالح موقع "ذا تروث أوت"، أن هذه الممارسات "لا يمكن فهمها بدون اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة في تنفيذ سياسة ‘الإرهاب والطرد’ ". الحركة الصهيونية تستهدف بصورة منهجية ثابتة "التخلص من الفلسطينيين واستبدالهم بالمستوطنين اليهود"، برضى الأميركيين وموافقتهم.
وأوضح تشومسكي، أن "المساعدات الأمريكية العسكرية المقدمة إلى إسرائيل تنتهك قانون ليهي، الذي يحظر المساعدات العسكرية للوحدات المتورطة في انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان."
في الولايات المتحدة جبهة مثقفين واكاديميين عريضة تحمل وجهة نظر تشومسكي هذه، و تحمّل نتنياهو مسئولية التعمد في توجيه النزاع نحو الصدام المسلح ، حيث رأى فيه خشبة الانقاذ من التردي في برودة العزلة السياسية ومن ثم دخول السجن. كتبت الأكاديمية والمخرجة السينمائية، أليس روتشيلد [كاونتر بانش 14 أيار 2021] "إن أسباب اندلاع العنف معروفة جيدا، جولة جديدة في النكبة التي بدأت العام 1948".
العرض التاريخي يوضح أن الفلسطينيين لم يمارسوا إرهابا، وكانوا دوما ضحاياه؛ إرهاب خطط له مسبقا بن غوريون ، إذ كتب في مذكراته عام 1941"من الصعب تصور عملية ترحيل تامة بدون إكراه، وإكراه وحشي من أجل ذلك".
ولم يكن دفاعا عن النفس حين شرع بن غوريون مباشرة بعد صدور قرار التقسيم (28 نوفمبر 1947) ولجنته الاستشارية يتجاهلون حدود التقسيم ؛ وكما كتب إيلان بابه في كتابه " التطهير العرقي في فلسطين"، لدى مهاجمة قرية الخصاص الصغيرة ذات المركز الاستراتيجي ليلة18 كانون اول1947[ ولما يمض شهرعلى قرار التقسيم] "راقب مراسل نيويورك تايمزنسف البيوت على أصحابها وهم نيام، اصيب بالصدمة، وتوجه الى القيادة العسكرية يستفسر ؛ انكروا في البداية. ولدى إصرار المراسل اضطروا للاعتراف بوقوعها . اعتذر بن غوريون، لكن بعد نيسان 1948 تم إدراج العملية ضمن العمليات الناجحة" . تمت العملية بقيادة ييغئال آلون.
وفي اجتماع للحلقة الضيقة المحيطة ببن غوريون أسند الى يوسف فايتس، رئيئس الصندوق القومي اليهودي المكلف بالانفاق على تملك الأرض، تشكيل لجنة الترانسفير تضطلع بمهام طرد الفلسطينيين من ديارهم. وكان هذا قد تساءل في مذكراته عام 1941،" اليس الآن هو الوقت المناسب للتخلص منهم ؟ لماذا نستمر في ترك هذه الأشواك بيننا وهي خطر علينا؟ يجب ان لانترك قرية واحدة ، حتى ولا عشيرة واحدة".
مباشرة بعد انتهاء عملية التطهير العرقي أنكرت الدعاية الصهيونية وجود عرب في فلسطين، وجرى التكتم على مجازر التطهير العرقي. احيانا يفسرون الوجود العربي بالهجرة من خارج فلسطين للتكسب من المشاريع اليهودية، علما أن بن غوريون فرض عدم تشغيل العرب في المشاريع اليهودية، كي يحملهم على الرحيل .
عودة الى العام 1930، كتب وايزمن في رسالة الى وزير المستعمرات البريطاني جاء فيها "بكل تاكيد اذا لم نستطع اجتياز نهر الأردن فان العرب يمكنهم ذلك". وفي نوفمبرمن نفس العام كتب مقالة في "ويك إند ريفيو" طالب فيها بترحيل العرب المعدمين في الحال الى شرقي الأردن" [طردوا من اراض ورثوها عن الأجداد بعد أن باعها مالكوها المقيمون خارج فلسطين].
نكبة عام 1948 تتجدد باستمرار؛ "المواطنون الفلسطينيون بلغوا نقطة الكسر ، ولم يعودوا قادرين على تحمل 72 عاما من الاضطهاد العنصري واستثنائهم من الحقوق المدنية .الهجمات التي يتعرضون لها بمدينة القدس تنفذها أحزاب فاشية تدعمها حكومة إسرائيل"، تكتب أليس روتشيلد التي تركزجهودها على حقوق الإنسان ، و أخرجت فيلما وثائقيا عنوانه "أصوات عبر خط التقسيم" وتقدم مواد لإذاعة الصوت اليهودي من أجل السلام، وتضيف في مقالة منشورة في 14 أيار الجاري: "ربما أساءت حكومة إسرائيل التقدير رغم أ ن نتنياهو يعتقد أن الحرب ستوحد المجتمع المتشظي خلفه، وتحسّن حظوظه في انتخابات خامسة قد تتم قريبا، وبالطبع ينجو من السجن.اما "العرب الذين فقدوا بيوتهم وعقاراتهم بالقدس الغربية او في أي مكان داخل دولة إسرائيل فلا يجدون العلاج القانوني مثلما يجد المستوطنون. إن عشرين الف بيت بمدينة القدس معرضة لخطر الهدم.وإذا لم يبادر المجتمع الدولي لإرغام إسرائيل على التعامل مع جذر المشكلة فان المأساة سوف تعيد نفسها من جديد".
واوردت صحيفة نيويورك تايمز "أن نظام الأبارتهايد [في إسرائيل] يتعامل مع الفلسطينيين بما يختلف تماما عن معاملة المستوطنين ، يرفض منحهم الحق في استرداد عقارات تركوها حين أرغموا على الرحيل.
معسكر الفاشيية داخل إسرائيل قوي ويحظى بتأييد قطاع واسع من المجتمع اليهودي. ومنذ وصل الليكوديون الى الحكم عام 1977، وهم يسخرون سياسات الاستيطان، طبعا بالتعاون مع نظام التعليم الرسمي والديني، لحذف اليهود باتجاه التطرف اليميني الى أن غدت انتخابات الكنيست تفرز بسهولة أغلبية فاشية تدعم السياسات العنصرية المعادية للوجود العربي. المجتمع اليهودي موحد حول نهج العنصرية وسياسات الاقتلاع. وغير صحيح ، بل يحمل خطورة على المقاومة الفلسطينية الاعتقاد، كما يشيع قادة فصائل فلسطينية، ان بالامكان إلحاق الهزيمة بإسرائيل. الفرق يجب أن يكون واضحا بين إفشال أعمال العدوان الإسرائيلية وبين هزيمة إسرائيل العسكرية. وفي حرب رمضان 1973 لحقت هزيمة عسكرية بإسرائيل ، إذ استطاع الجيش المصري تحطيم خط بارليف؛ آنذاك فكرت غولدا مائير ، رئيسة الحكومة باستخدام القنبلة النووية. التفكير السياسي الإسرائيلي مجمع على استخدام السلاح النووي كملاذ أخير لتجنب الهزيمة. والخيار البديل لتفكير مائير المرعوب جسر جوي نظمه كيسنغر على عجل زود إسرائيل بالمعدات الحربية وبالنفط من إسبانيا فرانكو حينذاك، وامكن لجيش إسرائيل، بفضل لعب كيسنغر في عقل السادات ، استعادة المبادرة وإبعاد الجيش السوري عن بحيرة طبرية وعن الجولان ، ثم الانتقال الى الجبهة المصريية واختراق ثغرة الدفرسوار الى الضفة الغربية من قناة السويس.
ليس موضوعيا ويحمل خطرا على النضال التحرري الفلسطيني توهم إمكانية إلحاق الهزيمة بجيش إسرائيل ، وهي تحظى بالدعم الامبريالي المطلق والأنظمة العربية المحيطة مرتبطة نبعيا بالامبريالية. يمكن ضمن هذه الملابسات ردع العدوانية الإسرائيلية ووقف عملية الاقتلاع والتهجير. ونرجو أن تصمد المقاومة المسلحة كي تفرض على إسرائيل الرجوع عن ترحيل سكان الشيخ جراح والامتناع نهائيا عن تدنيس الأقصى ومراعاة حرمة اماكن العبادة المسيحية والإسلامية. العمليات المسلحة امكنها ردع إسرائيل عن احتلال القطاع دون التمكن من شكم عمليات القصف الجوي ، للأبنية المكشوفة واحيانا للأنفاق تحت سطح الأرض.
فقد استطاعت الصناعات الأمنية تطوير أجهزة مراقبة وتصنت واستكشاف أتاحت للأجهزة الأمنية فرص الانقضاض السريع على العمليات الفردية . في العام 2015 اكشف النقاب عن كاميرات تصور ما يقبع خلف جدار سمكه متر، وما من شك أن الأجهزة الإليكترونية في تطور مستدام. الضفة الغربية لا يمكنها احتضان مقاومة مسلحة تتطور لتحتوي الاحتلال وتكنسه بالقوة؛ والمقاومة المسلحة هي ما تتمناه إسرائيل كي تبطش بالشعب الفلسطيني تحت ستار الدفاع عن النفس. وليس غير المقاومة الشعبية بمقدورها إرباك الاحتلال وحشد حركة تضامن عالمية ضاغطة تعزل إسرائيل وحلفاءها وأنصارها . بالطبع سوف تتعرض للمواجهات العسكرية وتفقد الضحايا ؛ لكن يصعب على حلفاء إسرائيل الدفاع عن اساخدام القوة ضد الجماهير العزلاء. ليس صحيحا أن جميع الفلسطينيين في أماكن تواجدهم بمقدورهم ممارسة مختلف أشكال النضال. لقد جرى أكثر من مرة محاولة الشروع بمقاومة مسلحة للاحتلال بالضفة ، وجوبهت المحاولات بالرد السريع. وتلك هي عوامل الفشل في محاولات زرع حركة مقاومة تكتسب خبرة وتطور مهارات النشاط خلف الشاشة.
نظام الأبارتهايد الإسرائيلي نسخة من نظام تفوق العرق الأبيض الأميركي ، وتريده أن يشمل العالم بأسره. يكتب إِيمانويل غارشيا في 14 أيار: "ما من عاقل ونزيه على اطلاع بالقضية يستطيع وصف إسرائيل بأقل من دولة ابارتهايد. دولة أبارتهايد تحظى في عدوانها العنصري بدعم حكومة الولايات المتحدة وحمايتها واموال ضرائبكم..‘الطبقة السياسية’ في أميركا تدير دولة تفوق العرق الأبيض، وبالنسبة لهم فإن كل تهديد يوجه لتفوق البيض في أي مكان يشمل مجتمعات البيض كافة. ومن ثم نجد هذا التساهل حيال التطهير العرقي الذي يمارسه الصهاينة بفلسطين.
ويكتب المحامي الدولي الأميركي ،جون وايتبيك، يوم 12 أيار الجاري " إسرائيل ليست دولة فقيرة وحسب آخر إحصاءات الأمم المتحدة فإن معدل الدخل السنوي في إسرائيل يبلغ 46 ألفا و376 دولاارا بالمعدل للفرد الواحد، يضعها في المرتبة 19 متقدمة على ألمانيا (20 ) والمملكة المتحدة (24)، وفرنسا (26) والعربية السعودية (41). حقا فعلاقة الولايات المتحدة بإسرائيل يحرمها من مصداقية اتهام الآخرين، ممن لا تعجبها سياساتهم، بانتهاك حقوق الإنسان او القانون الدولي.... المستوطنون لا ينشطون لوحدهم؛ فاعمال التخريب والشغب التي يقومون بها تتم بتوجيه قيادة منسقة جيدا قوامها متطرفون صهاينة وجماعات يهودية متطرفة مثل حزب اوتسما يهوديت وحركة لاهافا. اما شعارها "الموت للعرب" فتحظى بدعم السياسيين في إسرائيل مثل عضو الكنيست أيتمار غفير ونائب رئيس بلدية القدس آرييه كينغ. فهذان مع البوليس الإسرائيلي يمثلون الجبهة الإسرائيلية المتحدة الهادفة إجراء التطهير العرقي للفلسطينيين وضمان أغلبية يهودية بالقدس".
ثم يضيف: "وشريك آخر[ للمستوطنين ] في حملة التطهير العرقي هو القضاء الإسرائيلي، حيث وفرالغطاء القانوني لاستهداف السكان الفلسطينيين بمدينة القدس. تعود الى العام 1970 محاولات الاستحواذعلى ممتلكات الفلسطينيين بإقرار قانون الأمور القانونية والإدارية، وسمح برفع دعاوى ضد فلسطينيين يقيمون بأملاك كانت سابقا لليهود قبل العام 1948. هذا ، بينما يحرم الفلسطينيون من حق استرجاع عقاراتهم المنهوبة داخل دولة إسرائيل. وفي شهر شباط الأخير كافأت المحكمة العليا في إسرائيل المستوطنين يمنحهم حقوق الاستيلاء على بيوت وعقارات بحي الشيخ جراح يملكها فلسطينيون".









=