حرب شامله تريدها اسرائيل اليوم: لماذا؟


عبدالامير الركابي
2021 / 5 / 16 - 12:28     

قد يكون فات المراقبين في المنطقة وهم يتابعون مجريات المتغير الأمريكي بعد ترامب، مهما تكن درجته الفعليه على المستويات المختلفة، ان يخصصوا توقفا مختلفا إزاء معنى ودرجة انعكاس الحاصل أمريكيا على اسرائل وموقعها، وبالأخص الوجهة ومستوى المنجز الاستراتيجي الذي قاربت تحقيقه في المنطقة، وهي على مشارف التطبيع الكامل، قبل الانتقال للاندماج في الكيانيه الشرق متوسطية، الامر الذي يعلم الإسرائيليون انه صار اقرب الى التعثر، أولم يعد يتمتع بالزخم، هذا غير مايخص صفقة القرن باجمالها، وانعكاس ذلك على القضية الفلسطينيه وممكناتها بظل متغيرات من هذا القبيل.
الأهم والأخطر من ذلك ماقد تردد مؤخرا ـ وهو شبه مؤكد ـ عن احتمالات تصالحية سعودية ايرانيه، بظل كسر اكيد للتوتر الامريكي الإيراني الذي كان قائما في عهد ترامب، وبعد الانباء التي قالت بان لقاء اوليا سعوديا إيرانيا قد حصل في بغداد، وجرى التكتم عليه، ترددت انباء عن احتمالية عقد لقاء اخر اهم واوسع، يعقد في العاصمة المصرية القاهرة، ويضم بالاضافة للسعودية وايران ومصر، سوريا والامريكيين، مايعني في الظروف الراهنه، والتي سادت في العقد الأخير، انقلابا وعودة الى الصفر بنظر الكيان الصهيوني، لابل اكثر من ذلك، فمايمكن ان يتمخض عنه اجتماع كهذا، عدا عن رمزيته، سيكون انقلابا استراتيجيا نادرا، يشمل المنطقة برمتها، ويتعلق ببؤرها المشتعلة، واحتمالات انطفائها، مع مايخلقه من مناخات عامة لن تكون على الاطلاق بصالح الكيان الاسرائلي، من شانه ان يقلب الموازين لصالح الفلسطينيين وقضيتهم، التي كانت بلغت درجات من التراجع غير مسبوقة على المستويات كافة، وبالذات على صعيد العلاقة بالعمق العربي.
غير ذلك يبرز بقوة موضوع، لابل شبح ايران النووية ليصبح امرا واقعا، واحتمالية من الصعب تصورامكانية تحققها بالشكل الذي تسعى له ايران وتريده، الامر الذي يمثل بحد ذاته معضلة غير قابله للنقاش اسرائليا، وكل هذه النقاط اذا اجتمعت فانها لن تكون اقل من كارثة، كان لابد لإسرائيل ان تراها بعينها وبحساسيتها المرضية، الانعزاليه العدوانيه، ونوع كيانيتها ضمن المنطقة، علما بانه نتاج متوقع من متغير آني ومرحلي لدولة هي الولايات المتحدة الامريكيه، الرئاسات فيها خاضعه للتبدل، وكان على إسرائيل لو انها تملك هي والعرب الذي املوا بالتوصل واياها الى "منجز" ظنوه تاريخيا، ان يضعوا بالحسبان، جانبا هو من اهم مايفترض تحققه في المخططات والمشاريع الاستراتيجيه التي من هذا الوزن، بان يبنى ماهو مقصود ومطلوب أولا على أسس ثابته، وذاتيه متحكم بها من اصحابها، لاان يكون العامل الأساس فيما هو موضوع وجار اعتماده، بيد اخر من خارج اللعبة، وهذا ماقد وقعت فيه إسرائيل، ومايعكس على هذا الصعيد عن هشاشة غير عادية تلفت النظر، وتوجب الاخذ بالحسبان اليوم وفي المستقبل، وفي اجمالي التقديرات والتحليل الذي يوضع أحيانا لمكونات العقل الاسرائلي السياسي عموما، والاستراتيجي بالذات.
ومن المهم عدم اغفال هذه الناحية الان وعند النظر في الطريقة او الأسلوب الذي تلجا إسرائيل الى اعتماده، ردا على احتمالية الانقلاب في المناخ والتوازنات الشرق متوسطية، فما جرى في القدس، ومايجري في غزة والضفة الغربية حاليا، هو على الاغلب محسوب ومقصود، وموضوع ضمن خارطة من الاحتسابات، الاغلب ان الساحة الفلسطينيه نفسها ليست هي مداها او مقصدها الفعلي، او المستهدف، مايعني ان التحضيرات غير المنظورة ومنها احتمالية شن هجوم كاسح على ايران بمئات الطائرات في حال صدور أي ردة فعل على مايجري في الأراضي المحتله اليوم، أولا بغرض تدمير المنشاءت النووية الايرانيه، وفي الوقت نفسه، توجيه ضربة قد تكون ماحقة للقدرات العسكرية الايرانيه.
ان أي تحرك ناهيك عن انطلاق صاروخ من لبنان باتجاه الأراضي المحتلة الان، سيكون من قبيل الذريعه الكافيه جدا لاجل وضع الاصبع على الزر في تل ابيب، حيث تبدا الحرب الشاملة المقصودة والمحضر لها، وهو ماسوف يشمل لبنان المنكوب أصلا، بالتدمير، عدا سوريا، مع كل ماسينجم عن ذلك من انقلاب وخلط للأوراق، الاغلب ان الادارة الامريكيه لن تكون قادرة على مواجهته كما يجب، مع كل مايبدو عليها من رخاوة، وعدم ميل الى الحسم، وتغليب للدبلوماسية البطيئة، بالاخص وان المشهد الذي يمكن تخيله ساعتها، يتعدى أصلا الدور الأمريكي، خاصة في حال رد ايران بما تملكه، والرد المتوقع من جانب حزب الله من لبنان، مع ماسيكون، ومايترتب على كل ذلك من تداعيات تجعل من الحاصل المتخيل،من نوع الاحداث والأزمات الكبرى الشامله دوليا.
المخيف ومايدعو للقلق الشديد، ان إسرائيل لاتملك الضوابط او الأسباب التي من شانها دفعها للتفكير بغير هذه الوجهة التدميرية، حتى وان تكن اقرب للانتحارية، لانها توازن، بين انتحار وانتحار، انتحار انتصار الوجهة الحالية الامريكيه في المنطقة، وانتحار الحرب الشاملة، الامر الواجب اخذه بالحسبان، على الأقل من باب الاستعداد له، وتوفير أسباب مواجهته، حتى وان لم يحصل، فالبديل الذي يمكن تصور ان إسرائيل قد تكتفي به في حال عدم اقدامها الفعلي عليه، سيكون عمليا نوعا من الابتزاز الاستراتيجي، الغالب انه قد وصل الإدارة الامريكيه عبر القنوات الإسرائيلية المعروفة، بما يضع إدارة بايدن امام خيار التراجع عن التصالح مع ايران امريكيا، على مستوى المنطقة، وبين ايران والسعودية تحديدا، مقابل التوقف عن خطط الحرب الشاملة.
وبهذا تكون إسرائيل قد وضعت على الطاولة ردة فعلها على الانقلاب الاستراتيجي الأمريكي المتولد عن تغيرنهج ادارتها، املة على الأقل، في إيقاف مسار التطبيع مع ايران، أمريكيا وشرق متوسطيا، حتى وان قابل ذلك تباطؤ، او حتى توقف في إجراءات وسياسات التطبيع مع دول الخليج .