شتات الصهيونية - كعب أخيل إسرائيل


موسى راكان موسى
2021 / 5 / 15 - 18:47     

تمتلك إسرائيل سمعة عالمية "حسنة" .. مرد ذلك ليس بسبب الجهاز الدعائي المؤسسي للدولة ذاتها أو ما يساندها على مستوى قنوات التواصل الاجتماعي المتعاطفة مع إسرائيل فقط [لنفترض جدلا أن بعضها هي فعلا جهود فردية غير مدعومة من الدولة .. لنبتعد قليلا عن فكر المؤامرة المنظمة المحصورة في دول نوسمها بالعدو .. فكل الدول بلا استثناء تنخرط في ممارسات أحادية أو بينية تظهر كما لو كانت مؤامرة منظمة !] .. و أيضا ليس فقط بسبب اللوبي الصهيوني الخارجي [كما لو لم يكن هناك أنواع أخرى من اللوبي ! .. حتى إيران و السعودية تملكان جماعات ضغط لصالحهما في الخارج] .. و أيضا ليس فقط بسبب أن الناظر إلى إسرائيل كدولة يناظرها بعين المقارنة مع دول المحيط أو دول الصراع ، بحيث ينتهي هذا الناظر إلى الحكم بأن إسرائيل تكاد تبدو جنة الله في المنطقة .. لقد حظيت إسرائيل بهذه السمعة لأنها فعلا طبقت و مارست الديموقراطية إلى أقصى مدى ممكن على المستوى الداخلي :
ــ الداخل الإسرائيلي يتميز بتنوع .. هذا التنوع يظهر في تعددية على مستوى الدين و العرق و الإثنية و إلى درجة ما اللغة أيضا ؛ هذا التنوع ليس كوجود فقط بل أيضا كحضور بارز لعناصر تمثلها على الساحة .. أكانت ساحة ثقافية أو فنية أو دبلوماسية أو حتى عسكرية ــ و للأسف هذا التنوع الإسرائيلي كان يُؤخذ من قِبل البعض المحسوب على الجبهة الفلسطينية كمفكرين بأنه "عار و شنار" سينتهي إلى سبب في السقوط الداخلي لإسرائيل ! .. فشبه الأحادية في "المجتمع الفلسطيني" تجعل التماسك و البناء الداخلي لدولة فلسطينية أقوى في مواجهة تعددية "الداخل الإسرائيلي" ؛ قد تثار بعض القضايا المتعلقة بمسائل عنصرية عناصر الداخل الإسرائيلي تجاه بعضها البعض .. كالميل للإشكيناز بالضد من السفارديم أو معاناة الفالاشا أو التمييز ضد العرب المسلمين و غير ذلك .. لكن هذه القضايا و إن تحولت لانتفاضات محدودة هي قضايا تطرح و يتم تناولها على المستوى الاجتماعي و الإعلامي في إسرائيل بل و حتى على المستوى السياسي بشكل علني .. و الحل يبدأ حين يتم الاعتراف بوجود مشكلة و ليس في غض النظر و إخفاء وجود المشاكل .
ــ على المستوى السياسي الداخلي .. هناك درجة عالية من حرية التجمع و التنظيم ، إلى درجة تشكيل أحزاب تعادي الصهيونية و تعادي دولة إسرائيل صراحة .. و استطاعت الوصول إلى البرلمان "الكنيست" ؛ حتى و إن بدت هنا المسألة الديموقراطية و البرلمان أشبه بعملية "تقليم أظافر هرة مشاكسة" .. لكن هنا لا يجري الحديث عن هرة واحدة بل كذا هرة مشاكسة .. من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار .. من يهود و عرب و غيرهم في داخل إسرائيل ــ و الدول العربية و الإسلامية بلا استثناء محرومة من هذه الدرجة المتعلقة بحق حرية التجمع و التنظيم .. محرومة من درجة الوصول للبرمان و تبني مواقف بالضد من جوهر الدولة التي هي فيها .. بل إن الدول المحسوبة "متقدمة" تسير في هذا الطريق بشكل بطيء مقارنة بدولة إسرائيل ؛ هذه الدرجة العالية و إن كان لها حسنات فإن لها سيئات .. إذ أتاحت الفرصة بتشكيل أحزاب يمينية متطرفة دينية "يهودية" داخل إسرائيل .. كما و تحظى بعض الدول الأوروبية من مشاكل مشابهة كنتيجة من إحدى نتائج التمتع بهذا الحق إلى هذه الدرجة .. كما ظهور الجماعات الإسلامية المتشددة لديها أو تنامي اليمين المتطرف فيها .
ــ التشريع السريع الضامن لحقوق الأقليات الجندرية .. إذ تعتبر إسرائيل من أوائل الدول التي تعترف بحقوق المثليين و المتحولين [و هي بذلك تسبق الكثير من الدول المحسوبة "متقدمة" .. طبعا لا تزال الدول العربية تراوح في منطقة المساواة بين الذكر و الأنثى] ؛ اليساري اليوم الذي لا يزال ينظر إلى المرأة و المثليين و المتحولين نظرة دونية مقارنة بالرجل السوي .. الأجدر به أن يعلن أنه يميني و لم يكن يدري ! .

لكن إسرائيل على المستوى الداخلي تختلف عن إسرائيل على المستوى الخارجي .. يجب أن تختلف ، من الحماقة الاعتقاد بوجود دولة على درجة من الديموقراطية في الداخل و بالوقت ذاته تساوى درجة الديموقراطية مع الخارج .. ببساطة لأن العلاقات الداخلية ممكنة التنظيم إلى درجة معينة من التوازن ، لكن مع العلاقات الخارجية يُستعصى ذلك .. لأن مع العلاقات الداخلية تعتمل أجهزة الدولة ضمن حدود الدولة .. لكن مع العلاقات الخارجية فمهما بلغت أجهزة الدولة من كفاءة و تفان تبقى الحدود مفتوحة .. بالتالي من المستحيل الاحتواء .. فالميزان دائما متأرجح ؛ الصراع الطبقي حاضر في الداخل كما هو حاضر مع الخارج ، لكن الدرجة تختلف .. و في الغالب يبدو الصراع الطبقي المؤطر بالعلاقات الداخلية أخف مما يبدو عليه بالنسبة للعلاقات الخارجية .. و الصراع الطبقي في هذه الألفية لا يظهر ضمن تصانيف طبقية كما كانت عليه الحال على الأقل حتى الحرب العالمية الثانية [حين كانت مفاهيم البروليتاريا و البرجوازية و الإقطاعية و غيرها هي السائدة في التحليل الاجتماعي .. بل و حتى السياسي] ، إلا أنه في لحظة معينة يحدث العكس تماما [كما حصل في انتفاضة ليبيا على القذافي .. الانتفاضة التي رفع فيها "الثوار" أعلام فرنسا و بريطانيا و أمريكا ! .. و هذا الفعل للأسف دفع ببعض السذج من "اليساريين" إلى الوقوف مع القذافي .. و هم أنفسهم يقفون اليوم مع الأسد مؤيدين الكتلة الرجعية .. بحجة مقاومة الاستكبار العالمي "الشيطان الأكبر" .. يقفون مع النظام الإيراني و حزب الله اللبناني و حركة حماس الإسلامية .. و على استحياء بعض الشيء مع حركة أنصار الله "الحوثية"] ، هذا لا يعني أن العلاقات الداخلية منفصلة عن العلاقات الخارجية و لا إرتباط بينهما .. لكن لنتذكر أن وجود الدولة هو أساس هذا الفصل .. و جزء كبير من ضمان بقاء الدولة هو استحضار هذا الفصل [لهذا نجد إلى اليوم أنصار كثر لصدام حسين .. إذ كانت أجهزة الدولة تستحضر العلاقات الخارجية بشكل شبه دائم .. لأن العلاقات الداخلية كانت في حالة يُرثى لها .. و لا يمكن لمثل هذا النظام أن يستمر دون استحضار للعلاقات الخارجية .. فكانت الكويت بعد إيران ، و كان لهذا الوضع أن يستمر لولا التدخل الأجنبي و اسقاط النظام ، في المقابل الشبيه نجد اليوم أنصار القذافي قلة .. لأن السنوات العشرة الأخيرة قبل انتفاضة ليبيا على القذافي ، لم تستحضر أجهزة الدولة العلاقات الخارجية .. كانت ليبيا القذافي شبه منكفئة عكس عراق صدام] .

البراجماتية هي عقيدة الدول الحديثة ، الدولة الحديثة التي تظهر كدولة ساذجة .. لا تستحق البقاء ؛ العلاقة الاقتصادية التي جمعت بين الاتحاد السوڤييتي و الولايات المتحدة الأمريكية بعد تمكن البلاشفة من الحكم أول الأمر تعود إلى تبني البراجماتية كسياسة خارجية [و لربما يعود سبب قول لينين "إن الرأسماليين مستعدين ليبيعونا حبل المشنقة الذي به سنشنقهم" إلى ذلك .. أو لربما المساندة التي لقيها من ألمانيا أبان الحرب العالمية الأولى] .. و أيضا هي ذاتها السبب لإتفاقية مولوتوف – روبنتروب التي تمت بين الاتحاد السوڤييتي و ألمانيا النازية .. و أيضا هي ذاتها السبب لما تبنته الصين و لا تزال إلى اليوم في علاقاتها الخارجية ــ و السبب في التطبيع الذي تم مؤخرا بين الإمارات و البحرين مع إسرائيل يعود إلى ذات العقيدة .. لكن من الخطئ النظر إلى هذا التطبيع أنه من باب تحسين سمعة إسرائيل أكثر من تحسين سمعة الإمارات و البحرين الدولية ، كما أن هذا التطبيع لا يزال ضمن المستوى السياسي الخارجي .. و لا يزال التطبيع الاجتماعي منعدما [على الأقل في البحرين] ؛ و مع الأحداث الأخيرة [أحداث مايو 2021] بدأت البحرين و الامارات تشاكس الإدارة الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة بإدارة جو بايدن فيما يتعلق بتطور الأوضاع على الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية .. و قد رافق ذلك تصريح من ولي العهد السعودي بإمكانية التوصل إلى أرضية مشتركة مع "الجارة إيران" ! .. الجدير بالذكر أنه بعد وصول جو بادين للرئاسة تمت شبه مصالحة خليجية فيما يتعلق بـ"ـالأزمة مع قطر" .. يمكن أن يُعزى الأمر إلى تبني بايدن سياسة تدخل في الشأن الداخلي (الخليجي/العربي) أكثر بكثير من غريمه ترامب .. لكن هذا كله يعتبر رجما بالغيب دامه كلام في "السياسة" لا يقوم على أي أسس اجتماعية أو اقتصادية محددة معينة .

حين راهن الاتحاد السوڤييتي على إسرائيل .. على أنها ستعمل على تقدم المنطقة العربية .. لم يُأخذ بعين الاعتبار مسألة الصراع المحتمل بين المنطقة العربية و إسرائيل ، هذا الصراع الذي بدأ كصراع نفوذ بين بعض الاقطاعيين بفلسطين .. متمرحلا بصراع بين العائلات الاقطاعية مع ظهور شبه برجوازية حديثة التكوين بفلسطين .. ثم أخذ الصراع شكل الصراعات الدينية (الإسلامية/المسيحية) ضد (اليهودية) .. مرتديا زي "الوحدة العربية" تارة و تارة "الوحدة الإسلامية" .. اهتاج الصراع و ارتاج فتارة يصطبغ بالعربية القومية و تارة ينتكس إلى محلية فلسطينية ، تارة هي "قضية إسلامية" و تارة هي "قضية إنسانية" ليشمل بعض الأخوة المسيحيين الفلسطينيين المعترف بهم [دون الاعتراف بغيرهم كأقليات !] .. حتى أمست القضية قضية مسخة ، يدعيها غير الفلسطيني و الفلسطيني على حد سواء :
ــ قضية عربية ؛ قضية حدود دولة العرب من المحيط إلى الخليج [هذه الحدود فعليا غير واضحة المعالم لعدم نص المذاهب القومية العربية على فصل الخطاب ؛ و إن حصرنا المذاهب القومية بالناصرية و البعثية .. نواجه التشظي إلى جماعات مختلفة الخطاب .. يكفي أنها غير متحدة في رؤيتها من هو عدوها الرئيسي ! .. فتارة تكون الشعوبية "الإيرانية" أو "التركية" و تارة تكون "الصهيونية" و "الإمبريالية العالمية" المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي .. و في أحيان كثيرة تشمل الأقليات في المنطقة العربية ككل ! .. كالأرمن و الأكراد و الأمازيغ و غيرهم] .
ــ قضية إسلامية ؛ قضية حدود المسجد الأقصى و العقيدة [طبعا يختلف معنى ذلك بين السنة و الشيعة ! .. بل يختلف المعنى في الوسط السني ذاته .. و بالمثل الوسط الشيعي و إن كان الاختلاف هنا أقل من النظير السني .. فكيف ببقية الملل و النحل المحسوبة إسلامية ؟!] ــ الأسلمة تبدأ بإقصاء الآخر المختلف بالدين و ترتد على نفسها بإقصاء مذاهب و طرائق .
ــ قضية فلسطينية ؛ قضية حدود دولة فلسطين و حقوق الفلسطينيين [قبل أن تكون هناك دولة إسرائيل و قبل أن تكون هناك دولة فلسطين .. كان هناك فلسطينييون معظمهم من الفلاحين ، معظم الفلسطينييون تم دفعهم للتخلي عن أملاكهم بعد التضييق عليهم .. سواء أكان بسبب الصراع المباشر الإسرائيلي الفلسطيني الذي تمت تغذيته بكراهية الأجنبي و الكراهية الدينية تجاه اليهود .. أو بسبب ضغوط قادة الجبهة الفلسطينية المباشرة و الغير مباشرة ؛ حين حرضت قيادات الجبهة اللاجئين على عدم القبول بأخذ جنسية البلدان المستضيفة أو أخذ تعويضات عن الممتلكات و غير ذلك تحت ذريعة "حق العودة" الذي لم يستفد منها أحد سوى القيادات الفلسطينية و المتملكين الإسرائيليين] ــ القضية الفلسطينية اصطبغت بالطابع المحلي كذا مرة .. في المرة الأولى كانت فلسطين تحسب كجزء من الشام الكبرى "سوريا الكبرى" .. لكن لاعتبارات محلية لدى بعض القيادات الفلسطينية تم الدفع لاعتبار فلسطين إقليم مستقل عن سوريا .. و هو ما مهد فيما بعد لتسهيل فصل فلسطين اقتصاديا و اجتماعيا عن المحيط العربي .. ثم بعد فشل المشاريع القومية العربية (الناصرية و البعثية) بدأت قيادات "حركة التحرير الفلسطينية" تركز على الطابع المحلي دون العربي [خاصة أن سمعتها في الوسط العربي و العالمي ساءت كثيرا بعد الأزمات التي حملت أسمها في لبنان و الأردن و الكويت و غيرها بحجة قومنة القضية عربيا] .
ــ قضية إنسانية ؛ و هو ما أنتهت إليه في آخر المطاف "حركة التحرير الفلسطينية" كدعاية لحفظ ماء وجهها في الساحة الدولية .. إذ تبنت مشروع "دولة فلسطين العلمانية الديموقراطية" ، ففيها ينعم الجميع بالأمن و السلام .. من مسلمين و مسيحيين و يهود و غيرهم [فيما بعد اتفاق أوسلو يُكتشف أن ذلك فعليا لم يتحقق إذ نشأ سريعا صراع بين فتح و حماس على المستوى الاجتماعي أكثر من أن يكون على المستوى الحزبي السياسي .. عدا عن تهميش الأقليات .. و غير ذلك من تعدي على حقوق الفلسطينيين من قِبل السلطة الفلسطينية] ــ ها هنا لا يعني أن القضية تماثل السلطة .. شتان بينهما ؛ لكن الخالط بينهما لا يعني أنه غير معذور .. فالسلطة الفلسطينية "فتح" نالت السلطة على أساس أنها ممثلة "القضية" على المستوى الدولي ! .
ــ قضية فلسطين دون الفلسطينيين ؛ كثير من (العرب/المسلمين) من غير الفلسطينيين ينظر إلى القضية دون ربطها بحقوق أناس عينيين [فلسطينيين] ، سواء أكانوا إسلاميين أو عروبيين .. بالنسبة للإسلاميين ليذهب كل الفلسطينيين للجحيم لكن ليبقى المسجد الأقصى .. بالنسبة للعروبيين ليذهب كل الفلسطينيين للجحيم لكن لتبقى حدود فلسطين كاملة حدودا عربية ؛ و هناك من مازج الإسلامية بالعروبية ــ يحضر هنا كل المناصرين للقضية الفلسطينية دون التواجد الفعلي على أرض المواجهة [حتى و إن كانوا فلسطينيين] .. من السهل أن تناصر حربا دون أن تكون طرفا عينيا في هذه الحرب ! .. من السهل أن تسمي الشهيد بعد الشهيد دون أن تكون نفسك هذا الشهيد ! .

من بين كل ذلك ما الذي يجب التركيز عليه ؟! .. أنه الانسان الفلسطيني ؛ سواء الفلسطيني المحسوب ضمن داخل إسرائيل أو ضمن داخل فلسطين أو من يعاني الشتات ــ إذا من الواجب إضافة تفسير آخر للقضية الفلسطينية :
ــ الانسان الفلسطيني ؛ و ها هنا نكون أمام أربع أنواع من الحقوق المختلفة لكن المترابطة .. لدينا :
• الانسان الفلسطيني الراغب في العودة .. و يجب تسهيل عودته ضمن الإمكانات المعقولة المقبولة لدولة فلسطين .
• الانسان الفلسطيني الراغب في الاندماج .. و يجب تسهيل اندماجه .. سواء الانداماج كمواطن إسرائيلي أو كمواطن لدولة أخرى .. و من دون المساس بهويته .
• التعويض المادي عن كل الأضرار المقدرة .. في حدود المعقول المقبول .
• التعويض النفسي عن كل الأضرار المقدرة .. في حدود المعقول المقبول .

الانسان الفلسطيني ها هنا ليس مجرد فكرة مثالية .. الانسان الفلسطيني هو كل فرد فلسطيني من أي طبقة كان و أيا كان دينه أو جنسه الجندري ؛ هنا يطغى الخطاب الحقوقي العام أكثر من الخطاب الاجتماعي الخاص بالصراع الطبقي .

للأسف عملت قيادات الجبهة الفلسطينية في فترة ما قبل إتفاقية أوسلو على تحريض الفلسطينيين لرفض التعويضات عن أملاكهم .. كما استماتت لمنع الإندماج .. و إن كانت قد تمسكت بحق العودة فقد تمسكت به في إطار مثالي غير مشروط ! ؛ و عانى الفلسطينييون و لا يزالون من نتائج ذلك .


بعد كل ذلك ما الذي يعتمل ككعب أخيل لإسرائيل ؟! .. هو التالي :
ــ الممارسة الديموقراطية في إسرائيل ؛ إذ يتيح حق التجمع و التنظيم إلى الدرجة الحالية الموجودة في إسرائيل تشكيل أحزاب عنصرية إقصائية بشكل عملي .
ــ التماثل في العلاقات الداخلية و العلاقات الخارجية في التعامل مع بعض العناصر الاجتماعية ؛ التعامل مع عرب إسرائيل بشكل مساوي [إلى درجة ما] للتعامل مع عرب فلسطين .. هم مختلفين حتما ، و الدولة في تعاملها الداخلي يجب أن يختلف عن تعاملها الخارجي بشكل واضح .. المعيار هنا هم عرب الداخل ، هم من يجب أن يشعروا بهذا الاختلاف .. من غير الكافي أن يرى المشرعون و أجهزة الدولة أن التعامل معهم يجري بشكل مختلف [هذا ليس مدعاة لانتهاك حقوق عرب الخارج بفلسطين] .
ــ الوقوع في وحل الاستقطاب و التناقض ؛ لم توجد و لا توجد جماعة متماثلة تماما .. الإسرائيلييون ليسوا كلهم سواء .. الفلسطينييون ليسوا كلهم سواء .. و في كل الجماعات هناك متعصبين و مجرمين و حمقى ، لذا يجب الاستثمار في الاعتدال و التعددية ما أمكن ؛ و ليس المعني على الإطلاق دعم و تمويل عناصر موالية لإسرائيل على حساب فلسطين ــ يجب أن يدرك الفلسطيني المتواجد في إسرائيل أو في فلسطين أن الإسرائيليين ليسوا كلهم سواء .. و أيضا يجب أن يدرك الإسرائيلي أن الفلسطينيين ليسوا كلهم سواء .
ــ الانخراط في التطبيع مع الأنظمة دون الشعوب العربية ؛ الكليشيهة "أن الناس على دين ملوكها" تصح في كثير من المواقع و الحوادث السابقة الماضية .. و لا تناسب على الإطلاق العصر الحديث حتى بالنسبة للدول الرازحة كدول "متخلفة" ــ التطبيع مع الأنظمة هو تطبيع فوقي سياسي و في الغالب مؤقت .. بينما التطبيع مع الشعوب هو تطبيع اجتماعي تحتي شبه دائم ؛ المرام اليساري الشبه طوباوي في إنهاء وجود الدولة لا يمكن أن يقوم دون التطبيع الاجتماعي .. لا يمكن أن يقوم دون تطبيع بين شعوب العالم .
ــ الفصل بين المسألة الصهيونية و القضية و الفلسطينية ؛ القضية ليست منفصلة عن المسألة .. ليست العلاقة بينهما علاقة تضاد أو تناقض ، قامت المسألة الصهيونية على أسس مشابهة للأسس التي قامت عليها القضية الفلسطينية .. و الدعاية التي تبنتها القضية الفلسطينية المتمثلة بـ"ـحركة التحرير الفلسطينية" متشابهة مع الدعاية الصهيونية ــ و رغم أن الفكر الإسرائيلي [الأكاديمي و الفلسفي] يناقش قضايا "الصهيونية الجديدة" و "ما بعد الصهيونية" آخذا بالحسبان القضية الفلسطينية [إلى درجة ما] .. إلا أن الوسط الفلسطيني و العربي لا يزال متأخر على الصعيد الفكري مقارنة بنظيره الإسرائيلي .